مدى لزوم طواف آخر لمن صلى المغرب والعشاء بعد طواف الوداع

تاريخ الفتوى: 24 يوليو 2023 م
رقم الفتوى: 20828
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الحج والعمرة
مدى لزوم طواف آخر لمن صلى المغرب والعشاء بعد طواف الوداع

ما حكم مَن صلى المغرب والعشاء بعد أن أدَّى طواف الوداع عصرًا، هل يكفيه هذا الطواف أو لا بُدَّ له من طواف آخر؟

طواف الوداع سُنَّةٌ، ولا يلزم بتركه دم؛ كما هو المختار للفتوى، وينبغي أن يكون بعد فراغ الحاج من مناسك الحج وأعماله، وعند إرادته الخروج من مكة؛ ليكون آخر عهده بالبيت، غير أنه إذا عَرَض للحاج ما يَشْغَلُهُ، من نحو إقامة صلاة، أو حزم أمتعة، أو قضاء دَين.. ونحو ذلك مما لا يصدق عليه أنه إقامة حقيقة: فإن طوافه حينئذٍ صحيح ولا تلزمه الإعادة؛ لأن المشغول بشيء من ذلك غير مقيم.

المحتويات

 

الوقت المستحب لأداء الحاج طوافَ الوداع

الطواف بالكعبة المشرفة من أعظم العبادات وأجلِّها، ومن أنواعه: طواف الوداع، وهو: الذي يطوفه الآفاقي قُبَيْلَ خروجه من الحرم إلى دياره، ويكون ذلك آخر عهده بالبيت الحرام.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس ينصرفون كلَّ وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَنْفِرْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» متفقٌ عليه.

وقد نص الفقهاء على أن الوقت المستحب لأداء الحاج طوافَ الوداع هو بعد فراغه من جميع مناسك الحج، وعند إرادته السفر من مكة.

قال علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/ 143، ط. دار الكتب العلمية): [وأما وقته؛ فقد روي عن أبي حنيفة أنه قال: ينبغي للإنسان إذا أراد السفر أن يطوف طواف الصدر حين يريد أن ينفر، وهذا بيان الوقت المستحب لا بيان أصل الوقت، ويجوز في أيام النحر وبعدها] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 12، ط. دار الفكر): [محل طواف الوداع: عند إرادة السفر من مكة بعد قضاء مناسكه كلها] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 404، ط. مكتبة القاهرة) في وقت طواف الوداع: [ووقته: بعد فراغ المرء من جميع أموره؛ ليكون آخر عهده بالبيت، على ما جرت به العادة في توديع المسافر إخوانه وأهله] اهـ.

حكم طواف الوداع

حكمه على المختار في الفتوى: أنه سنة، وهو مذهب المالكية، وداود، وابن المنذر، ومجاهد في رواية عنه، وقول للشافعية، ولا شيء على مَن تركه، بل حجه صحيح، غير أنه قد فاتته الفضيلة.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ المَرْأَةِ الحَائِضِ" أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"، فرخَّص للحائض في تركه ولم يأمرها بدم ولا نحوه، مما يدل على سنيته؛ لأنه لو كان واجبًا لأوجب على الحائض دمًا بتركه.

وعَنْ أمِّ المؤمنين السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَرَادَ مِن صَفِيَّةَ بَعْضَ مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِن أَهْلِهِ، فَقَالُوا: إِنَّهَا حَائِضٌ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَإِنَّهَا لَحَابِسَتُنَا؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا قَدْ زَارَتْ يَومَ النَّحْرِ، قَالَ: «فَلْتَنفِرْ مَعَكُمْ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".

قال أبو الوليد الباجي في "المنتقى" (2/ 293، ط. السعادة) شارحًا الحديث: [فوجه الدليل من الحديث: أنه خاف أن لا تكون طافت للإفاضة، وأن يحبسهم ذلك بمكة، فلما أُخبر أنها قد أفاضت، قال: اخرجوا، ولم يحبسهم لعذر طواف الوداع على صفية كما خاف أن يحبسهم لعذر طواف الإفاضة] اهـ.

وقال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (2/ 53، ط. دار الفكر): [(و) ندب لِمَن خرج من مكة ولو مكيًّا، أو قدم إليها بتجارة (طواف الوداع إن خرج) أي: أراد الخروج (لِكَالْجُحْفَةِ) ونحوها من بقية المواقيت، أراد العود أم لا، إلا المتردِّدَ لِمَكَّةَ لِحَطَبٍ ونحوه؛ فلا وداع عليه] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 253): [(إذا فرغ مِن الحج وأراد المقام بمكة: لم يُكَلَّف طواف الوداع، فإن أراد الخروج: طاف للوداع، وصلَّى ركعتي الطواف، وهل يجب طواف الوداع أم لا؟ فيه قولان:... (والثاني): لا يجب؛ لأنه لو وجب لم يجز للحائض تركه... (وإن قلنا) لا يجب: لم يجب بتركه دم؛ لأنه سُنَّة، فلا يجب بتركه دمٌ؛ كسائر سنن الحج] اهـ.

وقال أيضًا في "المجموع" (8/ 284): [قال مالك وداود وابن المنذر: هو سُنَّة لا شيء في تركه، وعن مجاهد روايتان كالمذهبين] اهـ.

مدى لزوم طواف آخر لمن صلى المغرب والعشاء بعد طواف الوداع

بخصوص مَن صلى المغرب والعشاء بعد أن طاف للوداع عصرًا -كما هي مسألتنا-؛ فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، إلى صحة طوافه الذي قام به، ولا يلزمه إعادة الطواف، ومثله: كل مَن عمل عملًا لا يدخله في معنى الإقامة بمكة؛ لأن هذا لا يُعَدُّ إقامة حقيقية تجعل الطواف ليس آخر العهد بالبيت، فيبقى الطواف على صحته، ولا يُطلب بإعادته.

قال العلَّامة الدردير المالكي في "الشرح الصغير" (2/ 70، ط. دار المعارف): [(وبطل) الوداع أي: بطل الاكتفاء به، لا الثواب (بإقامته) بمكة (بعض يوم) له بال؛ فيُعيده، (لا) يبطل بإقامته (بشغل) أي: بسبب شغل (خف) من بيع أو شراء أو قضاء دَين ونحو ذلك، فلا يطلب بإعادته] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 255- 256): [ولو أقيمت الصلاة فصلَّاها معهم لم يُعِد الطواف، نصَّ عليه الشافعي في الإملاء، واتفق عليه الأصحاب] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 500، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ومَن مكث) ولو ناسيًا، أو جاهلًا، أو لعيادة مريض، أو زيارة صديق (بعده) أي: بعد طواف الوداع المتبوع بركعتيه، وبما يأتي في الفرع الآتي (أعاده) وجوبًا... ولخروجه بذلك عن كونه وداعًا (لا) إن مكث (لشراء زاد وشد رحل) ونحوهما من أشغال السفر (وصلاة جماعة أقيمت) لأن المشغول بذلك غير مقيم] اهـ.

وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 595، ط. دار الكتب العلمية): [(فإن ودَّع ثم اشتغل بغير شد رَحلٍ ونحوه، أو اتَّجَرَ، أو أقام: أعاد الوداع) وجوبًا؛ لأن طواف الوداع إنما يكون عند خروجه، ليكون آخر عهده بالبيت، ولا يعيد الوداع (إن اشترى حاجة في طريقه) أو اشترى زادًا أو شيئًا لنفسه (أو صلى)؛ لأن ذلك لا يمنع أن آخر عهده بالبيت الطواف] اهـ.

بل نصَّ الحنفية -ومذهبهم وجوب طواف الوداع- على أنه لو أقام بمكة لا يلزمه إعادة الطواف؛ لأن المقصود من طواف الوداع أن يكون آخر عهده بالبيت نُسُكًا لا إقامة.

قال علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/ 143): [فأمَّا النَّفْرُ عَلَى فَوْرِ الطَّوَافِ؛ فليس من شرائط جوازه، حتى لو طاف لِلصَّدْرِ ثم تشاغل بمكة بعده لا يجب عليه طواف آخر، فإن قيل: أليس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن حَجَّ هَذَا البَيْتَ فَلْيَكُن آخِرُ عَهْدِهِ بِهِ الطَّوَافَ»، فقد أمر أن يكون آخِرُ عَهْدِهِ الطوافَ بالبيت، ولما تشاغل بعده لم يقع الطوافُ آخرَ عهدِهِ به فيجب أن لا يجوز؛ إذ لم يأت بالمأمور به؛ فالجواب: أن المرادَ منه آخرُ عهده بالبيت نُسكًا لا إقامة، والطواف آخر مناسكه بالبيت، وإن تشاغل بغيره.

وروي عن أبي حنيفة أنه قال: إذا طاف للصدر ثم أقام إلى العشاء فأحب إليَّ أن يطوف طوافًا آخر لئلا يحول بين طوافه وبين نَفْرِهِ حائلٌ... ويكون أداء لا قضاء، حتى لو طاف طواف الصدر ثم أطال الإقامة بمكة، ولم ينو الإقامة بها، ولم يتخذها دارًا: جاز طوافه، وإن أقام سَنَةً بعد الطواف، إلا أن الأفضل أن يكون طوافه عند الصدر لما قلنا، ولا يلزمه شيء بالتأخير عن أيام النحر بالإجماع] اهـ.

الخلاصة

بناء على ذلك: فإنَّ طواف الوداع سُنَّةٌ، ولا يلزم بتركه دم؛ كما هو المختار للفتوى، وينبغي أن يكون بعد فراغ الحاج من مناسك الحج وأعماله، وعند إرادته الخروج من مكة؛ ليكون آخر عهده بالبيت، غير أنه إذا عَرَض للحاج ما يَشْغَلُهُ، من نحو إقامة صلاة، أو حزم أمتعة، أو قضاء دَين.. ونحو ذلك مما لا يصدق عليه أنه إقامة حقيقة: فإن طوافه حينئذٍ صحيح ولا تلزمه الإعادة؛ لأن المشغول بشيء من ذلك غير مقيم.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟ فقد سألني بعض الأصدقاء أنَّه يعتاد وضع بعض أنواع الكريمات على جَسَده بعد الغُسْل، وبعضُ هذه الكريمات ذات رائحةٍ عِطْريةٍ، فهل يجوز له ذلك؟


ما حكم من نوى التمتع ثم تعذر عليه أداء العمرة قبل الحج؟ فقد سافرت امرأة إلى الحج، فأحرمت من بلدها، ونوَتِ التمتع، وبعد النزول في مكة المكرمة، وقبل أداء العمرة تم تغيير برنامج الرحلة، بحيث يذهبون إلى زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة أولًا، ويعودون في نهاية اليوم السابع من ذي الحجة، على أن يخرجوا إلى عرفة صبيحة اليوم الثامن، وتخشى أن لا تتمكن من أداء العمرة قبل الحج، وتسأل هل يجوز لها أن تُحوِّل إحرامها من تمتع إلى قِران؟ وهل عليها دم؟


ما حكم الإنفاق على الفقراء بدلا من الحج والعمرة في أيام الوباء؟ فمع انتشار وباء كورونا قامت السلطات السعودية بتأجيل العمرة، كما قامت بقصر الحج على حجاج الداخل من السعودية فقط؛ تحرزًا من انتشار عدوى الوباء، وأمام حزن الكثيرين ممن كانوا يحرصون على أداء العمرة بشكل مستمر في شهر رمضان أو غيره من مواسم الطاعات، وكذلك الحج تطوعًا في موسمه، خرجت دار الإفتاء المصرية بمبادرة عنوانها "كأنك اعتمرت": أكثر من ثواب العمرة، تدعو فيها من يريد الذهاب للعمرة إلى إنفاق الأموال المعدة لها، على الفقراء والمساكين والغارمين وأصحاب العمالة اليومية (الأرزقية) وكل من تضرروا بظروف الوباء؛ تفريجًا لكروبهم، وقضاءً لحوائجهم، وإصلاحًا لأحوالهم.
فهل يكون ذلك مساويًا لثواب العمرة والحج تطوعًا فضلًا عن أن يكون زائدًا عليها؟


ما حكم الشك في عدد أشواط الطواف؟ فقد حججت هذا العام، وفي طواف الإفاضة تعبت في الشوط الثاني؛ لأني أشتكي من آلام حادة في الركب، وتم الطواف من الطابق الثاني، فاستعنت بصبي يقود الكرسي المتحرك وركبت عليه، ومن شدة الألم لم أتيقن هل أكمل ما تبقى من الأشواط ستة أم سبعة أشواط؟ علمًا بأن ذلك الصبي أقر بأنه أتم سبعة أشواط وأنا أشك في ذلك. ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي.


ما حكم التضحية بالطيور؟ فإن بعضُ المتصدّرين يُرَوّج للقول بجواز التضحية بالطيور، وأن بعض الصحابة فعل هذا، فما مدى صحة هذا الكلام؟


نرجو منكم بيان الحكمة من تحديد السعي بين الصفا والمروة بسبعة أشواط. ولماذا لا يكون أكثر من ذلك أو أقل؟ خاصة لمن يحب السعي ويريد أن يُكثر، ومن كان مريضًا ويودُّ أن يقلل من عدد الأشواط. وهل صحة العمرة أو الحج تتعلق فيهما بالعدد المذكور؟