حكم الحج عن الغير تبرعًا

تاريخ الفتوى: 21 فبراير 2024 م
رقم الفتوى: 8265
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الحج والعمرة
حكم الحج عن الغير تبرعًا

ما حكم الحج عن الغير تبرعًا؟ فأنا كنتُ قد حَجَجتُ عن نفسي مِن قَبْل، وفي هذا العام كان لي صديق مريضٌ، فقمتُ بمشاورته في أن أحُجَّ عنه مع تحملي لنفقة السَّفَر، فهل يشترط أن يشاركني صديقي في النفقة، أو يجوز لي أن أحجَّ عنه دون مساهمةٍ منه في نفقة الحج؟

النيابة عن الحي في الحج جائزةٌ شرعًا، مع اشتراط كون المحجوج عنه عاجزًا عن الحج بنفسه، وأن تكون النيابة بإذن مُسْبقٍ منه، ولا يُشترط أن تكون نفقة الحجِّ من مال العاجز عن الحجِّ، فمن حجَّ عن غيره وكانت النَّفقةُ من ماله وليست مال الشخص العاجز، فالحجُّ صحيحٌ حينئذٍ؛ أخذًا بما ذهب إليه الشافعية في أحد الوجهين، وعملًا بما قَرَّره الأصوليون من أنَّ تصرُّفات المكلفين وأفعالهم بعد صدورها منهم محمولة على ما صحَّ من مذاهب المجتهدين وأقوالهم، ومتى وافق عمل العامي قول أحد المجتهدين ممَن يقول بالصحة أو الحل كفاهُ ذلك، ولا إثم عليه باتفاق العلماء.

المحتويات

 

ضوابط الحج عن الغير

الحج من العبادات التي أناطها الله سبحانه وتعالى بالاستطاعة، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].

وقد أجمع الفقهاء على أنَّ مَن عليه حجة الإِسلام وهو قادرٌ على أنْ يحج بنفسه، فلا يُجزئه أن يحج غيرُه عنه، كما في "الإشراف" للإمام ابن المنذر (3/ 389، ط. مكتبة مكة الثقافية)، و"المغني" للإمام ابن قدامة (3/ 223، ط. مكتبة القاهرة).

وأَمَّا العاجزُ الذي لا يُرجَى زوال عجزه إذا وَجَد مَن ينوب عنه في أداء الفريضة، فيجوز -على المختار للفتوى- أن ينيب غيره عنه في أداء الفريضة، بناء على ما صَرَّح به الحنفية والشافعية والحنابلة من مشروعية النيابة في الحج إذا توافرت شروطها، والتي منها: أن يكون المحجوج عنه عاجزًا عن أداء الحج بنفسه، ووافقهم في ذلك المالكية في قولٍ، كما تقرَّر في "البناية" لبدر الدين العَيْني الحنفي (4/ 470، ط. دار الكتب العلمية)، و"الذخيرة" للقرافي المالكي (3/ 193، ط. دار الغرب الإسلامي)، و"أسنى المطالب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي (1/ 450، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"شرح المنتهى" للبُهُوتي الحنبلي (1/ 519، ط. عالم الكتب).

والأصل في جواز النيابة عن الغير في الحج: ما ورد عن أبي رَزِينٍ العُقَيْلِي رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، إنَّ أبي شيخٌ كبير لا يستطيع الحجَّ ولا العمرة ولا الظَّعْن، قال: «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ» أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه في "سننهم"، وأحمد في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك"، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".

وعن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: بَيْنَما أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّمَ، إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، قَالَ: فَقَالَ: «وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ". قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: "صُومِي عَنْهَا". قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: "حُجِّي عَنْهَا» رواه مسلم.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ.

قَالَ: «مَنْ شُبْرُمَةُ؟" قَالَ: أَخٌ لِي -أَوْ قَرِيبٌ لِي- قَالَ: "حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟" قَالَ: لَا. قَالَ: "حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه في "سننهم".

فقد أجاز النبي صلى الله عليه وآله وسلم النيابةَ في الحج عن الغير بالسُّنَّةِ القوليةِ والتقريريةِ، وذلك باعتبار عجز الواجب عليه الحج أن يؤديه بنفسه.

ومن شروط النيابة في الحج عن الحي التي نَصَّ عليها الجمهور أيضًا: تَوقُّفها على إذن المحجوجِ عنه؛ لأنَّ الحج يفتقر إلى النية، ونيةُ الحي كإذنه، أَمَّا الميت فلا تتوقَّف النيابة عنه على إذنه قبل موته، أو عدم إذنه، ومعنى النيابة في ذلك: أن يكون الإذنُ بالمنوب فيه سابقًا على الشروع في الفعل، وهو ما نصَّ عليه الفقهاء في سياق كلامهم عن الحج عمَّن عَجَز عنه. يُنظر: "بدائع الصنائع" للكاساني الحنفي (2/ 213، ط. دار الكتب العلمية)، و"المجموع" للنووي (7/ 114، ط. دار الفكر)، و"المغني" لابن قدامة الحنبلي (3/ 226).

حكم الحج عن الغير تبرعًا

اشترط الحنفيةُ في جواز النيابة في الحج: أن تكون نفقة الحج من مال المحجوج عنه لا من غيره، كما في "بدائع الصنائع" للكاساني الحنفي (2/ 212-213)، والمعنى في هذا الشرط: أنَّ فرض الحَجِّ تعلَّق بمال العاجز بالبدن، فإذا لم يحج من ماله لم يسقط الحكم، وأيضًا لعِظَم الـمِنَّة مِن الغير في ذلك الأمر.

وما اشترطه الحنفيةُ هو مذهب الشافعية في أصحِّ الوجهين، كما في "روضة الطالبين" لمحيي الدين النَّوَوي الشافعي (3/ 15، ط. المكتب الإسلامي)، وهو المفهوم مِن كلام الحنابلة تخريجًا على كلامهم في تَبرُّع قائدِ الأعمى في الحج بأجرته، كما في "كشاف القناع" لأبي السَّعَادات البـُهُوتي الحنبلي (2/ 392، ط. دار الكتب العلمية).

ومقابل الأصح عند الشافعية صِحَّةُ التبرع بالمال في الحج عن الغير، سواء كان المُتبرِّع بالحج ولدًا للمحجوج عنه أو أجنبيًّا عنه، كما نصَّ على ذلك الإمام محيي الدين النَّوَوي في "المجموع" (7/ 94-95، ط. دار الفكر).

الخلاصة

على ذلك: فإنَّ النيابة عن الحي في الحج جائزةٌ شرعًا، مع اشتراط كون المحجوج عنه عاجزًا عن الحج بنفسه، وأن تكون النيابة بإذن مُسْبقٍ منه، ولا يُشترط أن تكون نفقة الحجِّ من مال العاجز عن الحجِّ، فمن حجَّ عن غيره وكانت النَّفقةُ من ماله وليست مال الشخص العاجز، فالحجُّ صحيحٌ حينئذٍ؛ أخذًا بما ذهب إليه الشافعية في أحد الوجهين، وعملًا بما قَرَّره الأصوليون من أنَّ تصرُّفات المكلفين وأفعالهم بعد صدورها منهم محمولة على ما صحَّ من مذاهب المجتهدين وأقوالهم، ومتى وافق عمل العامي قول أحد المجتهدين ممَن يقول بالصحة أو الحل كفاهُ ذلك، ولا إثم عليه باتفاق العلماء.

وفي واقعةِ السؤال: لا يُشْتَرط أن يشاركَكَ صديقك في نفقة الحج عنه، سواءٌ كانَ الحجُّ فَرْضًا أو نفلًا، مع اشتراط إذنٍ مُسبقٍ منه قَبْل الحَجِّ.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم لبس المخيط للمحرم بالحج لعذر؟  فأنا عزمتُ على أداء فريضة الحج هذا العام، ولكني مريض بنزلة شعبية حادة ومزمنة وربوية، وأشعر بهذه الأمراض وآلامها عندما أتعرض لأقل موجة برد بسيطة أو عندما أخفف من ثيابي. فهل يجوز لي شرعًا وأنا مريض على هذه الحالة أن أقوم بلبس ملابسي كاملة في الإحرام؟ وهل يجب عليَّ فدية؟


ما حكم الوقوف بعرفة للمريض حامل قسطرة البول؟ فهناك رجلٌ حاجٌّ أصابته مشكلة مَرَضية يوم عرفة، وتم تركيب قسطرةٍ بوليةٍ له متصلةٍ بالمثانة مباشرة، مما جعله غير متحكِّمٍ في عملية إخراج البول المستمر طول وقت الوقوف، فهل وقوفه بعرفة على هذه الحال صحيحٌ شرعًا؟ علمًا بأنه لا يستطيع نَزْعَ هذه القسطرة ولا إفراغَ ما فيها مِن البول بنَفْسه.


ما حكم ترك طواف الوداع للمرأة الحامل؟ فقد قامت زوجتي بالحج معي، وقبل قيامنا بطواف الوداع انتابها دوار شديد فأُغمي عليها؛ لأنها حامل في الشهر السادس، فلما أفاقت حاولَتِ الإتيان بالطواف فلم تستطع، ورجعنا دون أن تطوف طواف الوداع، فهل عليها شيء؟


ما حكم من وصل إلى مزدلفة بعد شروق الشمس؟ فقد وفقني الله تعالى لأداء فريضة الحج هذا العام، ولكنني خرجت من عرفة بعد المغرب، وبسبب شدة الزحام، لم أستطع الوصول إلى مزدلفة إلا بعد شروق الشمس؛ فما الحكم؟


ما أركان العمرة؟ وما واجباتها؟ وبمَ تصح؟


نرجو مِن سيادتكم إصدار فتوى شرعية فيما يخص منتج (ملابس الإحرام) مع مراعاة أن النسيج مصنوعٌ على مَكَنٍ دائريٍّ ولا يوجد فيه أي نوع خياطةٍ يدويةٍ أو ميكانيكية؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 16 أبريل 2025 م
الفجر
3 :56
الشروق
5 :27
الظهر
11 : 55
العصر
3:30
المغرب
6 : 23
العشاء
7 :44