ما حكم صوم من كان يخطئ في غسل الجنابة؟ فكنت أغتسل من الجنابة من دون أن أنوي شيئًا، فسمعت بعد ذلك من أحد الشيوخ أن النية واجبة في غسل الجنابة، فما حكم صومي فيما مضى؟
مَن كان يخطئ في غسل الجنابة صيامه صحيح، ما دام قد أدَّى الصوم بأركانه وشروطه من تحقق النية، وخلو الصوم عمَّا يفسده، فإن المقرر أن عدم الطهارة من الحدث الأكبر ليس مما يؤثر على الصوم.
المحتويات
لا يختلف أحد من الفقهاء في أنَّ الاغتسال من الجنابة أمرٌ واجبٌ؛ لأنه لا يجوز للجُنب أن يؤدي الصلاة أو أن يمس المصحف، أو أن يدخل المسجد إلَّا بعد أن يغتسل منها؛ لقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6].
وقد اختلف الفقهاء في اشتراط النية ليتحقَّق الاغتسال شرعًا، فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى وجوب اشتراط النِّية عند الاغتسال، وأنَّها فرض من فرائضه، كما قال العلامة خليل المالكي في "مختصره" (ص: 23، ط. دار الحديث)، والإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (1/ 87-88، ط. المكتب الإسلامي)، والعلامة البُهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 181، ط. دار الكتب العلمية).
وذهب الحنفية إلى أَنَّ النيةَ في الغُسْل سُنَّةٌ وليست بفرضٍ، كما قال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على الدر المختار" (1/ 156، ط. دار الفكر).
والأصل أنَّ النية من فرائض الغُسْل ابتداءً، فلا يصح من دونها، كما هو مذهب الجمهور؛ إذ الاغتسال من الجنابة عبادة، والعبادة لا تؤدَّى ولا يعتدُّ بها شرعًا إلَّا بالنية؛ وذلك لما أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أي: أنَّ صِحَّتَها مُعلَّقةٌ على النية.
إذا وقعت العبادة من المكلف على أية صورة، فالمقرر تصحيحها ما أمكن، وأن إلحاقَ ذلك بأيِّ قولٍ من أقوال المجتهدين هو المُتعيَّنُ انتهاءً، فقد شاء الله تعالى أن يكون اختلافهم وتنوع أقوالهم رحمةً بالأمة، وتخفيفًا على المكلَّفين، ولذلك كان الاجتهادُ المعتبرُ دائرًا بين الأجر والأجرين، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» رواه البخاري ومسلم في "صحيحيهما"، وفي رواية الدارقطني في "سننه" بلفظِ: «إِنِ اجْتَهَدْتَ فَأَصَبْتَ لَكَ عَشَرَةُ أُجُورٍ، وَإِنِ اجْتَهَدْتَ فَأَخْطَأْتَ فَلَكَ أَجْرٌ وَاحِدٌ».
وهذا هو المعمول به والمُعوَّل عليه في الفتوى، فقد نصَّ الفقهاء والأصوليون على أنَّ أفعال العوام بعد صدورها منهم محمولة على ما صحَّ من مذاهب المُجتهدين ممن يقول بالحل أو بالصِّحة، فإن مراد الشرع الشريف تصحيح أفعال المكلَّفين وعباداتهم وعقودهم ومعاملاتهم مهما أمكن ذلك، فإذا صدر من العامي فعلٌ مُعين: فيكفي في صحةِ فِعْلِه أن يوافق أحد آراء المذاهب وأقوال المُجتهدين، ومن ثَمَّ فتصحيح الفعل واعتباره أولى من إلغائه وإهداره.
أما عن مدى تأثير ترك النية عند الاغتسال من الجنابة على الصيام، فإن ترك الغسل من الجنابة أصلًا لا يؤثر على صحة الصيام فضلًا عن كونه خطأً، فقد اتفق الفقهاء على أنَّ الطهارة من الجنابة ليست شرطًا من شروط صحة الصيام التي لا يصح الصيام إلا بها، وأنَّ من أصبح جنبًا فإن صيامه صحيح، كما في "الإقناع" لابن القطَّان (1/ 237، ط. الفاروق الحديثة).
وقد استدل العلماء على جواز أن يُصبح الصائم جُنبًا بقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: 187]، حيث دلَّت هذه الآية على صحة صيام من أصبح جنبًا وهو صائم، سواءٌ كان جنبًا بسبب جماع امرأته قبل الفجر، أو نتيجة احتلامه وهو صائم، فلما أباح الله الجماع إلى طلوع الفجر جاز للجنب إذا أصبح قبل أن يغتسل أن يصوم، كما في "شرح صحيح مسلم" للإمام النووي (7/ 221، ط. دار إحياء التراث العربي).
وورد عن أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ كَانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ» أخرجه البخاري في "صحيحه". وفي رواية الإمام مسلم: «مِنْ غَيْرِ احْتِلامٍ».
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (4/ 144، ط. دار المعرفة): [الاحتلام يطلق على الإنزال، وقد وقع الإنزال بغير رؤية شيء في المنام، وأرادت بالتقييد بالجماع المبالغة في الرد على من زعم أن فاعل ذلك عمدًا يفطر، وإذا كان فاعل ذلك عمدًا لا يفطر فالذي ينسى الاغتسال أو ينام عنه أولى] اهـ.
وقال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (7/ 222): [أجمع أهل هذه الأمصار على صحة صوم الجنب سواء كان من احتلام أو جماع، وبه قال جماهير الصحابة والتابعين] اهـ.
فيظهر من ذلك أنه لا يجب غسل الجنابة على الفور، وقد استثنى الفقهاء من ذلك ما إذا كان الاغتسال من الجنابة بغرض إدراك وقت الصلاة.
قال العلامة الشَّبْرَامَلِّسي الشافعي في "حاشيته على نهاية المحتاج" (1/ 209-210، ط. دار الفكر): [قوله: (ولا يجب فورًا أصالة) خرج به ما لو ضاق وقت الصلاة عقب الجنابة أو انقطاع الحيض، فيجب فيه الفور، لا لذاته، بل لإيقاع الصلاة في وقتها] اهـ.
لكنَّ الأولى بالجُنب المسارعة إلى الغسل من الجنابة وعدم تأخير ذلك؛ لما يخشى من أثر تأخيره على النفس من كثرة الوساوس ونحوها، وحتى يقوم الصائم بالتقرب إلى الله خلال زمن الصيام بكل القرب من ذكر وقراءة قرآن ونحوها على الوجه الأكمل الصحيح.
قال العلَّامة ابن ميارة المالكي في "الدُّر الثمين والمورد المعين" (ص: 166، ط. دار الحديث): [وتأخير غسل الجنابة يثير الوسواس، ويُمكِّن الخوف من النفس، ويقلل البركة من الحركات] اهـ.
مُحَصَّلُ ما ذكرنا أن صوم من كان يترك النية في غسل الجنابة صحيحٌ مطلقًا سواء عند الحنفية أو الجمهور؛ وذلك لما تقرر شرعًا من أن العبادة إذا وقعت على الهيئة المطلوبة، ومستوفية للأركان والشروط، فإنها صحيحة ومجزئة، وليس من شروط صحة الصوم الطهارة من الجنابة.
قال العلامة الزركشي في "تشنيف المسامع بجمع الجوامع" (1/ 179، ط. مكتبة قرطبة): [العبادة إن وقعت مستجمعة الأركان والشروط كانت صحيحة، وإلا ففاسدة] اهـ.
وقال العلامة علاء الدين السمرقندي الحنفي في "تحفة الفقهاء" (1/ 351، ط. دار الكتب العلمية): [متى وجد الركن مع وجود ما ذكرنا من الشرائط من الأهلية، والوقت، وغير ذلك: يكون صومًا شرعيًّا] اهـ.
هذا، مع التنويه على أن الأولى والأكمل أن يقع الصوم في حال كون المكلف على طهارةٍ، حتى يتمكن من المحافظة على الصلاة، والدخول إلى المسجد، وحتى يتمكن من مس المصحف والقراءة منه على وجهٍ لائق، وعليه أن ينوي رفع الحدث حتى يخرج من خلاف العلماء؛ فالخروج من الخلاف مستحبٌّ.
بناءً على ذلك: فإن مَن كان يخطئ في غسل الجنابة صيامه صحيح، ما دام قد أدَّى الصوم بأركانه وشروطه من تحقق النية، وخلو الصوم عمَّا يفسده، فإن المقرر أن عدم الطهارة من الحدث الأكبر ليس مما يؤثر على الصوم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما رأي الدين في وجود موائد الرحمن؟
ما حكم صيام شهر رجب كاملًا؟ حيث يقول بعض الناس: إنه لا يجوز صيام شهر رجب كاملًا، وأن مَنْ يفعل ذلك يأثم شرعًا. فهل هذا صحيح؟
ما مدى خصوصية صيام شهر رمضان للأمة المحمدية؟ فأنا أعَلم أنَّ الصيام كان مفروضًا على الأمم السابقة لقول الله تعالى: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: 183]، فهل المراد بالصيام الوارد في الآية هو صيام شهر رمضان، أم أنَّ صيام رمضان مختَصٌّ بالأمة المحمدية؟
ما حكم طهارة المتوضئ إذا شك في خروج شيء منه؟ حيث يقول السائل: بعد أن أقضي حاجتي وأستنجي يُخَيّل إليّ أنّ شيئًا يخرج من القبل، وأشك في ذلك، وقد تحريت ذلك عدة مرات فلم أجد شيئًا؛ فهل يؤثر هذا في صحة الوضوء؟
ما الحكمة من إخفاء ليلة القدر؟ وهل لها علاماتها تُعرف بها؟
ما حكم إفطار الطلاب في أيام الامتحانات عند عدم استطاعة الصيام؟ فإنه يهل علينا شهر رمضان المبارك مع موسم امتحانات، ومع ارتفاع درجة الحرارة فإن بعض الطلاب يؤثر عليهم الامتناع عن الطعام تأثيرًا سلبيًّا على المذاكرة والتركيز، مما قد يؤدي إلى الرسوب أو تراجع درجاتهم ونتائجهم بشكل كبير، فهل يجوز للطلاب الإفطار في هذه الظروف؛ خاصة بالنسبة لأولئك الذين يؤثر الصوم ودرجة الحرارة المرتفعة عليهم تأثيرًا سلبيًّا يضعفهم عن مواصلة أدائهم بالكفاءة المطلوبة، وذلك بغرض التقوِّي على المذاكرة في أيام الامتحانات، واستجلاب القدرة على التركيز؟