الغسيل الكلوي البيرتوني وأثره على طهارة المريض

تاريخ الفتوى: 13 ديسمبر 2023 م
رقم الفتوى: 8199
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الطهارة
الغسيل الكلوي البيرتوني وأثره على طهارة المريض

يحتاج بعض مرضى قصور وظائف الكُلى إلى القيام بعملية الغسيل البريتوني، فهل غسيل الكُلى بهذه العملية يؤثر على صحة الطهارة، فيحتاج المريض إلى إعادة الوضوء بعدها، أو أنه يظل على طهارته؟

انتقاض طهارة المريض في حالة إجراء عملية الغسيل البريتوني أمرٌ مختلَفٌ فيه، ويجوز له حينئذٍ الأخذ بقول مَن قال بصحة الطهارة في صورة أن يكون الثقب أسفل المعدة مع عدم انسداد المخرج الطبيعي، خاصة أنه محتاج إلى تكرار ذلك منه عدة مرات في اليوم مع ما تستغرقه هذه العملية من وقتٍ كثيرٍ، وما قد يتبعها من ألمٍ ومشقة، وقد تقرر أنَّ "المشقة تجلب التيسير"، وذلك ما لم ينتقض وضوؤه بسببٍ آخر غير الفضلات الخارجة بسبب هذا الغسيل.

المحتويات

 

تصور عملية الغسيل الكلوي البيرتوني لمريض الفشل الكلوي

مما اجتمعت عليه العقول أنَّ الحكم الصحيح الموافق للواقع ينبني في الأصل على الفهمِ الدقيقِ والتَّصور التَّام لحقيقة الواقعة محل السؤال، وذلك ما قرره العلماء وعبَّروا عنه بقولهم "الحكم على الشيء بالنفي أو الإثبات فرع عن تصوره" كما في "الفروق" للإمام القَرَافي المالكي (3/ 230، ط. عالم الكتب).

والحكم بصحة طهارة مريض الفشل الكُلوي بعد قيامه بعملية غسيل الكُلَى "البريتوني"، متوقفٌ على الفهم الصحيح والتصور الدقيق لما يحيط بهذه العملية من معانٍ وإجراءات ومآلات كالوقوف على ماهية الكُلَى وعملها، والفشل الكلوي، والغسيل البريتوني وكيفية القيام به، ثم الخارج من جسم الإنسان حال قيامه بهذا الغسيل:

والكُلية: غدة مزدوجة، تقع خلف الغشاء البريتوني على جانبي العمود الفقري، وهي تتكون من ثلاثة أقسام أساسية: القشرة وهي الجزء الخارجي منها، ونخاع الكُلَى وهو تكوينها الداخلي، وحوض الكُلَى وهو تجويف يشبه الحوض وهو بمثابة قُمْع للبول المتدفق نحو الحالب، والقشرة تحتوي على أعداد كبيرة من جسيمات ملبيجي، وهو الوصلة الوظيفية في الكُلَى، فهو يستقبل الدم القادم من الشريان الكُلوي الذي يدخل في الأوعية الشعرية في جسيمات ملبيجي حيث تتم له عملية ارتشاح لكمية السوائل والأملاح من الدم إلى الأنابيب البولية.

ومرض الفشل الكلوي: هو عجز الكُلَى عن تنقية الدم من الفضلات وطرحها خارج الجسم عن طريق البول.

والغسيل البريتوني للكُلَى: هو إجراء طبي يتعايش به مريض الفشل الكُلوي، ويتم ذلك الإجراء عن طريق الغشاء البريتوني، وهو: الغشاء المبطن لجدار البطن، ويتكون من طبقتين إحداهما تُبَطِّن جدار المعدة، والثانية داخلية غائرة تلتصق بمختلف الأحشاء، ويتم إجراء الغسيل البريتوني عن طريق عمل فتحة في البطن تكون غالبًا بين السُّرة والعانة وتثبيت أنبوب بها ليتم من خلاله إدخال السائل المستخدم في عملية الغسيل وبقائه لوقتٍ معين يقرب من ثماني ساعات ثم إخراجه مرة أخرى بواسطة الأنبوب المثبت بعد تحمله بالفضلات وإفراغه في كيس خارجي، ويكون ذلك من قِبل المريض ما يقرب من ثلاث مرات يوميًّا وعلى حسب حاجته. ينظر: "التوضيح في أصول التشريح" للدكتور/ يوحنا ورتبات (ص: 545-548، ط. بيروت عام 1871م)، و"أمراض الكلى والمسالك البولية" لنخبة من الأطباء (ص: 10، ط. مجموعة النيل العربية).

مدى تأثير عملية الغسيل الكلوي البيرتوني على طهارة المريض

يظهر ممَّا سبق من بيان وظيفة عمل الكُلْيَة وتكوينها التشريحي أنَّ الخارج من جسم الإنسان من خلال عملية الغسيل البريتوني هو الفضلات على صفة البول الذي يخرج في الحالة الطبيعية، والنظر في انتقاض طهارة المكلف بعد إجرائه لهذه العملية مبني على نصوص الفقهاء في مسألة انتقاض الطهارة بخروج النجاسة من غير موضعها؛ لكونه في هذه الحالة قد خرج من خلال الثقب المفتوح في البطن، وقد اختلفوا في ذلك على قولين إجمالًا بحسب اعتبارهم في ذلك على الخارج أو على المَخْرَج:

الأول: أن خروج البول من غير موضعه ينقض الطهارة مطلقًا، وهو مذهب الحنفية والحنابلة.

قال العلامة السَّمَرْقَنْدِي الحنفي في "تحفة الفقهاء" (1/ 17، ط. دار الكتب العلمية): [الحدث نوعان: حقيقي، وحكمي. أما الحقيقي فهو خروج النجس من الآدمي الحي كيفما كان، من السبيلين أو من غيرهما، معتادًا كان أو غير معتادٍ، قليلًا كان أو كثيرًا، وهذا عند أصحابنا الثلاثة، وقال زُفَر: هو ظهور النجس من الآدمي الحي] اهـ.

وقال العلامة البُهُوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 145-146، ط. دار الكتب العلمية): [(خروج النجاسات من بقية البدن فإن كانت) النجاسات (غائطًا أو بولًا، نقض ولو قليلًا، من تحت المعدة أو فوقها، سواء كان السبيلان مفتوحَين أو مسدودَين).. ولأنَّ ذلك خارجٌ معتادٌ أشبه الخارج من المخرج] اهـ.

والثاني: التفرقة بين كون الخارج من غير السبيلَين من فوق المعدة أو من أسفلها في حالة انسداد السبيل المعتاد أو عدم انسداده وذلك على أحوالٍ:

الحالة الأولى: إن كان الخارج من فوق المعدة وقد انسد المخرج المعتاد، انتقضت الطهارة به عند الشافعية، وإن لم ينسد المخرج المعتاد ففي انتقاض الطهارة قولان عند المالكية والشافعية، بل قطع جمهور الشافعية بأنه لا ينتقض في هذه الحالة قولًا واحدًا، مع التقرير بأنَّ المراد بما تحت المعدة هو "ما تحت السرة، وبما فوق المعدة ما فوق السرة، ولو انفتح في نفس السرة أو في محاذاتها فله حكم ما فوقها"، كما قال الإمام النووي في "المجموع" (2/ 8، ط. دار الفكر).

قال العلامة الخَرَشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (1/ 154، ط. دار الفكر): [وكذا ينقض الخارج من ثقبة -أي خرق- إذا كانت تحت المعدة وانسد المخرجان، فإن كانت فوق المعدة مع انسداد المخرجَين أو لم ينسدَّا وهي فوقها أو تحتها فقولان: بالنقض وعدمه، والمراد بما تحت المعدة ما تحت السرة وبما فوقها ما فوق السُّرة، وقوله: "وإلا" راجِعٌ لَانْسَدَّا ولتحت المعدة أي: وإلا بأن لم ينسدَّا أو كانت فوق المعدة انسدَّا أم لا] اهـ.

وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي في "المهذب" (1/ 49، ط. دار الكتب العلمية): [فإذا انسدَّ المعتاد صار هذا هو المخرج فانتقض الوضوء بالخارج منه، وإن انفتح فوق المعدة ففيه قولان: أحدهما ينتقض الوضوء بالخارج منه لما ذكرناه، وقال في حَرْمَلَة: لا ينتقض لأنه في معنى القيء، وإن لم ينسد المعتاد وانفتح فوق المعدة لم ينتقض الوضوء بالخارج منه] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع" (2/ 8) شارحًا عليه: [الرابعة: لا ينسد المعتاد وينفتح فوق المعدة فطريقان: قطع الجمهور بأنه لا ينتقض قولًا واحدًا ممَن صرح به المصنف هنا وفي "التنبيه"، والماوردي والشيخ أبو محمد والقاضي حسين والفوراني وإمام الحرمين والغزالي والمتولي والبغوي وصاحب "العدة" والرافعي وآخرون، ونقل الفوراني والمتولي الاتفاق عليه، وقال الشيخ أبو حامد والبندنيحي والمحاملي: إن قلنا فيما إذا انسد الأصلي وانفتح فوق المعدة لا ينقض فهنا أولى وإلا فوجهان وادَّعى صاحب "البيان" أن هذه طريقة الأكثرين] اهـ.

الحالة الثانية: إن كان الخارج من ثقبٍ أسفل المعدة، انتقضت الطهارة به إن انسد السبيل المعتاد، وإن لم ينسد السبيل المعتاد ففي انتقاض الطهارة به قولان عند المالكية والشافعية، وحقق الإمام النووي أنَّ الأصح باتفاقهم لا ينقض.

قال العلامة الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (1/ 154): [(ص) أو ثقبة تحت المعدة إن انسدَّا وإلَّا فقولان] اهـ.

وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي في "المهذب" (1/ 50): [وإن لم ينسد المعتاد وانفتح فوق المعدة لم ينتقض الوضوء بالخارج منه، وإن كان دون المعدة ففيه وجهان: أحدهما: لا ينتقض الوضوء بالخارج منه؛ لأن ذلك كالجائفة فلا ينتقض الوضوء بما يخرج منه. والثاني: ينتقض؛ لأنه مخرج يخرج منه الغائط فهو كالمعتاد] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع" (2/ 8) شارحًا عليه: [الثالثة: لا ينسد المعتاد وينفتح تحت المعدة ففي الانتقاض خلاف مشهور، منهم مَن حكاه وجهين، وبعضهم حكاه قولين، والأصح باتفاقهم لا ينقض، وبه قطع الجرجاني في "التحرير"] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإن انتقاض طهارة المريض في حالة إجراء عملية الغسيل البريتوني أمرٌ مختلَفٌ فيه، ويجوز له حينئذٍ الأخذ بقول مَن قال بصحة الطهارة في صورة أن يكون الثقب أسفل المعدة مع عدم انسداد المخرج الطبيعي، خاصة أنه محتاج إلى تكرار ذلك منه عدة مرات في اليوم مع ما تستغرقه هذه العملية من وقتٍ كثيرٍ، وما قد يتبعها من ألمٍ ومشقة، وقد تقرر أنَّ "المشقة تجلب التيسير"، وذلك ما لم ينتقض وضوؤه بسببٍ آخر غير الفضلات الخارجة بسبب هذا الغسيل.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم نقل أحد أصابع اليد للأخرى وبتر إصبع زائدة؟ حيث توجد مولودة وُلدت بأربعة أصابع فقط بكل كف، فقرر الطبيب نقل أحد الأصابع بكل يد واعتباره إبهامًا. ويخرج من أحد الأصابع إصبع صغير ليس له عصب وغير مُؤثر، وقد قرر الطبيب بتره؛ لأنه ليس له تأثير وتسأل هل يجوز ذلك؟


ما حكم قيام الصيدلي بعمل خصم على سعر الأدوية بقصد الترويج؟ حيث يقوم بعض الصيادلة ببيع الأدوية بخصمٍ مُعَيَّنٍ أقلَّ مِمَّا هو مكتوبٌ ومُسَعَّرٌ جَبْرِيًّا مِن قِبَلِ وزارة الصحة؛ وذلك حتى يُرَوِّجَ لصيدليته الخاصة، وذلك على حساب زملائه الصيادلة، فهذا الصيدلي يَنْفَعُ المريضَ بِبَيْعِ الدواء بأقل مِن سعره الأصلي لكنه قد يَضُرُّ زملاءه الصيادلة الملتزمين بالتسعير الجبري والربح الجبري. فما الحكم الشرعي في ذلك؟


ما الحكم الشرعي في قيام بعض الصيادلة بالاتجار غير المشروع في بعض أنواع الأدوية المؤثرة على الحالة النفسية التي تستخدم في العلاج من بعض الأمراض لتحقيق أرباح طائلة؟


أرجو التفضل بالإفادة عن مشروعية تشريح جسد الإنسان بعد وفاته سواء كان ذلك لصالح مصلحة الطب الشرعي أو لصالح العملية التعليمية بكليات الطب، حيث يعتبر هذا أساسًا في علم الجراحة، وبخاصة أن التعليم على النماذج البشرية لا يماثل الدراسة على الجثث البشرية ولا غنى عن استخدام الجثث في الدراسة لتقدم الطب لصالح البشرية؟

 


ما حكم الصلاة عند إمامة المحدث للناس ناسيًا؟ وهل تلزمهم إعادة الصلاة؟ فقد صلينا العصر خلف الإمام، وبعد انتهاء الصلاة أخبرَنا الإمام أنه كان مُحْدِثًا ولم يكن متذكرًا حدثه عند الشروع في الصلاة، وانقسم المأمومون إلى قسمين:  قسمٌ أعاد الصلاة مع الإمام، وقسمٌ لم يُعد؛ ونرجو منكم بيان الحكم الشرعي في المسألة.


ما حكم الشرع في توعية الناس بخطورة مرض شلل الأطفال من خلال منابر المساجد عقب الصلوات؛ حيث يتسبب امتناع بعض أئمة المساجد عن ذلك في انتشار هذا المرض وعدم القضاء عليه حتى الآن، علمًا بأن هذا المرض لا يوجد إلا في خمس دول على مستوى العالم، منها مصر.