ما حكم إلقاء السلام على الشخص الذي يتوضأ؟ وما حكم رد السلام أثناء الوضوء؟
إلقاء السلام على المنشغل بالوضوء وردُّه أمرٌ مشروعٌ على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء؛ لإمكان الجمع بين فضيلتي ردِّ السلام وما هو فيه مِن الوضوء مِن غير أن يؤدي إلى قطع شيء تجب إعادته.
المحتويات
السَّلامُ في الأصل: السلامة، يقال: سَلِمَ يَسْلَمُ سَلامًا وسَلامَة، ومنه قيل للجنة: دار السَّلام؛ لأنهَّا دار السلامة من الآفات، ومنها: السَّلامُ اسم من أسماء الله تعالى. ينظر: "لسان العرب" لابن منظور (12/ 289-290، ط. دار صادر).
وعند الفقهاء: هو سلام الله عليك وحفظه؛ كما يقال: الله معك ومصاحبك. كما ذكر شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (11/ 5-9، ط. دار المعرفة).
والسلام هو تحية المسلمين في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ﴾ [الأحزاب: 44]، قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (14/ 199، ط. دار الكتب المصرية): [قيل: هذه التحية من الله تعالى.. ﴿يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ﴾ أي: يوم القيامة بعد دخول الجنة] اهـ.
ثمرة السلام عظيمة، وإفشاؤه فضيلة، وعاقبته حميدة؛ كما روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا؛ وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا؛ أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَىْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ».
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (2/ 36، ط. دار إحياء التراث العربي): [وأما قوله: «أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ» فهو بقطع الهمزة المفتوحة، وفيه: الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم مَن عرفت ومَن لم تعرف] اهـ.
إلقاء السلام -في حق غير المشتغل بشيء- سُنَّة عين على مَن انفرد، وسُنَّة كفائيَّة على الجماعة، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ» رواه الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة.
أمَّا رَدُّ السلام ففرض عينٍ على مَن انفرد، وفرض كفائي في حقِّ الجماعة، بحيث يأثموا جميعًا بتركه، ويسقط الإثم بردِّه مِن أحدهم؛ لما رواه الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ»، وهو ما ذهب إليه فقهاء الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة. يُنظر: "المبسوط" للسرخسي (30/ 274، ط. دار المعرفة)، و"التاج والإكليل" للمواق (4/ 539، ط. دار الكتب العلمية)، و"الأذكار" للنووي (ص: 246، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (6/ 14، ط. دار الكتب العلمية)، و"شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (1/ 383، ط. عالم الكتب).
الكلام أثناء الوضوء بغير حاجة، هو من ترك آداب الوضوء عند الحنفية، ومكروه عند المالكيَّة؛ وخلاف الأولى عند الشافعيَّة والحنابلة.
قال العلَّامة ابن مازه الحنفي في "المحيط البرهاني" (1/ 48، ط. دار الكتب العلمية) في بيان آداب الوضوء: [ومن الأدب: ألَّا يتكلم فيه بكلام الناس] اهـ.
وقال العلَّامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (1/ 30، ط. دار الكتاب الإسلامي): [ترك كلام الناس لا يكون أدبًا إلَّا إذا لم يكن لحاجة، فإن دعت إليه حاجة يخاف فوتها بتركه لم يكن في الكلام ترك الأدب؛ كما في "شرح المنية"] اهـ.
وقال العلَّامة الدردير المالكي في "الشرح الصغير" (1/ 127-128، ط. دار المعارف): [ويكره الكلام حال الوضوء بغير ذكر الله تعالى] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (1/ 465-466، ط. دار الفكر): [قد ذكر المصنف أن سنن الوضوء اثنتا عشرة.. منها.. ألَّا يتكلم فيه لغير حاجة.. وقد نقل القاضي عياض في "شرح صحيح مسلم" أن العلماء كرهوا الكلام في الوضوء والغسل، وهذا الذي نقله من الكراهة محمول على ترك الأَوْلى، وإلَّا فلم يثبت فيه نهي فلا يسمَّى مكروهًا إلا بمعنى ترك الأَوْلى] اهـ.
وقال العلَّامة الحجاوي المقدسي الحنبلي في "الإقناع" (1/ 30، ط. دار المعرفة): [ولا يسن الكلام على الوضوء بل يكره، والمراد بالكراهة ترك الأَوْلى] اهـ.
أمَّا إلقاء السلام وردّه أثناء الوضوء فصرح فقهاء المالكيَّة والشافعيَّة بمشروعيته، وهو ظاهر كلام أكثر الحنابلة، بينما ذهب بعض الحنابلة إلى كراهة ذلك، وذهب محققو الشافعيَّة إلى أن ردَّ السلام حال الوضوء واجبٌ، تبعًا لما قرره العلَّامة ابن حجر الهيتمي.
قال العلَّامة الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 460، ط. دار الفكر): [(فائدة) قال في "الإكمال" في كتاب الحج في إرسال ابن عباس إلى أبي أيوب رضي الله عنهم يسأله عن الغسل، قال الرسول: فجئت فسلمت عليه وهو يغتسل، قال عياض: فيه دليل على جواز السلام على المتطهر، والمتوضئ] اهـ.
وقال العلَّامة العدوي المالكي في "حاشيته على شرح العلَّامة الخرشي على مختصر خليل" (1/ 236، ط. دار الفكر): [(قوله: يريد أنه يكره السلام على الملبي) أي: إنَّ قول المصنف كَمُلَبٍّ معناه: أنه يكره السلام على الملبي ويصح أن يكون المعنى، أي: كما يكره سلام مُلَبٍّ فالملبي يكره السلام منه وعليه، (قوله: ذريعة إلى ردِّه) أي: في الأذان، وقوله: "بخلاف السلام على المصلي فلا يكره" ومثله المتطهر والمتوضئ] اهـ.
وقال العلَّامة الشبراملسي الشافعي في "حاشيته على نهاية المحتاج" (1/ 195، ط. دار الفكر): [وفي "فتاوى شيخ الإسلام" أنه سئل هل يشرع السلام على المشتغل بالوضوء وليس له الرد أو لا؟ فأجاب: بأن الظاهر أنه يشرع السلام عليه، ويجب عليه الرد] اهـ.
وقال العلَّامة ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (1/ 184، 185، ط. مؤسسة الرسالة): [قال أبو الفرج: ويكره السلام عليه، وفي "الرعاية": ورده، مع أنه ذكر لا يكره رد مُتَخَلٍّ، وهو سهو، وظاهر كلام الأكثر لا يكره السلام ولا الرد، وإن كان الرد على طهر أكمل؛ لفعله عليه السلام] اهـ.
بناءً على ما سبق: فإلقاء السلام على المنشغل بالوضوء وردُّه أمرٌ مشروعٌ على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء؛ لإمكان الجمع بين فضيلتي ردِّ السلام وما هو فيه مِن الوضوء مِن غير أن يؤدي إلى قطع شيء تجب إعادته.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
بخصوص الشخص الذي له رخصة التيمم بسبب عدم توفر الماء أو بسبب مرض يمنعه من استعمال الماء؛ هل يُشْتَرَطُ في حقه تَكرار التيمم لكل فريضة، أو يجوز له أن يصلي بالتيمم الواحد أكثر من فريضة كما هو الحال في الوضوء؟
ما حكم غسل الوجه عند الوضوء مع وجود الكحل؛ فأنا أضع الكحل في عيوني للزينة، فلو كنت خارج المنزل أو داخله وأردت أن أتوضأ للصلاة، أغسل وجهي كله دون أن أجعل الماء يلمس جفوني، والكثيرات من الأخوات أخبرنني أن ذلك يجوز ولا حرج فيه طالما أنني توضأت أول مرة وقت صلاة الفجر وغسلت عيني وجفوني تماما. فما رأي فضيلة المفتي؟
هل إعادة تدوير النفايات والمخلفات المشتملة على بعض النجاسات، يحولَّها إلى طاهرة؟
ما حكم أداء السعي للحائض؟ حيث توجد امرأة ذهبت لأداء العمرة، وبعد الانتهاء مِن الطواف وصلاة ركعَتَي سُنَّة الطواف، وقبل البدء في السعي داهمها الحيض، ولم تتمكن مِن انتظار الطهر؛ لأنَّ للسفر موعدًا محددًا، فأتمَّت سعيَها على هذه الحال، وتسأل: ما حكم سَعيها وعُمرتها؟ وهل يجب عليها شيء؟
ما حكم طهارة من تيمم ثم وجد الماء قبل الشروع في أداء الصلاة؟
ما حكم صيام من احتلم في نهار رمضان؟ فقد كنت نائمًا أثناء النهار في رمضان، فاحتلمت واستيقظت على جنابة ثم اغتسلت؛ فهل فسد صومي بهذا الاحتلام، وبِالتالي يكون عليَّ قضاء هذا اليوم بعد رمضان؟