سائل يقول: ذكر لي أحد أصدقائي أن العُرف قد يدخل في ضبط بعض الأحكام الشرعية؛ فهل هذا الكلام صحيح في ميزان الشرع والعلم؟ أو أن الأدلة الشرعية هي الكتاب والسنة فقط.
تواترت نقول العلماء على أن الأحكام الشرعية تثبت بالاتفاق بالكتاب والسنة والإجماع والقياس.
قال الإمام الشافعي في "الرسالة" (1/ 34، ط. الحلبي): [وجهة العلم: الخبر: في الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو القياس] اهـ.
وقال الإمام الجصاص في "الفصول" (2/ 31، ط. وزارة الأوقاف الكويتية): [بيان الشرع يقع بالكتاب والسنة والإجماع والقياس] اهـ.
وقال الإمام الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 512، ط. دار ابن الجوزي): [أصول الأدلة: التي هي الكتاب والسنة والإجماع، فيقولون: هي الأصل، وما سوى ذلك من القياس ودليل الخطاب وفحوى الخطاب؛ فهو معقول الأصل] اهـ.
ولا شك أنَّ الأدلة المختلف فيها اعتدَّ بها بعض الأصوليين في إظهار الأحكام الشرعية، ولم يعتد بها بعضُهم الآخر، ومنها: الاستحسان، وشرع مَن قبلنا، والمصالح المرسلة، والعرف.. إلخ.
وهذه الأدلة المختلف فيها والتي منها العرف، فإنها وإن ذهبنا إلى عدم اعتبارها بالكلية، فإنَّه يعسر على المجتهد ضبط كثير من الأمور الشرعية بدونها، وقد نص جمهور العلماء على اعتبار العرف -أو العادة- في الأحكام الشرعية؛ والأصل في ذلك قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199].
قال ابن النجار الفتوحي في "شرح الكوكب المنير" (ص: 599-600، ط. مطبعة السنة المحمدية): [(و) من أدلة الفقه أيضًا (تحكيم العادة) وهو معنى قول الفقهاء: إن "العادة محكمة"، أي معمول بها شرعًا.. إن معنى العرف: كل ما عرفته النفوس ممَّا لا ترده الشريعة.. وكل ما تكرر من لفظ "المعروف" في القرآن نحو قوله سبحانه: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19]، فالمراد به ما يتعارفه الناس في ذلك الوقت من مثل ذلك الأمر.. فابتنى الحكم الشرعي على ما كانوا يعتادونه، ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم لهند رضي الله عنها «خُذِي وَبَنُوكِ مَا يَكْفِيكِ بِالْمَعْرُوفِ»، ومن ذلك: حديث حرام بن محيصة الأنصاري رضي الله عنه، عن البراء بن عازب رضي الله عنه: "أن ناقة البراء دخلت حائطًا فأفسدت فيه، فقضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أهل الحيطان حفظها بالنهار، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل". رواه أبو داود وصححه جماعة. وهو أدل شيء على اعتبار العادة في الأحكام الشرعية؛ إذ بنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم التضمين على ما جرت به العادة، وضابطه كل فعل رتب عليه الحكم، ولا ضابط له في الشرع ولا في اللغة، كإحياء الموات، والحرز في السرقة، والأكل من بيت الصديق. وما يُعدُّ قبضًا وإيداعًا وإعطاء وهدية وغصبًا، والمعروف في المعاشرة وانتفاع المستأجر بما جرت به العادة. وأمثال هذه كثيرة لا تنحصر] اهـ.
وقال الإمام السيوطي في "الأشباه والنظائر" (ص: 90، ط. دار الكتب العلمية) عن أهمية الرجوع إلى العرف والعادة في معرفة الأحكام الشرعية المناسبة للواقع؛ منبهًا على كثير من الفروع الفقهية التي تبنى على ذلك: [اعلم أن اعتبار العادة والعرف رجع إليه في الفقه في مسائل لا تعد كثرة. فمن ذلك: سن الحيض، والبلوغ، والإنزال، وأقل الحيض والنفاس والطهر وغالبها وأكثرها، وضابط القلة والكثرة في الضبة، والأفعال المنافية للصلاة، والنجاسات المعفو عن قليلها، وطول الزمان وقصره في موالاة الوضوء في وجه، والبناء على الصلاة في الجمع، والخطبة، والجمعة، وبين الإيجاب والقبول، والسلام ورده، والتأخير المانع من الردِّ بالعيب، وفي الشرب وسقي الدواب من الجداول والأنهار المملوكة، إقامة له مقام الإذن اللفظي، وتناول الثمار الساقطة، وفي إحراز المال المسروق، وفي المعاطاة على ما اختاره النووي، وفي عمل الصناع على ما استحسنه الرافعي، وفي وجوب السرج والإكاف في استئجار دابة للركوب، والحبر، والخيط، والكحل على من جرت العادة بكونها عليه، وفي الاستيلاء في الغصب، وفي رد ظرف الهدية وعدمه، وفي وزن أو كيل ما جهل حاله في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنَّ الأصح أنه يراعى فيه عادة بلد البيع، وفي إرسال المواشي نهارًا وحفظها ليلًا، ولو اطردت عادة بلد بعكس ذلك؛ اعتبرت العادة في الأصح، وفي صوم يوم الشك لمَن له عادة، وفي قبول القاضي الهدية ممَّن له عادة، وفي القبض، والإقباض، ودخول الحمام، ودور القضاة، والولاة، والأكل من الطعام المقدم ضيافة بلا لفظ، وفي المسابقة، والمناضلة إذا كانت للرماة عادة في مسافة تَنَزَّل المطلقُ عليها، وفيما إذا اطردت عادة المتبارزين بالأمان، ولم يجر بينهما شرط؛ فالأصح أنها تنزل منزلة الشرط، وفي ألفاظ الواقف والموصي، وفي الأيمان] اهـ. وممَّا سبق يُعلم الجواب عمَّا جاء في السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
زعم بعض الـمُشَكِّكِين أنَّ السنة النبوية المطهرة لم تُنْقَل ولم تُوثّق بنفس الدّقة التي نُقِل ووثّق بها القرآن الكريم؛ فهل هذا صحيح؟
هل إسراء النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم يُعَدُّ من المعجزات؟ وهل وقع بالروح والبدن معًا أو بالروح فقط؟ وهل المعراج من عقائد المسلمين القطعية؟
ما حكم الصلاة على الميت الذي عليه دين؟ حيث ورد في كتب الحديث أنّ النبي صلّى الله عليهِ وآله وسلّم ترك صلاة الجنازة على من مات وعليه دين؛ فهل الصلاة على من مات وعليه دين حرام؟ نرجو منكم بيان الحكم الشرعي في ذلك.
لنا زملاء في العمل ليسوا بمسلمين -أقباط-، فهل يجوز أن أعودهم إذا مرضوا أو أعزيهم إذا حلَّ بهم مصاب أو أشَيِّع جنائزهم أو أهَنِئَهم بأعيادهم؟ وهل يجوز أن أتخذه صديقًا من دون المسلمين؟
نرفع لسيادتكم نموذجًا لما يتم تداوله بين أوساط بعض المسلمين من شبهات حول حكم بناء الكنائس وترميمها، وجاءت هذه الشبهات كالتالي:
الشبهة الأولى: بناء الكنائس والبِيَع حرام؛ حيثُ إنَّ المساجد بيوت عبادة الله للمسلمين، والكنائس والبِيَع معابد اليهود والنصارى يعبدون فيها غير الله، والأرض لله عز وجل، وقد أمر ببناء المساجد وإقامة العبادة فيها لله عز وجل، ونهى سبحانه عن كل ما يُعبَد فيه غير الله؛ لِمَا فيه من إقرار بالباطل، وتهيئة الفرصة للقيام به، وغش الناس بوضعه بينهم، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية؛ مثل الكنائس، أو تخصيص مكان لها في أي بلد من بلاد الإسلام، من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره، والله عز شأنه يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].
الشبهة الثانية: أجمع العلماء على وجوب هدم الكنائس وغيرها من المعابد الكفرية إذا أُحدثَت في أرض الإسلام، ولا تجوز معارضة ولي الأمر في هدمها؛ بل تجب طاعته.
وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية؛ مثل الكنائس، أو تخصيص مكان لها في أي بلد من بلاد الإسلام، من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره؛ والله عز شأنه يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].
قال شيخ الإسلام: "من اعتقد أنَّ الكنائس بيوت الله وأنَّ الله يُعبدُ فيها، أو أنَّ ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة لرسوله، أو أنه يحب ذلك ويرضاه، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم وأنَّ ذلك قربة أو طاعة فهو كافر".
وليحذر المسلم أن يكون له نصيب من قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ۞ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ۞ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ۞ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: 25-28].
الشبهة الثالثة: صار من ضروريات الدين تحريمُ الكفر الذي يقتضي تحريم التعبد لله على خلاف ما جاء في شريعة الإسلام؛ ومنه: تحريم بناء معابد وفق شرائع منسوخة؛ يهودية، أو نصرانية، أو غيرهما؛ لأنَّ تلك المعابد سواء كانت كنيسة أو غيرها تعتبر معابد كفرية؛ لأنَّ العبادات التي تؤدى فيها على خلاف شريعة الإسلام الناسخة لجميع الشرائع قبلها والمبطلة لها، والله تعالى يقول عن الكفار وأعمالهم: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان: 23]، ولا يجوز اجتماع قبلتين في بلدٍ واحدٍ من بلاد الإسلام، ولا أن يكون فيها شيء من شعائر الكفار لا كنائس ولا غيرها؛ ولهذا أجمع العلماء على تحريم بناء هذه المعابد الكفرية. وقد قال شيخ الإسلام: "من اعتقد أنَّ زيارة أهلِ الذمة كنائسَهم قربةٌ إلى الله فهو مرتدٌّ، وإن جهل أنَّ ذلك محرم عُرِّف ذلك، فإن أصرَّ صار مرتدًّا" اهـ.
الشبهة الرابعة: من المعلوم أنَّ الأشياء التي ينتقض بها عهد الذمي: الامتناع من بذل الجزية، وعدم التزام أحكام الإسلام، وأن يُقاتل المسلمين منفردًا أو في الحرب، وأن يلتحق الذمي بدار الحرب مُقيمًا بها، وأن يتجسس على المسلمين وينقل أخبارهم، والزنا بامرأةٍ مسلمة، وأن يذكر الله تعالى أو رسوله أو كتبه بسوء.
وإذا انتقض عهد الذمي: حلَّ دمه وماله، وسار حربيًّا يُخير فيه الإمام بين القتل، أو الاسترقاق، أو المن بلا فدية، أو الفداء.
الشبهة الخامسة: ذكر البعضُ أنَّ البلاد التي أُنشئت قبل الإسلام وفتحها المسلمُون عنوةً وتملكوا أرضها وساكنيها لا يجوز إحداث كنائس فيها، ويجب هدم ما استحدث منها بعد الفتح؛ لأنَّ هذه الكنائس صارت ملكًا للمسلمين بعد أن فتحوا هذه البلاد عنوة.
وأمَّا البلاد التي أُنشئت قبل الإسلام وفتحها المسلمون صُلْحًا: فهي على نوعين:
الأول: أن يصالحهم على أن الأرض لهم ولنا الخراج عليها، أو يصالحهم على مالٍ يبذلونه وهي الهُدنة؛ فلا يُمنعون من إحداث ما يختارونه فيها؛ لأنَّ الدار لهم.
الثاني: أن يُصالحهم على أنَّ الدار للمُسلمين، ويؤدون الجزية إلينا، فحكمها ما اتُّفقَ عليه في الصلح، وعند القدرة يكون الحكم ألَّا تُهدم كنائسهم التي بنوها قبل الصلح، ويُمنعون من إحداث كنائس بعد ذلك.
الشبهة السادسة: حكم بناء ما تهدَّمَ من الكنائس أو ترميمها: على ثلاثة أقوال:
الأول: المنع من بناء ما انهدم وترميم ما تلف.
الثاني: المنع من بناء ما انهدم، وجواز ترميم ما تلف.
الثالث: إباحة الأمرين.
فالرجاء التفضل بالاطلاع والتوجيه بما ترونه سيادتكم نحو الإفادة بالفتوى الشرعية الصحيحة في هذا الشأن حتى يمكن نشرها بين أهالي القرى؛ تصحيحًا للمفاهيم ومنعًا للشبهات.
ما الرد على دعوى الخطأ في توقيت صلاة الفجر في الديار المصرية. حيث أحضر بعض المصلين في المسجد كتابًا به بعض الآراء الشاذة التي تقول بأنَّ صلاة الفجر لا تجوز بعد الأذان مباشرة، ولا بدَّ من الانتظار لمدة 25 دقيقة؛ حتى تجوز الصلاة وإلا كانت باطلة، على خلاف ما تعلمناه منكم بصحة الصلاة بعد الأذان مباشرة؛ وحيث إنّ هذا الأمر أثار فتنة بين المصلين بالمسجد، فما مدى صحة هذا الكلام؟ ولسيادتكم جزيل الشكر.