سائل يقول: سمعت أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أطلعه الله تعالى على بعض المغيبات، وبعض الناس يقول: هذا لا يكون إلا لله تعالى؛ فما قول فضيلتكم في هذا الأمر؟ وهل مثل هذه الأشياء تحدث لبعض الصالحين؟
إطلاع الله بعض خلقه على بعض المغيبات حاصل في معجزات الأنبياء عليهم السلام، وكشف الله تعالى المغيَّبات لهم بحيث يرونها رأي العين؛ وقد حصل ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ومن ذلك: تجلية الله تعالى بيت المقدس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليصفه لكفار قريش، ورؤيته الجنة والنار في صلاة الكسوف، وسماعه خشخشة نعل بلال رضي الله عنه بين يديه في الجنة، ورؤيته عمرو بن لُحَيٍّ الخزاعي وهو يجر قصبه في النار مع أنه ما زال في الحياة البرزخية، وفي حديث "الصحيحين" عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشرف على أُطُمٍ من آطام المدينة، ثم قال: «هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ، كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ».
ومنها أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ؛ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا؛ فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» رواه مسلم؛ قال الإمام القرطبي معلقًا على هذا الحديث في كتابه "المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم" (6/ 499، ط. دار ابن كثير): [هذا إخبار بأمر غيب، وقع على نحو ما أخبر، فكان دليلًا من أدلة نبوته صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.
وقال العلامة الملا القاري في "مرقاة المفاتيح" (9/ 3815، ط. دار الفكر): [فهذا من قبيل ما كوشف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الغيب أنه ستحدث هذه الحادثة في مصر] اهـ.
ومنها: روي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ» رواه الشيخان؛ قال الإمام القسطلاني في "شرحه على صحيح البخاري" (9/ 368، ط. المطبعة الأميرية): [وفيه علم من أعلام النبوة إذ وقع كما أخبر صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.
كما أن هذا حاصل أيضًا في كرامات الأولياء؛ كما حصل مع الذي عنده علمٌ من الكتاب عندما أحضر لسيدنا سليمان عليه السلام عرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين في غمضة عين، وكما حصل مع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما نادى سارية وهو يخطب في المدينة: يا ساريةُ، الجبلَ الجبلَ، وسارية بالعراق، وبينهما مسيرة شهر، فسمعه وأطاعه فنجوا من العدو، وهذا قد يسميه بعضهم ظاهرة التخاطر أو التواصل عن بعد. وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
كيف نرُدُّ على مَنْ يزعُم أنَّ السادة الأشاعرة ليسوا من أهل السنة والجماعة؟
زعم بعض الناس أنَّ الصلاةَ على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بصيغة: (اللهم صلِّ على محمد حتى لا يبقى من الصلاة شيء) معارضٌ لنصوص الشريعة الإسلامية، فما مدى صحة ذلك؟
هل يجب على المسلم أن يتَّبِعَ مذهبًا من المذاهب الفقهية الأربعة؟
نرفع لسيادتكم نموذجًا لما يتم تداوله بين أوساط بعض المسلمين من شبهات حول حكم بناء الكنائس وترميمها، وجاءت هذه الشبهات كالتالي:
الشبهة الأولى: بناء الكنائس والبِيَع حرام؛ حيثُ إنَّ المساجد بيوت عبادة الله للمسلمين، والكنائس والبِيَع معابد اليهود والنصارى يعبدون فيها غير الله، والأرض لله عز وجل، وقد أمر ببناء المساجد وإقامة العبادة فيها لله عز وجل، ونهى سبحانه عن كل ما يُعبَد فيه غير الله؛ لِمَا فيه من إقرار بالباطل، وتهيئة الفرصة للقيام به، وغش الناس بوضعه بينهم، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية؛ مثل الكنائس، أو تخصيص مكان لها في أي بلد من بلاد الإسلام، من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره، والله عز شأنه يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].
الشبهة الثانية: أجمع العلماء على وجوب هدم الكنائس وغيرها من المعابد الكفرية إذا أُحدثَت في أرض الإسلام، ولا تجوز معارضة ولي الأمر في هدمها؛ بل تجب طاعته.
وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية؛ مثل الكنائس، أو تخصيص مكان لها في أي بلد من بلاد الإسلام، من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره؛ والله عز شأنه يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].
قال شيخ الإسلام: "من اعتقد أنَّ الكنائس بيوت الله وأنَّ الله يُعبدُ فيها، أو أنَّ ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة لرسوله، أو أنه يحب ذلك ويرضاه، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم وأنَّ ذلك قربة أو طاعة فهو كافر".
وليحذر المسلم أن يكون له نصيب من قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ۞ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ۞ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ۞ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: 25-28].
الشبهة الثالثة: صار من ضروريات الدين تحريمُ الكفر الذي يقتضي تحريم التعبد لله على خلاف ما جاء في شريعة الإسلام؛ ومنه: تحريم بناء معابد وفق شرائع منسوخة؛ يهودية، أو نصرانية، أو غيرهما؛ لأنَّ تلك المعابد سواء كانت كنيسة أو غيرها تعتبر معابد كفرية؛ لأنَّ العبادات التي تؤدى فيها على خلاف شريعة الإسلام الناسخة لجميع الشرائع قبلها والمبطلة لها، والله تعالى يقول عن الكفار وأعمالهم: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان: 23]، ولا يجوز اجتماع قبلتين في بلدٍ واحدٍ من بلاد الإسلام، ولا أن يكون فيها شيء من شعائر الكفار لا كنائس ولا غيرها؛ ولهذا أجمع العلماء على تحريم بناء هذه المعابد الكفرية. وقد قال شيخ الإسلام: "من اعتقد أنَّ زيارة أهلِ الذمة كنائسَهم قربةٌ إلى الله فهو مرتدٌّ، وإن جهل أنَّ ذلك محرم عُرِّف ذلك، فإن أصرَّ صار مرتدًّا" اهـ.
الشبهة الرابعة: من المعلوم أنَّ الأشياء التي ينتقض بها عهد الذمي: الامتناع من بذل الجزية، وعدم التزام أحكام الإسلام، وأن يُقاتل المسلمين منفردًا أو في الحرب، وأن يلتحق الذمي بدار الحرب مُقيمًا بها، وأن يتجسس على المسلمين وينقل أخبارهم، والزنا بامرأةٍ مسلمة، وأن يذكر الله تعالى أو رسوله أو كتبه بسوء.
وإذا انتقض عهد الذمي: حلَّ دمه وماله، وسار حربيًّا يُخير فيه الإمام بين القتل، أو الاسترقاق، أو المن بلا فدية، أو الفداء.
الشبهة الخامسة: ذكر البعضُ أنَّ البلاد التي أُنشئت قبل الإسلام وفتحها المسلمُون عنوةً وتملكوا أرضها وساكنيها لا يجوز إحداث كنائس فيها، ويجب هدم ما استحدث منها بعد الفتح؛ لأنَّ هذه الكنائس صارت ملكًا للمسلمين بعد أن فتحوا هذه البلاد عنوة.
وأمَّا البلاد التي أُنشئت قبل الإسلام وفتحها المسلمون صُلْحًا: فهي على نوعين:
الأول: أن يصالحهم على أن الأرض لهم ولنا الخراج عليها، أو يصالحهم على مالٍ يبذلونه وهي الهُدنة؛ فلا يُمنعون من إحداث ما يختارونه فيها؛ لأنَّ الدار لهم.
الثاني: أن يُصالحهم على أنَّ الدار للمُسلمين، ويؤدون الجزية إلينا، فحكمها ما اتُّفقَ عليه في الصلح، وعند القدرة يكون الحكم ألَّا تُهدم كنائسهم التي بنوها قبل الصلح، ويُمنعون من إحداث كنائس بعد ذلك.
الشبهة السادسة: حكم بناء ما تهدَّمَ من الكنائس أو ترميمها: على ثلاثة أقوال:
الأول: المنع من بناء ما انهدم وترميم ما تلف.
الثاني: المنع من بناء ما انهدم، وجواز ترميم ما تلف.
الثالث: إباحة الأمرين.
فالرجاء التفضل بالاطلاع والتوجيه بما ترونه سيادتكم نحو الإفادة بالفتوى الشرعية الصحيحة في هذا الشأن حتى يمكن نشرها بين أهالي القرى؛ تصحيحًا للمفاهيم ومنعًا للشبهات.
ما حكم بيع القمح في السوق السوداء لاستخدامه بدلًا من العلف الحيواني؟
سائل يقول: كنت أتناقش مع صديق لي، فتطرقنا في حديثنا إلى الأدلة المعتبرة في الشرع، وأخبرني بأن القياس ليس من الأدلة المعتبرة على عكس ما أعلم، وأن الدليل إما كتاب أو سنة وحسب؛ فما مدى صحة هذا الكلام؟ وهل القياس من الأدلة المعتبرة في الشرع الشريف؟