ما حكم العمل التطوعي في فترة الدراسة الجامعية؟ وهل يُثاب الطلاب على القيام بتجميل الجامعة وزرع وغرس للأشجار، ومساعدة الطلاب الجدد، ونحو ذلك من الأعمال النافعة؟
حث الشرع الشريف على العمل التطوعي في شتى مناحي الحياة، ورغب فيه أتباعه، والأعمال التطوعية التي يقوم بها الشباب في الجامعات من تجميل لها، وزرع وغرس للأشجار، ومساعدة الطلاب الجدد وغيرها من الأعمال النافعة للخلق، وهي مستحبة ولها فضلٌ عظيمٌ وثوابٌ كبيرٌ؛ ما دامت في ضوء القوانين واللوائح المنظمة لهذا الأمر، وتحت إشراف الجهات المختصة والمعنية بشؤون الجامعة.
المحتويات
التطوع بالشيء في اللغة: التبرع به من غير إلزام على المرء؛ كما في "تهذيب اللغة" لأبي منصور الأزهري (3/ 66، ط. دار إحياء التراث العربي).
وفي "معجم اللغة العربية المعاصرة" للدكتور/ أحمد مختار عمر وآخرين (2/ 1422، ط. عالم الكتاب): [تطوَّع الشَّخصُ: تقدَّم لعمل ما مختارًا، قدَّم نفسه لإنجاز عمل أو مهمة بدون مكافأة أو أجر] اهـ.
وعرف العمل التطوعي بأنه: كل عمل خير يهدف إلى مساعدة ومساندة الغير، وسواء أكان العمل فرديًّا أم جماعيًّا، دون انتظار أي مردود أو ربح مادي، وهو ما نص عليه المشرع المصري في قانون رقم ١٤٩ لسنة ٢٠١٩م بشأن تنظيم ممارسة العمل الأهلي، في المادة الأولى من الباب الأول التعريفات، بند (13)، أَنَّ: [العمل التطوعي: كل عمل أو نشاط يمارسه المتطوع بإرادته الحرة لتحقيق النفع العام، والمساهمة في العمل الأهلي دون أن يهدف إلى تحقيق الربح] اهـ.
حث الشرع الشريف على العمل التطوعي في شتى مناحي الحياة، ورغب فيه أتباعه؛ فقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]، وتُعدّ هذه الآية تجسيدًا حقيقيًّا لمعنى العمل التطوعي بين أفراد المجتمع، والحث على القيام بكل عمل يؤدي إلى البر والتقوى بين الناس سواء أكان العمل ماديًّا أو معنويًّا. فضلًا عن الكثير من الآيات الدالة على معنى العمل التطوعي وتعزيز التكافل الاجتماعي، والتي منها: قوله سبحانه: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177].
يقول العلامة النسفي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (1/ 153، ط. دار الكلم الطيب): [﴿عَلَى حُبِّهِ﴾؛ أي: على حب الله أو حب المال أو حب الإيتاء، يريد أن يعطيه وهو طيب النفس بإعطائه] اهـ.
وقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9]. أي يقدمون مصلحة غيرهم على مصلحتهم.
يقول العلامة الواحدي في "الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" (ص: 1083، ط. دار القلم): [﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾؛ أي: يختارون إخوانهم المهاجرين بالمال على أنفسهم، ﴿وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾؛ أي: حاجةٌ وفاقةٌ إلى المال] اهـ.
ورد في السنة المطهرة أحاديث كثيرة تحثُّ على العمل التَّطوعي، منها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ» متفق عليه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَ لَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
وفي رواية أخرى: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى الله أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلِأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، -يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا» أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" واللفظ له، والبيهقي في "شعب الإيمان".
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (16/ 134، ط. دار إحياء التراث العربي): [«مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ» أي: أعانه عليها ولطف به فيها، قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً..» في هذا فضل إعانة المسلم، وتفريج الكرب عنه، وستر زلاته، ويدخل في كشف الكربة وتفريجها: من أزالها بماله أو جاهه أو مساعدته] اهـ.
مجالات العمل التطوعي متعددة تشمل كل عمل مجتمعي نافع؛ منها: قضاء حوائج الآخرين، ومنها: إعانة الملهوف، ومنها: التعاون وصناعة المعروف، ومنها: الإصلاح بين الناس لمَن يحسنه، ومنها: الغرس والزرع والبناء، ومنها: رعاية المساجد، ومنها: نشر العلم، ومنها: إماطة الأذى عن الطريق، ومنها: رعاية الأيتام والمحتاجين، ومنها: الصدقات وإطعام الطعام، ونحو ذلك من أوجه البر والإحسان.
والتطوع -بهذه الأعمال النافعة مع إتقانه بأصوله واحتسابه- من أفضل القربات وأنفعها؛ قال المقريزي في "تجريد التوحيد المفيد" (ص: 48، ط. الجامعة الإسلامية-المدينة المنورة) :[الصنف الثالث:-أي: من آراء العلماء في أفضل العبادات- رأوا أنَّ أفضل العبادات ما كان فيه نفع متعد، فرأوه أفضل من النفع القاصر، فرأوا خدمة الفقراء، والاشتغال بمصالح الناس، وقضاء حوائجهم، ومساعدتهم بالجاه والمال والنفع أفضل] اهـ.
يُشترَط في التطوع أن يكون على النحو الذي يثمر النفع؛ فيلزم أن يكون المتطوع بشيء ممَّن تدرب عليه وأتقنه على يد أهله المختصين به، ويلزم أن يكون تطوعه على نحو يضمن تحقيق المصلحة بالتطوع، ودرء المفاسد المتوقعة، على النحو الذي نظمته القوانين.
هذا، وقد نظم المشرع المصري مسألة العمل التطوعي في القانون سالف الذكر؛ فحدد جهات التطوع في المادة (1) بند (14) منه بأنها: [الأشخاص المعنوية من مؤسسات المجتمع المدني والجهات الحكومية التي تستقبل المتطوعين لتحقيق النفع العام] اهـ.
كما نصت المادة (٩٢) منه على أَنَّه: [يهدف تنظيم العمل التطوعي إلى تشجيع روح المبادرة لدى أفراد المجتمع ومشاركتهم الإيجابية في الأنشطة المختلفة ذات النفع العام، واستثمار أوقات الفراغ لديهم من خلال العمل التطوعي، مع وضع الضوابط التي تكفل حماية المتطوعين والفئات المستفيدة من العمل التطوعي، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون: شروط التطوع وقواعد وضوابط حماية المتطوعين والمزايا التي يحصلون عليها والفئات المستفيدة من العمل التطوعي] اهـ.
ومن الضوابط التي وضعتها لائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم (104) لسنة 2021م لممارسة العمل التطوعي: وجود تصريح من السلطة المختصة، واشتراط سنٍ معينة؛ حيث جاء في المادة (180) منها: [لا يتم تنفيذ أي عمل تطوعي إلا في إطار اتفاقي كتابي محدد المدة، يتضمن تنظيم العلاقة بين المتطوع وجهة التطوع، وموضوع العمل التطوعي، وطرق تنفيذه، ومدة الاتفاق، وشروط تجديده، وحقوق كلٍّ من المتطوع وجهة التطوع وواجبات كلٍّ منهما] اهـ.
ونصت المادة (182) منها: [يجب ألا يقلّ سن المتطوع عن 18 عامًا لإبرام اتفاق التطوع بنفسه، ويجوز لمَن هم أدنى من هذا العمر إبرام اتفاق التطوع بموافقة كتابية من الولي أو الوصي أو مَن في حكمهما، كما يشترط أن لا يكون من المدرجين على قوائم الإرهاب] اهـ.
بناء على ما سبق: فقيام الشباب بالأعمال التطوعية المذكورة على نطاق الجامعات: من تجميل لها، وزرع وغرس للأشجار، ومساعدة الطلاب الجدد وغيرها من الأعمال النافعة للخلق: له من الاستحبابِ الفضلُ العظيم، ومن الثواب الشأنُ الكبير؛ ما دامت في ضوء القوانين واللوائح المنظمة لهذا الأمر، وتحت إشراف الجهات المختصة والمعنية بشؤون الجامعة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم استخدام التمويل في غير الغرض المنصوص عليه في العقد؟ فقد حصل أحد الأشخاص على تمويل وتسهيلات ائتمانية من أحد البنوك لأغراض معينة تم تحديدها في العقود المبرمة بينه وبين البنك؛ فهل عليه وزر في ذلك شرعًا؟ وما حكم استخدامها في غير الأغراض والمجالات التي حددت في الموافقات الائتمانية؟
ما حكم إطلاق اللحية؟ وهل هذا الأمر يُعدُّ فرضًا؛ فيأثم حالقها، أو سنة ولا يأثم حالقها؟ وما الدليل؟
سائل يقول: هل ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام جواز الرقية بالقرآن الكريم؟ وما حكم طلب الرقية من الصالحين؟
ما حكم رمي شيء من الأضحية؟ فمن المشاهد في هذا الزمان في بلادنا أن الجزّارين يَطرحون رؤوس الأضاحي وأرجلها في المهملات، أو يدفنونها؛ لغرض التخلص من العناء في تنظيفها، والحال أنه يوجد في رؤوسها دماغ من اللحم، وأرجلها مما يؤكل، فهل يُعد صنيعهم هذا من إضاعة المال؟
سائل يسأل عن هيئة الدعاء على القبر بعد الدفن، وهل يكون سرًّا أو جهرًا؟ وإذا لم تكن المقابر بها تصدعات ولا شقوق وليس فيها ما يمنع من استعمالها، فهل يجوز هدمها وتجديدها؟
يقول السائل: خلقنا المولى سبحانه وتعالى مختلفين، ووجَّه الشرع الشريف اهتمامه وعنايته بكل فئة من فئات المجتمع، ومن هذه الفئات (ذوي الهمم)؛ فنرجو من فضيلتكم بيان اهتمام الشرع الشريف ورعايته لهم بتخفيفه عنهم في جانب التكليفات، وبيان حقوقهم بصفة خاصة.