يقوم بعض التجار بشراء الثمار التي لم يُزْرَع بِذْرُها، فما حكم هذه المعاملة شرعًا؟
شراء الثمار التي لم يُزْرَع بِذْرها غير جائزٍ شرعًا؛ لما فيه من الغرر والجهالة ولأنه بيعٌ لمعدومٍ -أي غير موجود-، وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع المعدوم.
وتُصحح هذه المعاملة بعقد السَّلَم الذي هو بيع مُؤَجَّلٍ بمُعَجَّلٍ؛ وذلك بأَنْ يتَمَّ الاتفاق على المبيع ووصفه بما ينفي الجهالة عنه، فإذا حَلَّ الوقت وكانت الثمار مطابقةً للشروط والمواصفات التي اتفق عليها الطرفان مِن قَبْل استَحَق المشتري الثَّمَر بمقتضى المطابقة للمواصفات والشروط، وإلَّا وجب على البائع توفير ما يُوفِّي بما اتفق عليه من المواصفات.
المحتويات
أحكام المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية على عمومها شُرعت لتحقيق منافع الخلق وتلبية احتياجاتهم، وذلك في إطارٍ من الأوامر والنواهي الشرعية التي تعمل على تحقيق العدالة في تحصيل كل طرفٍ لمنفعته بتعامله مع الطرف الآخر، فأحلَّ اللهُ البيعَ والشراء في أصلِهما؛ فقال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]؛ حيث بيَّن سبحانه أَنَّ جنس البيع حلال؛ قال الإمام القرطبي في "تفسيره" (3/ 356، ط. دار الشعب): [قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ هذا من عموم القرآن، والألف واللام للجنس لا للعهد؛ إذ لم يتقدم بيعٌ مذكورٌ يرجع إليه] اهـ.
وهذا الحِلُّ ينسحبُ على كلِّ أنواع البيوع إلَّا ما نَصَّ الشرع على حرمته واستثناه من حكم الأصل؛ وذلك كالبيوع المشتملة على الرَّبَا أو غيره من المحرمات؛ يقول الإمام الشوكاني في "فتح القدير" (1/ 339، ط. دار الكلم الطيب، بيروت): [﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ أي: إن الله أحلَّ البيع، وحرَّم نوعًا من أنواعه، وهو البيع المشتمل على الربا] اهـ.
ما يقوم به بعض التُّجَّار من شراء الثمار التي لم يُزْرَع بِذْرها فإنَّ هذه المعاملة تُكيَّف عند الفقهاء على أنَّها "بيع الثمار قبل وجودِها"، وقد أجمع الفقهاء على عدم جواز هذه المعاملة؛ لأنها بيعٌ لمعدومٍ -أي غير موجود-، وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع المعدوم؛ فعن حكيمٍ بن حزام رضي الله عنه قال: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي مِنَ البَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدي؛ أَبْتَاعُ لَهُ مِنَ السُّوقِ، ثُمَّ أَبِيعُهُ؟ قَالَ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» رواه الترمذي والنسائي وأبو داود في "سننهم".
كما أن فيها غررًا وجهالةً؛ إذ قد تُصيبُ المبيعَ جائحةٌ من حرٍّ أو بردٍ شديدين أو ريحٍ أو غيرها، والغرر والجهالة منهيٌّ عنهما شرعًا؛ لما روى مسلمٌ في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ".
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (10/ 156، ط. دار إحياء التراث العربي): [وأما النهي عن بيع الغرر فهو أصلٌ عظيمٌ من أصول كتاب البيوع، ولهذا قدمه مسلمٌ، ويدخل فيه مسائلُ كثيرةٌ غير منحصرة؛ كبيع الآبق والمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه، وما لم يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء الكثير، واللبن في الضرع، وبيع الحمل في البطن، وبيع بعض الصبرة مبهمًا، وبيع ثوبٍ من أثواب، وشاة من شياه، ونظائر ذلك؛ وكل هذا بيعه باطل] اهـ.
وقال في "المجموع" (9/ 257، ط. دار الفكر): [(ولا يجوز بيع المعدوم؛ كالثمرة التي لم تخلق؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر"، وَالْغَرَرُ مَا انْطَوَى عَنْهُ أَمْرُهُ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ عَاقِبَتُهُ، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها في وصف أبي بكر رضي الله عنه: "فردٌ نشر الاسلام على غُرةٍ"؛ أي على طيّه، والمعدوم قد انطوى عنه أمره وخفي عليه عاقبته فلم يجز بيعه] اهـ.
لكن يمكن أن يتم ذلك عن طريق عقد السَّلَم الذي هو بيع مُؤَجَّلٍ بمُعَجَّلٍ، وأصل مشروعيته حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث، فقال: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» متفقٌ عليه.
وقد ثبت الإجماع على مشروعية السَّلم -راجع: "مغني المحتاج" (3/ 3)، و"كشاف القناع" (3/ 285)-، وهو من العقود التي تدعو إليها حاجة الناس؛ فكان في تشريعه رفعًا للحرج عنهم، ودفعًا للمشقة فيما يتعلق بجانب الماليات التي يحتاجون إليها في حياتهم ومعاشهم وإصلاح أرضهم وتَعَهُدِ زرعهم إلى أن يُـحصَدَ ويُنتَفَعَ بِثمنه.
قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (4/ 185، ط. دار إحياء التراث العربي)، في الكلام عن مشروعية عقد السَّلَم: [ولأن بالناس حاجة إليه؛ لأن أرباب الزروع والثمار والتجارات يحتاجون إلى النفقة على أنفسهم وعليها لتَكْمُل، وقد تُعْوِزُهُم النفقة، فَجَوَّزَ -أي الشارع- لهم السلم ليرتفقوا ويرتفق المسلم بالاسترخاص] اهـ.
والسَّلَم عند جماهير أهل العلم جائزٌ في كل مالٍ يجوز بَيْعُهُ وَتُضْبَطُ صِفَاتُهُ، بما في ذلك النقود، أما ما لا يمكن ضبط صفاته من الأموال فلا يصح السلم فيه؛ لأنه يفضي إلى المنازعة والمشاقة، وعدمها مطلوبٌ شرعًا.
قال الإمام ابن بطال في "شرحه على صحيح البخاري" (6/ 365، ط. مكتبة الرشد): [أجمع العلماء أنه لا يجوز السلم إلا في كيل معلوم أو وزن معلوم فيما يكال أو يوزن، وأجمعوا أنه إن كان السلم فيما لا يكال ولا يوزن فلا بد فيه من عددٍ معلوم، وأجمعوا أنه لا بد من معرفة صفة الشيء المُسْلَم فيه] اهـ.
وطريقة السَّلَم هنا: أَنْ يتَمَّ الاتفاق على المبيع ووصفه بما ينفي الجهالة عنه، فإذا حَلَّ الوقت وكانت الثمار مطابقةً للشروط والمواصفات التي اتفق عليها الطرفان مِن قَبْل استَحَق المشتري الثَّمَر بمقتضى المطابقة للمواصفات والشروط، وإلَّا وجب على البائع توفير ما يُوفِّي بما اتفق عليه من المواصفات.
بناءً على ما سبق: فشراء الثمار التي لم يُزْرَع بِذْرها غير جائزٍ شرعًا، وتُصحح هذه المعاملة بعقد السَّلَم وَفْق شروطه المتقدِّم ذِكْرُها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم البيع بالتقسيط مع تحديد زيادة الثمن في مقابل الأجل؟ حيث يقول السائل: إذا احتجت إلى سلعة معينة فأقوم بطلبها من تاجر؛ فيقوم هذا التاجر بشرائها ثم يسلمها لي، وأقوم بتقسيط ثمنها إليه مع زيادة محددة في الثمن متفق عليها؛ فما حكم ذلك شرعًا؟
ما حكم تصوير المنتج وإعلانه عبر مواقع التواصل قبل تملكه؟ فهناك شخصٌ يُصَوِّر بعضَ المنتَجات بالمحلات بعد إذن أصحابها مِن التُّجَّار، ثم يَعرِضُها على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة به، مُشيرًا إلى أنه سيُوَفِّرُها حسب الطلب، فإذا طلب المنتَجَ أحدُ المتابعين لصفحاته، فإن هذا الشخص المُعلِن يشتري المنتَجَ المطلوب مِن التاجر صاحب المحل الذي سَبَق أنْ أَذِنَ له بعَرْض مُنتَجه، ثم يبيعه للشخص الذي طلبه مِن خلال صفحته بزيادة عن السعر الذي اشتراه به من المحل، على أن يتم دفع ثمن السلعة عند الاستلام، فما حكم ذلك شرعًا؟
على مَن تجب تكلفة إرجاع السلعة حال الشراء أون لاين online؟ فقد باع رجل كتبًا إلى آخر، وتمت عملية البيع عن طريق الإنترنت، واتفقا على أن يكون للمشتري بعد أن يعاين الكتب حقُّ إرجاعها واسترداد قيمتها مرة أخرى، وذلك خلال أسبوعين تبدأ من تاريخ استلامها، وعندما وصلت الكتب واستلمها المشتري وعاينها رغب في إرجاعها، فطلب من شركة الشحن أن تعيدها إلى البائع مرة أخرى، فعلى مَن تجب تكلفة الإرجاع؟
ما حكم بيع الثمار قبل نضجها؟ حيث يقول السائل: في بلادنا يتعاقد الفلاح (البائع) والمشتري على القمح والشعير وأمثالهما من الحبوب قبل نضجها؛ فالبائع يأخذ المال مقدمًا، وحين تظهر الحبوب وتنضج يحصدها المشتري ويأخذها؛ فهل هذا البيع جائز؟ وهل يدخل تحت بيع السلم مِن منظور المذهب الحنفي؟
ما حكم اقتناء الحيوانات الطاهرة والانتفاع بها وتداولها بالبيع والشراء؟ وما حكم لعب الأطفال الصغار مع الطيور؟
حكم بيع قائمة بأرقام الهواتف بمبالغ معينة لبعض الشركات أو الأفراد للمساعدة في التواصل مع أصحاب هذه الأرقام؟ فهناك بعض الأفراد الذين يعملون في بعض الجهات التي تقدم خدمات لجمهور المتعاملين معها، ويقوم هؤلاء الأفراد بجمع أرقام هواتف العملاء وبياناتهم وعمل قائمة بها دون علم أصحابها، ثم يبيعونها لشركاتٍ أخرى تقدم خدماتٍ للجمهور، مقابل مبلغ مالي. فما حكم الشرع في ذلك؟