16 يوليو 2024 م

المبحث الأول دور الفتوى في استقرار حياة الفرد والمجتمع

المبحث الأول دور الفتوى في استقرار حياة الفرد والمجتمع

الفتوى منصب عظيم الأثر، بعيد الخطر، وهي وظيفة إسلامية جليلة، وعمل ديني رفيع، ومهمة شرعية جسيمة، ينوب فيها الشخص بالتبليغ عن رب العالمين، ويؤتمن على شرعه ودينه، فإن المفتي - كما قال الإمام الشَّاطبي- قائم مقام النبي ﷺ فهو خليفته ووارثه، وفي الحديث:«الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ»([1]). وهو نائب عنه في تبليغ الأحكام، وتعليم الأنام، وإنذارهم بها لعلهم يحذرون، وهو إلى جوار تبليغه في المنقول عن صاحب الشريعة، قائم مقامه في إنشاء الأحكام في المستنبط منها بحسب نظره واجتهاده، فهو من هذا الوجه شارع، واجب اتِّبَاعه، والعمل على وفق ما قاله، وهذه هي الخلافة على التحقيق([2]).

وقد لجأ المسلمون إلى الاستفتاء منذ الصدر الأول للإسلام، فصدرت فتاوى سيد المرسلين،وإمام المفتين، وخلفه في ذلك علماء الصحابة والتابعين، ومن سار على نهجهم من أئمة هذا الدين، وما ذلك إلا لأهمية الفتوى، وحاجة الأمة إليها، ولاسيما في هذه العصور التي قلَّ فيها الإقبال على العلم، واكتفى الكثير منهم بالسؤال عما يعرض لهم، أو يُشكل عليهم من أمر دينهم.

ولئن كانت حاجة الأمة إلى الفتوى كبيرة فيما مضى، فإن الحاجة إليها في هذه الأيام أشد وأبقى، فقد تمخض الزمان عن وقائع لا عهد للسابقين بها، وعرضت للأمة نوازل لم يخطر ببال العلماء الماضين وقوعها، فكانت الحاجة إلى الإفتاء فيها شديدة، لبيان حكم الله تعالى في هذه النوازل العديدة إذ لا يعقل أن تقف شريعة الله عاجزة عن تقديم الحلول الناجحة لمشكلاتهم، المتسعة لكل ما يحدث لهم أو يشكل عليهم، وهي الشريعة الصالحة لكل زمان، الجديرة بالتطبيق في كل مكان.

وعلى هذا الأساس فإنَّ أكثر الأمور خطورة على المجتمع خلوه من العلماء العاملين الذين يستطيعون أن يفتوا الناس على علم ويتابعوا المستجدات ويصدروا الفتاوى على أساس نظرهم لها؛ لأن خلو الزمان من العلماء هو نذير نهاية الناس وتخبطهم في أهوائهم عدم اتساق حياتهم مع أمور الشريعة، وقد نبَّهَ الله تعالى على وجوب متابعته وطاعته وطاعة النبي الكريم وأولي الأمر كذلك قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ الله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59].

وإذا كان الله أمرنا بردِّ التنازع إليه وإلى رسوله- أي إلى الكتاب والسنة- فإن أعلمَ الناس بالكتاب والسنة هم العلماء العاملون، ومن هنا وجب سؤال أهل العلم والالتزام بفتواهم؛ لأن هذا محط استقرار دنيا الناس، وله أثر كبير في استقرار المجتمعات؛ ولذلك يقول سهل بن عبد الله رحمه الله: لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإذا عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإذا استخفوا بهذين أفسد دنياهم، ومن هذا المنطلق فإن هناك ارتباطًا كبيرًا بين صدور الفتوى الرشيدة واستقرار المجتمع.

خطورة فوضى الإفتاء الفضائي من غير المتخصص:

المقصود بالإفتاء الفضائي: أي الفتاوى الصادرة من أولئك الذين تستضيفهم القنوات الفضائية في البرامج الدينية أو غير الدينية؛ وصورة ذلك: أن يطرح موضوع من المواضيع المتنوعة في برنامج من البرامج التلفزيونية، سواء في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو الديني، وسواء كانت هذه المواضيع حاضرة في الساحة اليومية أو لا ويقوم الضيوف من المشايخ بمناقشة هذه المواضيع بإبداء الحكم الشرعي في الموضوع المطروح أمامه، وهذه الصورة المذكورة ليست الوحيد بل ثمة صور منوعة بتنوع البرامج في القنوات الفضائية سواء كانت هذه القنوات دينية أو غير دينية.

ولابد من التنبيه أن كلمة المشايخ التي ذكرت في الصورة السابقة فيها تجوز حيث إن كلمة المشايخ هنا ليس المقصود فيها المعنى الشرعي بل المعنى العرفي حيث صار كل من تزيَّ بزي المشايخ يطلق عليه هذا اللقب، وهنا مكمن الخطر حيث يتكلم ويفتي في الدين من ليس له من اسم العالم إلا الرسم، فيفتي فيَضل ويُضل غيره.

وتأتي خطورة الفوضى في الفتاوى الفضائية من أهمية الإفتاء في الأصل ذلك أن الإفتاء مسؤولية عظيمة، وأمانة ثقيلة، كما أنَّه منصب جليل، ووظيفة شريفة، وأثره في إصلاح الأفراد والمجتمعات ظاهر، والحاجة إليه من أمس الحاجات، بل تبلغ مبلغ الضرورات، فليس كل الناس بل ولا أكثرهم يحسن النظر في الأدلة ويعلم حكم الله فيما يعرض له من مسائل ومشكلات، بل هو بحاجة إلى سؤال أهل العلم، ومعرفة حكم الله تعالى فيما يحتاجه من خلال فتاواهم وأجوبتهم؛ كما قال ربنا سبحانه: ﴿فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:43] وقال أيضًا: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء:83].

ومع رغبة الناس في الاستقامة والتمسك بالدين، وتوفر وسائل الإعلام والاتصال، وكثرة معطيات الحياة العصرية وتجددها، وتشعب الحياة وتعقدها، والتداخل بين الدول والشعوب، وسعة التعامل بين المسلمين وغير المسلمين، وتسابق أهل الأهواء وأتباع الديانات والمذاهب المنحرفة إلى نشر أفكارهم، وإقناع الناس بضلالاتهم، زادت حاجة الناس وعظمت رغبتهم في معرفة المشروع والممنوع، والحق والباطل، وتمييز الحلال من الحرام، ولذلك كانت برامج الإفتاء في القنوات الفضائية هي أكثر البرامج قبولًا، وأوسعها انتشارًا، وأعمها تأثيرًا. وبما أن الفتوى ذات أثر كبير في حياة الأفراد والمجتمعات، ونظرًا لكثرة المفتين، وتعدد مشاربهم، كانت فوضى الإفتاء ذات خطورة كبيرة على الفرد والمجتمع لشيوع هذه الفتاوى حيث لم تترك القنوات الفضائية بيتا إلا ودخلته فصارت الفتوى تسمع في نفس الوقت في مشارق الأرض ومغاربها.

هذه الفوضى التي نتجت بعد أن شاب الإفتاء الفضائي كثيرٌ من المكدرات، والممارسات الخاطئة، بسبب تصدي بعض أهل الجهل والأهواء لهذا المنصب الخطير؛ مما انعكس أثره سلبًا على أمتنا وديننا الإسلامي وتكمن الخطورة أيضا أنه وبسبب تعاظم فوضى الإفتاء بمختلف مسبباتها، وجدنا بعض الناس يحارب الإفتاء الفضائي، وينادون بمنع برامج الإفتاء الفضائية جملة وتفصيلًا، فيعالجون الخطأ بخطأ أشنع منه، وربما تسببوا في توهين عزائم بعض العلماء الثقات عن القيام بهذا الواجب العظيم، والتصدي لهذه المهمة الجليلة، وسدِّ هذه الحاجة الملحَّة، وحرمان الناس من علمهم وتوجيهاتهم، ويجهل هؤلاء أو يتجاهلون أثر هذه البرامج في نشر العلم الشرعي وتبصير الناس، وأداء الأمانة، والنصيحة للأمة، وإشاعة الخير في الأرض، وإصلاح المجتمع ومحاربة الفساد والمفسدين، وقطع الطريق على الأدعياء والمتعالمين، وأثرها الكبير في حل مشكلات الناس والتجاوب مع همومهم وحاجاتهم، والإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم.

ولا يخفى على من له أدنى معرفة بأحوال الناس وحاجتهم إلى الفتيا أنَّ الفتوى إذا كانت مؤصلة تأصيلًا شرعيًّا سليمًا لها أثر كبير في هداية الناس وإسعادهم، وحل مشاكلهم، وتخفيف معاناتهم، وتفريج كرباتهم، وإصلاح ذات بينهم، وتعليمهم حكم الله في عباداتهم ومعاملاتهم وشتى شؤون حياتهم، وتحذيرهم من المعاصي والأهواء والضلالات، وحملهم على أداء الأمانات، والقيام بالحقوق والواجبات، مما يسهم كثيرًا في إقامة الدين وإعلاء كلمة الله، وحفظ حقوق العباد وحماية مصالحهم، وتحقيق النهوض الحضاري للأمة الإسلامية في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية. وبما أن الإفتاء فريضة ربانية، وواجب شرعي، فالدين هو النصيحة، وقد بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وجعل القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أوصاف المؤمنين، وأخذ العهد على العلماء أن يقولوا الحق ولا يداهنوا فيه، وأن يبينوه للناس ولا يكتموه، ولعن من يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى، وتوعد من سئل عن علم فكتمه بأنه يلجم بلجام من نار يوم القيامة، فلهذا وغيره كانت محاربة فوضى الإفتاء الفضائي مطلوبة لدرء الخطر المترتب عليه خصوصًا بعد الذي علمنا من أثر برامج الإفتاء في المجتمع المسلم.

ومن باب محاربة تلك الفوضى بات علينا أن نطرح حلولًا تعالج هذه الأزمة، ونحن نقترح الحلول التالية:

أولًا: إعادة هيكلة فكر المسلم المتلقي عبر الفضائيات وذلك عن طريق برامج توعوية تُساهِم بشكل أو بآخر في بلورة فكر يملك استعدادتٍ لتلقي كل شيء بشكل واع مع دقة في معالجة كل المعلومات التي يستقبلها من البرامج الفضائيَّة على أن يشرف على مثل هذه البرامج أهل الاختصاص من المجالاتِ التي تمس هذه المسألة من قريب أو بعيد.

ثانيًا: إلزام الإعلام الرجوع إلى أهل الاختصاص ممن لهم الأهلية في إصدار الفتوى، بحيث تصبح السَّاحة خالية لمثل هؤلاء ممَّن تكمن فيه الشروط التي تؤهلهم لمثل هذا المنصب.

ثالثًا: أن يُمنع إصدار أي فتوى من الفتاوى العامة والتي تتناول قضايا مهمَّة في الرأي العام بشكل فردي بل أن تصدر مثل هذه الفتاوى بصفة جماعية من مفتين معتمدين، ففتوى في حكم من إحكام الصلاة لفرد من المجتمع ليست كفتوى تهم وتخص الأمة بمجموعها فمثل هذه الفتاوى لابد أن يجمع لها المؤهلون ليتباحثوا فيها ويصدروا فتوى جماعية في مثل هذه القضايا.

- وبعد أن تحدثنا عن خطر فوضى الإفتاء نقول يجب على المؤمن أن يحتاط لدينه، فإذا أشْكلَ عليه شيء سأل العالم الذي يثق به في دينه، وقد مَرَّ معنا الآثار والأضرار السيئة التي تؤثر بالمجتمع الإسلامي عندما تؤخذ الفتاوى من غير أهلها.

 

([1]) أخرجه أحمد في مسنده (21715) من حديث أبي الدرداء.

([2]) انظر: الموافقات (5/ 262) للإمام الشَّاطبي- تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان- دار ابن عفان- الطبعة الأولى - 1997م.

من مقومات الأمم التي لها تاريخ حضاري أنها ترتبط بثقافتها وتراثها اللذين يمثلان خصائص وجودها وهويتها، فتاريخ الأمم هو المعبر عن ثرائها وخبرتها الحضارية في الوجود الإنساني، ومدى تفاعلها مع القضايا الإنسانية المختلفة، ولا يمكن إهمال ذلك التاريخ وتلك الخبرة أثناء السعي لبناء واقع أفضل في كل المجالات، لأن هذه الخبرة تتداخل في كل الجوانب الإنسانية، المعرفية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية، وهي ذاتها الجوانب التي يسعى الإنسان إلى تطويرها والتقدم فيها في عالمه المعاصر.


لقد راعت الشريعة الإسلامية الكثير من الضوابط والشروط في من يكون له حق التكلم في الشأن الديني ويتصدر للحديث عن الدين والشريعة؛ لما يترتب على ذلك من مسئوليات كبيرة ومخاطر جسيمة


إن المحور الأهم لفكر الخوارج هو اتهام المسلمين بعدم تطبيق شرع الله سبحانه وتعالى وأوامره، ظهر ذلك مع أول خارجي وهو الأقرع بن حابس، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: بينما نحن عند رسول الله ﷺ وهو يقسم قسمًا، أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل، فقال: «ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل». فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرب عنقه؟ فقال: «دعه، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه- وهو قدحه- فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس» قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله ﷺ، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به، حتى نظرت إليه على نعت النبي ﷺ الذي نعته( ).


جعل الله سبحانه وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وجعل رسالته خاتمة الرسالات السَّماوية، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: 40] وإذا كان الحال كذلك فإنَّ شريعته صلى الله عليه وسلم خاتمةُ الشَّرائع، وهذا يعني أن هذه الشريعة شريعةٌ باقية، شريعة ممتدة لم تكن لوقته صلى الله عليه وسلم وزمنه المبارك فحسب، بل هي صالحةٌ في زمننا هذا وصالحة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها يوم القيامة.


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد؛ ففي تسجيل مرئي منشور على شبكة الانترنت يظهر القرضاوي أحد أكبر دعاة الفتنة ويفتي الناس بجواز أخذ الرشوة الانتخابية والتظاهر ببيع الصوت إذا احتاج الإنسان إلى ذلك، وحتى لو حلَّفه الراشي أنه سينتخب فلانًا مقابل هذا المال، فيأخذ المال ويحلف، ثم ينتخب من يراه الأحق بصوته أو المرشح الصالح، وهذا القَسَم لا يجب الإبرار به لأنه قسم على معصية! وإذا أبرَّ بقسمه وانتخب من حلف أنه سينتخبه، ففي هذه الحالة عليه إثمين، إثم أخذ المال، وإثم إعطاء الصوت للمرشح الفاسد!


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 24 أبريل 2025 م
الفجر
3 :45
الشروق
5 :18
الظهر
11 : 53
العصر
3:29
المغرب
6 : 28
العشاء
7 :51