القضايا المتعلقة بذوي الهمم من واقع فتاوى دار الإفتاء المصرية

القضايا المتعلقة بذوي الهمم من واقع فتاوى دار الإفتاء المصرية

الحمد لله، والصلاة  والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه، وبعد:
فمن المعلوم أَنَّ دين الإسلام هو دين الرحمة والتيسير على عباد الله؛ يقول تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]، وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال النبي : ((إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة، والذي نفس محمد بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة))[1].

لذلك فإنَّ من محاسن الشرع الشريف أنه قد رفع الحرج في كثيرٍ من العبادات والواجبات عن بعض المكلفين؛ كقَصْر الصلاة، والجمع بين الصلوات للمسافر، وجواز إفطار المسافر وأصحاب المهن الشاقة في نهار رمضان والقضاء بعد ذلك في أيام أخرى.

وممن خصهم الشرع الشريف بمزيدٍ من التيسير ورفع الحرج عنهم: ذوو الاحتياجات الخاصة، سواء كانت المشاكل والصعوبات الخاصة بهم جسدية أو ذهنية أو كلها معًا، فقد قدَّر الإسلام ظروفهم وأعذارهم، فأسقط عنهم الكثير من التَّكاليفِ الشرعية؛ سواء كانت فرائض وواجبات أو سننًا ونوافل؛ يقول تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: 17]، فقد نفت الآية الكريمة الحَرَج عن أصحاب الأعذار ذوي المشاكل الجسدية الذين تَخَلَّفوا عن الجهاد مع رسول G، واستثنتهم من الوعيد والعقوبة التي ستنال المتخلفين عن الجهاد بلا عذر[2].

كما وَرَد في السنة النبوية ما يدل على رفع الحرج عن أصحاب الأعذار، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال: ((صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب))[3].

ومن ناحية أخرى؛ فقد أمَرَنا الإسلام أن نُحْسِن إلى هذه الفئة من المجتمع، ونُوفِّر لهم أسباب الراحة التي تعينهم على شؤون حياتهم، ونهانا عن السخرية أو التَّنَمُّر والاعتداء عليهم، ومَنَع كلَّ ما يُخلُّ بإنسانيتهم، ويحط من كرامتهم؛ كالاستهزاء، أو همزهم ولمزهم ونحو ذلك من الأمورِ المقيتةِ التي يَرْفضها الشرع الشريف؛ يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].

ولمعالجة هذا الجانب وقيامًا بالدَّورِ المنوط بدار الإفتاء المصرية في نشر الأحكامِ الشرعيَّة التي يحتاج إليها الناس في واقعنا الحاضر؛ فقد صَدَر عن دار الإفتاء المصرية عبر إداراتها المختلفة عدة فتاوى تعالج بعض الأمور التي يحتاج إليها ذوو الاحتياجات الخاصة، ومَنْ يقوم على شأنهم ورعايتهم؛ لكن بالنظر إلى واقعنا المعاصر وجدنا أن الحاجة ماسة إلى مزيدٍ من التَّفصيلِ والتوضيح حول القضايا المتعلقة بهم؛ لأنها تعتبر أمرًا مُهمًّا لا بد من معالجته بشكل يناسب تلك الفئة من المجتمع، حتى يكونوا على دراية كاملة بأمور دينهم؛ فقمنا بناءً على ذلك بإصدار هذا الكتاب تحت عنوان: «القضايا المتعلقة بذوي الهمم من واقع فتاوى دار الإفتاء المصرية» جمعنا فيه كل ما صَدَر عن دار الإفتاء المصرية من فتاوى تخص ذوي الاحتياجات الخاصة، أو مَن يقوم على أمرهم، مع مزيد إضافات لفوائد وأحكام؛ ليكون هذا الكتاب بمثابة الدليل الشرعي الذي يشتمل على ما يحتاج إليه ذوو الهمم، ومَن يقوم على أمرهم أو يهتم بشأنهم؛ سواء كان من الباحثين المتخصصين أو من عامة القراء.

وهذا الكتاب جَمَع العديد مِن الفتاوى التي تعالج تلك القضايا المتعلقة بذوي القدرات الخاصة؛ سواء كانت في باب العبادات؛ كالصلاة، والزكاة، والحج، أو في باب المعاملات؛ كالزواج، والطلاق، والنفقة، وغير ذلك.

وفي الختام نرجو من الله تعالى أن ينفع بهذا العمل العباد والبلاد وسائر المسلمين، وأن يكون خالصًا لوجهه الكريم، وأن يكون سببًا للنجاة يوم القيامة، وصَلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

والحمد لله أَوَّلًا وآخرًا...

أ.د/ شوقي إبراهيم علَّام

 

[1] أخرجه أحمد في «مسنده» (36/ 623، ط. مؤسسة الرسالة).

[2] ينظر: «أنوار التنزيل وأسرار التأويل» للبيضاوي (5/129، ط. دار إحياء التراث العربي).

[3] أخرجه البخاري.

 

تصفح الكتاب

مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 24 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :56
الشروق
6 :27
الظهر
12 : 57
العصر
4:33
المغرب
7 : 27
العشاء
8 :48