الأربعاء 03 ديسمبر 2025م – 12 جُمادى الآخرة 1447 هـ

حكم الاحتكار بقصد زيادة الأسعار

تاريخ الفتوى: 15 أكتوبر 2025 م
رقم الفتوى: 8776
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: البيع
حكم الاحتكار بقصد زيادة الأسعار

ما حكم الاحتكار بقصد زيادة الأسعار؟ فوالدي تاجر، ويشتري بعض السلع ويقوم بتخزينها إلى حين أن يرتفع سعرها في السوق؛ ليحقق ربحًا أكثر، فما حكم ما يفعله والدي؟

شراء السلع وتخزينها وحبسها حتى تقل بين الناس، ثم يظهرها البائع ويرفع سعرها ارتفاعًا مبالغًا فيه استغلالًا لنُدرتها -من الاحتكار، وهو محرَّمٌ في الشريعة الإسلامية، ويجلب لصاحبه اللَّعن في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة؛ لما فيه من وقوع الضرر والتضييق على الناس،  فهو محرَّم شرعًا ومجرَّم قانونًا.

المحتويات

 

أحل الله البيع تحقيقا لمصالح العباد

من المقرر شرعًا أنَّ الله سبحانه وتعالى قد أحلَّ لنا البيع؛ لما فيه من تحقيق مصالح العباد، وتبادُل المنافع بينهم، قال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]، ويُستثنَى من ذلك ما نهى عنه الشرع الشريف من بعض التصرفات التي قد تضرُّ بمصالح الناس؛ قال الإمام الشافعي في "الأم" (3/ 3، ط. دار المعرفة): [فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزي الأمر فيما تبايعا إلَّا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها] اهـ.

حكم الاحتكار لزيادة الأسعار وتحقيق أرباح عالية

من التصرفات التي قد تضرُّ بمصالح الناس "الاحتكار"، وهو: رصد الأسواق انتظارًا لارتفاع الأثمان، كما في "الشرح الصغير" للشيخ الدردير المالكي -ومعه حاشية الصاوي-" (1/ 639، ط. دار المعارف).

ومفاد هذا التعريف أنَّ الاحتكار: حبسُ كلِّ ما يضرُّ العامَّةَ حبسُه؛ وذلك عن طريق شراء السلع وحبسها، فتقِلُّ بين الناس، فيرفع البائع من سعرها استغلالًا لنُدرتها، ويصيب الناس بسبب ذلك الضرر.

وقد نهى الشارع عن الاحتكار وحرَّمه؛ ودَلَّت النصوص الشرعية على أَنَّه من أخطر الذنوب والمعاصي، والتي تجلب لصاحبها اللَّعن في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة؛ فعن معمر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ» أخرجه الإمام مسلم.

وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» رواه ابن ماجه والبَيْهَقِي.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنِ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أَنْ يُغْلِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خَاطِئٌ» رواه الإمام أحمد.

وقد حمل جمهور الفقهاء هذه الأحاديث وغيرها على الحرمة، وعدَّه البعض من الكبائر؛ قال الإمام النووي الشافعي في "شرحه على صحيح مسلم" (11/ 43، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال أهل اللغة: الخاطئ بالهمز هو العاصي الآثم، وهذا الحديث صريحٌ في تحريم الاحتكار] اهـ.

وقال العلامة المُلَّا علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (5/ 1951، ط. دار الفكر): [(والمحتكر ملعون): أي: آثم بعيد عن الخير ما دام في ذلك الفعل ولا تحصل له البركة. قال الطِّيبي: "قوبل الملعون بالمرزوق والمقابل الحقيقي مرحوم أو محروم ليعم، فالتقدير: التاجر مرحوم ومرزوق لتوسعته على الناس، والمحتكر محروم وملعون لتضييقه عليهم"] اهـ.

وقال العلامة ابن حجر الهَيْتَمِي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 387، ط. دار الفكر): [الكبيرة الثامنة والثمانون بعد المائة الاحتكار] اهـ.

هذا، والاحتكار إنما حرم للإضرار؛ لأنَّ فيه تضييقًا على الناس يُلْحق بهم ضررًا؛ قال العلامة ابن مودود الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (4/ 160، ط. الحلبي): [لأنَّ فيه -أي: الاحتكار- تضييقًا على الناس فلا يجوز] اهـ.

قال العلامة الحَطَّاب في "مواهب الجليل" (4/ 227، ط. دار الفكر): [وحكمة مشروعيته -أي: البيع- الرفق بالعباد، والتعاون على حصول المعاش؛ ولهذا يمنع من احتكار ما يضر بالناس، قال في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من "المدونة": قال مالك: والحكرة في كل شيء من طعام أو إدام أو كتان أو صوف أو عصفر أو غيره فما كان احتكاره يضر بالناس مُنِعَ محتكره من الحكر] اهـ.

وقال العلامة السبكي في تكملة "المجموع" (13/ 48، ط. دار الفكر): [والحكمة في تحريم الاحتكار دفع الضرر عن عامة الناس، كما أجمع العلماء على أنَّه لو كان عند إنسان طعام واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره أُجبِر على بيعه دفعًا للضرر عن الناس] اهـ.

وقال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار" (5/ 262-263، ط. دار الحديث): [وظاهر أحاديث الباب أنَّ الاحتكار محرَّم من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب وبين غيره. والتصريح بلفظ: (الطعام) في بعض الروايات لا يصلح لتقييد بقية الروايات المطلقة، بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق؛ وذلك لأنَّ نفي الحكم عن غير الطعام إنما هو لمفهوم اللقب، وهو غير معمول به عند الجمهور، وما كان كذلك لا يصلح للتقييد على ما تقرر في الأصول.. والحاصل أنَّ العلة إذا كانت هي الإضرار بالمسلمين لم يحرم الاحتكار إلَّا على وجه يضرُّ بهم، ويستوي في ذلك القوت وغيره؛ لأنَّهم يتضررون بالجميع] اهـ.

موقف القانون المصري من الاحتكار

قد جرَّم المشرع المصري فعلَ الاحتكار وجعله من الأفعال المحظورة التي تستوجب العقوبة؛ حمايةً لحرية المنافسة وصونًا لحقوق المستهلكين، ومنعًا للتلاعب بالأسواق، فقد نص قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية رقم (3) لسنة 2005م في المادة (8) على أنَّه: [يُحظَر على من تكون له السيطرة على سوق معينة القيام بأي مما يأتي: فعل من شأنه أن يؤدي إلى منع كلي أو جزئي لعمليات التصنيع أو الإنتاج أو التوزيع لمنتج لفترة أو فترات محددة.. وفعل من شأنه أن يؤدي إلى الاقتصار على توزيع منتج دون غيره على أساس مناطق جغرافية أو مراكز توزيع أو عملاء أو مواسم أو فترات زمنية، وذلك بين أشخاص ذوي علاقة رأسية... الامتناع عن إنتاج أو إتاحة منتج شحيح متى كان إنتاجه أو إتاحته ممكنة اقتصاديًّا] اهـ.

كما قرر في المادة (22) العقوبة على مخالفة هذه الأحكام، فجعلها غرامة مالية لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه ولا تجاوز عشرة ملايين جنيه، مع جواز الحكم بالمصادرة أو فرض غرامة بديلة تعادل قيمة المنتج محل المخالفة؛ وذلك تعزيرًا للمحتكر وزجرًا له عن الاستمرار في هذه الممارسات.

الخلاصة

بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فشراء السلع وتخزينها وحبسها حتى تقلّ بين الناس، ثم يظهرها البائع ويرفع سعرها ارتفاعًا مبالغًا فيه استغلالًا لنُدرتها من الاحتكار، وهو محرَّمٌ في الشريعة الإسلامية، ويجلب لصاحبه اللَّعن في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة؛ لما فيه من وقوع الضرر والتضييق على الناس،  فهو محرَّم شرعًا ومجرَّم قانونًا.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

هل الاحتفال برأس السنة الميلادية، بما يتضمنه من مظاهر الاحتفال كتعليق الزينة حرام شرعًا أم حلال؟ وما حكم تهنئة المسيحيين فيه؟ وكيف نرد على من يدَّعي أن ذلك حرام؛ لأن فيه مشاركةً لغير المسلمين في أعيادهم وشعائرهم؟ أو بدعوى أن يوم الميلاد لم يأت إلا مرة واحدة؛ فهو يختلف عن نظيره في كل عام؟ أو بدعوى أن مولد المسيح عليه السلام لم يكن في رأس السنة الشمسية؟


نهى الله سبحانه وتعالى عن الهمز واللمز؛ كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾. فما المراد بهما؟


ما حكم الشرع في بيع السلع بعرض عينات منها عن طريق مندوب المبيعات؟ فأنا أعمل مندوبًا للمبيعات في منتجات مصانع الأدوات والمستلزمات الطبية، وأبيع لمحلات المستلزمات والأدوات الطبية والصيدليات؛ بحيث أعرض عليهم عيِّنات من هذه المنتجات، وأتفق على بيع مثل هذه العيِّنة بكمية محددة وسعر محدد بناء على الاتفاق بيني وبين القائمين على المحل أو الصيدلية، فما حكم هذا البيع شرعًا؟


ما حكم تأخير حج الفريضة بعد الاستطاعة لرعاية الأم المريضة؟ فهناك شخصٌ أكرَمَه اللهُ تعالى بالقدرة المالية والبدنية على أداء فريضة الحج، لكن أمه مريضة ولا يقدر على تركها، حيث يقوم على خدمتها ورعايتها، وليس لها غيره يرعاها ويقوم على شؤونها في هذا الوقت، فهل يجوز له تأخير الحج إلى العام القادم أو إلى تمام شفائها ثم يَحُجُّ؟


ما حكم بيع السجاد المكتوب عليه لفظ الجلالة؟ فهناك رجلٌ يتاجر في السَّجَّادِ، ومنه سَجَّاد الصلاة المكتوب عليه كلمات للإهداء أو بعض الأسماء، مما يشتمل أحيانًا على لفظ الجَلَالَة -كما في بعض الأسماء المركبة مِن نحو عبد الله وغيرها- أو بعض الكلمات القرآنية، ويَبسُطُه المشتري على الأرض للصَّلاةِ عليه، فهل يحرُم عليه شرعًا بيع السَّجَّاد المشتمل على تلك الكلمات؟


هل يجوزُ وضْعُ المصاحفِ القديمة وكذلك الكتب الدينية القديمة في آلات تقطيع الأوراق (مفرمة) وإعادة تصنيعها مرة أخرى؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 03 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :3
الشروق
6 :35
الظهر
11 : 45
العصر
2:35
المغرب
4 : 55
العشاء
6 :17