الأربعاء 12 نوفمبر 2025م – 21 جُمادى الأولى 1447 هـ

حكم التصرف في الأمانة للمصلحة

تاريخ الفتوى: 22 سبتمبر 2025 م
رقم الفتوى: 8782
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الكسب
حكم التصرف في الأمانة للمصلحة

ما حكم التصرف في الأمانة للمصلحة؟ فقد أعطاني شخص مبلغًا من المال على سبيل الأمانة لحفظه، فبادرت دون إذنه إلى شراء ذهب نظرًا لترقُّب ارتفاع أسعاره، فما حكم هذا التصرف؟ ومن يستحق الربح أو يتحمَّل الخسارة المترتبة عليه؟

يحرم على المكلَّف أن يتصرَّف في الوديعة بغير إذن مالكها، حتى ولو كان قصده تحقيق المصلحة له، فإذا جاوز بها حدَّ الحفظ إلى التصرف دون إذن صار متعدِّيًا ضامنًا، فيجب عليه ردُّ المال إلى صاحبه متى طلبه، وضمان ما يترتَّب على فعله من تلف أو نقصان، فإن ترتَّب على تصرُّفه ربحٌ أو نماء، فهو لصاحب المال، وإن حصلت خسارة أو تلف فهي على المودَع وحده، ولا تُحمَّل على ربِّ المال.

المحتويات

 

بيان وجوب أداء  الأماناتِ إلى أصحابها

أَمَرَت الشريعَةُ الإسلاميَّةُ بأداءِ الأماناتِ إلى أصحابها، وعدمِ تضييعِها أو التقصيرِ في حفظِها؛ فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58]، وقال جَلَّ وَعَلَا: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» أخرجه أبو داود والترمذي في "السنن".

وقد أجمع الفقهاء على أنَّ حفظ الأمانة وردها إلى أصحابها سواء أكانوا من الأبرار أم من الفجار أمرٌ واجب شرعًا، كما في "الإشراف" للإمام ابن المنذر (6/ 330، ط. مكتبة مكة الثقافية).

الوديعة عقد من عقود الأمانات

تطلق الأمانة في اصطلاح الفقهاء على ما يكون في يد المكلَّف على سبيل الحفظ، سواء ثبتت بعقدٍ مقصودٍ لذلك كالوديعة، أو تقررت تبعًا لعقدٍ آخر كالإجارة والإعارة. ينظر: "مجلة الأحكام العدلية" (ص: 232، ط. دار ابن حزم).

والوديعةُ عقدٌ مِن عقود الأمانات، والمراد بها: ما يَدفَعهُ الإنسان مِن المال لغيرِه ليحفظَه له على أن يَرُدَّه إليه بعَينِه متى شاء، فهي في حقيقتها أمانةٌ في الذمَّة، لا يَملكُ المودَعُ التصرُّفَ فيها، ولا الانتفاعَ بها، إذ القَصْدُ منها الحفظُ لا التملُّك، والصيانةُ لا الاستعمال. ينظر: "رد المحتار على الدر المختار" للإمام ابن عَابِدِين الحنفي (5/ 662، ط. دار الفكر)، و"شرح مختصر خليل" للإمام الخَرَشِي المالكي (6/ 108، ط. دار الفكر)، و"روضة الطالبين" للإمام النَّوَوِي الشافعي (6/ 324، ط. المكتب الإسلامي)، و"الإنصاف" للإمام علاء الدين المرداوي الحنبلي (6/ 316، ط. دار إحياء التراث العربي).

فهي عقدُ أمانةٍ قِوامُه الحفظُ والرعاية، فلا يَلزم فيه الضمانُ على المودَع إلَّا إذا فَرَّط في صيانتها أو تَعَدَّى عليها؛ إذ حقيقتُها مَعروفٌ وإحسان، والمَعروفُ إذا قُيِّدَ بالضمان بغير جنايةٍ أو عدوانٍ نَفَرَت منه النفوسُ وزَهِد الناسُ في قَبولِه، فينقطع بذلك سبيلُ الإحسان، ويَضيع مقصدُ الشريعة في ترسيخ معاني التراحم والتكافل بين الخَلق، كما قرَّرَ ذلك الإمام الشِّيرازي في "المهذَّب" (2/ 181، ط. دار الكتب العلمية)؛ والأصل في ذلك ما رُوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أُودِعَ وَدِيعَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ» أخرجه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي.

ولا خلاف بين الفقهاء في أنَّ ضمانَ الوديعة لا يَثبُت إلَّا عند التَّعدِّي أو التقصير في حفظها.

قال الإمام ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 108، ط. دار المسلم): [وأجمعوا على أنَّ المودَع إذا أحرز بنفسه في صندوقه، أو حانوته، أو بيته، فتلفت ألا ضمان عليه] اهـ.

حكم التصرُّف في الوديعة بغير إذن صاحبها

أمَّا ما يتعلَّقُ بحكم التصرُّف في الوديعة من قِبَلِ المودَع بغير إذن صاحبها، فمن المقرر شرعًا أنَّه لا يجوز للمودَعِ أن يتصرَّفَ في عينِ الوديعة بأي نوعٍ من أنواع التصرف إلَّا بإذنٍ صريٍح أو ضمنيٍ من مالكها؛ لأنَّ يد المودَع يد أمانة لا يد تصرف، ومقتضى يد الأمانة أن تؤدي واجب الحفظ والصيانة، ولا يجوز العدول عن هذا الأصل وإلا صار متعديًا وخائنًا للأمانة، وقد جاءت النصوص الشرعية بالتحذير من الخيانة وعدِّها من خصال النفاق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» متفق عليه.

استحقاق الربح والخسارة في حال التصرف في الوديعة بغير إذن صاحبها

إذا تَصرَّف المودَع في الوديعة بغير إذن صاحبها فلا يَخلو من حالتين:

الأولى: أن يُفضي إلى ربحٍ، وحينئذ يكون الربح كله لصاحب المال؛ لأنَّه نماء ملكه وثمرة حقِّه، وليس ثمرةً لجهد مشروع من المودَع، فكان مقتضى القواعد أن يُضاف النماء إلى أصله، فيكون الربح لصاحب المال (المودِع)؛ صيانة لأموال الناس عن أن تمتدَّ إليها أيدي غيرهم بغير وجه حق، وسدَّ ذرائع التعدِّي على الحقوق، وقطع أسباب الطمع فيما لا يملكه الإنسان، مع ما فيه من تحقيق استقرار المعاملات، وردع أسباب الخصومة والنزاع.

قال العلامة البُهُوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (2/ 322، ط. عالم الكتب): [ولو اتَّجر وديع بوديعة فالربح لمالكها نصًّا] اهـ.

الثانية: أن يَؤول تصرفه إلى خسارةٍ، فتكون على المودَع وحده دون ربِّ المال؛ لأنَّه متعدٍّ في تصرفه وضامن لتبعاته، فعن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» أخرجه ابن ماجه والنسائي والبيهقي، والحاكم في "المستدرك" وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه" اهـ.

قال الإمام ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (2/ 166، ط. الفاروق الحديثة): [واتفقوا أنَّ من اتجر في الوديعة أو أنفقها أو تعدى فيها، مستقرضًا لها أو غير مستقرض، فضمانها عليه] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فيحرم على المكلَّف أن يتصرَّف في الوديعة بغير إذن مالكها، حتى ولو كان قصده تحقيق المصلحة له، فإذا جاوز بها حدَّ الحفظ إلى التصرف دون إذن صار متعدِّيًا ضامنًا، فيجب عليه ردُّ المال إلى صاحبه متى طلبه، وضمان ما يترتَّب على فعله من تلف أو نقصان، فإن ترتَّب على تصرُّفه ربحٌ أو نماء، فهو لصاحب المال، وإن حصلت خسارة أو تلف فهي على المودَع وحده، ولا تُحمَّل على ربِّ المال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

هل كان تحريم فن النحت والتصوير بالإطلاق أم لوقت معين؟


ما حكم الموالد التي تقام في بعض البلاد للشيوخ والأولياء؟ وما رأي الدين في ذلك؟


سائل يسأل عن حكم قول المصلي للمصلي الذي بجواره "تَقَبَّلَ اللهُ"؟


يعتري الخاطبَ حالةٌ من الغيرة الزائدة والشك المفرط وقلة الثقة في المخطوبة دون مبررٍ حقيقيٍّ لذلك، مما يدفعه إلى التجسس على مكالماتها الهاتفية، أو التفتيش في مراسلاتها ومحادثاتها الإلكترونية، وأجهزة الاتصال الخاصة بها، وفي غالب الأحوال يترتب على مثل هذا السلوك فشل الخطبة وعدم إتمام الزواج. فما حكم الدين في ذلك؟


ما حكم احتساب ربح صاحب رأس مال المضاربة من إجمالي أرباح التجارة؟ فأنا عندي شركة تعمل في مجال تجارة الملابس يُقدر رأس مالها بحوالي مليون ونصف مليون جنيه، واحتجت إلى سيولة مالية للتجارة، فأردت الاتفاق مع أحد الأشخاص على أن يدفع لي مبلغًا من المال لتشغيله له دون أن يكون له الحق في الإدارة، فدفع لي خمسمائة ألف جنيه، واتفقت على أن يكون الربح الحاصل له (15%) من إجمالي أرباح الشركة، وليس من خصوص أرباح المال الذي دفعه، فهل هذا الشرط جائز شرعًا؟ وهل يجب عليَّ سداد هذا المقدار من الربح فعلًا؟ وإذا لم يجب عليَّ سداد هذا المقدار، فما الواجب عليَّ؟


ما ضابط الغيبة في قوله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ [الحجرات: 12]؟ وهل ما يقوم به بعض الناس من الحديث مع غيرهم بما تضيق به نفوسهم وهو ما يُسمى بالتنفيس عن النفس (الفضفضة) يُعدُّ من الغيبة الممنوعة شرعًا؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 12 نوفمبر 2025 م
الفجر
4 :48
الشروق
6 :18
الظهر
11 : 39
العصر
2:39
المغرب
5 : 0
العشاء
6 :20