ما حكم التصرف في الأمانة للمصلحة؟ فقد أعطاني شخص مبلغًا من المال على سبيل الأمانة لحفظه، فبادرت دون إذنه إلى شراء ذهب نظرًا لترقُّب ارتفاع أسعاره، فما حكم هذا التصرف؟ ومن يستحق الربح أو يتحمَّل الخسارة المترتبة عليه؟
يحرم على المكلَّف أن يتصرَّف في الوديعة بغير إذن مالكها، حتى ولو كان قصده تحقيق المصلحة له، فإذا جاوز بها حدَّ الحفظ إلى التصرف دون إذن صار متعدِّيًا ضامنًا، فيجب عليه ردُّ المال إلى صاحبه متى طلبه، وضمان ما يترتَّب على فعله من تلف أو نقصان، فإن ترتَّب على تصرُّفه ربحٌ أو نماء، فهو لصاحب المال، وإن حصلت خسارة أو تلف فهي على المودَع وحده، ولا تُحمَّل على ربِّ المال.
المحتويات
أَمَرَت الشريعَةُ الإسلاميَّةُ بأداءِ الأماناتِ إلى أصحابها، وعدمِ تضييعِها أو التقصيرِ في حفظِها؛ فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58]، وقال جَلَّ وَعَلَا: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» أخرجه أبو داود والترمذي في "السنن".
وقد أجمع الفقهاء على أنَّ حفظ الأمانة وردها إلى أصحابها سواء أكانوا من الأبرار أم من الفجار أمرٌ واجب شرعًا، كما في "الإشراف" للإمام ابن المنذر (6/ 330، ط. مكتبة مكة الثقافية).
تطلق الأمانة في اصطلاح الفقهاء على ما يكون في يد المكلَّف على سبيل الحفظ، سواء ثبتت بعقدٍ مقصودٍ لذلك كالوديعة، أو تقررت تبعًا لعقدٍ آخر كالإجارة والإعارة. ينظر: "مجلة الأحكام العدلية" (ص: 232، ط. دار ابن حزم).
والوديعةُ عقدٌ مِن عقود الأمانات، والمراد بها: ما يَدفَعهُ الإنسان مِن المال لغيرِه ليحفظَه له على أن يَرُدَّه إليه بعَينِه متى شاء، فهي في حقيقتها أمانةٌ في الذمَّة، لا يَملكُ المودَعُ التصرُّفَ فيها، ولا الانتفاعَ بها، إذ القَصْدُ منها الحفظُ لا التملُّك، والصيانةُ لا الاستعمال. ينظر: "رد المحتار على الدر المختار" للإمام ابن عَابِدِين الحنفي (5/ 662، ط. دار الفكر)، و"شرح مختصر خليل" للإمام الخَرَشِي المالكي (6/ 108، ط. دار الفكر)، و"روضة الطالبين" للإمام النَّوَوِي الشافعي (6/ 324، ط. المكتب الإسلامي)، و"الإنصاف" للإمام علاء الدين المرداوي الحنبلي (6/ 316، ط. دار إحياء التراث العربي).
فهي عقدُ أمانةٍ قِوامُه الحفظُ والرعاية، فلا يَلزم فيه الضمانُ على المودَع إلَّا إذا فَرَّط في صيانتها أو تَعَدَّى عليها؛ إذ حقيقتُها مَعروفٌ وإحسان، والمَعروفُ إذا قُيِّدَ بالضمان بغير جنايةٍ أو عدوانٍ نَفَرَت منه النفوسُ وزَهِد الناسُ في قَبولِه، فينقطع بذلك سبيلُ الإحسان، ويَضيع مقصدُ الشريعة في ترسيخ معاني التراحم والتكافل بين الخَلق، كما قرَّرَ ذلك الإمام الشِّيرازي في "المهذَّب" (2/ 181، ط. دار الكتب العلمية)؛ والأصل في ذلك ما رُوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أُودِعَ وَدِيعَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ» أخرجه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي.
ولا خلاف بين الفقهاء في أنَّ ضمانَ الوديعة لا يَثبُت إلَّا عند التَّعدِّي أو التقصير في حفظها.
قال الإمام ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 108، ط. دار المسلم): [وأجمعوا على أنَّ المودَع إذا أحرز بنفسه في صندوقه، أو حانوته، أو بيته، فتلفت ألا ضمان عليه] اهـ.
أمَّا ما يتعلَّقُ بحكم التصرُّف في الوديعة من قِبَلِ المودَع بغير إذن صاحبها، فمن المقرر شرعًا أنَّه لا يجوز للمودَعِ أن يتصرَّفَ في عينِ الوديعة بأي نوعٍ من أنواع التصرف إلَّا بإذنٍ صريٍح أو ضمنيٍ من مالكها؛ لأنَّ يد المودَع يد أمانة لا يد تصرف، ومقتضى يد الأمانة أن تؤدي واجب الحفظ والصيانة، ولا يجوز العدول عن هذا الأصل وإلا صار متعديًا وخائنًا للأمانة، وقد جاءت النصوص الشرعية بالتحذير من الخيانة وعدِّها من خصال النفاق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» متفق عليه.
إذا تَصرَّف المودَع في الوديعة بغير إذن صاحبها فلا يَخلو من حالتين:
الأولى: أن يُفضي إلى ربحٍ، وحينئذ يكون الربح كله لصاحب المال؛ لأنَّه نماء ملكه وثمرة حقِّه، وليس ثمرةً لجهد مشروع من المودَع، فكان مقتضى القواعد أن يُضاف النماء إلى أصله، فيكون الربح لصاحب المال (المودِع)؛ صيانة لأموال الناس عن أن تمتدَّ إليها أيدي غيرهم بغير وجه حق، وسدَّ ذرائع التعدِّي على الحقوق، وقطع أسباب الطمع فيما لا يملكه الإنسان، مع ما فيه من تحقيق استقرار المعاملات، وردع أسباب الخصومة والنزاع.
قال العلامة البُهُوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (2/ 322، ط. عالم الكتب): [ولو اتَّجر وديع بوديعة فالربح لمالكها نصًّا] اهـ.
الثانية: أن يَؤول تصرفه إلى خسارةٍ، فتكون على المودَع وحده دون ربِّ المال؛ لأنَّه متعدٍّ في تصرفه وضامن لتبعاته، فعن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» أخرجه ابن ماجه والنسائي والبيهقي، والحاكم في "المستدرك" وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه" اهـ.
قال الإمام ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (2/ 166، ط. الفاروق الحديثة): [واتفقوا أنَّ من اتجر في الوديعة أو أنفقها أو تعدى فيها، مستقرضًا لها أو غير مستقرض، فضمانها عليه] اهـ.
بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فيحرم على المكلَّف أن يتصرَّف في الوديعة بغير إذن مالكها، حتى ولو كان قصده تحقيق المصلحة له، فإذا جاوز بها حدَّ الحفظ إلى التصرف دون إذن صار متعدِّيًا ضامنًا، فيجب عليه ردُّ المال إلى صاحبه متى طلبه، وضمان ما يترتَّب على فعله من تلف أو نقصان، فإن ترتَّب على تصرُّفه ربحٌ أو نماء، فهو لصاحب المال، وإن حصلت خسارة أو تلف فهي على المودَع وحده، ولا تُحمَّل على ربِّ المال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ماذا يفعل من قصر مع والديه في حياتهما؟ حيث توفيت والدتي منذ فترة، وأنا نادمة على الأيام الأخيرة التي قضتها والدتي معي حيث كانت تطلب مني أن أقضي لها طلبات فكنت ألبيها لها بالنهار، ولكن بالليل أكون متعبة فلا أقضي لها شيئًا، وأطلب منها أن تتركني لأني متعبة وأذهب لأنام، وبعد وفاتها أنا في حالة من الندم الشديد، فهل عليَّ إثم؟ وما كفارة ذلك؟
ما حكم من يشوش على قراءة القرآن ومن يعرض عن سماعه ويشرب السجائر ويلغو بالكلام الفارغ وقت القراءة؟ وما جزاء كل؟
ما هي كيفية التصرف الصحيح في هيكل عظمي لإنسان؟ فأنا طالب بكلية الطب بإحدى الجامعات، ويوجد عندي هيكل عظمي لإنسان، وهذا الهيكل يلزم للدراسة بهذه الكلية، وقد حصلت عليه من طالب قريب لي سبقني في الدراسة عليه، وقد أنهيت دراستي لعلم التشريح على هذا الهيكل، وأصبح لا يلزمني في دراستي، وأنا الآن أريد التصرف فيه وفق الشريعة الإسلامية حتى لا يتم سؤالي عنه يوم القيامة، مع العلم بأن الكلية يتم بيع الهياكل بها بصورة طبيعية للطلبة.
كيف نُقَدِّم الإسلام للغرب؟ وهل هناك تصورٌ في عرض القضايا الإسلامية للوصول للرأي العام الغربي من أجل تصحيح صورة الإسلام والمسلمين؟
ما حكم وضع كاميرات المراقبة في الأماكن الخاصة والعامة؟
هل يعد غير الراغب في القطيعة من المشاحنين والمخاصمين الذين لا يغفر لهم في ليلة النصف من شعبان؟ حيث إنه قد حصل بين أحد الأشخاص وأخيه بعض الخلافات، حتى أدى ذلك إلى القطيعة التامة بينهما، ومرَّ على ذلك شهر أو أكثر، وبعد أن راجع نفسه قرر الصلح وعزم على وصله، لكنه يمتنع عن ذلك كلما يراد الكلام معه، ونحن الآن في أيام مباركة وليلة عظيمة؛ هي ليلة النصف من شعبان، وقد علمنا أن الله يغفر لكلِّ الناس فيها إلا المشاحن، وقد بيَّن هذا الشخص رغبته في وصل أخيه وامتناع الأخ عن ذلك، فهل يكون ممن لا يغفر الله له في هذه الليلة المباركة بسبب المشاحنة والمقاطعة الحاصلة بينه وبين أخيه؟