ما الواجب الشرعي في حق الشعب الفلسطيني، خاصة سكان قطاع غزة والضفة في ظل الحرب وتعمد دولة الاحتلال حرمانهم من الطعام والأدوية؟ وما الرأي الشرعي حول إصرار حكومة الاحتلال على إخراج أهل غزة من أرضهم عنوة؟
ثبات أهل فلسطين، خاصة سكان قطاع غزة والضفة على حقِّهم، وبقاؤهم على أرضهم صامدين صابرين -واجبٌ شرعيٌّ وضرورة وطنية، وهو رباطٌ في سبيل الله تعالى عظيم الأجر وجزيل المثوبة.
وإصرار دولة الاحتلال الإسرائيلي وتخطيطها على إخراج سكان قطاع غزة والضفة ونقلهم قسريًّا إلى مكان آخر سواء داخل الدولة أو خارجها أمرٌ فيه ظُلْمٌ بيِّنٌ وفسادٌ محققٌ، وجريمة إنسانية مغلظة العقوبة أمام الله وأمام الناس، وقد توعَّد الله تعالى فاعليها بالإهلاك، ووعد المستضعفين بالنصر والتمكين.
المحتويات
حبُّ الوطن أمرٌ فطريٌّ، والاستقرار فيه حقٌّ إنسانيٌّ جاءتْ به جميع الأديان والقوانين والأعراف الإنسانية منذ بدء الخليقة، وقد علَّمَنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحفاظ على الوطن والذود عنه والموت دون بقائه حرًّا أبيًّا سالمًا آمنًا فتيًّا، مع الإقامة فيه وقت الحرب وعند خطورة الأحوال، وذلك من أجلِّ صور الجهاد والرباط في سبيل الله عزَّ وجلَّ، وهو عبادة ذات أجور عظيمة مضاعفة.
فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا» أخرجه البخاري.
وعن مجاهد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه كان في الرباط، ففزعوا إلى الساحل، ثم قيل: لا بأس، فانصرف الناس وأبو هريرة واقفٌ، فمرَّ به إنسانٌ، فقال: ما يوقفك يا أبا هريرة؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَوْقِفُ سَاعَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ» أخرجه ابن حبان، والبيهقي في "شُعب الإيمان".
والمرابط كما يشمل مَن أقام على الحدود والأطراف ليحرس الوطن من العدو وحين الخوف كما أفاده الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (13/ 352، ط. دار الغرب الإسلامي)، يشمل أيضًا المقيم في وطنه بنية الدفاع عنه والحفاظ على سلامة أراضيه، كما حقق الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (6/ 85، ط. دار المعرفة).
وبتنزيل هذه المعاني على الوضع الراهن الذي يعيشه أهل فلسطين، خاصة سكان قطاع غزة والضفة، نجدهم على ثغر من ثغور الإسلام وفي رباط في سبيل الله تعالى؛ حيث بقاؤهم في وطنهم وتمسكهم بأرضهم وثباتهم على حقِّهم صامدين صابرين، رغم كونه أمرًا مَخُوفًا محفوفًا بالمخاطر الجسيمة من القتل والجرح والأسر والتشريد وتخريب البنيان والمرافق الخاصة والعامة مع قصد الاحتلال الإسرائيلي حرمانهم من القوت الضروري للحياة!
إن بقاء سكان قطاع غزة خصوصًا وأهل فلسطين عمومًا على أرضهم وثباتهم على حقِّهم -أمرٌ واجبٌ ديني وعزيمةٌ وطنيةٌ، حتى لا يتمكن العدو من تلك الأرض المقدسة وتدخل تحت سلطانه وولايته فيتمكن من تنفيذ خططه التوسعية.
قال العلامة زين الدين ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (5/ 77، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وفي "الولوالجية": ولا ينبغي أن يخلو ثغر المسلمين ممَّن يقاوم الأعداء] اهـ.
وقال الإمام ابن أبي زيد القيرواني المالكي في "الرسالة" (ص: 148، ط. دار الفكر): [والرباط في ثغور المسلمين وسدها وحياطتها واجب يحمله مَن قام به] اهـ.
قد جاءت نصوص الفقهاء على وجوب الإقامة وعدم الخروج في حق المتمكن من الإقامة وإن لم يستطع دفاع العدو خشية تمكن العدو من ذلك المكان ويدخل تحت سلطانه ويغير نظامه، كما أفاده الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (14/ 104، ط. دار الكتب العلمية)، والعلامة ابن الرفعة الشافعي في "كفاية النبيه" (16/ 349، ط. دار الكتب العلمية).
إن محاولات دولة الاحتلال الإسرائيلي الماكرة في إخراج سكان قطاع غزة والضفة من الشعب الفلسطيني وتهجيرهم من أرضهم والنفي من بين أظهرهم بالعنف أو الخوف أو الإكراه تارة، أو بالاحتجاز أو الإساءات النفسية تارة أخرى، مع تعمد حرمانهم من القوت الضروري بغلق باب المساعدات الإغاثية بقصد إهلاكهم أو جزء منهم أو بما يحملهم على الخروج والهرب من ذلك العذاب -أمرٌ يندرج تحت الجرائم الإنسانية فيما يُعْرف في القانون الدولي بـ"النقل القسري للسكان"، و"الإبادة".
و"الإبادة" تشمل: [تعمد فرض أحوال معيشية، من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء، بقصد إهلاك جزء من السكان] اهـ، كما نصت عليه المادة (7- بند 2، فقرة ب) من نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998م، والداخل لحيز التنفيذ عام 2000م.
كما أن "إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان" يصدق على: [نقل الأشخاص المعنيين قسرًا من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة، بالطرد أو بأيِّ فعل قسري آخر، دون مبررات يسمح بها القانون الدولي] اهـ، كما نصت عليه المادة (7- بند 2، فقرة د).
إن إخراج شعب أو طائفة من الناس من أرضهم التي يوجدون عليها بصفة غير مشروعة بغير رضاهم ودون سبب معتبر هو دأب المفسدين وسَنَن الظالمين، لأنها جريمة ذات آثار خطيرة على المجتمعات وعلى الأفراد سواء بسواء، من البطالة والحرمان من الأقوات الضرورية وصعوبة تربية الأطفال وفقدان عائلتهم أو خطفهم وغياب التعليم وانجرارهم إلى التسول، أو الاتجار بهم؛ بل إن هذه الفعلة المشينة مُؤذِنة بزوال هؤلاء الظالمين، كما هي سُنَن الله تعالى في خلقه في نصرة المستضعفين بإلحاق الوعيد الشديد بالإهلاك لمَن تعرَّض لهم بالإخراج؛ وهو أمر مقرر في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، منها:
قوله تعالى: ﴿فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ [آل عمران: 195].
قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (2/ 168، ط. دار الكتب العلمية): [﴿وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ﴾ أي ضايقهم المشركون بالأذى حتى ألجؤوهم إلى الخروج من بين أظهرهم، ولهذا قال: ﴿وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي﴾ أي إنما كان ذنبهم إلى الناس أنهم آمنوا بالله وحده] اهـ.
وقوله تعالى حكاية عن قوم شعيب عليه السلام: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ﴾ [الأعراف: 88].
وقوله تعالى حكاية عن قوم لوط عليه السلام: ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: 82].
وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾ [إبراهيم: 13].
وقوله تعالى حكاية عن فعل قريش مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا﴾ [الإسراء: 76].
قال الإمام النسفي في "مدارك التنزيل" (2/ 272، ط. دار الكَلِم الطيب): [﴿وَإِنْ كَادُوا﴾ أي أهل مكة ﴿لَيَسْتَفِزُّونَكَ﴾ ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم ﴿مِنَ الْأَرْضِ﴾ من أرض مكة ﴿لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا﴾] اهـ.
وقوله تعالى حكاية عن فعل فرعون مع قوم موسى عليه السلام: ﴿فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا﴾ [الإسراء: 103].
قال الإمام ابن عطية في "المحرر الوجيز" (3/ 490، ط. دار الكتب العلمية): [﴿يَسْتَفِزَّهُمْ﴾ معناه يستخفهم ويقلعهم، إما بقتلٍ أو بإجلاءٍ، و﴿الْأَرْضِ﴾ أرض مصر] اهـ.
وتتوارد دلالات هذه الآيات على أن الإخراج من الوطن بغير وجهٍ ولا سببٍ شرعي أو مبرر قانوني لا يجوز وأنه من أعظم الظلم، وأن استعمال العنف في هذه الأحوال في مقابلة الحق مع عدم مراعاة المقررات الدينية ولا القانونية ولا الأخلاقية التي تؤكد حق الكرامة الإنسانية وحق الحياة وحق السكن والاستقرار.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن ثبات أهل فلسطين، خاصة سكان قطاع غزة والضفة على حقِّهم، وبقاءهم على أرضهم صامدين صابرين -واجبٌ شرعيٌّ وضرورة وطنية، وهو رباطٌ في سبيل الله تعالى عظيم الأجر وجزيل المثوبة.
وإصرار دولة الاحتلال الإسرائيلي وتخطيطها على إخراج سكان قطاع غزة والضفة ونقلهم قسريًّا إلى مكان آخر سواء داخل الدولة أو خارجها أمرٌ فيه ظُلْمٌ بيِّنٌ وفسادٌ محققٌ، وجريمة إنسانية مغلظة العقوبة أمام الله وأمام الناس، وقد توعَّد الله تعالى فاعليها بالإهلاك، ووعد المستضعفين بالنصر والتمكين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
يقوم بعض الناس في ليبيا ممن ينتمون إلى فكر النابتة -المُلصَق بالسلف الصالح ظلمًا وزورًا وبهتانًا- بهدم قباب الأولياء والعلماء والصالحين والشهداء، ونَبْشِ قبورهم بالأيدي والفؤوس والكتربيلات الكبيرة، كل هذه الأفعال يفعلونها في جُنح الليل دون علم أحد.
وقد نسبنا هذا الفعل لمعتنقي فكر النابتة؛ لأنهم الوحيدون في البلد الذين ينشرون هذا الفكر بين الناس ويقولون: إن بناء الأضرحة وقباب الصالحين والأولياء كفر وضلال، وحرَّموا بناء المساجد عليها والصلاة في تلك المساجد، وجعلوا ذلك بدعةً وضلالًا، علمًا بأن بعض هذه القبور ينسب للصحابة الكرام رضي الله عنهم، ولعلماء كبار في مجال الدعوة إلى الله، ولمرابطين على الثغور، ولشهداء استشهدوا في قتالهم للإيطاليين، بالإضافة إلى نبشهم لقبور بناؤها محميٌّ مِن قِبَل الآثار؛ لا سيما وأكثرُها يزيد عمره عن الخمسمائة سنة، وأكثرها لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكله موثق بالصور على صفحات الإنترنت.
نرجو فتواكم بالخصوص، لا سيما وهم يشيعون بين العوام أنهم يهدمون الكفر والضلال.
ما حكم حمل السلاح والتجارة فيه دون ترخيص؟
ما قولكم دام فضلكم في الرد على داعش في سبي النساء؟ فقد جاء الطلب من رئيس اتحاد علماء الدين الإسلامي في كردستان العراق، بالآتي:
يهديكم اتحاد علماء الدين الإسلامي في كردستان أسمى عبارات التقدير والاحترام، ويتمنى أن تكونوا في خير دائم ومزيد من التوفيق والسداد في الدنيا والآخرة.
لا يخفى على سماحتكم ما قام به الفئة الضالة المنحرفة (داعش) وما ارتكبه من جرائم باسم الإسلام بحق الإنسانية، ومن تلك الجرائم: سبيُ النساء؛ حيث قام ببيع بنات ونساء المسيحيات والإيزيديات بثمن بخس دراهم معدودة، على مرأًى ومسمع من الناس، وكان لهذا العمل الإجرامي الأثر السيئ في المجتمع الكردستاني، مما سبَّب آثارًا نفسية على اللواتي وقعن ضحية هذا العمل القذر، وهناك الكثير من بنات ونساء المسيحيات والإيزيديات باقيات في قبضة (داعش)؛ يُتاجَر بهنَّ بين الدواعش.
ونظرًا للمكانة الكبيرة التي تحظى بها سماحتكم ودار الإفتاء المصرية في العالم الإسلامي نرى من الضرورة التفضل بإصدار فتوى تبين تجريم وتحريم السبي؛ من أجل أن يكون العالم الإسلامي على بصيرة لما حدث لهؤلاء الضحايا من جرائم باسم الإسلام والإسلام بريء من هذه الأفعال، وتكون الفتوى مشجعة لإطلاق سراح النساء اللواتي ما زلن في قبضة من يرى أن عمله يستند إلى أصول شرعية. ونرفق إلى سماحتكم نماذج من وثائق تثبت ارتكابهم هذه الجريمة النكراء.
نسأله تعالى العون في الأمور، وأن يوفقنا جميعًا لمحاربة هذا الفكر التكفيري المنحرف الضال، كما نتمنى لسماحتكم ولدار الإفتاء المصرية المزيد من التقدم والرقي لخدمة أمتنا الإسلامية، إنه سميع مجيب.
ما حكم التعدي على أرض لبناء مسجد عليها دون رغبة أصحابها؛فرجلٌ يملك وإخوته الأشقاء قطعة أرض عليها مبان من دور واحد، وقد قام بعض الأهالي بالتعدي على هذه الأرض وهدموا ما عليها من مبان بحجة إقامة مُصَلَّى عليها، دون رغبته هو وباقي إخوته. فما حكم الشرع في ذلك؟
يقوم بعض المتطرفين بتكفير رؤساء الدول والحكومات والملوك والأمراء، والمشايخ، ويزعم أنهم مِن الطواغيت، وأنهم من أبواب الفتنة، فما حكم الشرع في ذلك؟
بعض الناس يروج لتكفير الجماعات الدينية المُتَّهَمة بحمل السلاح واستعماله في الاعتصامات والتظاهرات ضد الجيش والشرطة؛ مستدلًا بحديث: «مَن حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيسَ مِنَّا»، ويقول: إنه محمول على الحقيقة لا على المجاز؛ لعدم وجود قرينة صارفة، والأصل في الكلام الحقيقة، وما لا يحتاج إلى تأويل أولى مما احتاج إلى تأويل، فهل ذلك الفهم وهذا التوجيه صحيحان مستقيمان؟