ما حكم عمل غير المسلمين في المؤسسات والجمعيات الرسمية القائمة على توزيع الزكاة؟ وهل يجوز إعطاؤهم أجرة عملهم من أموال الزكاة؟
يجوز عمل غير المسلمين في المؤسسات والجمعيات الرسمية القائمة على توزيع الزكاة، وذلك للإطلاق الوارد في قوله تعالى: ﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ [التوبة: 60]، دون التفرقة بين العامل المسلم وغير المسلم، ويجوز إعطاؤهم من أموال الزكاة، وما يأخذونه من أجر هو مقابل عملهم لا عمالتهم وولايتهم.
المحتويات
العمل في استقبال أموال الزكاة وصرفها لمستحقِّيهَا يدخل تحت مصرف العاملين عليها الذي جاء النصُّ عليه في الآية التي حددت مصارف الزكاة في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، فجعل الحق سبحانه المصرف الثالث من مصارف الزكاة مصرفَ العاملين على الزكاة الذي هو من أوضح الدلائل على حماية الشريعة لفريضة الزكاة، وصيانتها من العبث.
والمراد بالعاملين على الزكاة هم: السُّعَاةُ الذين ينصبهم الإمام لجمع الزكاة من أهلها، وقد اقتصر الحنفية على هذا المعنى. ينظر: "بدائع الصنائع" للإمام علاء الدين الكَاسَانِي الحنفي (2/ 44، ط. دار الكتب العلمية).
بينما تَوسَّع جمهور الفقهاء فأضافوا إلى هذا المعنى معنًى آخر وهو: تفريقها وتوزيعها على مستحقيها، وغير ذلك ممن يُحتاج إليه فيها. ينظر: "القوانين الفقهية" للإمام أبي القاسم ابن جُزَيّ المالكي (ص: 201، ط. دار ابن حزم)، و"روضة الطالبين" للإمام محيي الدين النووي الشافعي (2/ 313، ط. المكتب الإسلامي)، و"الإنصاف" للإمام علاء الدين المرداوي الحنبلي (3/ 223، ط. مطبعة السنة المحمدية).
ويتبينُ من كلام الأئمة الفقهاء أصلٌ متقررٌ وهو أنَّ العامل على الزكاة لا بد أن يكون ممن ولَّاه الإمام للعمل في أموال الزكاة.
والمؤسساتُ والجمعيات الرسمية المرخص لها من الدولة في جمع الزكاة وتوزيعها داخلةٌ في هذا الأصل المقرر؛ إذ قد أجيزت من الدولة أن تقوم بوظيفة العامل على الزكاة، حتى صارت وظائفها واضحة، وأنظمتها ظاهرة، بخلاف غيرها من المؤسسات غير المرخصة، المفتئتة على أنظمة الدولة، المجاوزة لصلاحية ولي الأمر.
اشترط جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في الصحيح من المذهب للعاملين على الزكاة شروطًا، منها: أن يكون العامل عليها مسلمًا؛ وذلك لأنَّ عمل غير المسلم على الزكاة فيه نوع ولاية على المسلم، ولا ولاية لغير المسلم على المسلم: قال الإمام زين الدين ابن نُجَيْم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 248، ط. دار الكتاب الإسلامي): [قال في "الغاية": ويشترط في العامل أن يكون حرًّا مسلمًا غير هاشمي، فلا يصح أن يكون عبدًا؛ لعدم الولاية، ولا يصح أن يكون كافرًا؛ لأنَّه لا يلي على المسلم بالآية، ولا يصح أن يكون مسلمًا هاشميًّا؛ لأنَّ فيها شبهة الزكاة] اهـ.
وقال الإمام تاج الدين بَهْرَام المالكي في "الدرر في شرح المختصر" (1/ 529، ط. وزارة الأوقاف القطرية): [ويشترط في العامل أن يكونَ حرًّا عدلًا عالمًا بحكمِ الزكاة، غير هاشمي، وكافرٍ، فلا يجوز استعمال عبد، ولا كافر فيها؛ إذ لا حقَّ لهما في الزكاة] اهـ.
وقال الإمام محيي الدين النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 168، ط. دار الفكر) وهو يبين شروط العامل على الزكاة: [واتفقوا على أنَّه يشترط فيه: كونه مسلمًا حرًّا عدلًا...] اهـ.
وقال الإمام علاء الدين الـمَرْدَاوي الحنبلي في "الإنصاف" (3/ 223): [(ويشترط أن يكون العامل مسلمًا أمينًا من غير ذوي القربى)، يشترط أن يكون العامل مسلمًا، على الصحيح من المذهب] اهـ.
بينما ذهب الإمام أحمد في رواية إلى أنَّه لا يشترط في العامل على الزكاة أن يكونَ مسلمًا؛ وذلك للإطلاق الوارد في قوله تعالى: ﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ [التوبة: 60]، دون التفرقة بين العامل المسلم وغير المسلم.
قال الإمام موفق الدين ابن قُدَامة في "المغني" (2/ 488، ط. مكتبة القاهرة): [وظاهرُ كلام الخِرَقي أنه يجوز أن يكون كافرًا، وهذه إحدى الروايتين عن أحمد؛ لأنَّ الله تعالى قال: ﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ [التوبة: 60]، وهذا لفظ عام يدخل فيه كل عامل على أي صفة كان] اهـ.
إلا أنه لا بُدَّ من ملاحظةِ أنَّ شَرْطَ الإسلام الذي اشترطه جمهور الفقهاء إنما هو شرط لإعطاء العامل من أموال الزكاة نفسها، لكن إن كان يعمل في مال الزكاة ويأخذ أجرة مقابل هذا العمل من غير مال الزكاة؛ فإنَّه لا يشترط حينئذ الإسلام؛ لأنَّ ما يأخذه أجرة لا زكاة:
قال الشيخ عِلِيش في "مِنَح الجليل" (2/ 87، ط. دار الفكر): [(و) غير (كافر)؛ شروطٌ في إعطائه منها إلا في عمله، فيصح عمل الرقيق والهاشمي والكافر عليها، ويعطون أجرة مثلهم من بيت المال] اهـ.
وقال الإمام علاء الدين المَرْدَاوي في "الإنصاف (3/ 226): [يجوز أن يكون حَمَّال الزكاة وراعيها ونحوهما كافرًا وعبدًا ومن ذوي القربى وغيرهم بلا خلاف أعلمه؛ لأنَّ ما يأخذه أجرة لعمله لا لعمالته] اهـ.
ووجهة ذلك: أنَّ العمالة ولاية فلم تجز، أما العمل فهو خدمة بمقابل وهي الأجرة، فلا وجه لمنعه، ولذا قال الإمام ابن مُفْلِح في "الفروع" (4/ 323، ط. مؤسسة الرسالة): [وقيل: يشترط إسلامه وحريته في عمالة تفويض لا تنفيذ] اهـ.
قال الإمام تقي الدين ابن قُنْدُس في "حاشيته على الفروع" (4/ 323-324، ط. مؤسسة الرسالة): [المراد -والله أعلم- بعمالة التفويض: أن يجعلَ الحاكم إلى العامل الكلام على الزكاة والنظر في أحكامها، فيصير بمنزلة الحاكم، والحاكم لا يكون إلا حرًّا مسلمًا، وأما عمالة التنفيذ، فهي أن يجعل إليه قَسمَها وتفريقَها على أربابها، فيكون بمنزلة الوكيل، والوكيل لا يُشترَط إسلامه ولا حريته] اهـ.
فعمالة التنفيذ إذن لا علاقة لها بولاية غير المسلم على المسلم، وإنما هي تنزيل لغير المسلم منزلة الوكيل، والوكيل لا يُشترَط إسلامه، مما يدل على أنَّ غير المسلم قد تَجَرَّدَ عن حكم الولاية على المسلم، فكأنَّ الذي أدى الزكاة هو المسلم ما دام نوى إخراج الزكاة وكفت نيته في ذلك:
قال الإمام علاء الدين الكاساني (2/ 40): [لو وكَّل ذِمِّيًّا بأداء الزكاة جاز؛ لأنَّ المؤدي في الحقيقة هو المسلم] اهـ.
وقال الإمام محيي الدين النووي في "المجموع" (6/ 165): [له أن يوكل في صَرْفِ الزكاة التي له تفريقها بنفسه... قال البَغَوِي في أول باب نية الزكاة: ويجوز أن يوكل عبدًا أو كافرًا في إخراج الزكاة، كما يجوز توكيله في ذبح الأضحية] اهـ.
وقال في موضع آخر بعد أن نقل كلام البَغَوِي (6/ 181): [هذا كلام البَغَوِي، وفي استنابة الكافر في إخراجها نظر، ولكن الصواب الجواز كما يجوز استنابته في ذبح الأضحية] اهـ.
وقال الإمام برهان الدين ابن مُفْلِح الحنبلي في "المبدع" (3/ 420، ط. ركائز): [(فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى وَكِيلِهِ) المسلمِ الثِّقةِ، نَصَّ عليه، وقال القاضِي: يجوز أن يكون كافرًا على خلاف فيه، كما لو استناب ذمِّيًّا في ذبح أضحيَّته] اهـ.
وقد قوَّى هذا المسلك الإمام علاء الدين المَرْدَاوي بعد أن نقل تجويز توكيل غير المسلم في إخراج الزكاة إذا نوى الموكل، فقال في "الإنصاف" (3/ 198): [قلت: وهو قوي] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجوز عمل غير المسلمين في المؤسسات والجمعيات الرسمية القائمة على توزيع الزكاة، وما يأخذه من أجر هو مقابل عمله لا عمالته وولايته.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الشرع في الكسب المبني على الغش والخداع والتحايل على الناس؟
ما حكم اتباع التقويم الذي تصدره هيئة المساحة المصرية في أوقات الصلوات؛ فنحن مجموعة من أئمة مركز ومدينة المحلة الكبرى؛ نحيط سيادتكم علمًا بأن القائمين على المساجد اعتادوا على أن يرفعوا الأذان بعد انتهاء الأذان في الإذاعة والدعاء بعده؛ نظرًا لأن النتائج لم يكن فيها غير توقيت القاهرة والإسكندرية، وظل الأمر على ذلك سنوات، ثم ظهرت النتائج تحمل توقيت مدن أخرى ومنها مدينتي طنطا والمحلة، فلم يلتفت الناس وساروا على عادتهم، ثم انتبه البعض فوجد أن النتائج جميعها ومنها النتيجة الخاصة بالهيئة العامة المصرية للمساحة قسم النتائج والتقويم على موقعها، أن توقيت أذان المحلة قبل توقيت أذان القاهرة مما أدى إلى اختلافٍ بين الأئمة؛ فمنهم من راعى اعتراض الناس فلم يُعِر ذلك اهتمامًا، أو خشي من رد الفعل فاستمر على ما كان عليه، ومنهم من وجد مُسوِّغًا للقول بأن أذان الصبح الآن قبل موعده الشرعي بثلث ساعة، ومنهم من رأى أن ذلك يؤدي إلى شبهة على الأقل في الصيام في رمضان؛ إذ إن التوقيت الذي ينبغي أن يُمسك فيه عن الطعام هو قبل أذان القاهرة، وهو في الواقع لا يمسك إلا بعده، أي بعد أذان الفجر بتوقيت محافظته وهي المحلة (وذلك في الدقائق التي قبل أذان القاهرة، والدقائق التي بقَدْر ما يسمع أذان الراديو والدعاءَ بعده)؛ حيث إن الناس لا يُمسكون إلا بسماع الآذان في الأحياء التي يعيشون فيها فحَمَل الناس على التوقيت الذي أخبر به أهلُ الذكر في المسألة.
وتعدد الآراء في هذا الأمر أحدث بلبلة وتعدُّدًا في وقت رفع الأذان في الحي الواحد.
وقد اتفق الجميع (الأئمة والأهالي) على أنه لو جاءهم منشور أو بيان او إفادة من الجهة المختصة فسيرتفع الخلاف بينهم؛ فنحن في انتظار إفادتكم لقطع الخلاف ومنع أسباب الفتنة خاصة وقد اقترب شهر رمضان أعاده الله علينا وعليكم باليمن والبركات. والله المستعان وعليه التكلان.
تقوم إحدى الجمعيات الخيرية بإجراء عملياتِ قلبٍ مجانًا (قسطرة- قلب مفتوح- دعامات دوائية) لرفع المعاناة عن الأيتام والفقراء ومحدودي الدخل وغير القادرين على العلاج. برجاء إفادتنا بفتوى مكتوبة عن إمكانية أن تكون هذه العمليات مصرفًا مِن مصارف الزكاة الشرعية.
ما حكم صرف الزكاة والأوقاف والصدقات لمؤسسة بحث علمية؟ فالسؤال عن مدى شرعية تلقي مؤسسة تعليمية بحثية للتبرعات والصدقات الجارية والأوقاف والزكاة ونحوها؛ حيث إن هذه المؤسسة هي مؤسسة غير ربحية، وهي عبارة عن مدينة علمية تعمل تحت إشراف مجلس أمناء عالمي يضم ستةً من الحاصلين على جائزة نوبل في المجالات العلمية المختلفة، وهو مشروع لا يهدف إلى الربح، بل يهدف إلى الوصول بالتعليم في مصر إلى المستويات العالمية، ورفع شأن البحث العلمي والتكنولوجيا؛ لإحداث طفرة ونقلة نوعية لزيادة الإنتاج القومي لمصلحة البلاد والعباد.
أيهما أفضل عند الله تعالى الغِنى أم الفقر؟ حيث دارَ حوارٌ بيني وبين أحد أصدقائي حول المفاضلة الأخروية بين الغنى والفقر، فكان ممَّا احتجَّ به قول النبي عليه السلام: «يدخل الفقراء الجنَّة قبل الأغنياء بخمسمائة عام نصف يوم»، معقِّبًا بأنَّ هذا النصَّ النبوي خير دليلٍ في مدح الفقر وأهله، فوقع في نفسي حينئذٍ أنَّ هذا الحديث قد يحمل بعض الناس على التكاسل وترك العمل والركون إلى الفقر لتحصيل ذاك الثواب، مع أنِّي أعلم تمام العلم أنَّ الشريعة الغراء تدعو دائمًا إلى العمل وتحثُّ على الإنتاج وتحذِّر من التكاسل؛ فما قولكم في ذلك؟
نرجو منكم بيان حكم الاحتكار؟ وهل يجوز شرعًا لولي الأمر (الجهات المختصة) معاقبة الشخص المُحْتَكِر؟