ما حكم التصرف في التبرع على خلاف ما حدّده المتبرع دون إذن منه؟ فإنه يوجد مسجد أهالي يحتاج إلى خزان مياه، ويوجد متبرعان كل منهما يريد التبرع بقدر من الإسمنت، طلب القائمون على المسجد التبرع بالخزان فرفضا، وقالا لو لم تأخذوا الإسمنت فلن نتبرع، فهل يجوز للقائمين على المسجد أخذ الإسمنت ثم بيعه وشراء خزان المياه؟
ما دام المتبرع بالإسمنت قد حدد تبرعه به دون غيره، فلا يجوز للقائمين على المسجد مخالفة ذلك، ولا التصرف في الإسمنت بالبيع أو الاستبدال، بل يجب الالتزام بما تبرع من أجله، ويتم شراء خزان المياه من أموال أخرى كالصدقات أو من مال متبرع آخر يأذن في ذلك.
المحتويات
حثَّ الشرع الشريف في مواطن عدة على إنفاق المال في مصارف الخير ووجوه البرِّ؛ لما فيه من التقرب إلى الله تعالى، وتحصيل الأجر والثواب، وتكفير الذنوب والخطايا، وتربية نفس المؤمن على البذل والعطاء، وتطهيرها من الشح والبخل التي جبلت عليه، قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: 245]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: 18].
قال الإمام أبو بكر بن العربي في "أحكام القرآن" (1/ 306-307، ط. دار الكتب العلمية): [جاء هذا الكلام في معرض النَّدب والتَّحضيض على إنفاق المال في ذات الله تعالى على الفقراء والمحتاجين، وفي سبيل الله بنصرة الدِّين] اهـ.
من المقرر شرعًا أن من أقرب القربات وأرجى الطاعات عند رب البريات بناء المساجد وإعمارها بكل ما يُنتفع به، إذ هو من صفات المؤمن الحق، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ [التوبة: 18].
قال الإمام البيضاوي في "أنوار التنزيل" (3/ 75، ط. دار إحياء التراث العربي): [أي: إنما تستقيم عِمَارتها لهؤلاء الجامعين للكمالات العلمية والعملية، ومن عمارتها: تزيينها بالفرش، وتنويرها بالسرج، وإدامة العبادة والذكر ودرس العلم فيها، وصيانتها مما لم تُبن له] اهـ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ» أخرجه الأئمة: ابن ماجه في "سننه"، وابن خزيمة في "صحيحه"، والبيهقي في "شعب الإيمان".
ما يُتَبرع به للمسجد -سواء أكان أموالًا أم أعيانًا- فإنَّه بمجرد تسليمه للقائمين على المسجد يصير وقفًا على هذا المسجد، وتجري عليه أحكام الوقف.
فإن كان المتبرع قد حدد للقائم على هذه التبرعات الجهة التي يصرف فيها تبرعه عند تسليمه إياه، بأن قال له: أعطيتك هذا -المتبرع به- لبناء المسجد أو ترميمه فقط، فالأصل أن يكون صرف هذه التبرعات حسب نية المتبرع وشرطه، ولا تجوز مخالفته ما دام قد حدد الجهة التي يصرف فيها تبرعه؛ لأنَّ المتبرع بمنزلة الواقف، والأصل في شرط الواقف أنَّه يجب اتباعه والالتزام به، فلا يُصرف إلَّا حيث أراد ما أمكن ذلك، وكان فيه تحقيق للمصلحة.
وإن لم يحدد للقائم على هذه التبرعات الجهة التي يصرف فيها تبرعه عند تسليمه إياه، بأن أعطاه إياه إعطاءً مطلقًا دون تحديد لجهة الصرف، كأن جعله لمصلحة المسجد، وما يعود عليه بالنفع، فيجوز له -ناظر الوقف، أو القائم عليه- أن يتصرف فيه بما يعود على الوقف بالمصلحة، سواء أكان هذا التصرف بالبيع أو بالاستبدال بغيره من الأمور التي قد تحتاجها الجهة المتبرع إليها.
والأصل في ذلك ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» أخرجه الأئمة: أبو داود والترمذي والبيهقي والدارقطني في "السنن"، وابن حبَّان في "الصحيح"، والحاكم في "المستدرك".
وقد نص جمهور الفقهاء على أن: "شرط الواقف كنص الشارع"؛ أي: في كونه ملزمًا في العمل به وتنفيذه كما شرطه صاحبه، فيجب اعتباره ومراعاته متى أمكن ذلك؛ لأن الوقف في حقيقته قربة اختيارية يضعها صاحبها حيث شاء. يُنظَر: "رد المحتار على الدر المختار" للعلامة ابن عابدين الحنفي (4/ 433، ط. دار الفكر)، و"الشرح الصغير على أقرب المسالك" لسيدي أحمد الدردير المالكي" (4/ 120 مع "حاشية الصاوي"، ط. دار المعارف)، و"الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" للخطيب الشربيني الشافعي (2/ 363، ط. دار الفكر)، و"كشاف القناع" للإمام البهوتي الحنبلي (4/ 323، ط. دار الكتب العلمية).
نص الفقهاء أيضًا على جواز استبدال الوقف أو ما في معناه من الصدقة أو التبرع بغيره من أموال أو أعيان، إذا كانت هناك مصلحة راجحة تعود على الشيء الموقوف عليه أو المتبرع إليه، بحيث يكون ذلك الاستبدال أكثر نفعًا للموقوف عليه أو المتبرع إليه؛ وذلك لأنه في بعض الأحيان قد يرد على العين الموقوفة ما يمنع الانتفاع بها أو يقلله، مما يعود على أصل مقصد الوقف بالإبطال أو التعطيل، فحينئذ يجوز استبدال أو بيع الوقف أو التبرع بغيره، تحقيقًا للمصلحة.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "العقود الدرية" (1/ 115، ط. دار المعرفة): [في فتاوى "قاري الهداية" سُئل عن استبدال الوقف ما صورته: هل هو على قول أبي حنيفة وأصحابه؟ أجاب: الاستبدال إذا تعين بأن كان الموقوف عليه لا ينتفع فيه، وثمة من يرغب فيه، ويعطي بدله أرضًا، أو دارًا لها ريع يعود نفعه على جهة الوقف، فالاستبدال في هذه الصورة قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، وإن كان للوقف ريع، ولكن يرغب شخص في استبداله إن أعطي بدله أكثر ريعًا منه في صقع أحسن من صقع الوقف جاز عند القاضي أبي يوسف، والعمل عليه] اهـ.
وقال العلَّامة ابن مازة الحنفي في "المحيط البرهاني" (6/ 233، ط. دار الكتب العلمية): [سُئِلَ شمس الإسلام الحلواني عن أوقاف المسجد إذا تعطلت وتعذر استغلالها هل للمتولي أن يبيعها ويشتري مكانها أخرى؟ قال: نعم] اهـ.
وقال الشيخ الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (7/ 94-95، ط. دار الفكر): [(ص) وبيع ما لا ينتفع به من غير عقار في مثله أو شقصه. (ش) يعني: أن الشيء الموقوف على معين أو على غير معين من غير عقار إذا صار لا ينتفع به في الوجه الذي وقف فيه، كالثوب يخلق والفرس يكلب والعبد يعجز وما أشبه ذلك فإنه يباع ويشترى بثمنه مثله مما ينتفع به في الوجه الذي وقف فيه، فإن لم يبلغ ثمنه ما يشترى به مثله فإنه يستعان به في شقص مثله. وقوله: وبيع، أي: وجوبا. وقوله: مما لا ينتفع به، المنفي هو النفع المقصود للواقف، ولكن ينتفع به في الجملة] اهـ.
وقال العلامة جلال الدين المحلي الشافعي في "شرحه على منهاج الطالبين" (3/ 109، مع "حاشية قليوبي وعميرة"، ط. دار الفكر): [(الأصح: جواز بيع حصر المسجد الموقوفة، إذا بليت وجفوا عنه إذا انكسرت، ولم تصلح إلا للإحراق)؛ لئلا تضيع ويصرف ثمنها في مصالح المسجد] اهـ.
وقال الشيخ ابن تيمية الحنبلي في "الفتاوى الكبرى" (4/ 359، ط. دار الكتب العلمية): [وأما إبدال المنذور والموقوف بخيرٍ منه كما في إبدال الهدي: فهذا نوعان: أحدهما: أن الإبدال للحاجة، مثل أن يتعطل فيباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه، كالفرس الحبيس للغزو إذا لم يمكن الانتفاع به للغزو فإنه يباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه، والمسجد إذا خرب ما حوله فتنقل آلته إلى مكان آخر، أو يباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه، أو لا يمكن الانتفاع بالموقوف عليه من مقصود الواقف فيباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه، وإذا خرب ولم تمكن عمارته فتباع العرصة، ويشترى بثمنها ما يقوم مقامها: فهذا كله جائز، فإن الأصل إذا لم يحصل به المقصود قام بدله مقامه. والثاني: الإبدال لمصلحة راجحة، مثل أن يبدل الهدي بخير منه، ومثل المسجد إذا بني بدله مسجد آخر أصلح لأهل البلد منه] اهـ.
وجواز الاستبدال حينئذ حيث لم يقيد الواقف وقفه لغرض محدد ولولاه ما أوقف، وإلا فلا يجوز الاستبدال.
بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فما دام المتبرع بالإسمنت قد حدد تبرعه به دون غيره، فلا يجوز لكم مخالفة ذلك، ولا التصرف في الإسمنت بالبيع أو الاستبدال، بل يجب الالتزام بما تبرع من أجله، ولكم شراء خزان المياه من أموال أخرى كالصدقات أو من مال متبرع آخر يأذن لكم في ذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم إنشاء دار مناسبات تلحق بالمسجد؟ وهل يجوز تمويل هذه الدار من تبرعات المساجد؟
ما حكم الشرع في استبدال الأوقاف؟
برجاء التكرم بإفادتنا عن البنود المختلفة الشرعية لمصارف الصدقة الجارية، حتى تقوم اللجنة بصرف الصدقة الجارية فيها طبقًا للشرع الشريف.
ما حكم الاستغناء عن مسجد صغير بعمارة سكنية بعد بناء مسجد كبير أمامه؟ حيث يقول السائل: اشتريت منزلًا تقع فيه عيادتي ومسجد صغير، والسائل يرى أن في المسجد عيوبًا وهي: إزعاج المصلّين وقت الصلوات من المرضى الصاعدين والهابطين من وإلى العيادة، ووقوف الإمام خلف الجزء الأكبر من المصلين في صلاة الجمعة؛ حيث إن المسجد صغير ويصلي بعض الناس بالخارج، ويوجد ساكنين أعلى المسجد يمارسون حياتهم الطبيعية. علمًا بأني سأقوم بإنشاء مسجد أكبر أمامه؛ لإحلاله محل المسجد القديم الذي أنوي استغلاله لتوسعة العيادة، ولن أقترب من المسجد القديم إلا بعد تمام بناء المسجد الجديد، وبدء إقامة الصلوات فيه؛ فما حكم الشرع في ذلك؟
ما حكم هدم مسجد بني في أرض مغتصبة؟ فقد طلبت وزارة التعمير- جهاز تنمية مدينة العاشر من رمضان - بكتابها أن دولة العلم والإيمان وهي تنشئ وتعمر تضع في مقدمة أعمالها تشييد دور العبادة لأداء الصلاة وإقامة شعائر الدين، لهذا وحين رخصت الدولة بإنشاء مدينة العاشر من رمضان على المساحة التي حددها قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 249 سنة 1977م أُعِدَّ تخطيط للمدينة مع تحديد مواقع المساجد على نحو كافٍ، وتم فعلًا بناء أول مسجد، وتم افتتاحه للصلاة، إلا أن نفرًا ممن احترفوا التمسح بالدين اعتدوا على جزء من هذه الأراضي بوضع اليد عليها لأغراض شتى جاعلين الدين واجهة لإخفاء نواياهم الحقيقية؛ وذلك باستيلائهم على مساحة قدرها سبعة عشر ألفًا وخمسمائة متر مربع من أرض المدينة، وخصصا منها ما لا يجاوز تسعين مترًا مربعًا لإقامة مسجد -زاوية صغيرة- وأما بقية المساحة فلإقامة كازينو وكافيتريا بجوار هذا المسجد، فما حكم الشريعة الغراء في مدى مشروعية إقامة مسجد أو زاوية على أرض الغير -أرض المدينة- غصبًا؟
ما حكم الوصية بوقف الأرض الزراعية على جهات البر والخير؟ فقد أوصى رجل حال حياته بما يملكه من أطيان زراعية مساحتها فدان و16 قيراطًا و20 سهمًا، وهذه المساحة قد آلت إليه بالميراث الشرعي من والده، وقد أقام عليها وصيًّا متصرفًا في الأطيان المذكورة بعد وفاته فله حق التصرف فيها بزراعتها واستغلالها وتأجيرها وأن يتصرف في قيمة الريع لهذه الأطيان بالصرف منها على أنواع البر الخيري بكافة أنواعها والصرف على فقراء العائلة، وله حق الاحتفاظ لنفسه بمقدار أتعابه والصرف على نفسه، وأن يكون هو المشرف الوحيد على الأطيان وإدارتها، ولأرشد أولاد الموصي أو أسرته من بعد وفاته حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ويطلب السائل بيان التكييف الشرعي والقانوني لهذه الوصية ومدى مضمونها وجوهرها.