ضابط الحائل الذي يمنع صحة الطهارة

تاريخ الفتوى: 28 أبريل 2025 م
رقم الفتوى: 8611
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الطهارة
ضابط الحائل الذي يمنع صحة الطهارة

ما ضابط الحائل الذي يمنع صحة الطهارة؟ وكيف أعرف الحائل مِن غيره، وهل يصح الوضوء مع وجود بعض البويات والدهانات على البَشَرة؟ لأني أعمل في مهنة النقاشة، وفي الغالب يصيب أعضاء الوضوء بعض البويات والدهانات التي يصعب إزالتها، وقرأتُ أنَّ وجود حائل يمنع من وصول الماء إلى الجسد يجعل الوضوء غير صحيح. فما الحكم؟

الأصل وجوب إزالة كل حائل يمنع وصول الماء إلى الجسد عند إرادة الطهارة حال القدرة عليها، وضابط الحائل الذي تجب إزالته: كل ما يمنع نفوذ الماء إلى الجسد كنحو شمعٍ ودهن وعجين مما هو مُتَجسِّم وجامدٌ، أمَّا ما ليس متجسمًا ولا جامدًا كالمائعات من نحو الزيت والكريمات والمرطبات أو ما أزيلت عينه وبقي لونه فقط كالحنَّاء فلا يُعد حائلًا، ومع ذلك فإنه يُعفى عمَّا يلتصق بالجسد من مواد الدهان والغراء وغيرها مما قد يصيب أصحاب المهن المختلفة كالكاتب والنقَّاش والخباز وغيرهم، والتي يشق عليهم الاحتراز عنها ويتعذر عليهم إزالتها، فيتطهرون مع بقائها ولا حَرَج عليهم، ووضوؤهم صحيح.

المحتويات:

 

بيان أن الطهارة شرط للقيام ببعض العبادات

من المقرَّر شرعًا أنَّ الطهارة من الحَدَثين الأصغر والأكبر شرط للقيام ببعض العبادات كالصلاة والطواف وغيرهما، فلا يصح القيام بهذه العبادات بدون طهارة.

والطهارة تحصل باستعمال الماء سواء في الوضوء أو الاغتسال، كما تحصل بالتيمم عند فقد الماء، أو العجز عن استعماله؛ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة: 6].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» متفق عليه.

من شروط صحة الوضوء عدم الحائل الذي يمنع وصول الماء

الأصل عند استعمال الماء في الطهارة وصول الماء إلى البَشَرة، بمعنى ألَّا يكون هناك حائلٌ يمنع وصولها؛ من شمعٍ أو دهنٍ مُتجَسِّمٍ أو نحو ذلك، وهو ما نصَّ عليه فقهاء المذاهب في كلامهم عن شروط صحة الوضوء.

قال العَلَّامة الشُّرُنبُلالي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 45، ط. المكتبة العصرية): [ولا بد من زوال ما يمنع من وصول الماء للجسد كشمع وعجين] اهـ.

وقال الشيخ عِلِيش المالكي في "منح الجليل" (1/ 80، ط. دار الفكر): [(وَنَقَضَ) الشخص المتوضئ وجوبًا أي: أزال (غيره) أي: الخاتم المأذون فيه صادق بغير الخاتم كشمع وزفت ومداد ووسخ على العضو مانع من وصول الماء لبشرته، وبالخاتم المنهي عنه من محله وغُلِّه، فإن لم يمنع وصول الماء لها فلا يجب نقضه] اهـ.

وقال الإمام محيي الدين النووي الشافعي في "المجموع" (1/ 467، ط. دار الفكر): [إذا كان على بعض أعضائه شمعٌ أو عجينٌ أو حناءُ وأشباه ذلك فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو؛ لم تصح طهارته] اهـ.

وقال الإمام المَرْدَاوي الحنبلي في "الإنصاف" (1/ 144، ط. دار إحياء التراث العربي) عند بيان شروط الوضوء: [منها: إزالة ما يمنع وصول الماء إلى العضو] اهـ.

ضابط الحائل الذي يمنع وصول الماء إلى الجسد

ضابط الحائل: هو كل ما يمنع وصول الماء إلى الجسد ومُمَاسَّته له، كالأدهان والشمع ونحو ذلك مما هو متجسم وجامد، أما ما ليس متجسمًا ولا جامدًا، كالمائعات من نحو الزيت والكريمات وسائر المرطبات، فلا يُعد حائلًا؛ لأنه لا يمنع مسَّ الماء للعضو وإن لم يثبت عليه، وكذلك كل ما أُزيلت عينه وبقي لونه فقط كالحناء فلا يعد حائلًا؛ لأنَّه لا يمنع وصول الماء إلى الجسد ومُمَاسَّته له. وعلى هذا المعنى نصَّ الفقهاء، فقال العَلَّامة الشُّرُنبُلالي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 30) قال: [وشرط صحته -أي: الوضوء- ثلاثة: ... والثالث: زوال ما يمنع وصول الماء إلى الجسد؛ لحرمة الحائل كشمع وشحم، قيد به؛ لأن بقاء دسومة الزيت ونحوه لا يمنع لعدم الحائل] اهـ.

وقال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الصغير" (1/ 132، ط. دار المعارف): [فشروط صحته -أي الوضوء- ثلاثة... الثاني: عدم الحائل من وصول الماء للبشرة؛ كشمعٍ ودهنٍ متجسِّمٍ على العضو] اهـ.

قال العلامة الصاوي مُحشِّيًا عليه: [قوله: "متجسم": يحترز عن نحو السمن والزيت الذي يقطع الماء على العضو، فلا يضر إذا عم الماء وتقطع بعد ذلك] اهـ.

وقال الإمام محيي الدين النووي في "المجموع" (1/ 426-427): [قال أصحابنا: فلو أذاب في شقوق رجليه شَحْمًا أو شَمْعًا أو عَجِينًا أو خَضَبهما بحناءٍ وبقي جِرْمه لَزِمه إزالة عينه؛ لأنَّه يمنع وصول الماء إلى البشرة فلو بقي لون الحناء دون عينه لم يضره ويصح وضوءُه، ولو كان على أعضائه أثر دهن مائعٍ فتوضأ وأمسَّ بالماء البشرة وجرى عليها ولم يثبت؛ صح وضوءُه] اهـ.

وقال العلامة البُجَيْرِمي في حاشيته "تحفة الحبيب" (1/ 128، ط. دار الفكر): [قوله: (وعدم الحائل) كدهن جامد، أما المائع فإنه لا يمنع مس الماء للعضو وإن لم يثبت عليه] اهـ.

وقال العلامة البُهُوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 85، ط. دار عالم الكتب): [ويشترط لوضوء... إزالة ما يمنع وصول الماء عن أعضاء الوضوء ليصل الماء إلى البشرة] اهـ.

رفع الحرج عمن يتعذر عليه إيصال الماء إلى عضوٍ من أعضاء الطهارة لوجود حائل

مع اشتراط الفقهاء استيعاب كامل الأعضاء بإيصال الماء إليها عند الطهارة، إلَّا أنهم يرون التَّرخُّص بالتخفيف ورفع الحرج عمن يتعذر عليه إيصال الماء إلى عضوٍ من أعضاء الطهارة لوجود حائل يصعُب إزالته؛ كمن يعمل في إحدى المِهن التي لا يمكن له معها الاحتراز عما يلحق بشرته من المواد المستخدمة فيها، والتي تترك أثرًا حائلًا يلتصق بالبشرة ويمنع نفوذ الماء إليها، كمواد الدِّهان والغراء وما أشبه ذلك.

ومما هو مقرر شرعًا أن حصول المشقة مُوجِب للتخفيف؛ فقد قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وقال عزَّ وجَلَّ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦]، وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أخرجه الشيخان.

قال الإمام تاج الدين السبكي الشافعي في "الأشباه والنظائر" (1/ 49، ط. دار الكتب العلمية): [المشقة تجلب التيسير، وإن شئتَ قلتَ: إذا ضاق الأمر اتسع] اهـ.

واستنادًا إلى ما قرره الشرع الشريف من قواعد التيسير ورفع الحرج عن المكلفين في كل ما فيه مشقة فإنه يُعفى عن هذا القدر الذي لم يصله الماء بسبب وجود بعض المواد التي تمثل حائلًا على البشرة، فيُكتفى بإسالة الماء على هذا الحائل، وتصح الطهارة مع وجودها استثناءً؛ لتعذر إزالتها في كل مرة.

قال العلامة الشُّرُنْبُلَالي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 31): [ولا يمنع الدرن أي: وسخ الأظفار سواء القروي والمصري في الأصح فيصح الغسل مع وجوده... ولا ما على ظفر الصبَّاغ من صبغ للضرورة وعليه الفتوى] اهـ.

وقال الإمام الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 201، ط. دار الفكر): [وأمَّا المداد فجعله صاحب "الطراز" كالمستثنى من مسألة الحائل ونصه إثر كلامه السابق. (فرع) إذا قلنا: إنه لا يجزئه فإن كان ذلك مما لا يمكن الاحتراز منه ولا من مثله؛ فهل يعفى عنه وينتقل الفرض للجسم الحائل كما في الظفر يُكْسَى مَرَارَة من ضرورةٍ؟ فقد قال مالك في "الموازية" فيمن توضأ وعلى يديه مداد فرآه بعد أن صلى على حاله: إنه لا يضره ذلك إذا أمرَّ الماء على المداد، ثم قال: إذا كان الذي كتب، كأنه رأى أن الكاتب لا يمكنه الاحتراز عن ذلك بخلاف غير الكاتب] اهـ.

وقال العلامة ابن حجر الشافعي في "تحفة المحتاج" (1/ 186-187، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [وأن لا يكون على العضو ما يغير الماء تَغيُّرا ضارًا أو جرم كثيف يمنع وصوله للبشرة، لا نحو خضاب ودهن مائع، وقول القفال تراكم الوسخ على العضو لا يمنع صحة الوضوء ولا النقض بلمسه يتعين فرضه فيما إذا صار جزءًا من البدن لا يمكن فصله عنه] اهـ.

وقال العلَّامة المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (1/ 158-159): [لو كان تحت أظفاره يسير وسخ، يمنع وصول الماء إلى ما تحته لم تصح طهارته، قاله ابن عقيل... وقيل: تصح، وهو الصحيح... وقيل: يصح ممن يشق تحرزه منه، كأرباب الصنائع والأعمال الشاقة من الزراعة وغيرها، واختاره في "التلخيصِ"، وأطلقهن في "الفروع"، وأَلْحَق الشيخ تقي الدين كلَّ يسير مَنَعَ، حيث كان من البدن، كدم وعجين ونحوهما] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه تجب إزالة كل حائل يمنع وصول الماء إلى الجسد عند إرادة الطهارة حال القدرة عليها، وضابط الحائل الذي تجب إزالته: كل ما يمنع نفوذ الماء إلى الجسد كنحو شمعٍ ودهن وعجين مما هو مُتَجسِّم وجامدٌ، أمَّا ما ليس متجسمًا ولا جامدًا كالمائعات من نحو الزيت والكريمات والمرطبات أو ما أزيلت عينه وبقي لونه فقط كالحنَّاء فلا يُعد حائلًا، ومع ذلك فإنه يُعفى عمَّا يلتصق بالجسد من مواد الدهان والغراء وغيرها مما قد يصيب أصحاب المهن المختلفة كالكاتب والنقَّاش والخباز وغيرهم، والتي يشق عليهم الاحتراز عنها ويتعذر عليهم إزالتها، فيتطهرون مع بقائها ولا حَرَج عليهم، ووضوؤهم صحيح.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم تغسيل المحارم بعضهم البعض في حال الوفاة عند عدم توفر رجل لتغسيل الرجال أو امرأة لتغسيل النساء؟


ما حكم أداء السعي للحائض؟ حيث توجد امرأة ذهبت لأداء العمرة، وبعد الانتهاء مِن الطواف وصلاة ركعَتَي سُنَّة الطواف، وقبل البدء في السعي داهمها الحيض، ولم تتمكن مِن انتظار الطهر؛ لأنَّ للسفر موعدًا محددًا، فأتمَّت سعيَها على هذه الحال، وتسأل: ما حكم سَعيها وعُمرتها؟ وهل يجب عليها شيء؟


بالنسبة للطهارة وغير الطهارة؛ قيل: إن بول الطفل الذكر طاهرٌ ولا يؤدي للنجاسة، بينما بول الطفلة بالعكس. هل هذا صحيح؟ وكيف يفسر ذلك؟


هل يمكن لمن يتبع المذهب الشافعي أن يستخدم أدوات التجميل؛ مثل العطر والكريم السائل والشامبو، التي تحتوي على الكحول؟ قال لي أحد الأشخاص: إنه إذا كان الكحول مسكرًا فإنه يعتبر نجاسة، أما إن لم يكن مسكرًا فإنه لا يعتبر نجاسة. على سبيل المثال: الكحول الإثيلي نجس لأنه مسكر، في حين أن الكحول السيتيلي غير نجس لأنه غير مسكر. أنا أعرف أنه في المذهب الحنفي أن الشخص يمكن أن يستخدم أي نوع من أنواع الكحول غير ذلك المصنوع من العنب والتمر. من فضلكم وضحوا لي الأمر وأخبروني أي نوع من الكحول يمكن استخدامه من خلال المذهب الشافعي؟


سائل يقول: زوجتي تعاني مِن استمرار نزول الدم بعد الولادة، وقد جاوزت أربعين يومًا؛ فكيف تتطهر من أجل الصيام والصلاة؟


ما حكم التيمم لعذر يمنع من استعمال الماء؟ فسائل يسأل عن زوجته المصابة بحالة جفاف في بشرة الوجه واليدين ونصحها الطبيب بعدم التعرض للماء إلا مرة واحدة في اليوم؛ لعدم حدوث مضاعفات لها.
فهل يجوز لها التتيمم طوال اليوم لأداء الصلاة والطاعات التي تحتاج للطهارة؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 13 مايو 2025 م
الفجر
4 :24
الشروق
6 :3
الظهر
12 : 51
العصر
4:28
المغرب
7 : 40
العشاء
9 :8