ما حكم إقراض الأسهم؟ فإن صديقي يمتلك أسهمًا في شركة، وطلبتُ منه أن أقترض الأسهم الخاصة به، على أن أرد له بعد شهر نَفْس عدد وقيمة الأسهم التي سأقترضها منه، دون النَّظَر إلى انخفاض أو ارتفاع قيمة السهم وقت السداد، فهل هذه المعاملة جائزة شرعًا؟
إصدار الأسهم وملكيتها والتعامل بها بيعًا وشراءً وإقراضًا -جائزٌ شرعًا، ما لم يكن عمل الشركة التي تكونت من مجموعة الأسهم مشتملًا على محظور، وإذا اقترض الشخص أسهمًا من شركة فالأصل أن يردها، دون النَّظر إلى انخفاض أو ارتفاع قيمتها وقت السداد، فإن أُغلقت الشركة أو تَمَّ تصفيتها وتَعذَّر سداد مثل ما اقترضه من الأسهم وجب رد قيمتها يوم السداد، وكل ذلك بشرط ألا يكون إقراض الأسهم مشروطًا بفائدة يدفعها المقترض للمقرض، وإلا حرم.
المحتويات
الشركات لها أنواع متعددة، ولكلٍّ منها طبيعة خاصة وأحكام تُقيِّدها، ومِن أنواع هذه الشركات "شركة الأسهم"، والتي يُقَسَّم فيها رأس المال إلى أسهم متساوية القيمة، ويكون لكل شريك عدد من هذه الأسهم، ويتفاوت الشركاء تفاوتًا كبيرًا في عدد الأسهم التي يملكونها، ولا يكون كل شريك مسؤولًا إلَّا في حدود الأسهم التي يمتلكها. ينظر: "الوسيط في شرح القانون المدني" للعَلَّامة السنهوري (5/ 235، ط. دار إحياء التراث العربي).
وترغب بعض شركات المساهمة في تمويل مشروعاتها واستثماراتها فتقوم بإصدار ما يُسمَّى بـ"الأسهم"، وهي: عبارة عن الصك الذي تُصدِره الشركة ويمثل حق المساهم فيها، بحيث يخوله هذا الحق في الحصول على نسبة من أرباحها، والاشتراك في تحمل خسارتها، وفي ناتج تصفية أموال الشركة عند انحلالها، وحصة المساهم في شركة الأموال تقابل حصة الشريك في شركة الأشخاص. ينظر: "الشركات التجارية في القانون المصري" للدكتور محمود سمير الشرقاوي (ص: 167، ط. دار النهضة).
ويُفهم مِن هذا أَنَّ السَّهْم يُمثِّل جزءًا من أجزاء متساوية لرأس مال الشركة التي تصدره، يزيد أو ينقص تبعًا لنجاحها، فتزداد قيمته بزيادة ربحية وسمعة الشركة في السوق، كما يتحمل أيضًا قِسطَهُ من الخسارة إن كانت هناك خسارة.
وحامل السَّهْم يتملك حصة من الشركة بحسب قيمة الأسهم التي يمتلكها، ولكل سهم قيمة اسمية عند إصداره من طرف الشركة، وقيمة سوقية بحسب العَرض والطلب، فهو قابل للبيع والشراء في سوق الأوراق المالية، ووسيلة للتجارة والتَّربُّح.
ومن ثَمَّ فإن السَّهْم يعدُّ مالًا، وإصداره وملكيته والتعامل به بيعًا وشراءً جائزٌ شرعًا ولا حرج فيه، ما لم يكن عمل الشركة التي تكونت من مجموعة الأسهم مشتملًا على محظور.
لما كانت الأسهم مالًا تجري عليها أحكام البيع والشراء والربح، جاز فيها القرض أيضًا، إلَّا أنَّ الأصل فيه -أي: القرض- أَن يُردَّ بالـمِثْل قَدْرًا وصفةً، دون زيادةٍ أو نقصان؛ إذ إنَّ مقصود القرض هو تنفيس الكُرُبات وإقالة العثرات وإعانة المحتاج دون نفعٍ يبتغيه المُقرض أو مقابلٍ يعود عليه، ابتغاءً لتحصيل الأجر والمثوبة، قال الله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: 245]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: 11].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» أخرجه الإمام مسلم.
وعلى هذا الأصل السابق اتفاق الفقهاء، قال الإمامان أبو محمد بن حزم في "مراتب الإجماع" (ص: 94، ط. دار الكتب العلمية) وأبو الحَسَن بنُ القَطَّان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (2/ 196، ط. الفاروق الحديثة): [واتَّفَقُوا على وجوبِ رَدِّ مثلِ الشيءِ المستقرَض] اهـ.
إذا كان القَرض في الأموال المِثلية التي لم ينقطع التعامل بها -وجب ردها بمثلها ما دام لها مِثل، ولا أَثَر لغلائها أو رُخْصها، وعلى ذلك تواردت نصوص الفقهاء.
قال الإمام علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (7/ 395، ط. دار الكتب العلمية) عند الكلام على شروط القرض: [أن يكون ممَّا له مِثْل، كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة، فلا يجوز قرض ما لا مثل له من المزروعات والمعدودات المتقاربة؛ لأنه لا سبيل إلى إيجاب رد العين ولا إلى إيجاب رد القيمة؛ لأنه يؤدي إلى المنازعة لاختلاف القيمة باختلاف تقويم الـمُقوِّمين، فتعين أن يكون الواجب فيه رد الـمِثْل؛ فيختص جوازه بما له مِثْل] اهـ.
وقال العَلَّامة علي الصعيدي في "كفاية الطالب الرباني" (2/ 162، ط. دار الفكر): [(وإن كان) مثليًّا (ممَّا يُوزن أو يُكال) أو يُعد (فليرد مثله..)] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (3/ 33، ط. دار الكتب العلمية): [(ويرد) في القرض (الـمِثْل في الـمِثْلي)؛ لأنه أقرب إلى حقِّه] اهـ.
وقال العلامة الـمُوفَّق بن قدامة في "المغني" (4/ 244، ط. مكتبة القاهرة): [المستقرض يرد الـمِثْل في المِثليَّات، سواء رَخُص سعره أو غَلَا، أو كان بحاله] اهـ.
وهذا ما أخذ به الـمُشَرِّع المصري في القانون رقم 131 لسنة 1948م، حيث نَصَّت المادة (134) على أنه: [إذا كان محل الالتزام نقودًا، التزم المدين بقدر عددها المذكور في العقد، دون أن يكون لارتفاع قيمة هذه النقود أو لانخفاضها وقت الوفاء أيُّ أثر] اهـ.
والمثلي هو ما تتماثل أجزاؤه وتتقارب في المنفعة والقيمة، وتقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء، كما أفاده الإمام أبو القاسم الرافعي في "فتح العزيز" (11/ 266، ط. دار الفكر)، والعَلَّامة أبو الفرج ابن قدامة في "الشرح الكبير" (5/ 433، ط. دار الكتاب العربي).
وأما القِيمِي فهو ما تتفاوت أجزاؤه تفاوتًا غير يسير، ويتعذَّر وجود مثله، كما نص عليه العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (5/ 161، ط. دار الفكر).
ولمَّا كان للسهم مثل في الشركة التي يمثلها، اعتبر من المثليات، فوجب رده بمثله.
إذا أُغلقت الشركة أو تَمَّ تصفيتها أو تَعذَّر على المقترض سداد مثل ما اقترضه من الأسهم وجب عليه حينئذ رد قيمتها بسعر السهم يوم السداد.
ومُدْرَك ذلك: ما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قَالَ: كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، رُوَيْدَكَ أَسْأَلُكَ، إِنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» أخرجه أبو داود -واللفظ له- والترمذي والنَّسَائِي.
وعلى هذا المعنى تكاثرت نصوص الفقهاء الدالة على جواز العدول عن المثل ورد القيمة إذا تعذر على المقترض سداد المثل.
قال العَلَّامة الحصكفي في "الدُّر المختار" (ص: 448، ط. دار الكتب العلمية): [(ويجب) على المستقرض (رد) مثل (أفلس القرض إذا كسدت) وأوجب محمد قيمتها يوم الكساد، وعليه الفتوى] اهـ.
وقال العَلَّامة المرغيناني في "الهداية" (3/ 85، ط. دار إحياء التراث العربي): [ولو استقرض فلوسًا نافقة فكسدت عند أبي حنيفة رحمه الله: يجب عليه مثلها... وعندهما: تجب قيمتها؛ لأنه لما بطل وصف الثمنية تعذر ردها كما قبض فيجب رد قيمتها، كما إذا استقرض مثليًّا فانقطع] اهـ.
وقال العلامة الخرشي في "شرح مختصر خليل" (5/ 55، ط. دار الفكر): [الشخص إذا ترتب له على آخر فلوس أو نقد من قرض أو غيره ثم قطع التعامل بها أو تغيرت من حالة إلى أخرى، فإن كانت باقية فالواجب على من ترتبت عليه -المثل في ذمته قبل قطع التعامل بها أو التغير على المشهور، وإن عدمت فالواجب على من ترتبت عليه -قيمتها مما تجدد وظهر، وتعتبر قيمتها وقت أبعد الأجلين عند تخالف الوقتين من العدم والاستحقاق] اهـ.
وقال الإمام الشيرازي في "المهذب" (2/ 198، ط. دار الكتب العلمية): [وإن وجب المثل فأعوز فقد اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: تجب قيمته وقت المحاكمة؛ لأن الواجب هو المثل، وإنما القيمة تجب بالحكم فاعتبرت وقت الحكم] اهـ.
وقال العلامة أبو السَّعَادات البُهُوتي في "المنح الشافيات" (1/ 438-439، ط. دار كنوز إشبيليا): [لو أقرضه نقدًا أو فلوسًا فحرم السلطان المعاملة بذلك فردَّه المقترض لم يلزم المقرض قبوله ولو كان باقيًا بعينه لم يتغير، وله الطلب بقيمة ذلك يوم القرض، وتكون من غير جنس النقد إن أفضى إلى ربا الفضل، فإذا كان دراهم أعطى عنها دنانير وبالعكس لئلا يؤدي إلى الربا] اهـ.
يشترط مع كلِّ ما سبق: ألا يكون إقراض الأسهم مشروطًا بفائدة يدفعها المقترض للمقرض، وإلا حرم؛ لخروجه حينئذ عما وضع له من تنفيس الكُرُبات وإقالة العثرات وإعانة المحتاج، ابتغاء تحصيل الأجر والمثوبة، وتحوله إلى معاوضة، وقد تقرر أنَّ "كل قرض جرَّ نفعًا فهو ربًا".
قال العلامة الـمُوفَّق بن قدامة في "المغني" (4/ 240): [وكل قرض شرط فيه أن يزيده، فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك، أنَّ أخذَ الزيادة على ذلك ربا، وقد روي عن أبي بن كعب، وابن عباس، وابن مسعود، أنهم نهوا عن قرض جر منفعة، ولأنه عقد إرفاق وقربة، فإذا شَرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن إصدار الأسهم وملكيتها والتعامل بها بيعًا وشراءً وإقراضًا -جائزٌ شرعًا، ما لم يكن عمل الشركة التي تكونت من مجموعة الأسهم مشتملًا على محظور، وإذا اقترضتَ أسهمًا من صاحبها فالأصل أن تردها إليه، دون النَّظر إلى انخفاض أو ارتفاع قيمتها وقت السداد، فإن أُغلقت الشركة أو تَمَّ تصفيتها وتَعذَّر عليك سداد مثل ما اقترضته من الأسهم وجب رد قيمتها يوم السداد، وكل ذلك بشرط ألا يكون إقراض الأسهم مشروطًا بفائدة يدفعها المقترض للمقرض، وإلا حرم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما معنى ألفاظ: القروض، الديون، الودائع، الاستثمار؟ وهل هناك فرق بينها؟
ما حكم توظيف أموال صندوق تأمين عن طريق منح قروض؟ حيث إنني من العاملين بمصلحة الكفاية الإنتاجية والتدريب المهني، وأشترك كعضو بصندوق التأمين الخاص للعاملين، وحيث تنص اللائحة على توظيف أموال الصندوق عن طريق منح قروض للأعضاء لا تزيد عن خمسة وعشرين بالمائة من جملة أموال الصندوق وبما لا يزيد على خمسة وسبعين بالمائة من الحقوق التأمينية للعضو في حالة الاستقالة، على أن يسدد القرض خلال مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات وبمعدل استثماري سنوي يعادل تكلفة القرض البديلة. لذا نرجو التفضل بإعطائنا مستندًا رسميًّا يفيد مدى شرعية هذا الأمر.
ما حكم الشرع فيما يعرف بين الناس بـ"النقوط" الذي يُقدَّم عند حدوث مناسبة عند إنسان آخر، هل هو دَيْنٌ واجب الرد أو هديةٌ لا يجب رَدُّها؟
يقول السائل: لي ثلاثة أبناء لا يعملون، فهل يجوز أن آخذ قرضًا من الصندوق الاجتماعي للخريجين وأقوم بعمل مشروع تجاري لهم؟
ما حكم سداد ورثة الكفيل الدَّين المؤجل على الميت بالكفالة بمجرد وفاته؟ فإن رجلًا ضَمِنَ أخاه في سداد دَينٍ مؤجَّل، إلا أنَّه (الكفيل) توفاه الله قبل حلول موعد سداد الدَّين على أخيه (المدين) بخمسة أشهر، فهل يجب على ورثته سداد ذلك الدَّين من التركة بمجرد وفاته؟ علمًا بأن أخاه مُقِرٌّ بالدَّين وعازِمٌ على سداده في موعده بعد الأشهر الخمسة.
ما حكم إعطاء أحد المشتركين في الجمعية مبلغا من المال للتنازل عن دوره؟ فقد اشترك رجلٌ في جمعية شهريَّة، وموعد تسلُّمه لدَوْرِه فيها سوف يكون بعد ستة أشهر، فطلب من الذي سيتسلَّم الجمعية بعد شهرين أن يعطيه دَوْرَه فيها، فوافق صاحب الدَّوْر المتقدِّم على ذلك، غير أنَّه اشترط عليه أن يأخذ منه مقابل ذلك مبلغًا من المال، فهل يجوز ذلك شرعًا؟