هل يجوز الإحرام بالعمرة على العمرة؟ فقد أحرمتُ بعمرة وقبل أن أُتِمَّ مناسكها أحرمتُ بعمرةٍ أخرى عليها، فهل أكون مُحْرِمًا بعمرتين، أم إحداهما تكون لغوًا؟
إحرامُك بالعُمْرَة ثم الإحرام بالأُخْرَى عليها قبل إتمام مناسك الأولى يجعل الثانية لغوًا، ومعنى كونها لغوًا، أي: غير منعقدة، فالمشغول لا يُشْغَل، وإذا رَغبتَ في تكرار العمرة فيمكنك الإحرام بعمرة ثانية وأداؤها بعد انتهائك مِن العمرة الأولى، لا أن تُدْخِل غيرها عليها.
المحتويات
مِن أفضل العبادات التي يَتقرَّب بها العبدُ إلى ربِّه العُمْرَة، ففيها تكفير للذنوب واستجابة الدعوات؛ لما اتفق عليه الشيخان مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العُمْرَة إلى العُمْرَة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلَّا الجنة».
قال الإمام النَّووي في "شرحه على صحيح مسلم" (9/ 117-118، ط. دار إحياء التراث): [قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «العُمْرَة إلى العُمْرَة كفارة لما بينهما» هذا ظاهر في فضيلة العُمْرَة، وأنها مكفرة للخطايا الواقعة بين العمرتين] اهـ.
يدخل الشخص في النُّسُك -حَجًّا أو عمرة- بالإحرام، والمراد بالإحرام عند جمهور الفقهاء: نيَّة الدخول في العُمْرَة. ينظر: "الشرح الكبير" للشيخ الدردير (2/ 21، ط. دار الفكر)، و"نهاية المحتاج" للعلامة الرملي (3/ 264، ط. دار الفكر)، و"الإنصاف" للعلامة المَرْداوي (3/ 431، ط. دار إحياء التراث).
وهو -أي: الإحرام- ركن من أركان العُمْرَة عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، وشرط لصحة النُّسُك عند الحنفية.
قال العلامة علاء الدين الحَصْكَفي الحنفي في "الدر المختار" (ص: 158، ط. دار الكتب العلمية): [(ومَن شاء الإحرام) وهو شرط صحة النُّسُك... (تَوضَّأ)] اهـ.
وقال العلامة الدَّرْدَير المالكي في "الشرح الكبير" (2/ 21): [(وركنهما) أي: الحج والعُمْرَة ثلاثة، ويختص الحج برابع وهو الوقوف بعرفة، الأول (الإحرام)] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين" (ص: 90-91، ط. دار الفكر): [أركان الحج خمسة: الإحرام، والوقوف، والطواف، والسعي، والحلق -إذا جعلناه نسكا-، ولا تجبر، وما سوى الوقوف أركان في العُمْرَة أيضًا] اهـ.
وقال العلامة أبو السَّعادات البُهُوتي في "كشاف القناع" (2/ 521، ط. عالم الكتب): [(وأركان العُمْرَة) ثلاثة (الإحرام، والطواف، والسعي)] اهـ.
الأصل في الإحرام أن يكون بعُمرَةٍ واحدةٍ، أمَّا مَن أحرم بعمرتين، أي: نوى الإحرام بعمرتين، أو أحرم بإحداهما وقَبْل أداء أي نُسُكٍ أحرم بأخرى، فقد اختلف الفقهاء في مدى كونه مُحْرِمًا بعمرتين، أو مُحْرِمًا بإحداهما وتلغى الأخرى.
فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة ومحمد بن الحسن من الحنفية إلى أنَّ مَن أحرم بعمرتين معًا يلزم بإحداهما وتصير الأخرى لغوًا، وإذا أحرم بأحدهما وأَدْخَل الأخرى عليها فالثانية لغوٌ؛ وذلك لأنَّه إذا أحرم بعبادتين لا يمكنه الـمُضِي فيهما جميعًا، فلا ينعقد إحرامه بهما جميعا، كما لو أحرم بصلاتين أو صومين، وانفرد المالكية بكراهة الإحرام بالعُمْرَة على العُمْرَة.
قال الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 170، ط. دار الكتب العلمية): [إذا أحرم بحجتين معًا أو بعمرتين معًا، قال أبو حنيفة وأبو يوسف: لزمتاه جميعا، وقال محمد: لا يلزمه إلا إحداهما] اهـ.
وقال العلامة شمس الدين الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (3/ 48، ط. دار الفكر): [مَن أحرم بحجٍّ ثم أحرم بعده بعُمْرَة، فإنَّ العُمْرَة لغوٌ، وكذا إذا أحرم بحجة ثم أحرم بحجة أخرى أو بعمرة، ثم أحرم به مرة أخرى، فإنَّ الحجة الثانية، والعُمْرَة الثانية لغوٌ، يريد ويكره له ذلك] اهـ.
وقال الإمام النَّووي الشافعي في "المجموع" (7/ 143، ط. دار الفكر): [قال أصحابنا: ولو أحرم بحجتين أو عمرتين انعقدت إحداهما ولا تنعقد الأخرى، ولا تثبت في ذمته عندنا... قال أصحابنا: ولو أحرم بحجة ثم أدخل عليها حجة أخرى أو بعُمْرَة ثم أدخل عليها عمرة أخرى فالثانية لغو والله أعلم] اهـ.
وقال العلامة أبو السَّعادات البُهُوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 417): [(وإن أحرم بحجتين أو عُمْرَتين انعقد إحرامه بأحدهما ولغت الأخرى)؛ لأنَّ الزمان لا يصلح لهما مجتمعتين] اهـ.
وذهب الإمامان أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أَنَّ مَن أحرم بعمرتين معًا لزمتاه ويصير مُحْرِمًا بعمرتين، ويصير رافضًا لإحداهما، وعليه لرفضها دم، مع وجوب قضاءها.
قال شمس الأئمة السرخسي في "المبسوط" (4/ 115-116، ط. دار المعرفة): [مَن أحرم بعمرتين معًا أو بحجتين معا انعقد إحرامه بهما في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى... إذا عرفنا هذا فنقول: عند أبي يوسف رحمه الله تعالى: مَن عقد إحرامه بهما يصير رافضا لأحدهما لأنه كما فرغ من الإحرام جاء أوان أداء الأعمال، والمنافاة ملتحقة فيصير رافضًا لأحدهما، وعليه دم لرفضها، ويمضي في الآخر، فإن كان أحرم بعمرتين فعليه قضاء العُمْرَة التي رفضها، وإن كان إحرامه بحجتين فعليه قضاء عمرة وحجة لرفض أحدهما. وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يصير رافضًا لأحدهما ما لم يشتغل بالعمل للآخر، ففي ظاهر الرواية كما يسير إلى مكة لأداء الأعمال يصير رافضًا لأحدهما، وفي الرواية الأخرى ما لم يأخذ في الطواف لا يصير رافضًا] اهـ.
وقال صَدْر الدِّين ابن أبي العز الحنفي في "التنبيه على مشكلات الهداية" (3/ 1149، ط. مكتبة الرشد): [وأمَّا مَن أدخل حجًّا على حج قبل الوقوف، أو عمرة على عمرة قبل طواف الأكثر، فهو كمن أهل بالنسكين معًا] اهـ.
ومُدْرَك الإمامين أبي حنيفة وأبي يوسف -كما أفادته عبارة شمس الأئمة السرخسي في "المبسوط" (4/ 115)- أَنَّ التنافي يكون في أداء الأفعال، وهو غير متصل بالإحرام فلا يمنع ذلك مِن انعقاد الإحرامين لأنَّه لا تنافي بينهما.
الأَوْلَى بالاختيار هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء بانعقاد إحدى العُمْرَتين حال الإحرام بهما معًا، وجعل الثانية لغوًا، كما أنَّ مَن أحرم بعُمْرة وأَدْخَل الثانية عليها تصير الثانية لغوًا؛ لأنَّه إذا أحرم بعبادتين معًا أو بعبادة ثم إدخال مثلها عليها قبل الانتهاء منها، لا يمكنه الـمُضِي فيهما جميعًا، فلا ينعقد إحرامه بهما جميعًا، كما لو أحرم بصلاتين أو صومين، ولما فيه مِن رفع الحرج والتيسير على المكلفين، قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78].
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» أخرجه البخاري.
والذي ننصح به في هذا الشأن هو أن يجتهد المكلف في أداء العبادة التي بدأها ولا يدخل غيرها عليها إلا بعد انتهائه منها، فمن المقرر أن "المشغول لا يُشغَل"، كما في "المنثور في القواعد" للإمام بدر الدين الزَّرْكَشِي (3/ 174، ط. أوقاف الكويت).
بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإحرامُك بالعُمْرَة ثم الإحرام بالأُخْرَى عليها قبل إتمام مناسك الأولى يجعل الثانية لغوًا، ومعنى كونها لغوًا، أي: غير منعقدة، فالمشغول لا يُشْغَل، وإذا رَغبتَ في تكرار العمرة فيمكنك الإحرام بعمرة ثانية وأداؤها بعد انتهائك مِن العمرة الأولى، لا أن تُدْخِل غيرها عليها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم خروج المتمتع إلى ميقات مكاني كأبيار علي؟ فهناك شخص سافر مع شركة سياحية لأداء الحج، وكان برنامج الرحلة أن يذهب إلى مكة حتى نهاية الحج، ثم يتوجهون إلى زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنوى الحجَّ متمتعًا، وبعد أدائه العمرة وتحلُّله منها، أخبره المشرفون أن برنامج الرحلة قد تغير، وأن موعد زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيكون قبل أداء الحج لظروف طارئة، فذهب للزيارة، وفي أثناء عودته أحرم بالحج من أبيار علي، فهل انقطع تمتعه أو لا؟ وإن لم ينقطع فهل يلزمه الهدي؟ وإذا أحرم منها فهل يمكنه أن يحرم متمتعًا أو قارنًا؟ وهل يلزمه هدي أو لا؟ وهل يصح إحرامه بعمرة ثانية؟ كما يُرجى الإفادة عن حكم ما فعله بعض المرافقين في الرحلة حيث لم يُحرموا من أبيار علي وأحرموا من داخل الحرم، فمنهم من أفرد، ومنهم من تمتع، ومنهم من قرن، وجزاكم الله خيرًا.
هل ينقطع تتابع أشواط الطواف بصلاة الفرض؟ حيث ذهبتُ إلى الحج هذا العام، وأثناء الطواف أقيمت إحدى الصلوات المفروضة وأنا في الشوط الخامس، فالتزمت مكاني وصليت مع الناس، وبعد السلام استكملت الشوط الخامس من المكان الذي توقفت فيه، ثم بقية أشواط الطواف بعد ذلك. فهل يُعدّ التوقف للصلاة المفروضة أثناء الطواف قاطعًا له؛ بحيث يجب عليَّ إعادة الطواف من أوله مرة أخرى؟
ما حكم إنابة الغير في الحج وكون النائب مقيمًا في بلد المناسك؟ حيث أبلغ من العمر 67 عامًا، وقد سبق له السفر لأداء فريضة الحجّ، ولكنه لم يستكمل مناسك الحجّ لمرضه المفاجئ، وصحته حتى الآن متعبة، ولا يستطيع السفر مرة أخرى لأداء الحج، ويسأل هل يصح له أن يُنِيبَ غيره ليحجّ عنه، وهل يجوز أن يكون النائب من المقيمين بالسعودية، وما هي الشروط الواجب توافرها في النائب؟
ما حكم شرب الماء أثناء الطواف؛ فرجلٌ أكرمه الله بالعمرة، وأثناء الطواف بالبيت عطش عطشًا شديدًا، فشرب أثناء طوافه، ويسأل: هل شربُه الماءَ حين أصابه العطش أثناء الطواف جائزٌ، ويكونُ طوافُه صحيحًا شرعًا؟
ما هو يوم التروية؟ وما سبب تسميته بذلك؟ وما هي أهم الأعمال التي يقوم بها الحاج في هذا اليوم؟
ما حكم لبس قناع الوجه الطبي (Face Shield) للمرأة المحرمة؛ توقيًا من الإصابة بالأوبئة والأمراض، خصوصًا إذا ثبت خطرها وإمكان انتقالها عن طريق العدوى؟ علمًا بأن هذا القناع شفافٌ، ويُثَبَّت بحاملٍ أعلى الجبهة وعلى جانبي الرأس، ولا يكون ملاصقًا للوجه.