ما حكم صوم المرأة الحامل إذا رأت الدم أثناء صيامها؟
الدَّمُ النَّازِلُ على المرَأَةِ الحَامِلِ لا يُعَدُّ حَيضًا، وإِنَّما هو دَمُ فَسَادٍ تجرِي عليه أَحكَامُ الاستِحَاضَةِ، فلا يمنَعها من الصومِ، فإِذا رَأَت الحَامِلُ دَمًا حال صومِها فعليها أَن تُتِمَّ الصومَ ولا تقطعَهُ.
المحتويات
قَرَّر الفقهاء أنَّ الحَيضَ والنِّفاسَ يمنعانِ المرأَةَ من القيامِ ببعضِ العِبادَات، ومِنها: الصومُ والصلاةُ والطوافُ وغيرُ ذلك، وهذا بخلاف دَمِ الاستِحَاضَةِ فإنَّه يصِحُّ معه أَن تقومَ المرأةُ بالعباداتِ التي يَمنعُ مِنهَا الحيض، وإِن سال منها الدَّم؛ لما ثبت عن أمِّ المؤمنين السَّيِّدة عائشة رضي الله عنها قالت: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "لَا، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي" متفق عليه.
اختلف الفقهاء في تكييفِ الدمِ الخارجِ من المرأَةِ أَثناءَ حَملِها فيما إذا كان حيضًا، فتجري عليها أَحكَامُهُ، أو هو استحاضة فلا يَمنَعُهَا من القيامِ بما طُولِبَت به من العبادات.
فيرى جمهور الفقهاء من الحنفية، والحنابلة، والإمام الشافعي في القديم: أَنَّ الدمَ النازلَ من الحاملِ لا يُعَدُّ حيضًا، بل هو استحاضةٌ لا يَمنعُ صَلَاتَها ولا صِيامها ولا وَطأَها.
قال العلامة ابن مودود الموصلي الحنفي في "الاختيار" (1/ 27، ط. الحلبي): [(وما تراهُ الحاملُ: استحاضةٌ) لأَنَّها لا تحيض؛ لأَنَّ بالحملِ يَنسَدُّ فَمُ الرَّحِمِ، ويَصيرُ دَمُ الحيضِ غِذَاءً للجنينِ، فلا يكون حَيضًا] اهـ.
وقال الإمام النَّووي في "روضة الطالبين" (1/ 174، ط. المكتب الإسلامي): [ما تراه الحامل من الدَّم على ترتيب أدوارها فيه قولان، القديم: أنَّه دم فساد] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 261، ط. مكتبة القاهرة): [والحَامِلُ لا تَحِيضُ، إلَّا أَن تَرَاهُ قبل وِلَادَتِهَا بيَومَين أَو ثلاثة، فيكُونُ دَمَ نِفَاسٍ، مَذهبُ أَبِي عبد اللَّهِ رحمه اللَّه أَنَّ الحاملَ لا تَحِيضُ، وما تَرَاهُ مِن الدَّمِ فهو دَمُ فَسَادٍ، وهو قولُ جُمهورِ التَّابِعِين] اهـ.
بينما يرى المالكيةُ، والشافعيةُ في الصحيحِ: أَنَّ الحَامِلَ إذا رَأَت دمًا فهو دَمُ حَيضٍ وإِن كان ذلِكَ على خِلَافِ العادة.
قال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الصغير" (1/ 211، ط. دار المعارف): [واعلَم أَنَّ العادة الغَالِبَةَ في الَحامِلِ عدم نزول الدَّمِ مِنها، ومِن غَيرِ الغَالِب قد يَعتَرِيهَا الدَّمُ، ثم اختُلِفَ في الدَّمِ النَّازِلِ مِنها: هل هو حَيضٌ بالنِّسبَةِ للعبادة؟ فلا تُصلِّي ولا تَصُوم ولا تَدخُل مسجدًا ولا تُوطَأ، وهو مَذهَبُ مَالِك] اهـ.
وقال الإمام الخَرَشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (1/ 205، ط. دار الفكر): [لَمَّا كانت الحَامِلُ عِندَنَا تَحِيضُ خِلَافًا للحَنَفِيَّة، ودَلَالَةُ الحَيضِ على بَرَاءَةِ الرَّحِمِ ظَنِّيَّةٌ: اكتَفَى بِهَا الشَّارِعُ رِفقًا بالنِّسَاءِ، وقال مَالِكٌ: لَيْسَ أَوَّلُ الحَملِ كآخِرِهِ؛ ولِذلكَ كَثُرَت الدِّمَاءُ بكَثرَةِ أَشهُرِ الحَملِ؛ لأَنَّهُ كُلَّمَا عَظُمَ الحَملُ كَثُرَ الدَّمُ] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (2/ 521، ط. دار الفكر): [لَو رَأَت الحَامِلُ الدَّمَ على عَادَتِهَا واتَّصَلَت الوِلَادَةُ بِآخِرِهِ وَلَم يَتَخَلَّل طُهرٌ أَصلًا: فَوَجهَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ حَيضٌ] اهـ.
هذه المسألة من المسائل الطبية التي يُرجع في الفتوى فيها إلى جانب الوجود وهو ما يُظْهِره أهل التَّخصُّص؛ نظرًا للتَّطوُّر المستمر الذي يحصل في الجانب الطبي في الكشف عمَّا يعرض في جسم الإنسان؛ لأن كلام الفقهاء في هذه المسألة إنما كان بناءً على ما وَصَلت إليه تصوراتهم في زمانهم، وإلَّا فالطِّبُّ الحديث وَفْق آخر الأبحاث أثبت أنَّ المرأة الحامل لا تحيض؛ وذلك لأنَّ دمَ الحيض ناتجٌ عن هرمون "البروجستيرون"، وانخفاضه كل شهر يُؤدِّي إلى خروج دم الحيض، وهذا بخلاف الدم الخارج مِن الحامل، فإذا حصل فهو اضطرابٌ في الحمل ويجب مراجعة الطبيب في ذلك، فمن غير الجائز طِبِّيًّا وعِلْميًّا أن يكون الدمُ النازل أثناء الحمل دم حيضٍ؛ لأنَّه بعد تلقيح البويضة يَمْتنع أن يكون الدم لبويضة متفجِّرة أو متفتتة لم تُلَقَّح، وهذا هو حقيقة دم الحيض الذي يَظْهَر مع كلِّ دورة قمرية متوافقة مع خروج البويضة كل ثمانية وعشرين يومًا، وبعد تلقيح البويضة تبدأ مراحل تكوين الجنين.
ووفق ما قَرَّره أهل التَّخصُّص فإنَّ غالب ما ينزل من دم أثناء الحمل يكون في أَوَّله؛ وذلك نتيجة لوجود الجنين منغمسًا في جزء من جدار الرحم، ويصبح هناك جزء خارج الانغماس، فأحيانًا ينزل أثناء الحمل بعض نقط من الدم أثناء فترة الحمل، حتى يصل الجنين إلى مدة ثلاثة أشهر، فيشمل الرحم كله، ولا ينزل شيء.
وهذا معناه أَنَّ الدَّمَ النَّازِلَ على الَحامِلِ لا يُعَدُّ حَيضًا، بل هو استِحَاضَة، فإِذا رأَت الحَامِل دَمًا حال صَومِها فعليها أَن تُتِمَّ الصَّوم؛ لأَنَّه لا يَمنَعُهَا مِن الصَّلاة ولا الصيام.
ولعل هذا يُؤيده ما وردَ عن أَبي سَعِيدٍ الُخدرِي رضي الله عنه مَرفُوعًا، أَنَّ النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال في سَبَايَا أَوطاس: "لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً" أخرجه أبو داود في "سننه".
فالحديث جَعَلَ الحَيضَ دَلِيلًا على بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، فدَلَّ على أَنَّ الحَامِلَ لا تَحيضُ، كما أفاده الإمام أبو سليمان الخطابي في "معالم السنن" (3/ 225، ط. المطبعة العلمية).
بِنَاءً على ذلك: فالدَّمُ النَّازِلُ على المرَأَةِ الحَامِلِ لا يُعَدُّ حَيضًا، وإِنَّما هو دَمُ فَسَادٍ تجرِي عليه أَحكَامُ الاستِحَاضَةِ، فلا يمنَعها من الصومِ، فإِذا رَأَت الحَامِلُ دَمًا حال صومِها فعليها أَن تُتِمَّ الصومَ ولا تقطعَهُ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل استحمام الصائم في نهار رمضان يفطرأو لا؟
ما حكم الشك في خروج البول بعد الطهارة؟ فأنا أعاني عند خروجي من الحمام -بعد التبول- من الشك بنزول نقطة من البول على ملابسي، ولا أدري هل نزلت فعلًا أو لم يحدث شيء، وذلك يسبب لي بعض القلق عند الوضوء للصلاة، فبماذا تنصحني أن أفعل لكي أتخلص من هذا الشك؟ ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي في ذلك.
ما حكم التَّردُّد في نية صوم الفرض؛ كصوم القضاء والنذر والكفارة؟
تسأل المنظمة الكشفية العربية وتقول: سيُنَظَّم المخيم الكشفي العالمي الثاني والعشرون بجنوب مملكة السويد، وسيشارك عشرات الآلاف من مختلف دول العالم منهم مسلمون، وسيكون الأسبوع الأول من فترة المخيم في رمضان المعظم، علمًا بأن فترة الصيام قد تصل إلى 19 ساعة في اليوم؛ فما حكم الصوم والإفطار في هذه الحالة؟
يقول السائل: المفهوم لدينا أن زوج الأخت ليس من المحارم الذين ذكرهم الله في سورة النور، وقد أجازت سورة النور في القرآن الكريم أن تضع المرأة حجابها أمام عبدها، كما أجازت وضع الحجاب عند تحرير العبد أو مكاتبته، فهل يجوز بالنسبة لزوج الأخت أن تظهر عليه أخت زوجته دون حجاب طالما أن أختها -زوجته- على قيد الحياة بحكم حرمتها عليه، ثم تتحجب أمامه عند موت أختها باعتبار أنها أصبحت حِلًّا له؟