ما الذي يحصل به التحلل الأصغر؟ فهناك رجلٌ عزم على الحج هذا العام، ويعلم أنه لا يباح له لبس الثياب إلا بعد التحلل الأول أو الأصغر، فبأيِّ شيءٍ يحصل هذا التحلل؟
التحلل الأول أو الأصغر للمُحرِم بالحج يحصل بفِعلِ واحدٍ مِن أعمال يوم النحر الثلاثة، وهي: رمي جمرة العقبة الكبرى، والحَلْق أو التقصير، وطواف الإفاضة متبوعًا بسعي الحج إذا لم يكن قد أدَّاه، فمتى فَعَل المُحرِم واحدًا مِنها فقد تحلَّل مِن إحرامه تحلُّلًا أوَّلًا أو أصغر، موافقًا بذلك اجتهادًا في الفقه مُعتَبَرًا، وأُبيح له لبس الثياب تبعًا لذلك، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج.
المحتويات
مِن المقرر شرعًا أنه يَحْرُم على المُحْرِمِ بالحج ارتداء الثياب قبل حصول التحلل الأصغر، والأصل في ذلك: ما ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلًا قال: يا رسول الله، ما يلبس المُحرِم مِن الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا الْوَرْسُ» متفق عليه.
وقد "نص النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الأشياء، وأَلْحَقَ بها أهلُ العِلم ما في معناها، مثل: الْجُبَّةِ، وَالدُّرَّاعَةِ، والثياب وأشباه ذلك، فليس للمُحرِم سَتْر بَدَنه بما عُمل على قدْره، ولا سَتْر عضوٍ مِن أعضائه بما عُمل على قدْره، كالقميص للبَدَن، والسراويل لبعض البَدَن، والقُفَّازَيْن لليَدَيْن، والخُفَّيْن للرِّجلَيْن ونحو ذلك، وليس في هذا كلِّه اختلاف"؛ كما قال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (3/ 281، ط. مكتبة القاهرة).
وثَبَت أيضًا بنقل الإجماع مِن جمهرةٍ مِن العلماء "أنَّ المُحرِم ممنوعٌ مِن لُبس القميص، والعمامة، والسراويل، والخفاف، والبرانس"؛ كما قال الإمام ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 53، ط. دار المسلم).
الحج عبادةٌ لها تَحَلُّلَان: أولٌ وثانٍ، أو: أصغرٌ وأكبر، على اختلافٍ في عبارات الفقهاء، ووقوعُ المفسد للحج مِن المُحرِم بعد التحلل الأول منه لا يُفْسِد ما مضى مِن عبادة؛ كما في "المغني" للإمام ابن قُدَامَة (3/ 425)، و"الإقناع" لشمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي (1/ 262، ط. دار الفكر).
وقد اختلف الفقهاء فيما يحصل به التحلل الأول في الحج مِن الأفعال الثلاثة التي يحصل بها التحلل -على اختلافٍ بينهم في وقت الإتيان بها وكذا في حُكم ترتيبها-، وهي: رمي جمرة العقبة الكبرى، والحَلْق أو التقصير، وطواف الإفاضة المتبوع بسعي الحج إن لم يكن الحاجُّ قد أدَّاه -على اختلاف بينهم في حكم هذا السعي-.
فذهب الحنفية إلى أنَّ التحلل الأول إنما يحصل بالحَلْق -أو التقصير- ولو رَمى وطاف، حيث إن الرمي والطواف عندهم لَيْسَا مِن أسباب التحلل، وإنما يحصل التحلل بفعل ما كان محظورًا عليه بعد أن كان محللًا في الأصل، وذلك مُختَصٌّ بالحَلْقُ -ومثله التقصير-، وأما الرمي والطواف فلَيْسَا كذلك، فإنَّ "التحلل مِن العبادة بما لا يَحلُّ في أثنائها كالسلام في الصلاة، وذلك بالحَلْق أو التقصير"؛ كما قال الإمام السَّرَخْسِي في "المبسوط" (4/ 29، ط. دار الفكر).
قال العلامة أَكْمَل الدين البَابَرْتِي في "العناية شرح الهداية" (2/ 492-493، ط. دار الفكر): [وقوله: (ثم الرمي ليس مِن أسباب التحلل عندنا) يعني: إذا رمى جمرة العقبة لا يتحلل عندنا حتى يَحْلِقَ... (ولنا: أنَّ ما يكون محلِّلًا يكون جنايةً في غير أوانه كالحَلْق، والرمي ليس بجناية في غير أوانه) ونوقض بدم الإحصار، فإنه محلِّل وليس بمحظور الإحرام. وأجيب: بأن المراد ما كان محللًا في الأصل، ودم الإحصار ليس كذلك، وإنما صِير إليه لضرورة المنع. وقوله: (بخلاف الطواف) جوابٌ عما يُقال: الطواف محلِّلٌ في حق النساء، وليس بمحظور الإحرام، وإنما هو ركن. وتقريره: أن التحلل لم يكن بالطواف، بل بالحَلْق السابق] اهـ.
وقال العلامة مُلَّا علي القَارِي في "المسلك المتقسط" (ص: 116، ط. الترقي الماجدية): [في "النخبة": ذكر الفارسي أنَّ المذهب عندنا أنَّ الرمي ليس بمحلِّلٍ، وأنَّ بعد الرمي قَبْل الحَلْق لا يَحِلُّ له شيءٌ مِن المحظورات. وفي "الجوهرة شرح القُدُورِي": ولو طاف للزيارة قبل الحَلْق لَم يَحِلَّ له الطِّيب والنساء، وصار بمنزلة مَن لَم يَطُف، كذا في الكَرْخِي.. والحاصل: أنه لا يحصل التحلل عندنا إلا بالحَلْق أو ما يَقوم مقامه، وأن الرمي ليس بمحلِّل، حتى لو رمى لا يتحلل في حق اللُّبس ونحوه ما لَم يَحلق أو يُقَصِّر، كما صرَّح به الكرماني وغيرُه، إلا أنه محلِّل في حق الحَلْق، ولكن لو حَلَقَ قبل الرمي حَلَّ بالاتفاق، وكذا الذبح ليس بمحلِّل إلا في حق المُحْصَر] اهـ.
وذهب المالكية إلى أنه يحصل برمي جمرة العقبة الكبرى دون غيره؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ» أخرجه الأئمة: ابن أبي شيبة في "المصنف"، وأحمد -واللفظ له- وأبو يعلى في "المسند"، والنسائي وابن ماجه والبيهقي في "السنن"، والطبراني في "المعجم الكبير".
وعن أم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ إِذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُم الجَمْرَة أَنْ تَحِلُّوا» أخرجه الأئمة: أحمد في "المسند" واللفظ له، وأبو داود والبيهقي في "السنن"، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك".
قال العلامة أبو البَرَكَات الدَّرْدِير في "الشرح الصغير" (2/ 58-59، ط. دار المعارف): [(وحَلَّ بها) أي: بالعقبة، أي: برمي جمرتها، كلُّ شيءٍ يَحرُم على المُحرِم (غير نساء وصَيْد، وكُرِهَ) له (الطِّيب) حتى يطوف طواف الإفاضة، وهذا هو التحلل الأصغر] اهـ.
وذهب الشافعية في المشهور، والحنابلة في الصحيح إلى أن التحلل الأول لا يَحصُلُ إلا بفِعلِ أمرَيْن مِن تلك الثلاثة، أيًّا كان هذان الأمْرَان، وذلك على القول بأن الحَلْقَ -أو التقصير- نُسُكٌ.
قال شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 272-273، ط. دار الكتب العلمية): [(وإذا قلنا: الحَلْق نُسُكٌ) وهو المشهور (فَفِعْلُ اثنين، مِن الرمي) أي: يوم النحر (والحَلْق) أو التقصير (والطواف) المتبوع بالسعي إن لم يكن فعل قَبْلُ (حَصَلَ التحلل الأول) مِن تَحَلُّلَيِ الحج] اهـ.
وقال العلامة أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 585، ط. دار الكتب العلمية): [(فصل: ويحصل التحلل الأول باثنين مِن ثلاثةٍ: رمي) لجمرة العقبة (وحَلْق) أو تقصير (وطواف) إفاضة] اهـ.
وقال العلامة علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (4/ 41، ط. دار إحياء التراث العربي): [اعلم أنَّ التحلل الأول يحصل بالرمي وَحْدَه، أو يُحَصِّلُهَا اثنين مِن ثلاثةٍ، وهي: الرمي، والحَلْق، والطواف؟ فيه روايتان عن أحمد: إحداهما: لا يحصل إلا بفِعلِ اثنين مِن الثلاثة المذكورة.. وهو الصحيح مِن المذهب. قال في "الفروع": اختاره الأكثر، قال في "الكافي": اختاره أصحابنا] اهـ.
وذهب الشافعية في وَجْهٍ، والحنابلة في الرواية الثانية عن الإمام أحمد، إلى أنه يحصل بفِعلِ واحدٍ مِن اثنين، هما: رمي جمرة العقبة، وطواف الإفاضة، وذلك على القول بأن الحَلْق -أو التقصير- ليس بنُسُك، وإنما هو استباحةُ "محظورٍ كان مُحرَّمًا عليه بالإحرام"؛ كما قال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (3/ 387).
قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 229، ط. دار الفكر): [(وإن قلنا): الحلق ليس بنسك لم يتعلق به التحلل، بل يحصل التحللان بالرمي والطواف، أيهما فعله حصل به التحلل الأول، ويحصل الثاني بالثاني] اهـ.
وقال العلامة علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (4/ 41): [والرواية الثانية: يحصل التحلل بواحدٍ مِن رميٍ وطوافٍ، ويحصل التحلل الثاني بالباقي] اهـ.
فيتحصَّل مما سبق: أنَّ مَبنَى هذه المسألة على السَّعَةِ، فيجوز العمل فيها بأيِّ واحدٍ مِن أقوال الفقهاء بلا إثم على المكلَّف في ذلك ولا حرجٍ، ويكون الأمرُ متروكًا للمُحرِم بالحج وتقديرِه وفقًا لِمَا يُناسِب حالَه ومواقيتَ برنامج حَجِّهِ، وبما يحقق مصلحته ومصلحة مَن معه، ويحقق مقصود الشارع مِن التيسير والتخفيف ودَفْع المشقة ورَفْع الحرج.
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، فَقَالَ: «اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ»، فَجَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ»، فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: «افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» متفق عليه.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن التحلل الأول أو الأصغر للمُحرِم بالحج يحصل بفِعلِ واحدٍ مِن أعمال يوم النحر الثلاثة، وهي: رمي جمرة العقبة الكبرى، والحَلْق أو التقصير، وطواف الإفاضة متبوعًا بسعي الحج إذا لم يكن قد أدَّاه، فمتى فَعَل المُحرِم واحدًا مِنها فقد تحلَّل مِن إحرامه تحلُّلًا أوَّلًا أو أصغر، موافقًا بذلك اجتهادًا في الفقه مُعتَبَرًا، وأُبيح له لبس الثياب تبعًا لذلك، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج كما سبق بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل سداد الدين مقدم أم حج النافلة؟ فقد اشتريت من خالي عمارة بمبلغ 275 ألف جنيه؛ دفعت مقدمًا 100 ألف جنيه، وأقوم بدفع 10 آلاف جنيه شهريًّا، والباقي الآن 115 ألف جنيه، وأرغب في الحج هذا العام مع أمي بحوالي 70000 ألف جنيه، علمًا بأنني سبق لي الحج العام الماضي، كما سبق لي الحج مع أمي منذ 4 سنوات، وخالي في حاجة إلى باقي المبلغ، وطلبه مني أكثر من مرةٍ؛ لأنه أُحيل إلى التقاعد، ومعاشُه لا يكفي احتياجاتِه.
أرجو التكرم بالإفادة، هل يجوز لي الحجُّ مع أمي، أو أُعطي خالي باقي المبلغ المستحق؟ لأنه أبلغني أنه في حاجة إليه.
قمنا بعون الله بأداء فريضة الحج العام الماضي، وطبقًا لبرنامج شركة السياحة في أداء المناسك كان رجم إبليس كالتالي:
بعد المزدلفة توجهنا لعمل طواف الإفاضة ثم رجم إبليس ثم الحلق.
تمت الرجمة الثانية بعد زوال شمس أول يوم تشريق.
تمت الرجمة الثالثة بعد منتصف ليلة ثاني أيام التشريق بعد تأكيد تام من الشركة على صحة الرجم بعد منتصف الليل رغم عدم اتفاق ذلك مع مكتب الإرشاد السعودي.
توجهنا بعد ذلك قبيل الفجر لعمل طواف الوداع وغادرنا صباحًا إلى جدة ثم القاهرة.
هل صحت هذه الخطوات؟ وهل هناك بالفعل فتوى بسلامة الرجم بعد منتصف الليل؟ وباختصار هل الحجة صحيحة إن شاء الله أم يتوجب علينا أي شيء؟
ما حكم طواف الإفاضة قبل رمي جمرة العقبة؟ فهناك رجلٌ حجَّ العام الماضي، وبَاتَ بالمزدلفة، ثم غادَرَها إلى مكة مباشرةً، وطاف طوافَ الإفاضة قبل أن يرمي جمرة العقبة، فهل تقديمُه الطوافَ على الرمي جائزٌ شرعًا؟ وهل يجب عليه شيءٌ؟
ما حكم زيارة المزارات التاريخية الدينية بالمدينة المنورة؟ فإني قدِمتُ المدينة المنورة، وأريد زيارة بعض المزارات الدينية بها؛ كالمسجد النبوي، ومسجد قباء، وشهداء أُحد، والبقيع، وغير ذلك ممَّا بها من مزارات، فما حكم ذلك؟ علمًا بأن أحد أصدقائي أخبرني بأن هذا لا يجوز، وأنه بدعة.
ما مدى إجزاء السعي بين الصفا والمروة إلى انتهاء السياج المخصص لسير العربات؟ فكان هناك رجلٌ يسعى بين الصفا والمروة، وقد لاحَظَ في أثناء سَعْيه أن السياج المخصص لسَيْر العَرَبات ينتهي عند بداية الصعود قبل الوصول إلى حجارة الجَبَلَين الموجودة حاليًّا، فهل يجزئه أن يستدير عند نهاية هذا السياج مستأنفًا الشوط التالي، سواء عند جبل الصفا أو جبل المروة؟
هل لمن سعى دون نية مخرج؟ ومن فَرَّقَ أشواط السعي على أيام، ومن مشى السبعة الأشواط لإعانة ضعيف على السعي هل يصح هذا له سعيًا مع اقتصاره على نية إعانة الغير؟