هل يشرع للزوج التصدق عن زوجته أو بِرُّها بعد وفاتها بأيِّ عملٍ من أعمال الخير؟
يُشرع للزوج بِرُّ زوجته بعد وفاتها بأنواع البر المختلفة، والتي منها أن يبرَّها بالثناء والذكر الحسن، وبالدعاء والاستغفار لها، وبالتصدق عنها، أو بأيِّ عمل آخر من أعمال الخير التي يصل ثوابها للمتوفى.
المحتويات
جعل اللهُ الرباطَ الأوثقَ بين الزوجين هو المودة والرحمة، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21]، وقد حرص الإسلام على استدامة هذه المودة، حتى لو طرأ على الحياة الزوجية أسوأ ما يمكن أن تتعرض له، وهو انتهاؤها؛ وهو ظاهر قول الله تعالى بعد بيان الحقوق عند الطلاق قبل الدخول: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237].
والفضل والمودة بين الزوجين اللذين عاشا معًا -أوثق وأعمق ممَن تفرقَا قبل الدخول، وأنه أشد عمقًا بين من فرقهما موتُ أحدهما؛ إذ لا يوجد في الغالب ما يُضْعِفُ هذه المودة أو يؤثر على سلامتها، كما في الطلاق، فيكون خطاب الشارع الطالب لاستدامة المودة متوجهًا بالقياس الأولوي للزوجين عند انتهاء الزوجية بموت أحدهما.
وليس في الشرع الشريف ما يمنع من إحسان الزوج لزوجته وبرِّها بعد موتها، بل إن نصوص السُّنَّة النبوية المطهرة، ووقائعها أصَّلَت للبر بالزوجة المتوفاة بصور متعددة، تجعل الناظرَ في هذه النصوص مُدركًا بإيقانٍ معالم الإنسانية في أسمى معانيها.
فمن صور بِرِّ الزوج بزوجته بعد وفاتها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يُكثر من ذكر زوجته أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها بعد موتها، وكان يُكْرِمُ أقرباءها؛ إكرامًا لها وبرًّا بها، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِيَّاهَا»، قَالَتْ: «وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ» رواه الشيخان، واللفظ للبخاري.
وعنها رضي الله عنها أيضًا أنها قالت: "اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاحَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: «اللهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ» فَغِرْتُ" متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم، فدلَّ على امتداد المودة والوفاء بحقِّ الزوجة بعد موتها.
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (15/ 202، ط. دار إحياء التراث العربي): [قولها: "فارتاح لذلك" أي: هش لمجيئها، وسُرَّ بها؛ لتذكره بها خديجة وأيامها، وفي هذا كله دليل لحسن العهد، وحفظ الْوُدِّ، ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته، وإكرام أهل ذلك الصاحب] اهـ.
ومن هذه الصور: أنه عليه الصلاة والسلام كان يُكرم أصدقاءها، ويتعهدهم بالهبات والعطايا، فعن أنسٍ رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أُتِيَ بالشيء يقول: «اذْهَبُوا بِهِ إِلَى فُلَانَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةَ خَدِيجَةَ. اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَيْتِ فُلَانَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ خَدِيجَةَ» رواه البخاري في "الأدب المفرد"، والحاكم في "المستدرك".
وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «مَنْ أَنْتِ؟» قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، فَقَالَ: «بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟» قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: «إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ»" رواه الحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وغيرهم.
ومن هذه الصور: دعاؤه صلى الله عليه وآله وسلم لأم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، واستغفاره لها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ لَمْ يَكُنْ يَسْأَمُ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا وَالِاسْتِغْفَارِ لَهَا" رواه الطبراني في "المعجم الكبير".
فيتبين لنا من هذه الصور الإنسانية، وتلك المظاهر النبوية أن البر بالزوجة أمر مطلق عن الحصر، فيصح بكل ما يصلح برًّا.
أما عن التصدق عنها بخصوصه، فمع كونه مشروعًا باعتباره أحد أنواع البر الذي يسن فعله -كما قررنا-، إلا أنه من جملة الأعمال التي لا يقطعها عن الإنسان قاطع حتى الموت، بل تكون متصلة به من حيث انتفاعُه بها بعد موته؛ لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم، ووجه الدلالة من الحديث ظاهرة بأن الصدقة على الميت جائزة من أيِّ أحد من جهة، ويصل ثوابها إليه وينتفع بها من جهة أخرى، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
قال الإمام الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (2/ 83، ط. الأميرية): [الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السُّنَّة والجماعة، صلاة كان أو صومًا أو حجًّا أو صدقة أو قراءة قرآن أو الأذكار، إلى غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت وينفعه] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "التمهيد" (20/ 27، ط. أوقاف المغرب): [أمَّا الصدقة عن الميت فمجتمع على جوازها لا خلاف بين العلماء فيها] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 323، ط. دار الفكر): [أجمع المسلمون على أنَّ الصدقة عن الميِّت تنفعه وتَصِله] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 385، ط. عالم الكتب): [(وكلُّ قربةٍ فعلها مُسْلِمٌ وجعل) المسلم (ثوابها لمسلم حي أو ميت حصل) ثوابها (له ولو جهله) أي الثواب (الجاعل)؛ لأن الله يعلمه كالدعاء والاستغفار وواجب تدخله النيابة وصدقة التطوع إجماعًا... قال أحمد: الميت يصل إليه كلُّ شيء من الخير من صدقة أو صلاة أو غيره؛ للأخبار] اهـ.
فيظهر مما ذُكر أن الإحسان للزوجة وبرِّها بعد وفاتها بصفة عامة أمرٌ مشروع، وأنه من السنن التي سنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن صنوف البر والخير أمرها واسعٌ، فيجوز برها وصِلتها بكلِّ شيءٍ يتحصل به البر، كالثناء عليها بالخير وذكرها به، أو الدعاء والاستغفار لها، أو بالتصدق عنها، أو بفعل أيِّ عبادة ثم وَهْب ثوابها لها.
بناءً على ذلك: فإنه يُشرع للزوج بِرُّ زوجته بعد وفاتها بأنواع البر المختلفة، والتي منها أن يبرَّها بالثناء والذكر الحسن، وبالدعاء والاستغفار لها، وبالتصدق عنها، أو بأيِّ عمل آخر من أعمال الخير التي يصل ثوابها للمتوفى.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
كيف تُعلِّلُون فضيلتكم لمقولة: إن إسلام الوسطية والاعتدال هو إسلام دين الحضارة؟
سائل يقول: سمعت أن هناك أذكارًا وأدعية تقال في الحرّ الشديد، ودرجة الحرارة مرتفعة جدًّا في هذه الأيام؛ فنرجو منكم بيان ما يقال من الأدعية في هذه الأحوال.
ما حكم حج الرجل عن أخته المريضة؟ فأختي تبلغ من العمر 61 سنة، والحركة عسيرةٌ عليها، على الرغم مِن قيامها بحاجاتها، وأداؤها للمناسك فيه مشقةٌ كبيرةٌ عليها، فهل لها أن تُنِيبَني في حَجَّةِ الفريضة عنها؟
أنا متزوج حديثًا، وقد اعتدت أن أُقبِّل زوجتي قبل أن أخرج من المنزل، وقد نويت هذا العام أن أعتكف في عشر رمضان الأخير، ولا أريد أن أقطع عادتي معها؛ فهل يُفسد الاعتكافَ أن أُقبِّل زوجتي إن ذهبت لمنزلي أثناء الاعتكاف لحاجة؟
هل يجوز قراءة القرآن للتعبد بدون وضوء أم لا يجوز؟
ما حكم نقل الميت من قبر إلى آخر بسبب خلافات داخل الأسرة؟ حيث يقول السائل: تُوفِّي أخي منذ فترة، ودُفِن في مقابر الأسرة الكبيرة، وبعد مدة حدث خلاف بين أسرتنا الخاصة والأسرة الكبيرة؛ ولذلك قمت ببناء مقبرة جديدة خاصة لنا، وأريد نقل رفات أخي إلى المقبرة الجديدة منعًا للمشاكل؛ فما حكم ذلك شرعًا؟