هل يلزم مَن أصبح مفطرًا في نهار رمضان لمرض ثم برئ منه أثناء يومه أن يمسك بقيته؟
لا يلزم مَن أصبح مفطرًا في نهار رمضان لمرض ثم برئ منه أثناء يومه أن يُمسك عن المفطرات بقيته؛ لوجود المُرَخِّصِ بالفطر له في أوله، فلا يكون للإمساك في بَقِيَّتِهِ وَجْهٌ، ولا سيما أنه لا يجزئه، وإن كان المستحب له أن يُمسك خروجًا من الخلاف.
المحتويات
عقَّب الله تعالى فرضَ الصيام في كتابه الكريم بالرخصة في الإفطار لمن كان مريضًا أو مسافرًا؛ فقال سبحانه: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184].
وما تقرر عند فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة أن رخصةَ الفطر تتحقَّقُ في المرض الذي يزداد بالصوم شِدّةً أو مُدَّةً بإخبار الطبيب المختص، أو لا يستطيع المريض معه الصوم، أو يستطيعه بمشقَّة شديدة، وربما كان الإفطارُ في بعض الحالات واجبًا إذا كان الضررُ بالغًا وكان حصوله غالبًا؛ وعلى مَنْ أفطر أن يقضي ما أفطره عند القدرة. ينظر: "الأشباه والنظائر" للعلامة ابن نجيم الحنفي (ص: 71، ط. دار الكتب العلمية)، و"القوانين الفقهية" للعلامة ابن جزي المالكي (ص 82، ط. دار القلم)، و"المجموع" للإمام النووي الشافعي (6/ 258، ط. دار الفكر)، و"الفروع" للعلامة ابن مفلح الحنبلي (4/ 437، ط. مؤسسة الرسالة).
قد اختلف الفقهاء في حكم الإمساك عن المفطرات بقية اليوم للمريض إذا انتفى عنه وصف مُرَخِّصِهِ في الإفطار في نهار رمضان:
فذهب الحنفية، والشافعية في قول، والحنابلة: إلى أنه يجب عليه الإمساكُ عن المفطِّرات بقيةَ يومه؛ بِناءً على أنَّ مَنْ صَار في جزء النَّهار على صفةٍ تحققها في أوله يوجب صومه، فإن عليه أن يمسك بقيته؛ لحرمة الوقت، وتشبهًا بالصائمين، ولأنه بزوال مرضه زالت رخصته، مع اعتبار عدم إجزائه عن يومه؛ لانعدام مَحَلِّهِ في أوله.
قال الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 102، ط. دار الكتب العلمية): [أما وجوب الإمساك تَشَبُّهًا بالصائمين: فكل مَن كان له عذر في صوم رمضان في أول النهار مانعٌ من الوجوب أو مبيح للفطر، ثم زال عذره وصار بحال لو كان عليه في أول النهار لوجب عليه الصوم ولا يباح له الفطر... -يجبُ عليه إمساكُ بقيَّة اليومِ] اهـ.
وقال الإمام الماوَرْدِي الشافعي في "الحاوي" (3/ 447، ط. دار الكتب العلمية): [المريض إذا أفطر في صدر النهار لمرض، ثم صحَّ في آخره... عند البصريين: عليه أن يمسك؛ لأنه إنما أبيح له الفطر لعجزه عن الصوم، فإذا زال العجز وأمكنه الصوم: ارتفع معنى الإباحة، ولزمه الإمساك] اهـ.
وقال الإمام علاء الدين المَرْدَاوي الحنبلي في "الإنصاف" (3/ 283، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: (وإن طهرت حائض أو نفساء، أو قدم المسافر مفطرًا فعليهم القضاء) إجماعًا، وفي الإمساك روايتان... إحداهما: يلزمه الإمساك، وهو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب... فوائد: الأولى: لو برئ المريض مفطرًا؛ فحكمه حكم الحائض والنفساء والمسافر] اهـ.
وذهب المالكية، والشافعية في معتمدهم، والحنابلة في رواية إلى أنه لا يجب عليه الإمساك؛ لأنه أبيح له الفطر أول النهار، واليوم الواحد لا يتجزأ بين إمساك وإفطار، لكن الشافعية صرَّحوا بأن الإمساكَ مستحب لحرمة الشهر.
قال القاضي عبد الوهاب المالكي في "المعونة" ( ص 486- 487، ط. المكتبة التجارية): [ومن أفطر في رمضان بعذره ثم زال عذره في بقية يومه... إن كان عذره يبيح الفطر مع العلم بأن اليوم من رمضان لم يلزمه إتمام الإمساك كالحائض والمريض والمسافر إذا زالت أعذارهم في بقية يومهم] اهـ.
وقال الشيخ الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 514، ط. دار الفكر): [إذا كان مفطرًا لأجل عذرٍ يباح لأجله الفطر مع العلم برمضان، ثم زال عذرُه: فلا يُسْتَحَبُّ له الإمساك، فإذا... أو قَوِيَ المريضُ المُفطِرُ... فلا يستحب لهم الإمساك، ويجوز لهم التمادي على تعاطي المفطر] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 262، ط. دار الفكر): [قدم المسافر أو برأ المريض وهما مفطران يستحب إمساك بقية يومه، ولا يجب عندنا... دليلنا أنهما أفطرا بعذر] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (3/ 145-146، ط. مكتبة القاهرة): [مَن يباح له الفطر في أول النهار ظاهرًا وباطنًا، كالحائض... والمريض، إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار، فطهرت الحائض... وصح المريض المفطر، ففيهم روايتان... الثانية: لا يلزمهم الإمساك] اهـ.
وقال برهان الدين ابن مُفْلِح الحنبلي في "المبدع" (3/ 12، ط. دار الكتب العلمية): [(وإن طهرت حائضٌ أو نفساءُ أو قَدِم المسافر) أو أقام (مفطرًا: فعليهم القضاء) إجماعًا، وكمريض إذا صَحَّ في أثناء النهار مفطرًا (وفي الإمساك روايتان).. والثانية: لا إمساك عليهم؛ لقول ابن مسعود؛ ولأن كلَّ مَن ذُكِرَ يُباح له الأكل أوَّلَ النهار ظاهرًا وباطنًا] اهـ.
ووجه ذلك أنه لَمَّا رُخِّص للمريض بالفطر في أوَّلِ النهار، وكان إمساكُه بقيتَه غيرَ مجزئ له باتفاق الفقهاء، لم يكن في تكليفه بوجوب الإمساك وهو لا يجزئه وَجْهٌ؛ لكونه تكليفًا بما لا يجزئه، مع كونه غير مأزور بتركه؛ للقطع بعدم إجزائه ووجوب قضائه، ولأن اليوم الواحد لا يتجزأ بين إمساك وإفطار.
بناءً على ذلك: فلا يلزم مَن أصبح مفطرًا في نهار رمضان لمرض ثم برئ منه أثناء يومه أن يُمسك عن المفطرات بقيته؛ لوجود المُرَخِّصِ بالفطر له في أوله، فلا يكون للإمساك في بَقِيَّتِهِ وَجْهٌ، ولا سيما أنه لا يجزئه، وإن كان المستحب له أن يُمسك خروجًا من الخلاف.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما هي كيفية الطهارة والصلاة للمرضى من أصحاب الأعذار؟ فالسائل مريضٌ، وينزل منه البول والغائط رغمًا عنه، ولا تخلو ملابسه أبدًا من النجاسة. ويطلب بيان الحكم الشرعي بالنسبة لصلاته، وهل تصح صلاته مع استمرار نزول البول والغائط منه على ملابسه؟ وماذا يصنع؟
ما حكم إخراج زكاة الفطر لحمًا؟
ما حكم تأخير الفطر وترك السحور لكسر الشهوة؟ فأنا شابٌّ لم يمنَّ الله عليَّ بالزواج بعدُ، والصيام لا يكسر شهوتي؛ فهل يجوز لي تأخير الفطر في رمضان والصيام من غير سحور لكسر الشهوة؟
ما مدى تأثير مرض اضطراب ثنائي القطب على عقد الزواج؟ فقد تزوجت امرأةٌ، وبعد الزواج اكتشَفَت أن زوجها يعاني مرضًا يُسمَّى بـ"اضطراب ثنائي القطب"، مما يُصيبه أحيانًا بأعراض من العنف والهوس في العلاقة الخاصة، وأحيانًا بالهدوء والاكتئاب والانعزال، فهل يُعدُّ ذلك مُسَوِّغًا شَرعيًّا لطلب التفريق؟
ما حكم إفطار من يَحُول نظام العمل بينه وبين الإفطار وقت المغرب في رمضان؟ فهناك رجل يعمل طول اليوم ونظام العمل أنَّ الأكل ممنوع إلا في المواعيد المحددة ومن ثم لا يستطيع الصوم؛ لأنه إذا صام لن يستطيع أن يفطر في موعِدِ الإفطار، وإذا لم يفطر وواصل الصيام فسيكون في الأمر مشقة ولن يستطيع أن يعمل، فهل يجوز له الفطر ويُخرِج عن كل يوم فدية؟
ما حكم استعمال المرضع الحليب الصناعي لطفلها من أجل الصيام؟ فأنا أرضع طفلي البالغ من العمر ثلاثة أشهر رضاعة طبيعية، وأريد صيام شهر رمضان. فهل يجوز لي إعطاء طفلي حليبًا صناعيًّا خلال شهر رمضان حتى أتمكن من الصيام؟