الرد على دعوى جواز الفطر للمسلم الغني في رمضان وإطعام مسكين عن كل يوم

تاريخ الفتوى: 08 أكتوبر 2023 م
رقم الفتوى: 8054
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الصوم
الرد على دعوى جواز الفطر للمسلم الغني في رمضان وإطعام مسكين عن كل يوم

كيف يكون الرد على ادعاء أنه يجوز للمسلم الثري الفطر في رمضان، ويطعم عن كل يوم عدة مساكين، بحجة أن الله ليس في حاجة إلى صيامه، فهل يجوز له الإفطار مع الإطعام؟

يحرم على المسلم الفطر في رمضان ما دام بالغًا عاقلًا خاليًا عن الأعذار والموانع، ودعوى جواز ذلك بحجة أن الله ليس في حاجة إلى صيامه -دعوى فاسدة؛ لفساد مبناها؛ لأن الحق أن علة وجوب الصيام التعبد لله تعالى والطاعة والامتثال ليتحقق التسليم لأمر الله عزَّ وجلَّ.

المحتويات

 

بيان فرضية صيام شهر رمضان

صيام شهر رمضان من أركان الإسلام المعلومة من الدِّين بالضرورة، فقد دلَّ على ذلك القرآن والسُّنَّة وإجماع الأمة، فصيامه فرضُ عينٍ على كلٍّ مسلم بالغ عاقل خالٍ عن موانعه، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].

قال الإمام أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن" (1/ 2011، ط. دار الكتب العلمية) في تفسير هذه الآية: [فالله تعالى أوجب علينا فرض الصيام بهذه الآية؛ لأن قوله ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾ معناه: فُرِضَ عليكم] اهـ.

وقال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (2/ 272، ط. دار الكتب المصرية) في تفسير الآية الكريمة: [فيه ست مسائل: الأولى: قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ لَمَّا ذكر ما كتب على المكلفين من القصاص والوصية، ذكر أيضًا أنه كتب عليهم الصيام، وألزمهم إياه، وأوجبه عليهم، ولا خلاف فيه] اهـ.

وقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185].

قال الإمام ابن كثير في "تفسيره" (1/ 369، ط. دار الكتب العلمية): [هذا إيجاب حتم على من شهد استهلال الشهر، أي: كان مقيمًا في البلد حين دخل شهر رمضان، وهو صحيح في بدنه: أن يصوم لا محالة] اهـ.

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: عَلَى أَنْ يُعْبَدَ اللهُ، وَيُكْفَرَ بِمَا دُونَهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» متفقٌ عليه.

وقد تتابع العلماء وتواردت عباراتهم إجماعًا على ذلك.

قال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (22/ 148، ط. أوقاف المغرب): [أجمع العلماء على أن لا فرض في الصوم غير شهر رمضان] اهـ.

وقال الإمام ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (1/ 226، ط. الفاروق الحديثة): [ولا خلاف بين العلماء في أن صيام شهر رمضان واجب] اهـ.

حكم الفطر للمسلم الثري في رمضان

لا يجوز للمسلم الثري الفطر في رمضان ما دام بالغًا عاقلًا خاليًا عن الأعذار والموانع؛ إذ الإفطار في شهر رمضان بغير عذر حرام شرعًا، وحرمته قطعية، فإذا أكل أو شرب في نهار رمضان عامدًا عالمًا بوجوب الصوم عليه من غير عذرٍ ولا ضرورةٍ من سفرٍ أو مرضٍ أو نحوهما، فقد ظلم نفسَهُ باقترافِ كبيرة من كبائر الذنوب، والواجب عليه في هذه الحالة أن يتوب إلى اللهِ تعالى منها بالاستغفار والندم، مع وجوب قضاء الصيام لا الإطعام بإجماع الأئمة الأعلام.

فعن سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ رضي الله عنه، وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَقَتَادَةَ، وَحَمَّادٍ رحمهم الله؛ فيمَن أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا مَرَضٍ، أنه: "يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ" أخرجه البخاري في "صحيحه".

وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه: أنه سُئِلَ عن رَجُلٍ أَفْطَرَ مِنْ رَمَضَانَ يَوْمًا مُتَعَمِّدًا، مَا كَفَّارَتُهُ؟ فقال: "يَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَيَسْتَغْفِرُ اللهَ" أخرجه سعيد بن منصور في "السنن"، والبيهقي في "السنن"، وفي رواية ابن أبي شيبة أنه قال: "يَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ ذَلِكَ، وَيَتُوبُ إِلَيْهِ، وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ".

قال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/ 77، ط. دار الكتب العلمية): [وأَجْمَعَتِ الأمةُ ونَقَلَتِ الكافةُ فيمَن لم يَصُمْ رمضان عامدًا، وهو مؤمنٌ بفرضه، وإنما تركه أشرًا وبطرًا، تَعَمَّدَ ذلك ثم تاب عنه: أن عليه قَضَاءَهُ] اهـ.

الرد على دعوى جواز الفطر للمسلم الثري في رمضان

أما دعوى أن الله ليس في حاجة لصيام عبده، فيسوغ له الفطر مع الإطعام، فمبناها: جعل حاجة الله إلى العبادة علة للصوم، وعند انتفاء العلة ينتفي الحكم وهو: وجوب الصوم، وحيث سقط الحكم الأصل وهو الصوم، لزم الانتقال إلى الحكم الفرع وهو الإطعام، إلا أننا نمنع هذه الدعوى لفسادها تبعًا لفساد مبناها، حيث وقع مدعيها في مغالطة منطقية مقررة، وهي: "وَضْعُ مَا لَيْسَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ بِعِلَّةٍ"؛ كما في "مثارات الغلط في الأدلة" للشريف التلمساني (ص: 783، ط. مؤسسة الريان).

والأصل في الصوم أنه إنما شُرِعَ تعبدًا لله عزَّ وجلَّ ليتحقق التسليم لأمر الله عزَّ وجلَّ، إذ إن الأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين: التعبدي في مقابل المعقول المعنى، والأصل في العبادات عدم التعليل على ما ذهب إليه الجمهور ما لم ترد العلة في النص فيُعمل بها، وما كان كذلك لا يكون موضعًا للقياس ولا للتغيير، ومبناه على التوقيف، بخلاف ما لو كان معللًا، فيكون معقول المعنى؛ ومن ثَمَّ يتأتى القياس ويحتمل التغيير.

قال الإمام أبو المظفر السمعاني في "قواطع الأدلة" (2/ 99، ط. دار الكتب العلمية): [من الأحكام: ما يُعْقَل معانيها، ومنها: ما لا يُعْقَل معانيها. ونحن إنما نستجيز القياس فيما نعقل معانيها، ولا نستجيز فيما لا يعقل معانيها، ووجه انقسام الشرع إلى هذين القسمين هو أن بعضها لا يُعْقَل معانيه؛ ليتحقق الإسلام لأمر الله عز وجل، وبعضها ما يعقل معناه ليتم شرح الصدور بتعليل ما يعقل معناه] اهـ.

وقال فيه أيضًا (2/ 169): [إننا نعلم أن كثيرًا من أصول الشرع يخلو عن المعاني خصوصًا في العبادات وهيئاتها والسياسات ومقاديرها] اهـ.

وقال فيه أيضًا (2/ 179): [عامة العبادات وتوابعها تكليفات لا يعقل معناها إلا القيام بالعبادة المحضة لله تعالى] اهـ.

فالعبادات مبناها على التعبد، أي الطواعية والإذعان وعدم معرفة الحكمة والعلة في ذلك، وإنما تفعل إجلالًا لرب العباد وانقيادًا إلى طاعته وطلبًا لثوابه، لأنها يجوز أن تتجرد عن جلب المصالح ودرء المفاسد، ثم يقع الثواب عليها بناءً على الطاعة والإذعان من غير جلب مصلحة غير مصلحة الثواب، ودرء مفسدة غير مفسدة العصيان، بخلاف المعاملات فهي معللة بمصالح العباد، أي: بجلب المصالح ودرء المفاسد، فهي مما تعرف عللها، وتدرك حكمها. انظر: "قواعد الأحكام" للعزِّ ابن عبد السلام (1/ 18، 2/ 62، ط. دار المعارف).

قال الإمام ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (1/ 200، ط. مطبعة السنة المحمدية): [الغالب على العبادات التعبد، ومأخذها التوقيف] اهـ.

وقال الشيخ محيي الدين ابن عربي في "الفتوحات المكية" (3/ 448، ط. دار الكتب العلمية): [مذهبنا في جميع العبادات كلها أنها تعبد، مع عقلنا بعلل بعضها من جهة الشرع بحكم التعريف، أو بحكم الاستنباط عند أصحاب القياس، ومع هذا كله فلا نخرجها عن أنها تعبد من الله، إذ كانت العلل غير مؤثرة في إيجاد الحكم، مع وجود العلة وكونها مقصودة، وهذا أقوى في تنزيه الجناب الإلهي] اهـ.

وقال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (3/ 138، ط. دار ابن عفان): [فقد علمنا من مقصد الشارع التفرقة بين العبادات والعادات، وأنه غُلِّبَ في باب العبادات جهة التعبد، وفي باب العادات جهة الالتفات إلى المعاني، والعكس في البابين قليل] اهـ.

الخلاصة

بناء على ذلك: فيحرم على المسلم الفطر في رمضان ما دام بالغًا عاقلًا خاليًا عن الأعذار والموانع، ودعوى جواز ذلك بحجة أن الله ليس في حاجة إلى صيامه -دعوى فاسدة؛ لفساد مبناها؛ لأن الحق أن علة وجوب الصيام التعبد لله تعالى والطاعة والامتثال ليتحقق التسليم لأمر الله عزَّ وجلَّ.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الاعتكاف في رمضان في زمن الوباء؟ ففي هذه الظروف التي يمرُّ بها العالم جرَّاء وباء كورونا أُغلقت المساجد وأُرجئت الجُمَع والجماعات ضمن القرارات العامَّة التي قرَّرتها الدول الإسلامية حفاظًا على أرواح الناس من الإصابة بالعدوى. فهل يجوزُ الاعتكافُ في البيوت في هذه الحالة للرجال أو النساء؟ وهل يأخذ الإنسان في هذه الحالة ثواب الاعتكاف؟


ما حكم اشتراط النية في صيام التطوع؟ وما هو وقتها؟ فقد كان لدي عمل مهم، وانتهيت منه بعد آذان العصر، ولانشغالي في هذا العمل لم أتناول شيئًا، فأردت أن أصوم هذا اليوم تطوعًا؛ فهل تشترط النية لذلك؟ وهل تصح إذا نويت الصيام بعد العصر؟


ما حكم قطع تتابع صيام الكفارة بسبب الفطر للسفر؟ فإن أحد جيراني يعمل سائقًا، وقد وجب عليه كفارة صيام شهرين متتابعين، فصام شهرًا أو أكثر من الكفارة، وبحكم عمله طُلِبَ للسفر في رحلة مدة ثلاثة أيام، وفي اليوم الثاني منها أفطر، ثم أكمل صيامه من اليوم التالي، فهل بفطره في يوم سفره يكون تتابع صيامه قد انقطع؟


ما حكم تعجيل الولادة للتفرغ للعبادة في رمضان؟


ما حكم صيام مرضى السكر؛ حيث تم إعداد برنامج جديد بالنسبة لتقييم حالة مرضى السكر، يحتوي على كل العوامل المسببة للخطورة، وإعطائها نقاطًا مختلفة حسب أهميتها، بشكل متناسب مع وضع كل مريض، ويقوم الأطباء بمراجعة حالة المريض بالتفصيل، وتضاف النقاط حسب المعلومات (عوامل الخطورة تتحدد بناءً على مدة المرض، ونوعه، ونوع العلاج، والمضاعفات الحادة من الحمض الكيتوني وارتفاع السكر الشديد مع الجفاف، والمضاعفات المزمنة، وهبوط السكر، وخبرة الصوم السابقة، والصحة الذهنية والبدنية، وفحص السكر الذاتي، ومعدل السكر التراكمي، وساعات الصيام، والعمل اليومي والجهد البدني، ووجود الحمل).
ويتم بعدها جمع النقاط لكل مريض لتحديد مستوى الخطورة في حال قرر صيام رمضان كما يلي: من 0: 3= خطورة خفيفة، ومن 3.5: 6= خطورة متوسطة، وأكبر من 6= خطورة مرتفعة.
نصائح وإرشادات:
أولًا: يجب تقديم النصائح الطبية لكل المرضى مهما كان مستوى الخطورة عندهم، وتعديل العلاج الدوائي بما يناسب كلِّ حالةٍ.
ثانيًا: يجب تقديم النصائح والمتابعة الدقيقة لكل المرضى، حتى في حال الإصرار على الصيام ضد نصيحة الطبيب.
ثالثًا: يُنصح المرضى الذين يقدر وضعهم على أنه مرتفع الخطورة بعدم الصيام مع توضيح احتمالات الضرر عليهم.
رابعًا: في حال المرضى متوسطي مستوى الخطورة، يتم التشاور بين الطبيب والمريض ومراجعة الوضع الصحي وخبرات المريض السابقة وأدويته، ويجب توضيح احتمال الخطورة المرافق، بشكل عام يسمح للمريض بالصيام مع الانتباه لضرورة المراقبة المستمرة لمستوى السكر في الدم حسب تعليمات الطبيب، وفي حال خوف المريض الشديد، دون وجود سبب طبي مقنع يتم اللجوء إلى الاستشارة الدينية.
خامسًا: في حال مستوى الخطورة المنخفض، يشجع المرضى على الصيام، مع ضرورة المراقبة الطبية الموصوفة.
سادسًا: يجب على كل المرضى الذين قرروا الصيام بنصيحة طبية أو حتى ضد النصيحة الطبية معرفة ضرورة التوقف عن الصيام في الحالات التالية:
حدوث ارتفاع السكر إلى أكثر من ٣٠٠ مع/ دل.
انخفاض السكر أقل من ٧٠ مع/ دل.
وجود أعراض الانخفاض أو الارتفاع الشديدة.
وجود أمراض حادة تسبب حدوث الحرارة أو الإسهال أو التعب أو الإرهاق العام.
الخلاصة: يجب على الأطباء مراجعة كل عوامل الخطورة المذكورة عند مرضاهم للوصول إلى تحديد مستوى الخطورة الصحيح، وستساعد هذه الوسيلة في تقييم خطورة الصيام عند المرضى في الوصول إلى تقييمات حقيقية للمرضى، حتى وإن اختلف الأطباء واختصاصاتهم، وستساعد الأطباء الأقل خبرة في الوصول إلى تقييم أقرب إلى الدقة؛ فنرجو من فضيلتكم بيان الرأي الشرعي في هذا الأمر.


ما حكم صلاة غير المحجبة وصيامها؛ فأنا غير محجبة، فهل يقبل الله صلاتي وصيامي؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 31 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :18
الشروق
6 :51
الظهر
11 : 58
العصر
2:47
المغرب
5 : 5
العشاء
6 :28