حكم صيام من لا يُصلِّي

تاريخ الفتوى: 07 يونيو 2023 م
رقم الفتوى: 7691
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الصلاة
حكم صيام من لا يُصلِّي

ما حكم صيـام من لا يصلي؟ فهناك بعضُ الناس الذين لا يحافظون على أداء الصلاة، عندما يدخل شهر رمضان يتحمَّسُون للصلاة ويُبادِرونَ بأدائها، ثم تَفْتُرُ عزيمتُهُمْ ويَرْجِعُونَ لعادتهم في تركها أو ترك بعضها، فهل يكون صيامهم مع تركهم بعضَ الصلوات المفروضة صحيحًا؟

صيـام من لا يصلي صحيحٌ، مع كونه غير ممتثلٍ للأوامر الشرعية الموجبة للصلاة، وينبغي على كلِّ مكلف أن يجتهد في أداء الفرائض التي فرضها الله عليه على قدر طاقته واستطاعته؛ حتى يصلَ إلى تمام الرضا مِن الله سبحانه وتعالى، ويكون محلًّا للقبول والرحمة منه، وحتى يكون قربه من الله وزيادة ثوابه وقبوله أوفر حظًّا ونصيبًا ممَّن يؤدي بعض الفرائض ويترك بعضها الآخر.

المحتويات

 

حكم صيام من لا يُصلِّي

إن الإسلام دِينٌ كاملٌ ومتكاملٌ تَشُدُّ أركانُهُ بعضها بعضًا، فلا يليق بالمسلم أن يأتي ببعض الأركان ويترك أخرى، فالمسلم مأمورٌ بأداء كلِّ عبادةٍ شرعها الله تعالى -من الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها مما افترض الله عليه- إن كان من أهل التكليف المخاطَبين بذلك، وعليه أن يلتزم بها جميعًا، كما قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [البقرة: 208]، وجاء في تفسيرها: أي: التزموا بكلِّ شرائع الإسلام وعباداته، ولا يجوز له أن يتخير بينها ويُؤدِّيَ بعضًا ويترك بعضًا فيقع بذلك في قوله تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: 85].

قال الإمام الطَّبَرِيُّ في "جامع البيان" (3/ 600، ط. هجر): [تأويل ذلك: دعاء للمؤمنين إلى رفض جميع المعاني التي ليست مِن حكم الإسلام، والعمل بجميع شرائع الإسلام، والنهي عن تضييع شيء مِن حدوده] اهـ.

وقال الإمام الْـمَاوَرْدِيُّ في "النكت والعيون" (1/ 268، ط. دار الكتب العلمية): [والدخول في السِّلْم: العمل بشرائع الإسلام كلها] اهـ.

ومع ذلك فصحة هذه العبادات موقوفة على تحقق شروطها وأركانها، ولا تَعَلُّق لهذه الأركان والشروط بأداء العبادات الأخرى، فإذا أدَّاها المسلم على الوجه الصحيح مع تركه لغيرها من العبادات فقد أجزأه ذلك وبرئت ذمتُه من جهتها، ولكنه يأثم لعدم فعل العبادة التي لم يؤدها، فمن صـام وهو لا يصلي فصومه صحيح غير فاسد؛ لأنه لا يُشتَرَط لصحة الصوم إقامة الصلاة، ولكنه آثمٌ شرعًا مِن جهة تركه للصلاة، ومرتكب بذلك لكبيرةٍ من كبائر الذنوب، ويجب عليه أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى، أما مسألة الأجر فموكولة إلى الله تعالى، غير أن الصائم المُصَلِّي -في الجملة- أرجى قَبولًا ممن لا يُصلي.

قال الإمام السَّرَخْسِيُّ في "المبسوط" (3/ 118، ط. دار المعرفة): [والعبادة لا تبقى بدون شروطها كما لا تبقى بدون ركنها] اهـ.

وقال العلَّامةُ الصَّرْصَرِيُّ في "شرح مختصر الروضة" (1/ 441، ط. مؤسسة الرسالة): [الصحة في العبادات: وقوع الفعل كافيًا في سقوط القضاء، وقيل: موافقة الأمر.

معنى هذا: أن العلماء اختلفوا في معنى صحة العبادات؛ فالفقهاء قالوا: الصحة وقوع الفعل كافيًا في سقوط القضاء، كالصلاة الواقعة بشروطها وأركانها مع انتفاء موانعها، فكونها كافية في سقوط القضاء، أي: أنها لا يجب قضاؤها: هو صحتها] اهـ.

وقال العلَّامةُ الزَّرْكَشِيُّ في "البحر المحيط" (2/ 16، ط. دار الكتبي): [أما الصحة في العبادات فاختلف فيها، فقال الفقهاء: هي وقوع الفعل كافيًا في سقوط القضاء، كالصلاة إذا وقعت بجميع واجباتها مع انتفاء موانعها، فكونها لا يجب قضاؤها: هو صحتها] اهـ.

وقال العلَّامةُ العَطَّارُ في "حاشيته على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع" (1/ 139، ط. دار الكتب العلمية): [الصحة أمر عقلي، والمراد بما يعتبر: الشروط والأركان وانتفاء الموانع، والمراد: استجماعه] اهـ.

الاستقامة على أمر الله تعالى بأداء جميع الأوامر والانتهاء عن جميع النواهي

هذا لا يعني أن يتهاون المُكَلَّفُ في أداء الصلاة المفروضة؛ لكونها عماد الدين وأول أركانه، ولا يوجد عذرٌ يمنع المكلف بها مِن القيام بها -أداءً أو قضاءً-، ولا يصح أن يتهاون أي مُكَلَّفٍ في أداء بعض المأمورات مكتفيًا بأداء البعض الآخر؛ إذ الأصل أن يستقيم الإنسان على أمر الله تعالى بأداء جميع الأوامر والانتهاء عن جميع النواهي؛ وذلك حتى يحقق شرط الاستقامة المأمور به، ومما لا شك فيه أن الملتزم بجميع حدود الله تعالى وأوامره أفضل حالًا من المتهاون فيها أو في بعضها.

فعَن سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ، قَالَ: «قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ، فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا»، رواه الترمذي، وقال عقبه: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

قال العلَّامةُ مظهر الدين الزَّيْدَانيُّ الشِّيرازيُّ الحَنَفيُّ المشهورُ بالمُظْهِري في "المفاتيح في شرح المصابيح" (1/ 86، ط. دار النوادر): [وقوله عليه السلام: «ثم استقم»: لفظٌ جامعٌ للإتيانِ بجميع الأوامر، والانتهاءِ عن جميع المناهي؛ لأنه لو ترك أمرًا لم يكن مستقيمًا على الطريق المستقيم، بل عَدَل عنه حتى يرجع إليه، ولو فعل منهيًّا، فقد عَدَلَ عن الطريق المستقيم أيضًا حتى يتوبَ] اهـ.

وعلى مستوى آخر فالإنسان مطالب بالانتهاء عن جميع المناهي وإتيان الأوامر ما كان في حدود الاستطاعة.

فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» متفقٌ عليه.

وتحتل الفرائض المرتبة الأولى في القُرب والعبادات؛ فهي أحبها إلى الله عزَّ وجلَّ وأشدها إليه تقريبًا.

فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» أخرجه الإمام البخاري في "الصحيح".

قال الإمام الْبَيْضَاوِيُّ في "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" (2/ 16، ط. أوقاف الكويت): [أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى هي الفرائض التي افترضها عليه، وناهيك بفضلها المعاتبة على تركها، والمعاقبة بالإخلال بها، وإن العبد لا يزال يتقرب إلى الله بأنواع الطاعات، وأصناف الرياضيات، ويترقى من مقامٍ إلى آخر أعلى منه، حتى يحبه الله سبحانه، فيجعله مستغرقًا بملاحظة جَنَابِ قُدْسِهِ، بحيث ما لاحظ شيئًا إلا لاحظ ربه، فما التفت لفتَ حاسٍّ ومَحْسُوسٍ، وصانع ومصنوع، وفاعل ومفعول، إلا رأى الله، وهو آخر درجات السالكين، وأول درجات الواصلين، فيكون بهذا الاعتبار سمعه وبصره] اهـ.

وقال العلَّامةُ نَجْمُ الدِّينِ الطُّوفِيُّ في "التعيين في شرح الأربعين" (1/ 319، ط. مؤسسة الرسالة): [اعلم أن التقرب إلى الله تعالى إما أن يكون بالفرائض أو بالنوافل، وأحبها إلى الله عزَّ وجلَّ وأشدها إليه تقريبًا الفرائض؛ لأن الأمر بها جازم، وهي تتضمن أمرين: الثواب على فعلها، والعقاب على تركها، بخلاف النوافل فإن الأمر بها غير جازمٍ، ويثاب على فعلها، ولا يعاقب على تركها، فالفرائض أكمل، فكانت إلى الله عزَّ وجلَّ أحب وأشد تقريبًا] اهـ.

الرد على من يزعم أن فعل المعصية يحبط ما قدمه الإنسان من طاعة أو يفسدها

القول بأن فعل المعصية يحبط ما قدمه الإنسان من طاعة أو يفسدها فتكون بلا أثر ولا مثوبة، قول غير صحيح ولا اعتبار له؛ إذ يشتمل على مفاسد عقدية، وادعاءات تتعارض في مجملها مع رحمة الله تعالى وفضله، بل ومع إحسانه وعدله؛ فقد تقرر أن الله تعالى يضاعف الحسنات إلى أضعاف مضاعفة، ولا يجازي على السيئة إلا مثلها أو يعفو، فكيف بالقول إن الله تعالى يحبط الحسنة بالسيئة، دون مجازاة عليها ولا إثابة بها، ومن قبيل ذلك الادعاء بأنه لا صيام مقبول لمن لا يُصلِّي، وقد نص على خطأ ذلك القول جماهيرُ العلماء واستنكروه؛ لكونه معارضًا لصريح القرآن، منافيًا لعدل الله تعالى وإحسانه.

فأما كونه معارِضًا لصريح القرآن الكريم، فذلك أنه تعالى قد قال في محكم تنزيله إنه يحاسب عباده على كلِّ عملٍ من أعمالهم، فما عملوا من خير فسيثابون عليه ويضاعف الله لهم أجره، وما عملوا مِن شرٍّ فسيعاقبون عليه بمثله، لا أنَّه سيُحبط عمل هذا بذاك، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 40]، وقال تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الأنعام: 160]، وقال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۝ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7-8].

وأما كونه منافيًا للعدل والإحسان؛ فذلك أنَّ إحباط الطاعة وعدم قبولها لحصول المعصية، يلزم منه أحد أمرين:

الأول: أن يزول عقاب المعصية بثواب الطاعة، فيعدم الفعلان معًا ويكون كلٌّ منهما علةً في انعدام الآخر، وذلك يقتضي أن يكون كلٌّ منهما علةً في وجود الآخر، وذلك باطل.

الثاني: أَّلا يزول عقاب المعصية بثواب الطاعة، فيلزم عن ذلك ألَّا ينتفع الـمُكَلَّفُ بطاعته لا بحصول ثواب ولا برفع عقاب، وهذا من الظلم المتنافي مع عدل الله تعالى.

قال الإمام الرَّازِيُّ في "مفاتيح الغيب" (10/ 82، ط. دار إحياء التراث العربي): [لو انحبط ذلك الثواب لكان إما أن يحبط مثله من العقاب أو لا يحبط، والقسمان باطلان. فالقول بالإحباط باطل. إنما قلنا إنه لا يجوز انحباط كلِّ واحدٍ منهما بالآخر؛ لأنه إذا كان سببُ عدم كلِّ واحدٍ منهما وجودَ الآخر، فلو حصل العدمان معًا لحصل الوجودان معا، ضرورة أن العلة لا بد وأن تكون حاصلة مع المعلول، وذلك محالٌ.

وإنما قلنا: إنه لا يجوز انحباط الطاعة بالمعصية مع أن المعصية تنحبط بالطاعة، لأن تلك الطاعات لم ينتفع العبد بها البتة، لا في جلب ثواب، ولا في دفع عقاب وذلك ظلم، وهو ينافي قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ﴾ ولما بطل القسمان ثبت القول بفساد الإحباط] اهـ.

كما قد نص العلماء على أنَّ حصول ما قد يبطل الطاعات بالمعاصي إنما يكون بحصول ما يفسدها في عينها من دخول أمرٍ مذمومٍ عليها؛ كالرياء وابتغاء السمعة، أو عدم الإخلاص فيها أو الفساد في النية، لا بحصول المعصية في طاعة أخرى مستقلة عنها، أو في جنسٍ آخر من الطاعات.

قال الإمام الآمِدِيُّ في "أبكار الأفكار" (4/ 385-386، ط. دار الكتب والوثائق القومية -القاهرة) في الردِّ على شبهة القائلين بكون المعصية محبطةً للأعمال مطلقًا: [إن التقابل بين الطاعة والمعصية: إنما يتصور في فعلٍ واحدٍ بالنسبة إلى جهةٍ واحدةٍ، بأن يكون مطيعًا بعينِ ما هو عاصٍ مِن جهة واحدة، وأما أن يكون مطيعًا في شيء، وعاصيًا بغيره، فلا امتناع فيه، كيف وأن هؤلاء وإن أوجبوا إحباط ثواب الطاعات بالكبيرة الواحدة، فإنهم لا يمنعون من الحكم على ما صدر من صاحب الكبيرة من أنواع العبادات... كالصلاة، والصوم، والحج، وغيره بالصحة، ووقوعها موقع الامتثال، والخروج عن عهدة أمر الشارع؛ مع حصول معصية في غيرها، بخلاف ما يقارن الشرك منها، وإجماع الأمة دلَّ على ذلك، وعلى هذا: فلا يمتنع اجتماع الطاعة والمعصية، وأن يكون مثابًا على هذه ومعاقبًا على هذه... فإنَّ التعظيم والإهانة إنما يمتنع اجتماعهما من شخصٍ واحدٍ لواحدٍ، إن اتحدت جهةُ التعظيم والإهانة، وإلا فبتقدير أن يكون مُعَظَّمًا من جهة، مهانًا مِن جهةٍ، مُعَظَّمًا مِن جهةِ طاعته، مهانًا مِن جهةِ معصيته؛ فلا مانع فيه] اهـ.

وقد تجلَّى ذلك الفهم واتضح لدى العلماء من خلال شرحهم لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوارد في الحثِّ على أن تُصلَّى صلاةُ العصر في وقتها والتحذير من أن تركها يحبط عملها، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» أخرجه الإمام البخاري في "الصحيح".

والمراد من الحديث كما فهمه علماء الأمة: هو أنه قد خسر أجر هذه الصلاة بخصوصها والذي يحصل عليه مَن يصليها في وقتها، لا أجر غيرها من الصلوات ولا غيرها من الأعمال.

قال الإمام ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (14/ 125، ط. أوقاف المغرب): [حبط عمله، أي: حبط عمله فيها فلم يحصل على أجر من صلاها في وقتها، يعني: أنه إذا عملها بعد خروج وقتها فَقَدَ أَجْرَ عملها في وقتها وفضله، والله أعلم، لا أنه حبط عمله جملة في سائر الصلوات وسائر أعمال البر، أعوذ بالله من مثل هذا التأويل فإنه مذهب الخوارج] اهـ.

وقال الإمام النَّوَوِيُّ في "شرحه على صحيح مسلم" (5/ 126، ط. دار إحياء التراث العربي): [الشرع ورد في العصر ولم تتحقق العلة في هذا الحكم فلا يلحق بها غيرها بالشك والتوهم] اهـ.

وقال الـمُلَّا عَلِيُّ الْقَارِيُّ في "مرقاة المفاتيح" (2/ 529، ط. دار الفكر): [قد حبط (عمله) أي: بطل كمال عمل يومه ذلك إذ لم يثب ثوابًا موفرًا بترك الصلاة الوسطى، فتعبيره بالحبوط وهو البطلان للتهديد قاله ابن الملك. يعني: ليس ذلك من إبطال ما سبق من عمله... بل يحمل الحبوط على نقصان عمله في يومه، لا سيما في الوقت الذي تقرر أن يرفع أعمال العباد إلى الله تعالى فيه] اهـ.

والذي يجدر التنبيه إليه أن المسلم الذي يسعى للحفاظ على الصلاة ثم تغلبه نفسه بترك بعض الأوقات منها، مع كونه يعلم بفرضيتها ولا يتركها جاحدًا أو منكرًا، وإنما وهو يعلم أنه مذنبٌ وعاصٍ، فإنه ينبغي أن يُحَثَّ عليها ببيان فضلها وثواب حصولها، لا أن يُيَأَّسَ ويُشَكَّك في قبول أعماله الصالحة التي يقوم بها كالصيام؛ إذ الشرع مثلما جاء بالترهيب من المعاصي جاء بالترغيب في الطاعات أيضًا، والترغيب أنسب لمن حاله حال التردد والضعف لا حال النكران والجحود، ومَن ترك بينه وبين طاعة الله تعالى بابًا مفتوحًا فتح الله تعالى له به إن شاء جميع الأبواب وأناله التوفيق والسداد في أمره كله.

الخلاصة

بناء على ذلك: فإن صيـام من لا يصلي صحيحٌ، مع كونه غير ممتثلٍ للأوامر الشرعية الموجبة للصلاة، وينبغي على كلِّ مكلف أن يجتهد في أداء الفرائض التي فرضها الله عليه على قدر طاقته واستطاعته؛ حتى يصلَ إلى تمام الرضا مِن الله سبحانه وتعالى، ويكون محلًّا للقبول والرحمة منه، وحتى يكون قربه من الله وزيادة ثوابه وقبوله أوفر حظًّا ونصيبًا ممَّن يؤدي بعض الفرائض ويترك بعضها الآخر.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم صلاة التراويح في البيت بسبب الوباء؟ فإنه في ظلّ ما يمر به العالم من ظروف جراء فيروس كورونا أُغلِقَت المساجد وأُرجئت الجمع والجماعات؛ ضمن القرارات التي اتخذها المختصون تحرزًا من عدوى هذا الفيروس الوبائي، فهل تشرع صلاة التراويح في البيوت؟ وهل يأخذ المُصلي حينئذٍ أجر قيام رمضان؟


ما حكم المصافحة عقب الصلاة بين المصلين؟ حيث إن هناك بعض الناس يقول بأنها بدعة؛ بحجة أنها لم ترد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا صحابته الكرام، وأنها تشغل المصلي عن أذكار ختام الصلاة؟


نرجو منكم تحديد ضابط مسافة بداية القصر للصلاة في ظل الاتساع العمراني؟ حيث أسكن في إحدى المدن الجديدة، وأسافر في إجازاتي الأسبوعية للزيارات العائلية، وأقطع خلال ذلك مسافة تتجاوز 200 كيلو متر، مع العلم بأني أقطع من العمارة التي أسكن فيها مسافة 20 كيلو مترًا تقريبًا حتى الخروج إلى آخر حدود المدينة السكنية، وعندما أصِلُ إلى بوابة المدينة أو الكارتة أكون قد قطعت مسافة 50 كيلو مترًا تقريبًا، فمن أين أقصر الصلاة الرباعية كرخصة من رخص السفر؟


ما حكم صلاة الجمعة بأقل من أربعين في زمن الوباء؟

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد..
فإن من نوازل العصر ومتقلبات الأحوال: جائحة كورونا التي أصابت العالم بأسره، أسأل الله تعالى السلامة منه لجميع الناس.
وهذه الأزمة تجعل المتغيرات إلى المرونة والتمسك بيسر الدين الإسلامي وملامح رحمته ومحاسن تشريعه، فيما نقوم به من الطاعات كالجمعة والجماعة والتجمع لأداء العبادات والتباعد في الصفوف، وتقليل عدد التجمع في الأماكن العامة ودور العبادات.
وقد أعلنت وزارة الصحة التابعة لسيريلانكا والجهات المختصة بمنع التجمع بأكثر من خمسة وعشرين شخصًا في الأماكن العامة ودور العبادات، وفي إطار هذه الأزمة أفتت هيئة الإفتاء التابعة لجمعية علماء سيريلانكا بإقامة الجمعة في أماكن مختلفة، وذلك بناءً على جواز تعدد الجمعة في بلدٍ واحدٍ عند الحاجة في المذهب الشافعي.
ولكن لا يزال العلماء يناقشون مسألة التجمع بأقل من أربعين رجلًا في هذه الحالة الراهنة، علمًا بأن المعتمد في المذهب الشافعي أن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر، فاختلفت آراء العلماء على اتجاهين:
الاتجاه الأول: الإنكار بإقامة الجمعة بأقل من أربعين رجلًا؛ اعتمادًا على القول الراجح المعتمد في المذهب الشافعي، وتعليلًا بأن العدد غير مكتمل.
الاتجاه الثاني: تنفيذ إقامة الجمعة بالعدد المسموح؛ تعظيمًا لشعائر الله، ومراعاة للمصلحة الدينية.
وبينما هو كذلك قد عثرتُ على مخطوطٍ لعالم جليل وعلم من كبار علماء سيريلانكا، وركن من أركان علم الفلك، ومؤسس الكلية الحسنية العربية الشيخ العلامة عبد الصمد رحمه الله، الذي كان رئيسًا لجمعية علماء سيريلانكا فترة طويلة، وله عدة مؤلفات من المطبوع والمخطوط.
وقد ألف كتابًا في عام 1912م، بخطه وسماه بـ "ضوء الشرعة بعدد الجمعة"، وقد ناقش الأدلة والآراء ورجح القول بأن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر.
وما حاصله: وإذا كان أهل البلد أقل من الأربعين، فإن كانوا (الشافعية) بأربعة فصاعدًا وأرادوا تقليد الإمام أبي حنيفة في صحة الجمعة بأربعة، فيجوز أن يصلوا الجمعة إن قلدوه تقليدًا صحيحًا؛ بأن يحافظوا كلهم على جميع الشروط المعتبرة عنده، ولكنه تُسنّ إعادتها ظهرًا خروجًا من الخلاف القوي. وإذا أرادوا أن يعملوا باختيار بعض الأئمة الشافعية في صحة الجمعة بدون أربعين وصلوا الجمعة فلا بأس بذلك، ولكن يلزمهم أن يعيدوا الظهر بعدها لوجوب العمل بالراجح، فإن لم يعيدوا الظهر جماعة أو فرادى فينكر عليهم إنكارًا شديدًا.
أطلب من سماحتكم إبداء موقف دار الإفتاء في إعادة الظهر بعد الجمعة: هل هي لازمة إذا عملوا في هذه المسألة على المرجوح في المذهب الشافعي؟ أو هل هي مسنونة إذا قلدوا في هذه المسألة مذهب الحنفية أو المالكية حفاظًا على جميع شروطهم؟ ولكم جزيل الشكر ومن الله حسن الثواب.


ما حكم تعيين النية في صلاة التراويح؟ وهل تصح صلاة التراويح بنيةٍ مطلقةٍ دون تخصيص؟


هل يجوز امتناع المرأة الحائض عن الطعام والشراب في شهر رمضان بنية الصوم؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 30 أكتوبر 2025 م
الفجر
5 :40
الشروق
7 :7
الظهر
12 : 39
العصر
3:46
المغرب
6 : 9
العشاء
7 :28