مدى لزوم الإمساك بقية اليوم للمسافر الذي قدم بلده مفطرا

تاريخ الفتوى: 04 أكتوبر 2023 م
رقم الفتوى: 7999
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الصوم
مدى لزوم الإمساك بقية اليوم للمسافر الذي قدم بلده مفطرا

هل يجب على المسافر الذي قدم بلده مفطرًا أن يمسك بقية اليوم؟ فقد سافرتُ في شهر رمضان المبارك قبل الفجر، ولَمَّا كان السفرُ طويلًا، أخذتُ بالرخصة فأفطرتُ في الطريق، وبعد أن وصَلْتُ إلى منزلي بعد العصر أكلتُ وشرِبْتُ، فهل كان واجبًا عليَّ الإمساك عن الطعام والشراب بمجرد وصولي إلى البيت؟

مَن سافر سفرًا تُقصرفيه الصلاة، ثم أخذ بالرخصة فيه فأفطر في سفره، ثم عاد إلى بلده ولا يزال النهار باقيًا، فإنه يجوز له الأكل والشرب، ولا يجب عليه الإمساك بقية هذا اليوم، فإنْ أمسك فلا حرج عليه، ويستحب له إذا اختار عدم الإمساك أن يخفي فِطْرَهُ على مَن ليس له عِلمٌ بعُذره.

المحتويات 

رخصة الفطر في رمضان للمسافر

مِن المقرَّر شرعًا أن مَن بلغ سَفَرُه مسافةً تُقصَر فيها الصلاة فإنَّ له أن يَتَرَخَّص بِرُخَصِ السَّفر ويَعمَل فيه بأحكامِه، مِن نحو قصر الصلاة، والفطر في رمضان، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾ [النساء: 101].

وقد أجمع الفقهاء على مشروعية التَّرَخُّص بالفطر في رمضان لمَن بلغ سَفَرُه -في غير معصيةٍ- مسافةً تُقصَر فيها الصلاة، كما في "مراتب الإجماع" للإمام ابن حَزْم (ص: 40، ط. دار الكتب العلمية)، و"الإقناع في مسائل الإجماع" للإمام ابن القَطَّان (1/ 229، ط. الفاروق الحديثة)، وذلك على تفصيلٍ بينهم في تقدير هذه المسافة، والمفتى به أنَّها لا تَقِلُّ عن مرحلتَيْن، وتُقَدَّران بنحو ثلاثةٍ وثمانين كيلومترًا ونصف الكيلومتر.

هل يجب على المسافر الذي قدم بلده مفطرا أن يمسك بقية اليوم؟

إذا أُبيح للمسافر الفطرُ لعذر السفر، فأفطر فيه، ثم عاد إلى بلده قبل غروب الشمس مفطرًا ناويًا الإقامة فيه، فلا يجب عليه الإمساكُ في ذلك اليوم ولا يستحب له، كما هو مذهب المالكية، ووافَقَهُم الشافعيةُ، والحنابلةُ في أحد القولين، في عدم الوجوب، إلا أنهم استَحَبُّوا له الإمساك بقية اليوم مِن غير إلزامه به، ومِن ثَمَّ فإن رَغِبَ العائدُ مِن السفر في الأكل والشرب بعد عودته مُتَرَخِّصًا أثناء سفره في ذلك اليوم بالفطر فإنه يجوز له ذلك، إذ لا حاجة لإمساكه بعد أن زالَتْ حُرمَةُ الوقت بفطره المُباح له في أول النهار ظاهرًا وباطنًا.

قال الإمام عليُّ بن خَلَفٍ المُنُوفِي المالكي في "كفاية الطالب الرباني" (1/ 445، ط. دار الفكر، "مع حاشية الشيخ العدوي"): [(وإذا قَدِمَ المسافرُ) مِن سفره نهارًا حالة كونه (مفطرًا أو طَهُرَت الحائضُ نهارًا فـ) يباح (لهما الأكل في بقية يومهما) ولا يستحب لهما الإمساك] اهـ.

وقال الإمام شمس الدين الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 395، ط. دار الفكر): [مَن كان له عذرٌ يبيح له الإفطارَ مع العلم برمضان، فأصبح مفطرًا لذلك، ثم زال عذرُهُ، فإنه لا يستحب له الإمساك في بقية يومه، كالحائض تَطْهُرُ، والمسافر إذا قَدِمَ مفطرًا] اهـ.

وقال الإمام الشِّيرَازِي الشافعي في "المهذب" (1/ 327، ط. دار الكتب العلمية): [وإنْ قَدِمَ المسافرُ وهو مفطرٌ، أو بَرِئَ المريضُ وهو مفطرٌ، استُحِبَّ لهما إمساك بقية النهار؛ لحُرمة الوقت، ولا يجب ذلك؛ لأنهما أَفْطَرَا لعذر] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 424، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ويستحب الإمساكُ لمريضٍ شُفِيَ) مِن مرضه في أثناء النهار (ولمسافِرٍ قَدِمَ) مِن سفره كذلك، حالة كونهما (مفطِرَيْن أو لَم يَنْوِيَا) لحُرمة الوقت، وإنما لَم يلزمْهُما؛ لأن الفطر مباحٌ لهما مع العلم بحال اليوم، وزوالُ العذر بعد الترخُّص لا يؤثر، كما لو أقام في الوقت بعد القصر] اهـ.

وقال الإمام أبو علي الهاشمي البغدادي الحنبلي في "الإرشاد إلى سبيل الرشاد" (ص: 147، ط. مؤسسة الرسالة): [وإذا قَدِمَ المسافرُ مفطرًا في نهار رمضان، أَحْبَبْنَا له أن يُمسك عن الأكل والشُّرب بقية يومه، فإنْ أَكَلَ أو جامَع مَن قد طَهُرَت مِن حيضها، أساء، ولا كفارة عليه، ولا يلزمه سوى القضاء، والحائض إذا طَهُرَت في بعض النهار، فلها الأكل بقية يومها، وعنه رواية أخرى: أنها تُمسك بقية يومها كالمسافر] اهـ.

والشارع الرحيم وإنْ أباح للقادم مِن السفر المترخِّص بالفطر الأكلَ والشربَ بعد عودته ما دام النهار باقيًا، وكذا المريض إذا شفاه الله تعالى، إلا أنه استحب لهما أنْ يُخْفِيَا فِطْرَهُما وألَّا يَجْهَرَا به أمام الناس؛ حتى لا يَقَعَا في التهمة، ولئلَّا يقتدي بهما الأطفالُ أو السفهاءُ في ذلك.

قال الإمام الشِّيرَازِي في "المهذب" (1/ 327): [ولا يأكُلَان عند مَن لا يَعْرِفُ عُذْرَهُمَا؛ لخوف التهمة والعقوبة] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 424): [(ويستحب لهما إخفاؤه) أي: الإفطار إن أَفْطَرَا؛ لئلَّا يَتَعَرَّضَا إلى التهمة والعقوبة] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فمَن سافر سفرًا تُقصرفيه الصلاة، ثم أخذ بالرخصة فيه فأفطر في سفره، ثم عاد إلى بلده ولا يزال النهار باقيًا، فإنه يجوز له الأكل والشرب، ولا يجب عليه الإمساك بقية هذا اليوم، فإنْ أمسك فلا حرج عليه، ويستحب له إذا اختار عدم الإمساك أن يخفي فِطْرَهُ على مَن ليس له عِلمٌ بعُذره.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

سائل يقول: ورد في السنة النبوية أن صيام سيدنا داود عليه السلام أحب الصيام إلى الله عز و وجل. فهل هناك ضوابط وضعها العلماء لأفضلية صيام سيدنا داود على غيره من صيام التطوع؟


ما الحكم إذا تأخر المسلم في قضاء ما فات من رمضان حتى دخل رمضان آخر؟


ما حكم صيام المرأة التي ترى بعض نقاط الدم في غير وقت الحيض؟ فهناك امرأةٌ تأتيها العادةُ كلَّ شهرٍ وتستمر ستة أيام، وأثناء صيامها في شهر رمضان رأت بعض نقاط الدم لساعاتٍ ثم انقطَعَت، وكان هذا بعد انتهاء عادتها بعشرة أيام، وأكملت صوم اليوم، فما حكم صومها شرعًا؟


ما حكم بلع البلغم والريق أثناء الصيام؟ وهل القيء يفسد الصيام؟


ما هو توقيت الفطر والفجر للصائم؟ حيث طلبت وزارة العدل المصرية الاستفسار عن الرأي الفقهي والفلكي بالنسبة لموعدي الإفطار والإمساك والفجر للصائم، وبيان صحة المواعيد المعمول بها حاليًّا.


هل مجرد العزم على الفطر دون تناول طعام أو شراب يفسد الصوم؟ فقد نويتُ صوم واجب عليَّ، وبعد أن شرعتُ فيه تذكَّرت بعض الأعمال الشاقة التي ينبغي عليَّ القيام بها، فعزمتُ على الفِطْر، لكن لم أتناول الطعام أو الشراب، ثم رَجعتُ عن هذا العَزْم وأكملتُ الصوم، فهل يصح صومي في هذه الحالة أو لا؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 30 أكتوبر 2025 م
الفجر
5 :40
الشروق
7 :7
الظهر
12 : 39
العصر
3:46
المغرب
6 : 9
العشاء
7 :28