 
                                ما المراد بالظن في قوله تعالى: ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾؟ وما معنى كونه إثمًا؟
نهانا الشرع الشريف عن الظن السيئ بالناس؛ وهو: حمل تصرفاتهم على الوجه السيئ بلا قرينة أو بيِّنَةٍ؛ إذ الأصل فيهم البراءَةُ والسَّلامَة؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 12].
قال الإمام ابن كثير في "تفسيره" (7/ 377، ط. دار طيبة للنشر والتوزيع): [﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 12].
يَقُولُ تَعَالَى نَاهِيًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الظَّنِّ، وَهُوَ التُّهْمَةُ وَالتَّخَوُّنُ لِلْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ وَالنَّاسِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ يَكُونُ إِثْمًا مَحْضًا، فَلْيُجْتَنَبْ كَثِيرٌ مِنْهُ احْتِيَاطًا] اهـ.
ويُوضح الإمام الطاهر بن عاشور جهة وجوب تمحيص الظنون، ويُبيِّن المراد بالظَّنِّ في الآية، ومعنى كونه إثمًا، فيقول في تفسيره "التحرير والتنوير" (26/ 251، ط. الدار التونسية): [وَلَمَّا جَاءَ الْأَمْرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِاجْتِنَابِ كَثِيرٍ مِنَ الظَّنِّ عَلِمْنَا أَنَّ الظُّنُونَ الْآثِمَةَ غَيْرُ قَلِيلَةٍ، فَوَجَبَ التَّمْحِيصُ وَالْفَحْصُ لِتَمْيِيزِ الظَّنِّ الْبَاطِلِ مِنَ الظَّنِّ الصَّادِقِ.
وَالْمُرَادُ بِـ"الظَّنِّ" هُنَا: الظَّنُّ الْمُتَعَلِّقُ بِأَحْوَالِ النَّاسِ، وَحُذِفَ الْمُتَعَلِّقُ لِتَذْهَبَ نَفْسُ السَّامِعِ إِلَى كُلِّ ظَنٍّ مُمْكِنٍ هُوَ إِثْمٌ، وَجُمْلَةُ ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ يَسْتَوْقِفُ السَّامِعَ لِيَتَطَلَّبَ الْبَيَانَ، فَاعْلَمُوا أَنَّ بَعْضَ الظَّنِّ جُرْمٌ، وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ وُجُوبِ التَّأَمُّلِ فِي آثَارِ الظُّنُونِ، لِيَعْرِضُوا مَا تُفْضِي إِلَيْهِ الظُّنُونُ عَلَى مَا يَعْلَمُونَهُ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، أَوْ لِيَسْأَلُوا أَهْلَ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ هَذَا الْبَيَانَ الِاسْتِئْنَافِيَّ يَقْتَصِرُ عَلَى التَّخْوِيفِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْإِثْمِ، وَلَيْسَ هَذَا الْبَيَانُ تَوْضِيحًا لِأَنْوَاعِ الْكَثِيرِ مِنَ الظَّنِّ الْمَأْمُورِ بِاجْتِنَابِهِ؛ لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ، فَنَبَّهَ عَلَى عَاقِبَتِهَا. وَتَرَكَ التَّفْصِيلَ؛ لِأَنَّ فِي إِبْهَامِهِ بَعْثًا عَلَى مَزِيدِ الِاحْتِيَاطِ.
وَمَعْنَى كَوْنِهِ إِثْمًا أَنَّهُ: إِمَّا أَنْ يَنْشَأَ عَلَى ذَلِكَ الظَّنِّ عَمَلٌ أَوْ مُجَرَّدُ اعْتِقَادٍ؛ فَإِنْ كَانَ قَدْ يَنْشَأُ عَلَيْهِ عَمَلٌ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ؛ كَالِاغْتِيَابِ وَالتَّجَسُّسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلْيُقَدِّرِ الظَّانُّ أَنَّ ظَنَّهُ كَاذِبٌ، ثُمَّ لْيَنْظُرْ بَعْدُ فِي عَمَلِهِ الَّذِي بَنَاهُ عَلَيْهِ فَيَجِدُهُ قَدْ عَامَلَ بِهِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ تِلْكَ الْمُعَامَلَةَ؛ مِنِ اتِّهَامِهِ بِالْبَاطِلِ، فَيَأْثَمُ مِمَّا طَوَى عَلَيْهِ قَلْبَهُ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ] اهـ.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا» متفق عليه.
وفي هذا الحديث تحذيرٌ من سوء الظن بالمسلمين من غير علمٍ ولا تَيَقُّنٍ.
جاء في "فتح الباري" للحافظ ابن حجر (10/ 481، ط. دار المعرفة-بيروت): [قَوْلُهُ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ»، قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ الْمُرَادُ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ الَّذِي تُنَاطُ بِهِ الْأَحْكَامُ غَالِبًا، بَلِ الْمُرَادُ تَرْكَ تَحْقِيقِ الظَّنِّ الَّذِي يَضُرُّ بِالْمَظْنُونِ بِهِ، وَكَذَا مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّ أَوَائِلَ الظُّنُونِ إِنَّمَا هِيَ خَوَاطِرُ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا، وَمَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ لَا يُكَلَّفُ بِهِ؛ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: «تَجَاوَزَ اللهُ لِلْأُمَّةِ عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا».
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمُرَادُ بِالظَّنِّ هُنَا: التُّهْمَةُ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا؛ كَمَنْ يَتَّهِمُ رَجُلًا بِالْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِيهَا، وَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: «وَلَا تَجَسَّسُوا»؛ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّخْصَ يَقَعُ لَهُ خَاطِرُ التُّهْمَةِ فَيُرِيدُ أَنْ يَتَحَقَّقَ فَيَتَجَسَّس وَيَبْحَث وَيَسْتَمِع، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يُوَافِقُ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾، فَدَلَّ سِيَاقُ الْآيَةِ عَلَى الْأَمْرِ بِصَوْنِ عِرْضِ الْمُسْلِمِ غَايَةَ الصِّيَانَةِ؛ لِتَقَدُّمِ النَّهْيِ عَنِ الْخَوْضِ فِيهِ بِالظَّنِّ؛ فَإِنْ قَالَ الظَّانُّ: أَبْحَثُ لِأَتَحَقَّقَ. قيل لَهُ: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾. فَإِنْ قَالَ: تَحَقَّقْتُ مِنْ غَيْرِ تَجَسُّسٍ. قِيلَ لَهُ: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾] اهـ. ومما سبق يُعلَم الجواب عمَّا جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائل يسأل عن قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾ [النساء: 83]، ما معناه؟ ومَن هم المقصودون في الآية الكريمة؟
ما حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد؟ حيث يتداول بعض الناس على مواقع التواصل الاجتماعي عبارات التهنئة بالعام الهجري الجديد، فهل التهنئة بالعام الهجري الجديد جائزةٌ شرعًا؟
ما حكم تقديم الطعام للمعزين الذين يأتون من أماكن أو بلاد بعيدة للتعزية والمشاركة في الدفن؟
نهى الله سبحانه وتعالى عن الهمز واللمز؛ كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾. فما المراد بهما؟
سائل يقول: أعلم أن الإنسان لا يحاسب على أعماله قبل البلوغ، ولديَّ أولاد أعلمهم أداء العبادات والتكاليف الشرعية؛ فهل يثاب الصغار على فعل العبادات والطاعات قبل بلوغ سن التكليف الشرعي؟
ما حكم الشرع في تعاطي مخدر (الشابو)؟ حيث اشتهر في الآونة الأخيرة تناول بعض الفئات لمستحضر "الشابو" ممَّا أَدَّى إلى انتشار عدة جرائم عن طريق تعاطيه. فما حكم تناول وتعاطي هذا المستحضر؟