ما حكم صوم مَن أفطر ناسيًا في صيام القضاء؟ حيث إنني بَيَّتُّ النيةَ لقضاء ما عليَّ من صيامٍ سابقٍ من رمضان، وأصبحتُ صائمة بالفعل، لكني أكلتُ ناسية، فهل صومي صحيحٌ، أو لا؟
مَن أفطر ناسيًا في صوم فَرضٍ أو نَفْلٍ فليتم صومه، ولا قضاء عليه ولا كفارة على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، فإن قَدَرَ على قضاء هذا اليوم فهو أَكْمَل وأَوْلَى خروجًا مِن الخلاف.
المحتويات
مِن كمال رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أنَّه تجاوز عن مؤاخذتهم بسبب الخطأ والنسيان؛ إذ النسيان أمرٌ جُبلت عليه طبائع البشر، فرَفَع عنهم إِثْم ما ارتكبوه نسيانًا، فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» أخرجه ابن ماجه في "سننه"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك".
فالحديث دال بنَصِّه وحاكمٌ بلفظه على عدم المؤاخذة بالنسيان؛ لذا فالصائم الذي يأكل أو يشرب ناسيًا لا إِثْم عليه، لكنَّ الفقهاء اختلفوا في وجوب قضاء ذلك اليوم الذي أَفْطَر فيه ناسيًا، على تفصيلٍ بينهم في كون الحكم يستوي فيه النَّفْل والواجب، أو يكون في أحدهما دون الآخر.
فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أَنَّ الصوم حال الأكل والشرب ناسيًا صحيحٌ، ولا يجب عليه شيء من قضاء أو كفارة، وسواء أكان الصوم واجبًا أو تطوعًا.
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (3/ 65، ط. دار المعرفة): [ومَن أكل، أو شرب أو جامع ناسيًا في صومه لم يفطره ذلك، والنفل والفرض فيه سواء] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 324، ط. دار الفكر): [مذهبنا: أنَّه لا يُفْطِر بشيء من المنافيات ناسيًا للصوم] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 131، ط. مكتبة القاهرة): [(وإن فَعَل ذلك ناسيًا، فهو على صومه ولا قضاء عليه)، وجملته أَنَّ جميع ما ذَكَره الخِرَقي في هذه المسألة: لا يُفْطِر الصائم بفِعْله ناسيًا] اهـ.
واستدلوا بما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» متفق عليه، فالحديث سَمَّاه صائمًا، وأَمَره بإتمام الصوم، فعُلِم أنَّه لم يُفْطِر.
قال الإمام النووي الشافعي في "شرحه على صحيح مسلم" (8/ 35، ط. دار إحياء التراث العربي) عند تَعرُّضه لشرح هذا الحديث: [فيه دلالةٌ لمذهب الأكثرين أنَّ الصائم إذا أَكِل أو شَرِب.. لا يُفْطِر] اهـ.
كما رَوَى الإمام البيهقي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ».
بينما ذَهَب المالكيةُ إلى أنَّ مَن أفطر في صوم رمضان: يَلْزمه قضاء ذلك اليوم، سواء كان عامدًا أو ناسيًا.
قال الإمام مالك في "الموطأ": [من أكل أو شرب في رمضان، ساهيًا أو ناسيًا، أو ما كان من صيام واجب عليه، أن عليه قضاء يوم مكانه] اهـ.
قال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 525، ط. دار الفكر): [(وقَضَى) مَنْ أَفْطَر (في الفَرْض مطلقًا)، أي: عمدًا أو سهوًا أو غَلَبةً أو إكراهًا] اهـ.
وقد اختلف فقهاء المذهب في حال ما لو أَفْطَر ناسيًا حال قضائه هذا اليوم بعد رمضان: هل يجب عليه قضاء القضاء، أو لا؟ بمعنى: أنَّه هل يَلْزَمه بذلك الفِطْر صيام يومين قضاءً، يومٌ عن الأصلِ الذي تَرتَّب في ذمته، ويومٌ لفِطْره في القضاء، أو يلزمه صوم يومٍ واحدٍ؟
قال العلامة خليل بن إسحاق المالكي في "مختصره" (ص: 63، ط. دار الحديث): [وفي وجوب قضاء القضاء خلاف] اهـ.
قال العلامة النَّفَراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 315، ط. دار الفكر) مُعَلِّقًا عليه: [فعلى اللزوم يلزمه يومان: يوم للأصل ويوم للمفسد، وقيل: يوم فقط، والقولان جاريان في الفطر عمدًا أو سهوًا على ما ارتضاه السَّنْهَوري والشيخ أحمد الزُّرْقاني] اهـ.
واستدلوا على ذلك بأدلة، ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق، وحملوه "على أن المراد به نفي الإثم عنه، فأما القضاء فلا بد منه؛ لأن صورة الصوم قد عُدِمَت، وحقيقته بالأكل قد ذهبت، والشيء لا بقاء له مع ذهاب حقيقته، كالحدث يبطل الطهارة سهوًا جاء أو عمدًا. وهذا الأصل العظيم لا يَرُدُّه ظاهرٌ محتملَ التأويل" كما قال القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي في "المسالك في شرح موطأ مالك" (4/ 223، ط. دار الغرب الإسلامي).
بناءً على ذلك: فمَن أفطر ناسيًا في صوم فَرضٍ أو نَفْلٍ فليتم صومه، ولا قضاء عليه ولا كفارة على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، فإن قَدَرَ على قضاء هذا اليوم فهو أَكْمَل وأَوْلَى خروجًا مِن الخلاف.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الصيام تطوعًا في رجب وشعبان دون غيرهما؟ فلقد تعودنا على صيام أيام من شهر رجب وشعبان من مدة طويلة، ولكن حضر إمام أفتى بعدم جواز هذا الصيام بحجة أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يصوم هذه الأيام؛ أي إنها ليست سنَّة، وقال: إن من لم يصم تطوعًّا خلال أيام السنة فلا يجوز له صيام أيام من رجب وشعبان.
ما الذي يجب على من أفطر يومًا في نهار رمضان متعمدًا بلا عذر؛ حتى يتوب من هذا الذنب؟
ما حكم إتمام من شَرَع في صومِ التطوعِ وحكم قضائه إن أفسده؟ فأنا اعتدتُ على الإكثار من صيام التطوع كنحو يومي الإثنين والخميس من كلِّ أسبوع ما أمكن ذلك، ولكن أفسدت صومي في أحد هذه الأيام بعد الشروع فيه، فهل عليَّ إثم في ذلك؟ وهل يجب عليَّ قضاء هذا اليوم؟
ما حكم إفطار الطاقم الطبي (الأطباء والممرضين) المباشر لعلاج المرضى المصابين بفيروس كورونا المستجد؟
ما حكم صيام سيدنا داود عليه السلام؛ فإني سمعت من أحد الأصدقاء أن صيام نبي الله داود عليه السلام هو من أحب الأعمال إلى الله تعالى، وما كيفيته؟
ما حكم استحمام -اغتسال- الصائم في البحر؟ وهل يكون مُفطِّرًا؟