توجيه ما ورد في السنة النبوية الشريفة من ذم الجدال وبيان المحمود منه والمذموم

تاريخ الفتوى: 30 مارس 2014 م
رقم الفتوى: 7906
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: فتاوى حديثية
توجيه ما ورد في السنة النبوية الشريفة من ذم الجدال وبيان المحمود منه والمذموم

سائل يقول: ورد في كتب الحديث أنّ النبي صلّى الله عليهِ وآله وسلّم ذم الجدل ولكن أخبرني البعض أن الجدل ليس كله مذمومًا بل منه ما هو محمودٌ. فنرجو منكم بيان ذلك.

أصل الجدل في اللغة: هو مقابلة الحجة بالحجة، وغالبًا ما يكون على سبيل المغالبة، قال الحُميدي في "تفسير غريب ما في الصحيحين" (ص: 53، ط. مكتبة السنة): [الجدال: مُقَابلَة الْحجَّة بِالْحجَّةِ، فَإِن كَانَ فِي الْوُقُوف على الْحق كَانَ مَحْمُودًا، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]، وَإِن كَانَ فِي مدافعة الْحق كَانَ مذمومًا؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [غافر: 4]، وَسُمي هَذَا لددًا وعنادًا] اهـ.

وقال الراغب الأصفهاني في "المفردات في غريب القرآن" (ص: 189-190، ط. دار القلم): [الجِدَال: المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من: جَدَلْتُ الحبل، أي: أحكمت فتله، ومنه: الجَدِيل، وجدلت البناء: أحكمته، ودرع مَجْدُولَة، والأَجْدَل: الصقر المحكم البنية. والمِجْدَل: القصر المحكم البناء، ومنه: الجِدَال، فكأنَّ المتجادلين يفتل كلُّ واحد الآخر عن رأيه.

وقيل: الأصل في الجِدَال: الصراع وإسقاط الإنسان صاحبَه على الجَدَالَة، وهي الأرض الصلبة؛ قال الله تعالى: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]، ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ﴾ [غافر: 35]، ﴿وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ﴾ [الحج: 68]، ﴿قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا﴾ [هود: 32]، وقرئ: "جَدَلَنَا"، ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا﴾ [الزخرف: 58]، ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: 54]، وقال تعالى: ﴿وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ﴾ [الرعد: 13]، ﴿يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: 74]، ﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ﴾ [غافر: 5]، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ﴾ [الحج: 3]، ﴿وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: 197]، ﴿يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا﴾ [هود: 32] اهـ.

وأمر الله جل وعلا أن تكون المجادلة بالحسنى؛ قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]، وقال أيضًا: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [سورة العنكبوت: 46].

وأما ما ورد من النصوص الشرعية في ذم الجدل؛ فذلك محمولٌ على ما يراد به الباطل، فمن ذلك ما ورد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الجَدَلَ»، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ [الزخرف: 58]. أخرجه الترمذي، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

قال العلامة المُناوي في "فيض القدير" (5/ 453، ط. المكتبة التجارية): [أي: ما ضل قوم مهديون كائنين على حال من الأحوال إلا أوتوا الجدل، يعني مَن ترك سبيل الهدى وركب سنن الضلالة، والمراد لم يمشِ حاله إلا بالجدل؛ أي الخصومة بالباطل. وقال القاضي: المراد التعصب لترويج المذاهب الكاسدة والعقائد الزائفة، لا المناظرة لإظهار الحق واستكشاف الحال واستعلام ما ليس معلومًا عنده أو تعليم غيره ما عنده؛ لأنه فرض كفاية خارج عما نطق به الحديث] اهـ.

وقال العلامة ابن الأثير في "النهاية" (1/ 247-248، مادة: ج د ل، ط. المكتبة العلمية: [الجدَل: مُقابَلة الحُجَّة بالحجَّة. والمُجَادَلَةُ: المُناظَرةُ والمخاصَمة. والمراد به في الحَديث الجدل على الباطل وطَلبُ المغالَبة به، فأما الجَدَل لإظْهار الحقِّ فإنَّ ذلك مَحْمودٌ؛ لقوله تعالى: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾] اهـ.

وقال الشيخ ابن تيمية في "درء تعارض العقل والنقل" (7/ 156): [والمذموم شرعًا ما ذمَّه الله ورسولُه؛ كالجدل بالباطل، والجدل بغير علم، والجدل في الحقِّ بعد ما تبيَّن، فأما المجادلة الشرعية كالتي ذكرها الله تعالى عن الأنبياء عليهم السلام وأمر بها، مثل قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا﴾ [هود: 32]، وقوله: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ﴾ [الأنعام: 83]، وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ [البقرة: 258]، وقوله تعالى: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]، وأمثال ذلك، فقد يكون واجبًا أو مستحبًّا، وما كان كذلك لم يكن مذمومًا في الشرع] اهـ.

قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (9/ 28، ط. دار الكتب المصرية-القاهرة): [والجدل في الدين محمودٌ، ولهذا جادل نوحٌ والأنبياءُ عليهم السلام قومَهم حتى يظهر الحق، فمن قَبِلَه أنجح وأفلح، ومن ردَّه خاب وخسر، وأما الجدال لغير الحق حتى يظهر الباطل في صورة الحق فمذموم، وصاحبه في الدارين ملوم]. اهـ. وممَّا سبق يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم أخذ الوكيل فرق السعر من البائع لنفسه دون علم الموكل؟ فهناك رجلٌ وكَّل صديقَه في شراء سيارةٍ مِن نوعٍ معيَّن -لخبرته في هذا المجال- بمقابلٍ معلومٍ مِن المال، فذهب هذا الصَّديق (الوكيل) إلى أحد معارِض السيارات، وبعد معاينة السيارة والاتفاق على ثمنها عاد وأخبر الرجل (الموكِّل) بما اتفق عليه مع صاحب المعرض، فوافَقَ وأعطاه ثمن السيارة ليشتريها، ولَمَّا عاد الوكيلُ إلى صاحب المعرض أَلَحَّ عليه في عمل تخفيضٍ مِن ثمنها، فوافق صاحبُ المعرض وخَصَم له مبلغًا لا بأس به مِن المتَّفَق عليه مُسبَقًا، ويسأل: هل يجوز له أَخْذُ هذا المبلغ الذي تم خصمُه بعد تَعَبٍ ومجاهَدَةٍ مع صاحب المعرض دون إخبار الموكِّل بما جَرَى؟


هل حقًّا أن هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانت في ربيع الأول؟ ولو كانت كذلك، فلماذا نحتفل ببداية السَّنَة الهجرية ويوم هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر المحرم؟


بعض الناس يقولون: إن العرب كانوا عندهم تشاؤم من شهر صفر؛ ما حكم الشريعة الإسلامية من التشاؤم ببعض الشهور كشهر صفر؟


سائل يسأل عن النظافة العامة في محلات المأكولات، ويطلب توضيحًا شرعيًّا عن ضرورة مراعاة ذلك.


هل من باب اللياقة والذوق والأدب أن يقف الإنسان في حضرة الإله سبحانه وتعالى لابسًا حذاءه وقت الصلاة، بينما الولد يخفي سيجارته من أبيه عند حضوره؟ أرجو من فضيلتكم إفادتي عن هذا السؤال بالأدلة من السنة الشريفة، ولفضيلتكم وافر شكري سلفًا.


ما حكم الصيام والصدقة بنية الشكر؟ فقد مَنَّ الله عليَّ بوظيفة مرموقة والآن أريد أن أصوم شهرًا بنية شكر الله تعالى على تلك المنَّة، كما أنِّي أُريد أن أتصدَّق أيضًا بقيمة شهرين من راتبي.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 أكتوبر 2025 م
الفجر
5 :27
الشروق
6 :54
الظهر
12 : 42
العصر
4:1
المغرب
6 : 30
العشاء
7 :47