الأربعاء 19 نوفمبر 2025م – 28 جُمادى الأولى 1447 هـ

مدى اعتبار حصر ثياب الإحداد في اللون الأسود للمرأة

تاريخ الفتوى: 12 سبتمبر 2021 م
رقم الفتوى: 7850
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: اللباس والزينة
مدى اعتبار حصر ثياب الإحداد في اللون الأسود للمرأة

ما هو الضابط في اعتبار الثياب صالحة للإحداد وهل هي من الزينة أو لا؟ وهل تنحصر ثياب الإحداد في اللون الأسود في الثياب؟

الحِداد الشرعي للمرأة عند وفاة زوجها يكون بترك الزينة في الثياب، والطيب، والحلي، وما في معناها، وقد قرَّر الفقهاء أنَّه ليس هناك لونٌ مخصوص للثياب التي تلبسها المرأة المُحِدَّة، وإنما المعتبر في ذلك هو كونه زينة من عدمه؛ فما كان بقصد الزينة مُنِع، وما كان بخلافه فلا يُمنع، والضابط في هذا هو العُرف.

المحتويات

 

الابتلاء بالموت وفقد الأحبة

الموت ابتلاء من جملة ما يُبتَلى به الإنسان في أقاربه وأحبابه، وقد راعى الشرع الشريف النوازع الفطرية والانفعالات النفسية لدى الإنسان؛ فشرع للإنسان أن يظهر حزنه لموت عزيزٍ لديه، ما دام كان ذلك بما لا يغضب الله تعالى؛ بإظهار الاعتراض والتسخط على قدره، أو التفجع المبالغ فيه بشق الجيوب أو لطم الخدود ونحو هذا؛ فقد روى الشيخان في "صحيحيهما" عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ».

مفهوم الحداد ومدته

من مظاهر الحزن التي سمح بها الشرع كذلك: الحِدادُ للنساء. والحِدادُ شرعًا: هو ترك الزينة من المُتوفَّى عنها زوجها في عدة الوفاة بالثياب، والطيب، والحلي، وما في معناها. انظر: "أسنى المطالب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (3/ 402، ط. دار الكتاب الإسلامي).

ولذلك فإنَّ إحداد المرأة وإن كان مشروعًا في أصله، لكنه مقيَّد بوقت محدد؛ فهو في حقّ غير الزوج يباح لمدة ثلاثة أيام فقط، وأما في حقّ الزوج فهو واجب مدة عدتها؛ أربعة أشهر وعشرة أيام إذا كانت غير حامل.

ودليل ذلك: ما جاء في "صحيحي البخاري ومسلم" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».

وأما إن كانت حاملًا: فعدتها وإحدادها ينتهيان بوضع الحمل؛ لقوله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4].

الممنوع على المرأة لبسه من الثياب وقت الإحداد

الممنوع على المرأة المُحِدَّة في خصوص الثياب: لُبس ما يُقصد به التزين؛ وقد روى أبو داود في "سننه" عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنَ الثِّيَابِ، وَلَا الْمُمَشَّقَةَ، وَلَا الْحُلِيَّ، وَلَا تَخْتَضِبُ، وَلَا تَكْتَحِلُ».

والمُعَصْفَر: هو المصبوغ بالعُصفُر. والمُمَشَّقَة: أي المصبوغة بالمِشق، وهو نوع من الطين الأحمر. والحُلِيّ: جمع حلية، وهي ما يتزين به من المصاغ وغيره. انظر: "عون المعبود" (6/ 295، ط. دار الكتب العلمية).

ولكن مع ذلك فإنَّ الزينة لا تنحصر في لون بخصوصه، والضابط في اعتبار الملبوس من الزينة أو لا هو العرف، وهذه هي القاعدة في كل ما جاء الأمر به أو النهي عنه على لسان الشرع ولم يحدده، فيرد إلى العرف. انظر: "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 98، ط. دار الكتب العلمية).

جاء في "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" للخطيب الشربيني (4/ 56-57، ط. دار الفكر) مع "حاشية البجيرمي": [الإحداد هو (الامتناع من الزينة) في البدن بحلي من ذهب أو بثياب مصبوغة لزينة.. ويباح لبس غير مصبوغ من قطن وصوف وكتان وإن كان نفيسًا، وحرير إذا لم يحدث فيه زينة، ويباح مصبوغ لا يقصد لزينة كالأسود، وكذا الأزرق والأخضر المشبعان الكدران؛ لأن ذلك لا يقصد للزينة، بل لنحو حمل وسخ أو مصيبة، فإن تردد بين الزينة وغيرها كالأخضر والأزرق فإن كان برَّاقًا صافي اللون حرم؛ لأنه مستحسن يتزين به أو كدرًا أو مشبعًا فلا؛ لأن المشبع من الأخضر والأزرق يقارب الأسود] اهـ.

قال الشيخ البجيرمي في "حاشيته" معلقًا على كلام الخطيب السابق (4/ 57): [قوله: (لزينة) أي ما جرت العادة أن تتزين به لتَشَوُّفِ الرجال إليه، ولو بحسب عادة قومها أو جنسها] اهـ.

إذن فليس ثمة لون معين من الثياب تُمنع المرأة المُحِدَّة من لُبسه إلا ما اعتبره العرف زينة، فما كان كذلك يُمنع، وما كان بخلافه فلا.

حصر ثياب الإحداد في اللون الأسود للمرأة

أما ما جرت به عوائد الناس في كثير من البلاد من جعل الأسود هو اللون المعتبر للحداد وإظهار الأحزان، فهو حسن، واللون الأسود كان هو اللون الذي يعبر به المرء عن الحزن منذ القدم، حتى قال الأعرابي:

ليل الشّجيّ على الخليّ قصير...وبلا المحبّ على المحبّ يسـير

بان الذيـــــن أحبّهـــم فتحمّلـــوا...وفراق مـن تهوى عليك عسيــر

فلأبعثــنّ نيـاحــــة لفـراقهـــــــــم...فيهـا تلطّـــم أوجــه وصــــــدور

ولألبســنّ مـدارعــًا مســــــــــودة...لبس الثواكل إذ دهاك مسيــر

انظر: "العقد الفريد" لابن عبد ربه (6/ 258، ط. دار الكتب العلمية).

والعرب تسمي ثياب الحِداد: السِّلاب؛ يقال: تسلبت المرأة: إذا لبست السِّلاب. قال الإمام الزمخشري في "الفائق" (2/ 192، ط. دار المعرفة): [وَهُوَ سَواد المحدّ. وقيل: خرقَة سوداء كانت تغطي رأسها] اهـ.

وقد روى أحمد في "مسنده" عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها لما مات جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: «تَسَلَّبِي»؛ قال العلامة ابن الأثير في "النهاية" (2/ 387، ط. المكتبة العلمية): [أي: البسي ثوب الحداد، وهو السِّلَابُ، والجمع سُلُبٌ. وتسلبت المرأة إذا لبسته. وقيل: هو ثوب أسود تغطى به المُحِدُّ رأسها] اهـ.

لكن مع ذلك فإنَّه لا يحصر الحداد في الأسود كما تقدم، بل أحيانًا ما يكون اللون الأسود زينة، كما هو الشأن فيما يسمى بثياب السهرة النسائية مثلًا على ما جرت عليه أعراف الناس الآن، فلا يجوز لبسها حينئذ لمُحِدَّة، وقد نص الفقهاء على المنع من الأسود للمُحِدّة لو كان على وجه الزينة.

من ذلك: ما جاء في "أقرب المسالك" لسيدي أحمد الدردير (2/ 685-686، ط. دار المعارف) مع "حاشية الصاوي" في كلامه عما يجب على المُحِدّة؛ حيث قال: [(ووجبت على) المرأة (المُتوفّى عنها الإحداد في) مدة (عدتها؛ وهو)؛ أي: الإحداد: (ترك ما يتزين به من الحلي والطيب، وعمله والتجر فيه، و)ترك (الثوب المصبوغ) مطلقًا؛ لما فيه من التزين، (إلا الأسود) ما لم يكن زينة قوم؛ كأهل مصر القاهرة وبولاق؛ فإنهن يتزين في خروجهن بالحرير الأسود] اهـ بتصرف.

قال الشيخ الصاوي في حاشيته عليه: [قوله: (فإنهن يتزين في خروجهن بالحرير الأسود): وفي الحقيقة لا مفهوم للحرير، والمدار على كون الأسود زينة على حسب العادة] اهـ.

وقال الشيخ القليوبي في "حاشيته على شرح المحلي للمنهاج" [4/ 53، ط. دار الفكر] -معلقًا على قول الشارح [(كالأسود)-: إذا لم تكن عادتهم التزين به، وإلا كالأعراب فيحرم] اهـ.

الخلاصة

عليه: فإنَّه ليس هناك لون مخصوص للثياب التي تلبسها المرأة المُحِدَّة، وإنما المعتبر في ذلك هو كونه زينة من عدمه؛ فما كان بقصد الزينة مُنِع، وما كان بخلافه فلا يُمنع، والضابط في هذا هو العرف.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

سائل يقول: أعيش في منطقة دائمًا تنقطع بها المياه ليلًا ولا تأتي إلا صباحًا وأحيانًا ظهرًا، ولدي قارورة مياه للشرب والاستعمال، وعندي بعض الأسئلة تتعلق بالتيمم وهي:

أولًا: ما مدى مشروعية التيمم عند وجود الماء مع الاحتياج إليه للمأكل والمشرب وعدم كفايته ليشمل الطهارة؟

ثانيًا: هل يلزمني عند انقطاع المياه في المناطق السكنية المعاصرة والعامرة والتي تتجاور وتتقارب فيها الشقق والمنازل أن أطلب الماء أولًا ممن يجاورونني من السكان، أم يشرع لي التيمم بمجرد فقدي الماء في خصوص بيتي؟

ثالثًا: هل يلزمني عند فقد الماء في الأماكن السكنية العامرة مع كثرة توافر المحلات التجارية وسهوله الحصول عليه أن أبادر أولًا بشراء الماء، أم يجوز لي التيمم مع تمكني من الشراء؟


ما الحكم لو أوصى رجلٌ أن يُدفَن مع زوجته، بالرغم من وجود مقابر خاصة بالرجال؛ فهل تُنفَّذ وصيته؟


ما حكم التسبيح وقراءة القرآن عند دفن الميت وهبة ثواب هذه الأعمال له؟ حيث اعتاد أهل القرية أثناء دفن الموتى، وعند إهالة التراب أن يقولوا: "سبحان الله وبحمده"، وذلك بدلًا من كثرة اللغو في الحديث أثناء دفن الميت، وبعد ذلك يقرأ الجميع آخر سورة البقرة ثم يدعون لميتهم وينصرفون، حتى ظهر أحد الشباب الذي يدّعي أن ذلك مخالف للسنة؛ فهل التسبيح عند دفن الميت مخالف للسنة؟ وما حكم هبة ثواب التسبيح وقراءة القرآن للميت؟ وهل من يفعل ذلك آثم ومبتدع؟


سائل يقول: نرجو منكم بيان ما ورد في الشرع الشريف من نصوص تحث على طلب العلم. وبيان أهميته ومكانته في الإسلام.


سائل يقول: ورد في بعض الأحاديث النبوية الشريفة أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الجلوس والمشي والاتكاء على المقابر. فنرجو منكم بيان الحكمة من هذا النهي الوارد في هذه الأحاديث ومعناه.


هل يجوز أن تمتنع المرأة عن زوجها وتساومه ماديًّا على ذلك، مع قيام زوجها بكافة واجباته المادية والاجتماعية تجاهها؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 19 نوفمبر 2025 م
الفجر
4 :53
الشروق
6 :23
الظهر
11 : 40
العصر
2:37
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :18