سائل يقول: نرجو منكم الرد على مَن يدَّعي عدم مشروعية الذكر الجماعي، مستدلًا بما ورد عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه نهي عن رفع الصوت بالذِّكر.
المحتويات
ورد الأمر الشرعي بذكر الله تعالى، ومن المقرر أن الأمر المطلق يستلزم عموم الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال؛ فالأمر فيه واسعٌ، وإذا شرع الله سبحانه وتعالى أمرًا على جهة الإطلاق وكان يحتمل في فعله وكيفية إيقاعه أكثر من وجهٍ، فإنه يؤخذ على إطلاقه وسعته، ولا يصح تقييده بوجهٍ دون وجهٍ إلا بدليل.
وقد جاءت الأدلة الشرعيَّة من القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية متضافرةً في الحثِّ على مجالس الذِّكر والاجتماع عليها؛ ومن ذلك قول الله تعالى مخاطبًا نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الكهف: 28] ، ولا يخفى أن امتثال الأمر بمعية الداعين لله يحصل بالمشاركة الجماعية في الدعاء.
وعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنهما شَهِدَا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح".
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ. قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا.. الحديث» رواه الإمام البخاري في "الصحيح".
قد يحتجُّ بعض الناس على عدم مشروعية الذِّكر الجماعي بما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مما قد يُفيد النهي عن رفع الصوت بالذِّكر، ويُرَدُّ على ذلك من عدة وجوه:
الأول: أنه قد ذَكر غير واحد من الحفاظ والشراح أن هذا الأثر ممَّا لا يصح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وأنه قد روي من فعله رضي الله عنه ما يخالف ذلك القول؛ قال الإمام ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/ 177، ط. المكتبة الإسلامية): [وأما ما نُقل عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رأى قومًا يهللون برفع الصوت في المسجد، فقال: ما أراكم إلا مبتدعين، حتى أخرجهم من المسجد؛ فلم يصح عنه بل لم يَرِد] اهـ.
والثاني: على فرض صحته، فإنه محمولٌ على المبالغة في الجهر الذي يحصل به التشويش على أناس آخرين، ومعلومٌ أن المشروعية مقيدة بمنع التشويش على الغير؛ قال الإمام الشعراني في "الأنوار القدسية" (ص: 29، ط. دار الكتب العلمية): [أجمع العلماء سلفًا وخلفًا على استحباب ذكر الله تعالى جماعةً في المساجد وغيرها من غير نكير، إلَّا إن شوش جهرهم بالذكر على نائم أو مصلٍّ أو قارئ، أو نحو ذلك ممَّا هو مقررٌ في كتب الفقه] اهـ.
والثالث: وعلى فرض صحته أيضًا فهو معارَض بما يدل على ثبوت الجهر منه رضي الله تعالى عنه ممَّا رواه غير واحد من الحفاظ.
قال الإمام السيوطي في "الدر المنظم في الاسم الأعظم" (1/ 472، ط. دار الفكر، ضمن "الحاوي في الفتاوي"): [فإن قلتَ: فقد نقل عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رأى قومًا يهللون برفع الصوت في المسجد فقال: ما أراكم إلا مبتدعين، حتى أخرجهم من المسجد.
قلتُ: هذا الأثر عن ابن مسعود يحتاج إلى بيان سنده ومَن أخرجه من الأئمة الحفاظ في كتبهم، وعلى تقدير ثبوته فهو معارَضٌ بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة، وهي مقدمة عليه عند التعارض، ثم رأيت ما يقتضي إنكار ذلك عن ابن مسعود، قال الإمام أحمد بن حنبل في كتاب "الزهد": .. عن أبي وائل قال: هؤلاء الذين يزعمون أن عبد الله كان ينهى عن الذكر، ما جالستُ عبد الله مجلسًا قط إلا ذكر الله فيه. وأخرج أحمد في "الزهد" عن ثابت البناني قال: إن أهل ذكر الله ليجلسون إلى ذكر الله، وإن عليهم من الآثام أمثال الجبال، وإنهم ليقومون مِن ذكر الله تعالى ما عليهم منها شيء] اهـ.
وقال العلامة محمد بخيت المطيعي -مفتي الديار المصرية الأسبق- في "أحسن الكلام فيما يتعلق بالسُّنَّة والبدعة من الأحكام" (ص: 27-28، ط. مطبعة كردستان العلمية): [وروي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» رواه مسلم.
وروى أيضًا أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لقوم جلسوا يذكورن الله تعالى ويحمدونه على أن هداهم للإسلام: «أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه الصلاة والسلام فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ».
وفي الحديثين أوضح دلالة على فضلِ الاجتماع على الخير كلِّه والجلوس له، وأن المجتمعين على خيرٍ الجالسين له، ذكرًا كان أو قراءة قرآن أو سماعه أو أدعية أو غير ذلك، ممَّا عُرف أنه خيرٌ شرعًا، بأن أُمِرَ به على الخصوص، أو أُدخل تحت الأمر العام، في مسجدٍ أو غيره من الأمكنة التي لا يُخلُّ الاجتماع فيها بالآداب، في يوم الجمعة أو في غيره مع الجهر والسر -يباهي الله بهم الملائكة، وتنزل عليهم السكينة، وتغشاهم الرحمة، ويذكرهم الله بالثناء عليهم فيمَن عنده من الملائكة، فأي فضائل أجلُّ من هذه الفضائل؟
ومن هذا القبيل -بلا شبهة- الاجتماع للصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنها جماع الخير، ومفتاح البركات بإجماع المسلمين، وقد أمرنا الله في كتابه بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وآله وسلم، فقال جلَّ شأنه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وهذه الآية عامة في الأشخاص والأحوال والأمكنة والأوقات، وقد وردت أحاديث كثيرة أيضًا في فضل الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.
وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الدعاء والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام بعد ختم القرآن الكريم في جماعة؟
ما حكم تصدر غير الإمام والخطيب الراتب للخطابة والإمامة؟ لو كان الإمام في مسجد المنطقة عالِمًا ومفتيًا وهو يعظ وينصح الناس قبل صلاة الجمعة والخطبة فمن يستحق أن يقوم بالخطابة والوعظ: الرجل الذي عينَّاه للإمامة في المسجد، أم الرجل الذي يشتغل في التبليغ ونشر الدين؟
ما الذي يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أفْضَلُ العِبادَةِ قِراءةُ القُرآنِ»؟
ما الذي يُقال من الأدعية والأذكار عند حصول الأرق؟ فأنا أعاني منذ مدة من الأَرَقِ؛ حيث إني لا أستطيع النوم في الليل؛ فأبقى مستلقيةً في الفراش دون نوم، وقد سمعت أن هناك بعض الدعوات والأذكار التي تُقال عند النوم للتخَلُّصِ من الأرَقِ، فهل ما سمعته صحيحٌ؟ وما تلك الأذكار لأواظبَ عليها؟
ما حكم قراءة القرآن قبل صلاة الفجر وصلاة الجمعة؟ فسائل يقول: بجوارنا مسجدٌ، القائمون على شئونه يمنعون الناس من قراءة القرآن قبل صلاة الفجر وقبل صلاة الجمعة، ونرجو من فضيلتكم بيان الحكم الشرعي حتى نستطيع الرد على هؤلاء؟
ما حكم استغاثة الحي بالميت؟ حيث يزعم بعض الناس أن الاستغاثة بمن يُرجى صلاحه لا تكون إلا في حياته؛ فلا يجوز الاستغاثة بمن مات؛ فنرجو منكم بيان الرأي السديد في هذه المسألة؟