بيان مشروعية التكبير في العيدين وأيام التشريق جماعة وجهرًا

تاريخ الفتوى: 07 يونيو 2010 م
رقم الفتوى: 7049
من فتاوى: فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد
التصنيف: الذكر
بيان مشروعية التكبير في العيدين وأيام التشريق جماعة وجهرًا

نرجو من حضراتكم توضيح مشروعية الجهر بالتكبير في عيد الأضحى وأيام التشريق في المساجد بعد الصلوات المكتوبة؛ حيث تعارف الناس على الجهر بالتكبيرات جماعة، ويريد بعض من يرتادون المساجد إلغاء التكبير جهرًا وجماعة ليكون سِرًّا وفُرَادَى.

التكبير الجماعي في العيدين وأيام التشريق عقب الصلوات المكتوبات مستحبٌّ شرعًا، بل هو من إظهار شعائر الله تعالى، وهو داخل في عمومات النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وثبت عن الصحابة رضي الله عنهم استحباب الجهر بتكبيرات العيد، سواء في ذلك التكبير المقيد الذي يقال بعد الصلوات المكتوبات أو التكبير المطلق الذي يكون في أيام شهر ذي الحجة وأيام التشريق، وقد مضى عليه المسلمون سلفًا وخلفًا من غير نكير، والقول ببدعيته قول باطل لا يُعوَّل عليه.

ونُنبِّه على ضرورة عدم جعل مثل هذه الأمور سببًا في الفتن والشقاق بين المسلمين في هذه الأيام المباركات؛ أيام الفرح، وكذلك على ضرورة اتباع الأمور التنظيمية الصادرة عن الجهات المختصة القائمة على أمر رعاية المساجد والإشراف عليها.

التكبير في العيد مندوب، ولم يَرِدْ في صيغة التكبير ولا هيئته شيء بخصوصه في السنة المطهرة، فالأمر فيه على السعة؛ لأنَّ النص الوارد في ذلك مطلق، وهو قوله تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: 185]، والمُطْلَق يُؤخَذ على إطلاقه حتى يأتي ما يُقَيّده في الشرع؛ إذ من البدعة تضييق ما وسع الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا شرع الله سبحانه وتعالى أمرًا على جهة الإطلاق، وكان يحتمل في فعله وكيفية إيقاعه أكثر من وجه فإنه يُؤخَذ على إطلاقه وسعته، ولا يصح تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل.

ولا شك أنَّ التكبير في الجَمْعِ أظهر لشعائر الله تعالى، وأرجى للقبول، وأيقظ للقلب، وأجمع للهمة، وأدعى لاستشعار معناه؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَدُ اللهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ» رواه الترمذي وحسنه، والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وقد مضى عمل المسلمين سلفًا وخلفًا على الجهر بالتكبير في عيد الأضحى من غير نكير، والطعن في مشروعية ذلك اتهام لعلماء الأمة بالجهل والضلال، وهو أمر ينأى عنه كل عاقل.

قال الإمام النووي في "المجموع" (5/ 39، ط. دار الفكر) في سياق كلامه عن التكبير دبر الصلوات المكتوبات في الأضحى: [يستحب رفع الصوت بالتكبير بلا خلاف] اهـ.

بل جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يدلّ على مطلق الجهر بالتكبير في العيدين؛ فعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: «أَمَرَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنْ نَلْبَسَ أَجْوَدَ مَا نَجِدُ، وَأَنْ نَتَطَيَّبَ بِأَجْوَدِ مَا نَجْدُ، وَأَنْ نُضَحِّيَ بِأَسْمَنِ مَا نَجِدُ، وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَأَنْ نُظْهِرَ التَّكْبِيرَ، وَعَلَيْنَا السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ» رواه البخاري في "التاريخ"، والحاكم في "المستدرك"، والطبراني في "المعجم الكبير". قال الحاكم في "المستدرك" (4/ 256، ط. دار الكتب العلمية-بيروت): [لولا جهالة إسحاق بن بزرج لَحَكَمْتُ للحديث بالصحة] اهـ، وقد تعقبه ابن الملقن والحافظ ابن حجر وغيرهما بأنه ليس بمجهول، بل وثَّقه ابن حبان.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخرج يوم الفطر والأضحى رافعًا صوته بالتهليل والتكبير حتى يأتي المصلى. رواه الحاكم والبيهقي مرفوعًا وموقوفًا، ولكن صحح البيهقي وقفه، وقال الحاكم في "المستدرك" (1/ 437): [هذه سنة تداولها أئمة أهل الحديث، وصحت به الرواية عن عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة] اهـ.

والثابت عن الصحابة رضي الله عنهم استحباب الجهر بتكبيرات العيد، سواء في ذلك التكبير المقيد الذي يقال بعد الصلوات المكتوبات أو التكبير المطلق الذي يبدأ من رؤية هلال ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق: ففي "صحيح البخاري" أن عمر رضي الله عنه كان يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج مِنَى تكبيرًا، وهذا صريح في الجهر بالتكبير، بل وفي كونه جماعيًا؛ فإن ارتجاج منى لا يتأتى إلا بذلك، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 462، ط. دار المعرفة): [وهي مبالغة في اجتماع رفع الأصوات] اهـ، وكذلك قال الحافظ العيني، والشوكاني في "نيل الأوطار"، وأصْرَحُ من ذلك رواية البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 312): [فيسمعه أهل السوق فيكبرون؛ حتى ترتج منى تكبيرًا واحدًا] اهـ، وفي "صحيح البخاري" (2/ 20، ط. دار طوق النجاة) تعليقًا: [أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهم كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما] اهـ، وهذا صريح في التكبير الجماعي.

وهذا الأثر الذي علقه البخاري وصله الفاكهي في "أخبار مكة" (3/ 9-10، ط. دار خضر) بلفظ "فيكبران فيكبر الناس معهما لا يأتيان السوق إلا لذلك". وروى ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 667، ط. مكتبة الرشد-الرياض): [عن مسكين أبي هريرة قال: سمعت مجاهدًا، وكبر رجل أيام العشر، فقال مجاهد: "أَفَلَا رَفَعَ صَوْتَهُ، فَلَقَدْ أَدْرَكْتُهُمْ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُكَبِّرُ فِي الْمَسْجِدِ، فَيَرْتَجُّ بِهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَخْرُجُ الصَّوْتُ إِلَى أَهْلِ الْوَادِي حَتَّى يَبْلُغَ الْأَبْطُحَ، فَيَرْتَجُّ بِهَا أَهْلُ الْأَبْطَحِ، وَإِنَّمَا أَصْلُهَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ"] اهـ. وروى الإمام مالك في "الموطأ" (1/ 404) في باب تكبير أيام التشريق: [عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج الغد من يوم النحر حين ارتفع النهار شيئًا فكبر، فكبر الناس بتكبيره، ثم خرج الثانية من يومه ذلك بعد ارتفاع النهار فكبر، فكبر الناس بتكبيره، ثم خرج الثالثة حين زاغت الشمس فكبر، فكبر الناس بتكبيره، حتى يتصل التكبير] اهـ. قال الإمام مالك: [الأمر عندنا: أن التكبير في أيام التشريق دبر الصلوات، وأول ذلك تكبير الإمام والناس معه دبر صلاة الظهر من يوم النحر، وآخر ذلك تكبير الإمام والناس معه دبر صلاة الصبح من آخر أيام التشريق] اهـ.

قال الإمام الباجي المالكي في كتابه "المنتقى شرح الموطأ" (3/ 42، ط. مكتبة السعادة): [(وقوله: دبر الصلوات) يريد الصلوات الخمس، رواه علي بن زياد عن مالك في "المدونة"، دون النوافل، خلافًا لبعض التابعين؛ لأن في تخصيص هذه الصلوات بذلك تعظيمًا لها؛ ولأنه ذِكْرٌ واجب فوجب أن يختص من الصلوات بالواجب منها.. وروى علي بن زياد عن مالك في "المجموعة": ونحن نستحسن في التكبير ثلاثًا، فمَن زاد أو نقص فلا حرج، وروى ابن القاسم وأشهب أنه لم يَحُدَّ فيه ثلاثًا] اهـ.

وقال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (9/ 35، ط. دار الفكر): [وأحب إظهار التكبير جماعة وفرادى في ليلة الفطر وليلة النحر مقيمين وسفرًا في منازلهم ومساجدهم وأسواقهم] اهـ.

وقال أيضًا في "الأم" (2/ 254): [إذا رأوا هلال شوال أحببت أن يكبر الناس جماعة وفرادى، في المسجد والأسواق والطرق والمنازل، ومسافرين ومقيمين في كل حال وأين كانوا، وأن يظهروا التكبير ولا يزالون يكبرون حتى يغدوا إلى المصلى، حتى يخرج الإمام للصلاة، ثم يَدَعُوا التكبير، وكذلك أحب في ليلة الأضحى] اهـ.

وقال أيضا في "الأم" (1/ 265): [ويكبر الحاج خلف صلاة الظهر من يوم النحر، إلى أن يُصلّوا الصبح من آخر أيام التشريق، ثم يقطعون التكبير إذا كبروا خلف صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، ويكبّر إمامهم خلف الصلوات، فيكبرون معًا، ومتفرقين ليلًا ونهارًا، وفي كل هذه الأحوال] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 225، ط. دار هجر): [ويظهرون التكبير في ليالي العيدين، وهو في الفطر آكد؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185].

وجملته أنه يُستحبّ للناس إظهار التكبير في ليلتي العيد في مساجدهم ومنازلهم وطرقهم مسافرين أو مقيمين؛ لظاهر الآية المذكورة] اهـ.

على أنَّه قد قال بعض المالكية ببدعية الجهر بالتكبير، ولكن المعتمد عند المالكية أنَّ الجهر دبر الصلوات في جماعة المسجد مستحب، والأدلة السابقة ترد عليهم: قال العلامة الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 399، ط. دار الفكر): [قوله: (لا جماعة فبدعة)، والموضوع أن التكبير في الطريق بدعة، وأما التكبير جماعة وهم جالسون في المصلى فهذا هو الذي استحسن، قال ابن ناجي: افترق الناس بالقيروان فرقتين بمحضر أبي عمران الفاسي وأبي بكر بن عبد الرحمن؛ فإذا فرغت إحداهما من التكبير كبرت الأخرى، فسُئلا عن ذلك، فقالا: إنه لحسن. اهـ تقرير شيخنا عدوي] اهـ.

وبناءً على ذلك: فالتكبير الجماعي عقب الصلوات المكتوبات مستحب شرعًا، بل هو من إظهار شعائر الله تعالى، وهو داخل في عمومات النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وقد مضى عليه المسلمون سلفًا وخلفًا من غير نكير، والقول ببدعيته قول باطل لا يُعَوَّل عليه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

نرجومنكم بيان حكم الالتزام بالرسم العثماني في كتابة المصحف الشريف.


ما مدى صحة حديث: «من قال: الحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته، والحمد لله الذي ذل كل شيء لعزته، والحمد لله الذي خضع كل شيء لملكه، والحمد لله الذي استسلم كل شيء لقدرته، فقالها يطلب بها ما عند الله؛ كتب الله له بها ألف حسنة، ورفع له بها ألف درجة، ووكل بها سبعين ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة»؟ وما حكم العمل به؟


ما حكم قول: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" في الركوع؟ وما معناها؟


حكم قراءة صحيح البخاري وكتب السنة لرفع الوباء حيث ورد سؤال يقول صاحبه: في ظِلِّ ما يمرُّ به العالمُ من تفشِّي وباء كورونا يقومُ بعضُ العلماء وطلبة العلم بتنظيم قراءة "صحيح البخاري" بتقسيمه على من يحِبُّ المشاركةَ في ختمه، عن طريق وسائلِ التواصل الاجتماعي؛ تبرُّكًا وتوسُّلًا إلى الله تعالى لكشْف وباء كورونا، جريًا على ما اعتاده علماءُ الأزهر من قراءته في الملمَّات والنوازل: كدفع الوباء، وكشف البلاء، ومواجهة الغلاء.
لكن خرج بعضُ مدَّعي العلمِ على بعض المواقع زاعمًا أن التَّعبُّدَ بتلاوة صحيح البخاري لمجرد التِّلاوة بدعة، وأن التبرُّك والتوسُّل به حرام، وأنه لا فرقَ في ذلك بين "صحيح البخاري" و"مسلم" مثلًا، وأنها مجرَّد طقوس ابتدعها بعض الجهلة لمواجهة الأوبئة، وأنَّ توظيف "صحيح البخاري" للاستشفاء والتحصين لرفع البلاء أمرٌ متكلَّف، وأنَّ من ضرورياتِ الدين أنَّ المقصودَ مِن كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم هو العمل بِمَا فيهما مِن الأوامرِ والنَّواهي، والإيمان بِمَا فيهما مِن الأخبار، وليس المقصود مجرَّد تلاوتهما ألفاظًا وتعبُّدًا.. فبَيِّنوا لنا الصوابَ في ذلك مشكورين.
1- عادة إقراء "صحيح البخاري" عند النوازلِ من الكوارثِ والأوباء قديمة، جرت على لسان السراج البلقيني في اليقظة والمنام.
2- لعل أمر هذه الظاهرة يعودُ إلى أقدم من وباء الطاعون الذي عمَّ الدنيا سنة 749هـ، واشتهرت هذه الظاهرة عند قدوم تيمورلنك إلى بلاد المسلمين.
3- أشهر الإمام سراج الدين البلقيني العمل بها، ودوَّنتها كتب التراجم والتأريخ، ونقلنا ذلك عنه فيما مضى.
4- التحقيق أن هذا العمل ليس موصولًا بعصور السلف، وأنَّ شيوعَه وذيوعَه بحكم وقوعه ووجوده لا يعطيه الحجِّية، وأنه ما زال يحتاجُ للدليل، وأن مجرَّد رؤيةِ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يأمرُ به لا يكفي مُستَدلًّا؛ فالمنامات يُسْتَأنس بها وليست -عند أهل السنة والجماعة- حجةً وبرهانًا، وأن الاتِّكاء عليها مع ترْك الأخْذ بالأسباب بدعةٌ في الدين، ومضادَّة لمقاصدِ الشريعة الكلية، والله المستعان وهو الواقي والعاصم.


ما حكم قراءة الفاتحة وهِبَة ثوابها للمتوفى؟


ما حكم قراءة سورة الكهف في جماعة يوم الجمعة؛ حيث إن هناك من يعترض على ذلك بأن فيه مخالفة للشرع؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 31 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :18
الشروق
6 :51
الظهر
11 : 58
العصر
2:47
المغرب
5 : 5
العشاء
6 :28