حكم الدعاء للميت على القبر في جماعة بصوت مسموع

تاريخ الفتوى: 06 ديسمبر 2022 م
رقم الفتوى: 7207
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الجنائز
حكم الدعاء للميت على القبر في جماعة بصوت مسموع

ما حكم الدعاء للميت عند القبر جماعة بصوتٍ عالٍ؛ بأن يقول رجلٌ: إني داعٍ فأمِّنوا، فيدعو ويؤمِّن الناس على دعائه، هل هذا الفعل من السنة؟ فهناك مَن يقول إنها بدعة، ويزعم أنها لم تحدث في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا الخلفاء الراشدين ولم يجزه أحدٌ من الأئمة.

الوقوف على القبر بعد الدفن للاستغفار للميت والدعاء له من السنة المتبعة، والدعاء بابه واسع؛ فيكون سرًّا أو جهرًا، وبأيّ صيغة يفتح الله تعالى بها على مَن يدعو، وتضييق ما وسَّع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من البدع المذمومة، والتنازع في هذا أمرٌ لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

المحتويات

 

حكم الوقوف عند القبر ساعة بعد دفن الميت

الثابت في السنة أنَّ المشيِّعين للجنازة يقفون عند القبر ساعة بعد دفن الميت للاستغفار والدعاء له؛ وذلك لِما رواه أبو داود في "السنن" والحاكم في "المستدرك"، وقال: [صحيح الإسناد]، عن عثمان رضي الله عنه قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إذا فَرَغَ مِن دَفنِ المَيِّتِ وَقَفَ عليه فقالَ: «استَغفِرُوا لأَخِيكم وسَلُوا له التَّثبِيتَ؛ فإِنَّه الآنَ يُسأَلُ».

وروى مسلم في "صحيحه" عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: "إذا دَفَنتُمُونِي فَشُنُّوا عليَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُم أَقِيمُوا حَولَ قَبرِي قَدرَ ما تُنحَرُ جَزُورٌ ويُقسَمُ لَحمُها حتى أَستَأنِسَ بكم وأَنظُرَ ماذا أُراجِعُ به رُسُلَ رَبِّي"، وذلك إنما يكون بعد الدفن.

حكم إلقاء موعظة عند القبر بعد الدفن

لا بأس أن يسبق الدعاء موعظة موجزة تذكّر بالموت والدار الآخرة؛ لِما في ذلك مِن ترقيق القلوب، وتهيئتها للتضرع إلى الله تعالى، وجمع الهمة في الدعاء؛ فعن الإمام عليٍّ كرَّم الله وجهه قال: كُنَّا في جَنازةٍ في بَقِيعِ الغَرقَدِ، فأَتانا النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فقَعَدَ وقَعَدنا حَولَه، ومَعَه مِخصَرةٌ، فنَكَّسَ، فجَعَلَ يَنكُتُ بمِخصَرَتِه، ثُم قالَ: «ما مِنكم مِن أَحَدٍ، ما مِن نَفسٍ مَنفُوسةٍ إلا كُتِبَ مَكانُها مِنَ الجَنَّةِ والنَّارِ، وإلا قد كُتِبَ شَقِيَّةً أو سَعِيدةً»، فقالَ رَجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، أفَلا نَتَّكِلُ على كِتابِنا؟ فقال: «اعمَلُوا؛ فكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له» متفقٌ عليه، وقد بَوَّبَ على ذلك البخاري في "صحيحه" بقوله: (باب مَوعِظةِ المُحَدِّثِ عندَ القَبرِ وقُعُودِ أَصحابِه حَولَه).

قال الإمام النووي في "الأذكار" (1/ 161، ط. دار الفكر): [ويستحب أن يقعد عنده بعد الفراغ ساعة؛ قدر ما يُنحَر جَزُورٌ ويُقَسَّم لحمُها، ويشتغل القاعدون بتلاوة القرآن، والدعاء للميت، والوعظ، وحكايات أهل الخير، وأحوال الصالحين، قال الشافعي والأصحاب: يُستَحَبُّ أن يقرؤوا عنده شيئًا مِن القرآن، قالوا: فإن ختموا القرآنَ كلَّه كان حسنًا] اهـ.

حكم الدعاء للميت على القبر في جماعة بصوت مسموع

أما عن كيفية الدعاء للميت وهل يكون سرًّا أو جهرًا؟ فالأمر في ذلك واسع؛ فالدعاء له عند القبر يكون سرًّا أو جهرًا، وبأيِّ صيغةٍ تشتمل عليه، والتنازع في هذا أمرٌ لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، بل هو من البدع المذمومة؛ إذ من البدعة تضييق ما وسَّع الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا شَرَع اللهُ سبحانه وتعالى أمرًا على جهة الإطلاق وكان يحتمل في فعله وكيفية إيقاعه أكثرَ مِن وجه فإنه يؤخذ على إطلاقه وسعته، ولا يصح تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل.

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأغلوطات وكثرة المسائل، وبيَّن أن الله تعالى إذا سكت عن أمر كان ذلك توسعة ورحمة على الأمة؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ فَرَضَ فَرائِضَ فلا تُضَيِّعُوها، وحَرَّمَ حُرُماتٍ فلا تَنتَهِكُوها، وحَدَّ حُدُودًا فلا تَعتَدُوها، وسَكَتَ عن أَشياءَ رَحمةً لكم مِن غيرِ نِسيانٍ فلا تَبحَثُوا عنها» رواه الدار قطني وغيره عن أبي ثَعلَبةَ الخُشَنِيِّ رضي الله عنه، وصحَّحه ابنُ الصلاح وحسَّنه النوويُّ.

قال العلامة التَّفتازاني في "شرح الأربعين النووية" (ص: 191، ط. دار الكتب العلمية): [(فلا تبحثوا عنها) ولا تسألوا عن حالها؛ لأن السؤال عما سكت اللهُ عنه يُفضِي إلى التكاليف الشاقة، بل يُحكَم بالبراءة الأصلية] اهـ.

وبيَّن رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم فَداحةَ جُرمِ مَن ضَيَّق على المسلمين بسبب تَنقِيرِه وكثرة مسألته فقال: «إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» رواه مسلم من حديث عامِرِ بنِ سَعدٍ عن أَبِيه رضي الله عنه.

وعن أَبي هُرَيرةَ رضي الله عنه قالَ: خَطَبَنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فقالَ: «أيها النَّاسُ، قد فَرَضَ اللهُ عليكم الحَجَّ فحُجُّوا»، فقالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عامٍ يا رسولَ الله؟ فسَكَتَ حتى قالَها ثَلاثًا، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «لو قُلتُ "نعم" لَوَجَبَت ولَما استَطَعتم»، ثُم قالَ: «ذَرُونِي ما تَرَكتُكم؛ فإنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبلَكم بكَثرةِ سُؤالِهم واختِلافِهم على أَنبِيائِهم، فإذا أَمَرتُكم بشَيءٍ فَأتُوا مِنه ما استَطَعتم وإذا نَهَيتُكم عن شَيءٍ فدَعُوهُ» رواه مسلم؛ قال العلامة المُناوي في "فَيض القدير شرح الجامع الصغير" (3/ 562، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [أي اتركوني من السؤال مدةَ تَركِي إياكم، فلا تتعرضوا لي بكثرة البحث عما لا يَعنِيكم في دِينكم مهما أنا تاركُكم لا أقول لكم شيئًا؛ فقد يوافق ذلك إلزامًا وتشديدًا، وخذوا بظاهر ما أمرتكم ولا تستكشفوا كما فعل أهل الكتاب، ولا تُكثِرُوا من الاستقصاء فيما هو مبيَّن بوجه ظاهر وإن صلح لغيره؛ لإمكان أن يكثر الجواب المرتب عليه فيُضاهِي قصةَ بني إسرائيل؛ شَدَّدُوا فشُدِّد عليهم، فخاف وقوعَ ذلك بأُمته صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.

على أن الدعاء والذِّكْر في الجمع أرجى للقبول وأيقظُ للقلب وأجمعُ للهمة وأَدعى للتضرع والذلة بين يدي الله تعالى، خاصة إذا كانت هناك موعظة؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَدُ اللهِ مع الجَماعةِ» رواه الترمذي وحسَّنه والنسائي في "السنن" عن ابن عباس رضي الله عنهما.

الخلاصة

بناء على ذلك: فالوقوف على القبر بعد الدفن للاستغفار للميت والدعاء له من السنة المتبعة، والدعاء بابه واسع؛ فيكون سرًّا أو جهرًا، وبأيِّ صيغة يفتح الله تعالى بها على مَن يدعو، وتضييق ما وسَّع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من البدع المذمومة، والتنازع في هذا أمرٌ لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما كيفية الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف؟ فنحن نحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بقراءة ما تيسر من القرآن الكريم، ثم بدرس سيرة سيدنا محمد صلى الله علية وسلم العطرة، ثم مدح ونشيد وابتهال بسيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم نقف لوقت يسير ونصلي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ونُشعِل البخور ذا الرائحة الجميلة، ثم الدعاء وقراءة الفاتحة، ثم نُحضر الطعام لجميع الموجودين، فما حكم هذا الاحتفال شرعًا؟


حكم قراءة صحيح البخاري وكتب السنة لرفع الوباء حيث ورد سؤال يقول صاحبه: في ظِلِّ ما يمرُّ به العالمُ من تفشِّي وباء كورونا يقومُ بعضُ العلماء وطلبة العلم بتنظيم قراءة "صحيح البخاري" بتقسيمه على من يحِبُّ المشاركةَ في ختمه، عن طريق وسائلِ التواصل الاجتماعي؛ تبرُّكًا وتوسُّلًا إلى الله تعالى لكشْف وباء كورونا، جريًا على ما اعتاده علماءُ الأزهر من قراءته في الملمَّات والنوازل: كدفع الوباء، وكشف البلاء، ومواجهة الغلاء.
لكن خرج بعضُ مدَّعي العلمِ على بعض المواقع زاعمًا أن التَّعبُّدَ بتلاوة صحيح البخاري لمجرد التِّلاوة بدعة، وأن التبرُّك والتوسُّل به حرام، وأنه لا فرقَ في ذلك بين "صحيح البخاري" و"مسلم" مثلًا، وأنها مجرَّد طقوس ابتدعها بعض الجهلة لمواجهة الأوبئة، وأنَّ توظيف "صحيح البخاري" للاستشفاء والتحصين لرفع البلاء أمرٌ متكلَّف، وأنَّ من ضرورياتِ الدين أنَّ المقصودَ مِن كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم هو العمل بِمَا فيهما مِن الأوامرِ والنَّواهي، والإيمان بِمَا فيهما مِن الأخبار، وليس المقصود مجرَّد تلاوتهما ألفاظًا وتعبُّدًا.. فبَيِّنوا لنا الصوابَ في ذلك مشكورين.
1- عادة إقراء "صحيح البخاري" عند النوازلِ من الكوارثِ والأوباء قديمة، جرت على لسان السراج البلقيني في اليقظة والمنام.
2- لعل أمر هذه الظاهرة يعودُ إلى أقدم من وباء الطاعون الذي عمَّ الدنيا سنة 749هـ، واشتهرت هذه الظاهرة عند قدوم تيمورلنك إلى بلاد المسلمين.
3- أشهر الإمام سراج الدين البلقيني العمل بها، ودوَّنتها كتب التراجم والتأريخ، ونقلنا ذلك عنه فيما مضى.
4- التحقيق أن هذا العمل ليس موصولًا بعصور السلف، وأنَّ شيوعَه وذيوعَه بحكم وقوعه ووجوده لا يعطيه الحجِّية، وأنه ما زال يحتاجُ للدليل، وأن مجرَّد رؤيةِ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يأمرُ به لا يكفي مُستَدلًّا؛ فالمنامات يُسْتَأنس بها وليست -عند أهل السنة والجماعة- حجةً وبرهانًا، وأن الاتِّكاء عليها مع ترْك الأخْذ بالأسباب بدعةٌ في الدين، ومضادَّة لمقاصدِ الشريعة الكلية، والله المستعان وهو الواقي والعاصم.


هل زرع الأشجار بجوار القبور حرام أم حلال؟ علما بأن الشارع متران ونوع الشجر هو الفيقس.


ما مدى أفضلية كتاب "دلائل الخيرات وشوارق الأنوار، في ذكر الصلاة على النبي المختار صلى الله عليه وآله وسلم"؟


ما الذي يُستحب من الأقوال والأفعال عند حدوث الزلزال؟ حيث إنه قد وقع زلزالٌ؛ ولم أعرف ما الدعاء الذي يستحب أن أقوله، وهل يجوز أن أُصلِّي ركعتين كما يُصلَّى لصلاة الكسوف والخسوف؟


ما حكم الدعاء عند الذبح؟ فعند ذبح أيّ ذبيحة نقول: اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، اللهم تقبَّله منا كما تقبلت فدو سيدنا إسماعيل من سيدنا إبراهيم عليهما السلام، اللهم اجعل هذا العمل وكلَّ شيءٍ عندنا ومنَّا خالصًا لوجهك الكريم، واجعله مفتاحًا لكل أبواب الخير ومغلاقًا لكل أبواب الشر، ثم نقول: لنا ولهم مثلنا من الأجر والثواب من له حق علينا ومن لنا حق عليه وللمنسين والمحرومين، وأهل الله أجمعين ولروح الوالدين أجمعين ولروح جدي على الدوام منذ خلق الله الدنيا إلى يوم التلاقي، بسم الله، والله أكبر، سبحان من حلل عليك الذبح. فما حكم الشرع فيما نقول؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 30 أكتوبر 2025 م
الفجر
5 :40
الشروق
7 :7
الظهر
12 : 39
العصر
3:46
المغرب
6 : 9
العشاء
7 :28