ما حكم مشاركة الغير في الماشية؛ حيث يشتري أحدُ الأشخاص ماشيةً، ثم يُعطيها لفلاحٍ على أن يتعهدها بالأكل والشرب، ويكون له لبنها وسمادها، أَمَّا ما تلده فيكون بينهما مناصفةً. الرجاء بيان الحكم الشرعي في هذه المعاملة.
يرى بعض الأئمة والعلماء أن هذه المعاملة جائزة شرعًا، وهذا هو المفتى به؛ حيث يقوم أحد الأشخاص بشراء ماشية ويُعطيها لآخر فيقوم برعايتها، على أن يكون له شيء مما يَنْتُج منها؛ كلَبَنِها أو ما تَلِدُه، ويكون لصاحبها شيء مما تَلِدُ؛ وذلك قياسًا على المساقاة والمزارعة والمضاربة؛ فيكون هذا بماله، وهذا بعمله، وما نتج عن هذا العمل فهو بينهما. وقد جرى عُرْف الناس على هذا النوع من المشاركة حتى شاعت بينهم؛ والعرفُ مُعتَبَرٌ شرعًا.
المحتويات
هذه المعاملة بهذه الصورة محلُّ خلاف بين الفقهاء؛ فالجمهور من الفقهاء يرون أنَّها غير جائزة، وعلى ذلك الحنفية، والمالكية، والشافعية، والصحيح من مذهب الحنابلة؛ وذلك لأنَّ العامل على المواشي لا يجوز أن يكون أجرُهُ ما يَنْتُج منها؛ لعدم عِلْمه بقَدْر الناتج، وعلى هذا القول فيكون الناتج من الماشية من اللبن وغيره لصاحبها، وللعاملِ الأجر على عمله إن اتفقا عليه، وإلَّا فله أُجْرة المثل.
قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (6/ 62، ط. دار الكتب العلمية): [لو شرط الشريكان في مِلْكِ مَاشِيَةٍ لأحدهما فَضْلًا من أولادِها وألْبَانِها، لم تَجُز بالإجماع] اهـ.
وقال العلامة ابن نجيم في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (5/ 198، ط. دار الكتاب الإسلامي): [ولو اشتركا ولأحدهما دابةٌ وللآخر إكَافٌ وَجُوَالِقٌ على أن يُؤجِّر الدابة والأجر بينهما، فالشركة فاسدة؛ لأنها وقعت على العين، فكانت بمعنى الشركة في العروض، فإنْ أَجَّر الدابة مع الجَوالِق والإكَاف، فالأجرُ كله لصاحب الدابة وَلِلدَّخِيلِ معه أجر مثله بالغًا ما بلغ] اهـ.
قال الشيخ عليش في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (7/ 452، ط. دار الفكر): [ولو أعْطَيْتَه الدابة أو السفينة أو الإبل لِيَعْمَل عليها فما أصاب بينكما، فلا يجوز ذلك] اهـ.
وقال الإمام النووي في "الروضة" (5/ 166، ط. المكتب الإسلامي): [دَفَع بَهِيمَةً إليه ليعمل عليها، وما رَزَق الله تعالى فهو بينهما؛ فالعقد فاسدٌ. ولو قال: تَعَهَّدْ هذه الغنم بشرط أن دَرَّهَا وَنَسْلَهَا بيننا، فباطلٌ أيضًا، لأنَّ النَمَاء لا يَحْصُل بعمله] اهـ.
قال العلامة الـمرداوي في "الإنصاف" (5/ 454، ط. دار إحياء التراث العربي): [لو أخذ ماشيةً ليَقُوم عليها بِرَعْيٍ وعَلَفٍ وسقْيٍ وحَلْبٍ وغير ذلك، بِجُزْءٍ مِنْ دَرِّهَا وَنَسْلِهَا وصوُفها- لم يَصِحَّ على الصحيح من المذهب. نصَّ عليه، قال في "الفروع": هذا المذهب، وصححه في "تصحيح المحرر"، وجزم به في "المغني"، و"التلخيص"، و"الشرح"، و"عيون المسائل"، وغيرهم ذكرُوه في باب الإجارة، وله أُجْرَتُه] اهـ.
واستدل الجمهور لعدم جواز هذه المعاملة بأنَّ فيها غَبْنًا بيِّنًا، وجهالةً فاحشة؛ فالعوض مجهول، ولا يُدْرَى أيوجد أم لا. انظر: "المغني" لابن قدامة (5/ 328، ط. مكتبة القاهرة).
بينما يرى الإمام أحمد -في روايةٍ- جوازَ هذه المعاملة، وهو اختيار الشيخين ابن تيمية وابن القيم، واستدلوا على الجواز بأنَّ الأصل هو الإباحة، ولا يوجد دليل للمنع، وأيضًا بالقياس على المساقاة والمزارعة.
قال العلامة المرداوي في "الإنصاف" (5/ 454) بعد أن ذكر المذهب في المسألة: [وعنه: يَصِحُّ. اختاره ابن عبدوس في "تذكرته"، والشيخ تقي الدين رحمه الله، وقَدَّمه في "الفائق"، و"الرعاية الكبرى"، وقال: نَصَّ عليه، ذكره في آخر المضاربة] اهـ.
وقال الشيخ ابن القيم في "إعلام الموقعين" (4/ 15، ط. دار الكتب العلمية): [تجوز المُغارسة عندنا على شجر الجَوْز وغيره؛ بأن يدفع إليه أرضه ويقول: اغرسها من الأشجار كذا وكذا، والغرس بيننا نصفان.. وكما يدفع إليه بقَرَهُ أو غنمَهُ أو إبلَهُ يقوم عليها، والدرُّ والنسل بينهما.. فكل ذلك شركة صحيحة قد دلَّ على جوازها النَّصُّ والقياسُ واتفاقُ الصحابة ومصالح الناس، وليس فيها ما يوجب تحريمها من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا مصلحة، ولا معنى صحيح يُوجب فسادها] اهـ.
وأجاب الشيخ ابن القيم على منع الجمهور لهذه المعاملة في "إعلام الموقعين" (4/ 15): [بأنهم ظنُّوا ذلك كله من باب الإجارة، فالعوض مجهول فيفسد، ثم منهم من أجاز المساقاة والمزارعة للنص الوارد فيها، والمضاربة للإجماع دون ما عدا ذلك، ومنهم من خص الجواز بالمضاربة، ومنهم من جَوَّز بعض أنواع المساقاة والمزارعة، ومنهم من منع الجواز فيما إذا كان بعض الأصل يرجع إلى العامل كقفيز الطحان، وجوزه فيما إذا رجعت إليه الثمرة مع بقاء الأصل كالدرّ والنسل. والصواب جواز ذلك كله، وهو مقتضى أصول الشريعة وقواعدها؛ فإنه من باب المشاركة التي يكون العامل فيها شريكَ المالك: هذا بماله، وهذا بعمله، وما رزق الله فهو بينهما. وهذا عند طائفة من أصحابنا أولى بالجواز من الإجارة] اهـ.
ثم نقل كلام شيخه ابن تيمية في ذلك فقال في "إعلام الموقعين" (4/ 15): [هذه المشاركات أحلّ من الإجارة. قال: لأنَّ المستأجِر يدفع ماله، وقد يحصل له مقصوده، وقد لا يحصل، فيفوز المؤجِّر بالمال والمستأجِر على الخطر؛ إذ قد يكمل الزرع وقد لا يكمل، بخلاف المشاركة؛ فإن الشريكين في الفوز وعدمه على السواء، إن رزق الله الفائدة كانت بينهما، وإن منعها استويا في الحرمان، وهذا غاية العدل؛ فلا تأتي الشريعة بحلّ الإجارة وتحريم هذه المشاركات. وقد أقرَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم المضاربةَ على ما كانت عليه قبل الإسلام، فضاربَ أصحابه في حياته وبعد موته، وأجمعت عليها الأمة، ودفع خيبر إلى اليهود يقومون عليها ويُعَمِّرُونها من أموالهم بشطرِ ما يخرج منها من ثمر أو زرع، وهذا كأنه رأي عين، ثم لم ينسخه، ولم ينه عنه، ولا امتنع منه خلفاؤه الراشدون، وأصحابه بعده، بل كانوا يفعلون ذلك بأراضيهم، وأموالهم يدفعونها إلى مَنْ يقوم عليها بجزء مما يخرج منها، وهم مشغولون بالجهاد وغيره. ولم يُنقَل عن رجل واحد منهم المنعُ إلا فيما منع منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ما قال الليث بن سعد: إذا نظر ذو البصر بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز، ولو لم تأت هذه النصوص والآثار؛ فلا حرام إلا ما حرَّمه الله ورسوله، والله ورسوله لم يحرم شيئًا من ذلك] اهـ.
العادة تُؤيِّد هذه الرواية المنقولة عن الإمام أحمد؛ حيث جرى عُرْف الناس على هذه المشاركة حتى شاعت بينهم؛ وقد جرى اعتبار العُرف من مصادر التشريع؛ لقوله تعالى: ﴿خُذِ العَفْوَ وَأْمُر بِالعُرْفِ﴾ [الأعراف: 166]، وفي الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «ما رَأَى المُسلِمُونَ حَسَنًا فهو عِندَ اللهِ حَسَنٌ، وما رَأَوا سَيِّئًا فهو عِندَ اللهِ سَيِّئٌ». أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي في «مسنديهما»، وهذا القول هو ما نُفتي به في هذه المسألة.
على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجوز المشاركة بين شخصين على تَعهُّد أحدهما رعيَ ماشية الآخر ويكون له شيءٌ مما يَنْتُج منها؛ كلَبَنِها أو ما تلدُهُ، فلا حرج في ذلك قياسًا على المساقاة والمزارعة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم التجارة في السلع بشرائها لمن يطلب وبيعها له بالتقسيط مع زيادة في الربح؟ حيث يوجد بعض الأشخاص يريدون شراء بعض السلع والأجهزة، فأقوم بشرائها لهم من الشركة أو من البائع، ثم أبيعها لهم بالتقسيط، مع وضع نسبةِ ربحٍ لي على ذلك؛ فهل هذا النوع من التجارة جائزٌ شرعًا؟
ما حكم التحايل والغش في البضاعة المتفق على توريدها في المناقصات؟ حيث أعمل في مجال تجارة واستيراد الأجهزة الطبية، وعندما أذهب للاشتراك في أي مناقصة عامة لتوريد هذه الأجهزة أجد من شروط توريد الأجهزة أن يكون بلد المنشأ إنجلترا أو أمريكا أو ألمانيا فقط، مع العلم بأن هذه الأجهزة تُصَنَّعُ في الصين وبنفس الجودة وبسعر أقل بكثير من هذه الدول، إلا أن شروط المناقصة تستبعد هذه الأجهزة؛ لعدم تصنيعها في هذه الدول، فدَلَّني أحد الأصدقاء من العاملين في هذا المجال بأن أقوم باستيراد هذه الأجهزة من الصين وإدخالها إلى إحدى هذه الدول المنصوص عليها في شروط المناقصات، ومن ثَمَّ أقوم باستيرادها مرة أخرى من هذه الدولة وإدخالها إلى هنا، وبذلك تحصل الأجهزة على ختم هذه الدولة، وفي هذه الحالة لا تكون هناك مشكلة في دخول المناقصات العامة والاستفادة من عطاءاتها، مع العلم أني أبيعها بسعر أقل بكثير من سعر الأجهزة المصنوعة بالفعل في الدول المنصوص عليها في شروط المناقصة. فما حكم الشرع فيما أقوم به؟
ما حكم بيع الصقر المدرب على الصيد؟ فأحد المواطنين من دولةٍ عربيةٍ حصل على ترخيص من الدولة بعمل مزرعة لتربية الصقور وتدريبها على الصيد وبيع نتاجها، وقد طلب من صاحبٍ له أن يشاركه بحصة في هذا النشاط، ويسأل هذا الصاحب: هل يجوز شرعًا بيع الصقور وأخذ ثمنها؟
سائل يقول: نرجو منكم بيان كيف حذر الشرع الشريف الإنسان القادر على العمل والكسب من سؤال الناس ومدى خطورة ذلك على المجتمع.
ما حكم حرق البضاعة من أجل الحصول على المال؟ مثل شراء سلعة بالتقسيط وبيعها في نفس الوقت للحصول على سيولة مالية؟ حيث ظهر في هذه الأيام ما يسمّونه بـ"حرق البضائع" وهي طريقة بيع يلجأ إليها البعض للحصول على سيولة مالية، وصورته: أن يشتري من التاجر سلعة معينة بالتقسيط، ثم يبيعها لذات التاجر بسعر حالٍّ معجل، لكنه أقل؛ رغبة في توفير سيولة نقدية لقضاء بعض الحوائج الحياتية أو التجارية، فهل هذا جائز؟
وهل هذه المعاملة هي العِينَة التي ورد النهي عنها في السنة المشرفة؟
وهل يختلف الأمر لو كان المشتري للسلعة ثانيًا ليس هو بائعها الأول؟
حكم بيع قائمة بأرقام الهواتف بمبالغ معينة لبعض الشركات أو الأفراد للمساعدة في التواصل مع أصحاب هذه الأرقام؟ فهناك بعض الأفراد الذين يعملون في بعض الجهات التي تقدم خدمات لجمهور المتعاملين معها، ويقوم هؤلاء الأفراد بجمع أرقام هواتف العملاء وبياناتهم وعمل قائمة بها دون علم أصحابها، ثم يبيعونها لشركاتٍ أخرى تقدم خدماتٍ للجمهور، مقابل مبلغ مالي. فما حكم الشرع في ذلك؟