يقول السائل: دخلت أحد المتاجر لأشتري هاتفًا محمولًا، وبعد اختيار النوع ومعاينته وفحصه والاتفاق عليه، قمت بدفع ثمنه كاملًا، إلا أنه سقط من البائع على الأرض قبل أن أستلمه منه فانكسر، فأعطاني غيره، وأنا أخاف من الظلم؛ فهل يجب عليَّ أن أتحمل شيئًا من ثمن الهاتف المكسور؟
ما حصل بينك وبين التاجر بشأن الهاتف المحمول بعد اختياره ومعاينته ودفع كامل ثمنه؛ هو عقدُ بيعٍ صحيحٍ وجائز شرعًا، إلا أنَّ هلاك الهاتف في يد البائع بسقوطه منه على الأرض وانكساره قبل قبضك له يبطل البيع، ويكون الضمان على البائع، وتستحق ما دفعته إلى البائع من الثمن، وتصرف البائع بإعطائك هاتفًا محمولًا بدلًا من التالف مع رضاك به صحيح وجائزٌ أيضًا، ولا ظلم في ذلك ولا إثم.
المحتويات
المعاملات الجارية بين الناس يُرَاعَى فيها ابتداءً تحقُّقُ شروط العقود عامة؛ من أهلية المتعاقدين، وحصول الرضا بينهما، وانتفاء الغرر، وكذلك خلو المعاملة من الشروط الممنوعة شرعًا؛ كما جاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا» أخرجه الترمذي وصححه، والدارقطني والبيهقي في "السنن".
ومن المقرر شرعًا أن عقد البيع إذا تحققت فيه أركانه كان صحيحًا؛ من العاقدين (البائع والمشتري)، والمعقود عليه (الثمن والمثمن)، والصيغة (الإيجاب والقبول)، وخلا مما يفسده أو يبطله.
قال الإمام الخرشي في "شرح مختصر خليل" (5/ 5، ط. دار الفكر): [اعلم أن للبيع أركانًا ثلاثة: الصيغة، والعاقد وهو البائع والمشتري، والمعقود عليه وهو الثمن والمثمن] اهـ.
والأصل في البيوع الإباحة؛ لقول الله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ﴾ [البقرة: 275]، إلا ما نهى عنه الشرع، أو كان في معنى ما نهى عنه؛ كما في "الأم" للإمام الشافعي (3/ 3، ط. دار المعرفة).
ويُشْتَرَطُ لتمام البيع قبض المبيع من قِبَل المشترِي؛ بأن يخلي البائع بين المشتري والمبيع بما يُمَكِّنُهُ من تمام التصرف فيه مع عدم وجود حائل يمنعه من ذلك، ويختلف القبض في كل مبيع بحسبه؛ فإن كان من المنقولات كان قبضه بالمناولة من يد البائع إلى يد المشتري، وإن كان من العقارات كان قبضه بالتخلية بين المشتري والعقار.
واشتراط القبض لتمام البيع هو مذهب الحنفية والشافعية، واشترطه الحنابلة في بعض الصور، وجعله المالكية أثرًا من آثار البيع.
قال العلامة السغدي في "النتف" (1/ 436، ط. دار الفرقان): [وَاعْلَم أن البيع لَا ينْعَقد إلا باجتماع خَمْسَة أشياء.. وَالْخَامِس: الْقَبْض] اهـ.
وقال العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/ 244، ط. دار الكتب العلمية): [فتسليم المبيع إلى المشتري هو جعل المبيع سالمًا للمشتري؛ أي خالصًا له بحيث لا ينازعه فيه غيره، وهذا يحصل بالتخلية؛ فكانت التخلية تسليمًا من البائع، والتخلِّي قبضًا من المشتري، وكذا هذا في تسليم الثمن إلى البائع] اهـ.
وجاء في "مجلة الأحكام العدلية" (ص: 55، ط. نور محمد): [المادة (264): متى حصل تسليم المبيع صار المشتري قابضًا له] اهـ.
وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (5/ 122، ط. دار الغرب الإسلامي): [قال (ش) و(ح) -أي: الشافعي وأبو حنيفة-: تلف المبيع قبل القبض بأمر سماوي أو بجناية البائع يبطل البيع؛ لأن القبض من تتمة البيع؛ لنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع ما لم يقبض، وإذا لم يتم البيع بطل، وجوابه: أنه عليه الصلاة والسلام جعل الخراج بالضمان، فلو كان مضمونًا على البائع لكان خراجه له، وليس كذلك اتفاقًا، ثم إنا نمنع أن القبض تتمة البيع، بل البيع تمَّ، ومن آثاره: استحقاق القبض] اهـ.
وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الإقناع" (ص: 101، بدون طبعة): [ولا يتمّ -أي البيع- إلا بالقبض] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "دقائق أُولي النُّهى" (2/ 57، ط. عالم الكتب): [(يقبض منهما) الثمن والمثمن، (ويسلّم المبيع) لمشترٍ، (ثم) يسلّم (الثمن) لبائع؛ لأنَّ قبض المبيع من تتمَّات البيع في بعض الصور، واستحقاق الثمن مرتَّبٌ على تمام البيع، ولجريان العادة بذلك] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (4/ 85، ط. مكتبة القاهرة): [وَقَبْضُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ] اهـ.
إن هلَكَ المبيعُ في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري: فقد نصَّ الفقهاء على أن هذا الهلاك يترتب عليه بطلانُ العقد، وأن يرُدَّ البائعُ الثمنَ أو ما دُفع منه إلى المشتري؛ لفوات محلّ التعاقد، أو يعطي البائعُ للمشتري مثل المبيع إن كان مثليًّا وقيمته إن لم يكن مثليًّا.
قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني الحنفي في "الحجة على أهل المدينة" (2/ 557، ط. عالم الكتب): [وَإِذا لم يقبض المُشْتَرِي مَا اشْترى؛ فَمَا ذهب مِنْهُ من قَلِيلٍ أَو كثيرٍ فَهُوَ من مَال البَائِع؛ لأنه هلك فِي ضَمَان البَائِع قبل أن يُسلمهُ إلى المُشْتَرِي] اهـ.
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (5/ 42، ط. دار المعرفة): [ضمانُ المبيع في يد البائع ضمانُ مِلْكٍ، حتى لو هلك يَهْلِكُ على مِلْكِهِ؛ فكان قبضُ المشتري ناقلًا لضمان الملك] اهـ.
وقال العلامة ابن الحاجب المالكي في "جامع الأمهات" (ص: 363، ط. اليمامة للطباعة): [وَإِتْلَاف البَائِع وَالْأَجْنَبِيّ يُوجب الْغُرمَ] اهـ.
وقال الإمام الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (5/ 162): [وَإِتْلَاف الْبَائِعِ وَالْأَجْنَبِيِّ لِمَبِيعٍ عَلَى الْبَتِّ، وَهُوَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ يُوجِبُ عَلَى الْمُتْلِفِ قِيمَةَ الْمُقَوَّمِ وَمِثْلَ الْمِثْلِيِّ] اهـ.
وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (5/ 136، ط. دار الكتب العلمية): [قال الشافعي: كل سلعةٍ باعها فهلكت قبل القبض فمِن مالِ بائعها؛ لأنه كان عليه تسليمُها، فلما هلكت لم يكن له أخذ ثمنها. وهذا صحيح إذا تلفت السلعة المبيعة في يد بائعها قبل قبض المشتري لها بطل البيع وكانت من ضمان البائع واستحق المشتري استرجاع الثمن؛ سواء بَذَلَهَا البائعُ فامتنع المشتري مِن قبضها، أو طَلَبَهَا المشتري فامتنع البائع مِن إقباضها؛ هذا مذهبنا، وبه قال أبو حنيفة وصاحباه] اهـ.
وقال شمس الدين ابن قدامة الحنبلي [ت: 682هـ] في "الشرح الكبير" (4/ 116، ط. دار الكتاب العربي): [وما يحتاج إلى القبض إذا تلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع.. ويثبت للمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن؛ لأن التلف حصل في يد البائع فهو كحدوث العيب في يده، وبين البقاء على العقد ومطالبة الـمُتْلِف بالمثل إن كان مثليًّا وبالقيمة إن لم يكن مثليًّا، وبهذا قال الشافعي، ولا نعلم فيه مخالفًا] اهـ.
وبنحو هذا جاء القانون المدني المصري، الصادر برقم 131 لسنة 1948م، وتعديلاته الصادرة في 16 يوليو لسنة 2011م؛ حيث نصَّت المادتان 159، 160 منه على: [(159) في العقود الملزمة للجانبين؛ إذا انقضى التزامٌ بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه.
(١٦٠) إذا فُسِخَ العقد أُعِيَد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فاذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فما حصل بينك وبين التاجر بشأن الهاتف المحمول بعد اختياره ومعاينته ودفع كامل ثمنه؛ هو عقد بيع صحيح وجائز شرعًا، إلا أن هلاك الهاتف في يد البائع بسقوطه منه على الأرض وانكساره قبل قبضك له يبطل البيع، وتكون تَبِعَةُ الهلاك على البائع، وتستحق ما دفعته إلى البائع من الثمن، وتصرف البائع بإعطائك هاتفًا محمولًا بدلًا من التالف مع رضاك به صحيح وجائزٌ أيضًا، ولا ظلم في ذلك ولا إثم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم بيع الخطوط المجهولة البيانات والخطوط ذات البيانات الخاطئة؟ وما حكم كل من يعمل ويساعد على تفعيل هذه الخطوط؛ من أول بائع الرصيف، حتى المدير التنفيذي للشركة؛ حيث إن القنابل التي تلقى هنا وهناك يتم تفجيرها من خلال خط أو شريحة مجهولة البيانات أو بيانات خاطئة قامت إحدى الشركات بتفعيلها دون التأكد من بياناتها على حساب الدم.
ما حكم زيادة البائع على السعر الذي اشترى به على الرغم من الاتفاق على عدم الزيادة؟ فهناك رجلٌ اشترى بهيمةً مِن السُّوق، وبعد شرائها بوقت قليل وقبل أن ينفضَّ السوقُ احتاج إلى المال، فعَرَضَها للبيع، فأقبَلَ عليه شخصٌ غيرُ الذي ابتاعَها منه ليشتريها منه، واتفَقَ معه على أنه سيبيعُها له بالثمن الذي اشتراها به مِن غير زيادة عليه، وأخبره بهذا الثمن، فوافَقَ المشتري على ذلك، وأعطاه الثمن الذي أخبره به، وأخذ البهيمة، وقبل أن يَنْفَضَّ السُّوقُ عَلِمَ هذا المشتري أن الثمن الذي اشترى به البهيمةَ أكثرُ مِن الثمن الذي اشتُرِيَت به، فاستحلَفَ ذلك الرجلَ، فأقرَّ بأنه قد زاد عليه في الثمن، لكن تَمَسَّك في الوقت ذاته بأن المشتريَ قد رَضِيَ بالثمن الذي أخبره به. والسؤال: هل للمشتري المذكور بعد تمام البيع أن يَستَرِدَّ الزيادة التي زادها عليه هذا الرجلُ (البائعُ) في ثمن البهيمة المذكورة؟
ما حكم هلاك المبيع عند المشتري في فترة الخيار؟ فقد اشترى رجل جاموسة من أحد الأشخاص على فرجة بمبلغ 73 جنيهًا، ودفع من ثمنها مبلغ 60 جنيهًا وقت استلامها، وبقي من الثمن 13 جنيهًا على حساب المعاينة والفرجة، وأحضرها إلى منزله الساعة 12 ظهرًا، فلما وضع لها الأكل أكلت خفيفًا، وعند المساء وقت الحلاب عاكست، وفي منتصف الليل أراد أن يضع لها برسيمًا فوجدها ميتة، وقد طالبه البائع بباقي الثمن وهو 13 جنيهًا، وطلب السائل الإفادة عن الحكم الشرعي في هذا الموضوع.
ما حكم الشرع في التأمين على الحياة؟ وما مدى توافقه مع أحكام الشريعة الإسلامية الغَرَّاء؟
ما حكم بيع المال المشاع من دون إذن باقي الشركاء؟ فقد اشترى مجموعةٌ من الأفراد ماكينة رَيٍّ على المشاع لِسَقْيِ المحاصيل الزراعية، وبعد فترة بَاعَها أحدُ الشركاء بدون إذن الآخَرين، فما حكم هذا البيع شرعًا؟
ما حكم شراء شقة بالتمويل العقاري بفائدة متناقصة؟ فقد تقدمنا لحجز شقة في مشروع الإسكان الاجتماعي في مصر، وكان النظام المتبع أن ندفع 5 آلاف جنيه جدية حجز، وبعد قيام وزارة الإسكان بفرز الأوراق والاستعلام تقوم بتحويل الأوراق لأحد البنوك التابعة للبنك المركزي في إطار مبادرة التمويل العقاري، حيث يقوم البنك بسداد قيمة الوحدة، ثم يقوم بتحصيلها من المواطن بفائدة متناقصة 7 بالمائة سنويًّا، مع منع العميل من التصرف في الشقة بالبيع أو الهبة حتى يتم الانتهاء من السداد. فما حكم ذلك شرعًا؟