ما حكم الشبكة عند فسخ الخطبة؟
جرى العرف بين الناس -وهو معتبرٌ شرعًا- على أنَّ الشبكة التي يقدمها الخاطب لمخطوبته جزء من المهر، ومن ثَمَّ فإن للخاطب الحقّ في استرداد شبكته عند فسخ الخطبة، سواء أكان العدول من الطرفين أو من أحدهما؛ لكونها جزءًا من المهر ولم يتمّ العقد، وذلك مشروط بعدم الاتفاق على كونها هدية؛ وإلا فإنها تأخذ حكم الهبة في ردِّها؛ حيث يجوز الرجوع فيها بعد قبضها إذا كانت قائمةً بذاتها ووصفها، وانتفت الموانع من الرجوع فيها، بأن لا تكون في مقابلٍ دنيوي أو أخروي، أو برًّا بين الواهب والموهوب له، أو تهلك أو تُستَهْلَك، أو يتصرف فيها الموهوبُ له تصرفًا نهائيًّا، أو يموت الواهب، أو يموتَ الموهوبُ له.ووصفها، وانتفت الموانع من الرجوع فيها، بأن لا تكون في مقابلٍ دنيوي أو أخروي، أو برًّا بين الواهب والموهوب له، أو تهلك أو تُستَهْلَك، أو يتصرف فيها الموهوبُ له تصرفًا نهائيًّا، أو يموت الواهب، أو يموتَ الموهوبُ له.
المحتويات
أَوْلَتِ الشريعةُ الإسلامية عقدَ الزواج مكانةً رفيعةً، واهتمامًا بالغًا، حتى سماه الله تعالى "الميثاق الغليظ"؛ إذ هو من الأُسُسِ التي تُبنَى عليها المجتمعات وتتقدم بها الأمم، فإذا صلح صلحت به، وإذا اختلّ كان نتاج ذلك أُممًا ضعيفةً وشعوبًا هائمة؛ قال تعالى: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21].
ولخصوصية عقد الزواج وأهميته وما يترتب عليه من آثار تتجاوز العاقدين إلى المجتمع كله، جعل الشرع له مقدمات، وأَوْلَاها من العناية ما أَوْلَى به عقد الزواج نَفْسَهُ، ومن هنا تواردت النصوص على أهمية الخطبة وما يتعلق بها من أحكام؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ [البقرة: 235].
وعن أبي حميدٍ الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا إِذَا كَانَ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا لِخِطْبَةٍ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند".
الخطبة وما يلزم عنها من قراءة الفاتحة وتقديم الشبكة والهدايا كُلُّ ذلك مِن مُقدِّمات الزواج ومِن قَبيل الوعد به ما دام عقد الزواج لم يتم بأركانه وشروطه الشرعية، فإذا عَدَلَ أحدُ الطرفين عن عزمه ولَم يتم العقدُ؛ فالمُقرَّر شرعًا أنَّ المَهر إنما يثبت في ذمة الزوج بعقد الزواج الصحيح؛ لأنه أثرٌ من آثاره، يثبت كاملًا بالدخول أو الخلوة الصحيحة، وينتصفُ قبل الدخول، فإن لَم يتم فلا تَستَحِقُّ المخطوبة مِنه شيئًا، وللخاطب استِردَادُه.
قال العلامة الملا خسرو الحنفي في "درر الحكام" (1/ 348، ط. دار إحياء الكتب العربية): [خَطَبَ بنتَ رجلٍ وبَعَثَ إليها شيئًا ولم يزوِّجْها أبوها؟ فما بعث للمهر يسترد) إن عينه (قائمًا) وإن تغير بالاستعمال؛ لأنه مسلَّط عليه من قبل المالك فلا يلزم في مقابلة ما انتقص باستعماله شيء، (أو) قيمته إن (هالكًا)؛ لأنه معاوضة ولم تتم فجاز الاسترداد] اهـ.
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في "التلقين "(1/ 115، ط. دار الكتب العلمية): [والصداق واجبٌ بالعقد والتسمية، ويستقر وجوبه بالدخول فيؤمن سقوطه، وما لم يكن دخول فهو معرضٌ لأن يسقط نصفُهُ بطلاقٍ، أو جميعُهُ بما يكون من جهة المرأة] اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج" (7/ 421-422، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [خطب امرأةً ثم أرسل أو دفع بلا لفظٍ إليها مالًا قبل العقد؛ أي: ولم يقصد التبرع، ثم وقع الإعراض منها أو منه: رجع بما وصلها منه؛ كما أفاده كلام البغوي، واعتمده الأذرعي، ونقله الزركشي وغيره عن الرافعي، أي اقتضاء يقرب من الصريح، وعبارة "قواعده": خطب امرأةً فأجابته، فحمل إليهم هدية، ثم لم ينكحها: رجع بما ساقه إليها؛ لأنه ساقه بناءً على إنكاحه ولم يحصل؛ ذكره الرافعي في الصداق] اهـ.
وقال الإمام المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (8/ 296، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال الشيخ تقي الدين رحمه الله أيضًا: ما قبض بسبب النكاح فكمهر.. فإن كان دفع إليها بعض المهر ولم يدخل بها؛ يَرُدُّوهُ] اهـ.
مقتضى ذلك: أنَّ الشبكة التي يقَدِّمها الخاطبُ لمخطوبته جزءٌ مِن المَهر، وهذا ما جرى به العرف واستقر عليه العمل؛ حيث إن الناس يَتفقون عليها في الزواج بتحديد وصفها وسعرها أو وزنها على جهة الالتزام بها في مقابل الزواج لا غير ذلك، وهذا يُخرِجُها عن دائرة الهدايا ويُلحِقُها بالمَهر.
وقد جرى اعتبارُ العُرفِ في التشريع الإسلامي؛ فقال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: 199].
وجاء في الأثر عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه: "مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ" أخرجه الإمام أحمد والطيالسي في "مسنديهما".
قال العلامة الواحدي في "التفسير الوسيط" (2/ 437، ط. دار الكتب العلمية): [العرف، والعارفة، والمعروف: ما يَعرف كلُّ أحدٍ صوابَهُ وتَستحسنُهُ النُّفُوس] اهـ.
وقال العلامة ابن الفَرَس [ت: 597هـ] في"أحكام القرآن" (3/ 62، ط. دار ابن حزم): [المعنى: واقضِ فيه بكل ما عرفته النفوس مما لا يَرُدُّهُ الشرع.. فالعرف متردِّدٌ بين أن يُرَادَ به أفعالُ الخير، وبين أن يُرَادَ به العوائدُ الجاريةُ بين الناس مما لا يَرُدُّهَا الشرع] اهـ.
وقال الإمام الزركشي في " تشنيف المسامع" (3/ 472، ط. مكتبة قرطبة): [وقال ابن ظفر في "الينبوع": ما عرفته العقلاءُ أنه حسنٌ وأقرهم الشارع عليه؛ فمنه الرجوع إلى العرفِ والعادةِ في معرفة أسباب الأحكام من الصفات الإضافية؛ كصغر صبية وكبرها.. وكُفْءِ نكاحٍ، وتهيُّؤ زفافٍ] اهـ.
وهذا كُلُّهُ ما لم يتم الاتفاق على أنها هدية من الخاطب للمخطوبة قصدًا لحصول الوُدِّ وتحريًا لِأَنْ يُؤْدَم بينهما، من غير أن يكون لذلك مقابلٌ أو صلةٌ بمهرها الذي يتم الاتفاق عليه استقلالًا، فتأخذ حينئذٍ حكم الهبة في ردِّها؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «المُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» أخرجه البخاري معلقًا، ووصله الحافظ ابن حجر العسقلاني في " فتح الباري" (4/ 451، ط. دار المعرفة).
الهبة شرعًا يجوز الرجوع فيها بعد قبضها؛ إذا كانت قائمة بذاتها ووصفها، وانتفت الموانع المنصوص عليها؛ كما هو مقرر في مذهب الإمام أبي حنيفة.
قال العلامة ابن نجيم الحنفي في " البحر الرائق" (7/ 290، ط. دار الكتاب الإسلامي): [صَحَّ الرجوع في الهبة بعد القبض إذا لم يمنع مانعٌ من الموانع.. والمراد من الهبة: الموهوبُ؛ لأن الرجوع إنما يكون في حق الأعيان لا في حق الأقوال] اهـ.
وموانعُ الرجوعِ في الهبة قِسمان في الجملة:
الأول: ما يكون قائمًا منذ لزوم الهبة؛ لكون الغرض منها قد تحقق بالنظر إلى طبيعة الهبة في ذاتها؛ بأن تكون في مقابلٍ دنيوي، وهي هبة الثواب؛ حيث يبذل الموهوبُ له عوضًا عن الهبة، أو طلبًا لثواب أخروي وهي الصدقة، أو برًّا بين الواهب والموهوب له، أو صلةً للأرحام.
والثاني: ما يطرأ بعد لُزُومها فيحُولُ دون الرجوع فيها.
وهذا الطُّرُوءُ قد يتعلق بأحد العاقِدَينِ؛ بأن يموت الواهب، أو يموتَ الموهوبُ له.
وقد يتعلق بالشيء الموهوب؛ بأن تزيد الهبة في نفسها أو يزيد الموهوبُ له فيها زيادةً متصلةً بها، أو تهلك، أو تُستَهْلَك، أو يتصرف فيها الموهوبُ له تصرفًا نهائيًّا بخلاف ما لو تصرف في بعضِها وبقي الآخر. كما في " الوسيط" للعلامة السنهوري (5/ 189، ط. دار إحياء التراث العربي).
قال العلامة السرخسي في "المبسوط" (12/ 56، ط. دار المعرفة): [والموانع من الرجوع في الهبة: إما أخذ العوض؛ لأن المقصود به قد تم، وفي قوله: ما لم يثب منها؛ دليلٌ على أنه لا رجوع بعد نيل العوض، وأن يزداد الموهوب في ندمه خيرًا، فإنَّ حق الرجوع فيما تتناوله الهبة، وتلك الزيادة لم تتناولها الهبة، ولا يتأتى الرجوع في الأصل بدون الزيادة المتصلة.. ومنها: أن يخرج الموهوب من ملك الموهوب له؛ لأنَّ تبدل الملك كتبدل العين؛ ولأن حق الرجوع في الملك المستفاد في الهبة على معنى أن بالرجوع ينتهي ذلك الملك، فلا يمكن إثباته في ملك آخر، ومنها أن يموت الواهب فليس لوارثه أن يرجع فيه؛ لأن التمليك بعقد الهبة لم يكن منه، فلا يخلف مورثه فيما لم يكن على ملكه عند موته، ومنها: أن يموت الموهوب له، فإن الملك ينتقل من الموهوب إلى وارثه، ولو انتقل الملك في حياته إلى غيره لم يرجع الواهب فيه، وكذلك بعد موته] اهـ.
بِناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالشبكة المُقَدَّمَة مِن الخاطب لـمخطوبته تَكونُ لِلخاطِبِ إذا عَدَلَ الخاطبان أو أَحَدُهُما عن عَقدِ الزواج؛ لكونها جزءًا من المهر ولم يتم العقد فليس لِلمخطوبةِ منها شيءٌ، ولا يُؤَثِّرُ في ذلك كونُ الفَسْخِ مِن الخاطب أو المخطوبة أو بِسَبَبٍ خارجٍ عنهما.
وذلك مشروطٌ بعدم الاتفاق على كونها هدية؛ وإلا فإنها تأخذ حكم الهبة في ردِّها؛ حيث يجوز الرجوع فيها بعد قبضها إذا كانت قائمة بذاتها ووصفها، وانتفت الموانع المنصوص عليها؛ وذلك على النحو السابق بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم زواج الرجل بأرملة جده لأمٍّ المدخول بها؟
ما حكم فطر المرضعة لتتناول الدواء ليصل أثره إلى رضيعها المريض؟ فأنا لدي طفل رضيع أصيب بمرض، ووصف لي الطبيب دواء لا يمكن للطفل تناوله مباشرة، وإنما أتناوله فيسري إلى الطفل في اللبن من خلال رضاعته، فهل يعدُّ ذلك عذرًا للفطر في رمضان؟ وماذا يجب عليَّ؟
ما المعنى المراد من حديث: «دم الحيض أمر كتبه الله على بنات آدم»؟ فهناك سائلة تقول: خلال جلسة مع أحد أصدقائي قالت إحداهن: إن دم الحيض عقوبة للنساء؛ فقالت لها أخرى: إن هذا من سنن الله تعالى في خلقه، وممَّا اقتضته طبيعة التكوين الجسدي للمرأة، وهو أمر قد كتبه الله على النساء جميعًا؛ فنرجو منكم بيان ذلك.
ما الفرق بين المفقود من أفراد القوات المسلحة والمفقود من غيرهم؟ فقد تضمن السؤال أن السائلة تزوجت بمدرس بمحافظة سوهاج، وأن زوجها جند بالقوات المسلحة، وأنه فقد في العمليات الحربية بجهة سيناء بتاريخ 8/ 6/ 1967م بمقتضى شهادة دالة على فقده وصلت إلى مديرية التربية والتعليم بسوهاج من وزارة الحربية، وأن مديرية التربية والتعليم المذكورة كانت تصرف للسائلة مرتب زوجها شهريًّا حتى أوقف الصرف بمقتضى حكم صدر ضدها من المحكمة الحسبية ببندر سوهاج في قضية رفعها والد الزوج ضدها، وأنه قد ورد إليها كتاب من وزارة الحربية يفيد بأنه بموجب القرار رقم 72 لسنة 1969م باعتبار الغائبين بالعمليات الحربية بسيناء مفقودين وتسوية حالاتهم وصرف معاش ثابت للمستحقين عنهم، وأن الزوجة -السائلة- لا تجد من يعولها وليس لها مصدر رزق بعد قطع راتب زوجها عنها اعتبارًا من نوفمبر سنة 1969م للآن. وطلبت السائلة بيان الحكم الشرعي فيما إذا كان يحق لها شرعًا أن تتزوج بآخر استنادًا إلى:
أ- القرار السالف الذكر رقم 72 سنة 1969م الخاص باعتبار الغائبين مفقودين وصرف معاش ثابت للمستحقين عنهم.
ب- خطاب ورد إلى والد زوجها من قلم خسائر الحرب يقضي باعتبار الغائبين مفقودين.
ج- أنه مضى على عقد زواجها بالمفقود المذكور خمس سنوات وهي معلقة بين السماء والأرض.
د- أن زوجها المفقود من قبل يونيه سنة 1967م حتى اليوم لم تصل أنباء أو معلومات تفيد بأنه موجود على قيد الحياة.
هـ- أن غياب الزوج المذكور كان غيابًا متصلًا من قبل يونيه سنة 1967م إلى الآن، ولم ينقطع هذا الغياب خلال تلك المدة الطويلة.
قدم السائل تصريحًا من المحكمة تطلب فيه الحصول على فتوى من دار الإفتاء المصرية عمَّا إذا كان يصح استمرار زواج المسلمة من مسيحي، وذلك بعد إشهار إسلامها.