ما ضوابط رد الإمام والفتح عليه؛ لتصحيح القراءة أثناء الصلاة؟
ليس للمأموم أن يتعجل على الإمام بالرد أو الفتح عليه في القراءة؛ إلا إذا طلب الفتح بلسان حاله أو مقاله، ولم يُعلَم أنه يتردد بالرد عليه، أو وصل خطؤه إلى نحو خلط آية رحمة بآية عذاب أو إدخال أهل الجنة النار وأهل النار الجنة، أو أخطأ في الفاتحة خطأ مؤثرًا في صحتها عند من يقول بكونها ركنًا.
الصلاة مبناها على الخشوع؛ حتى جعل الله تعالى الخشوع فيها أول صفات عباده المؤمنين فقال سبحانه: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۞ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1-2]؛ ولذلك فقد حرم الشرع الكلام فيها، وجعل تنبيه الإمام على الخطأ في صلاته في أضيق الحدود فقصره على التصفيق للنساء والتسبيح للرجال، وجعل إصلاح خطأ قراءته من باب الفتح عليه.
والفتح في اصطلاح الفقهاء -كما في "مغني المحتاج" للشيخ الخطيب الشربيني الشافعي (1/ 356 ط. دار الكتب العلمية)-: هو تلقين الآية عند التوقف فيها. أي: أن وقوف الإمام لطلب الرد أمر أساس في مفهوم الفتح عليه، فلا يبتدئه بالرد ولا يقاطعه أثناء القراءة؛ لأن مصلحة انتظام شأن الصلاة، والخشوع فيها مقدمة على ما عداها، وهذا في قراءة غير الفاتحة.
فأما في الفاتحة فالفتح واجب؛ لأنها من أركان الصلاة عند الجمهور.
وقد اشترط الفقهاء في الفتح شروطًا تجعله جابرًا لخلل الصلاة من غير أن يكون مخرجًا لها عن خشوعها وخضوعها؛ فنصوا على أن الإمام لا يفتح عليه إلا إذا استفتح؛ أي: طلب الفتح، وأنه لا يُلَقَّن ما دام مترددًا؛ حتى يقف طلبًا للفتح حتى لو خرج من سورةٍ إلى سورة ما دام لم يخلط آية رحمة بآية عذاب أو عذاب برحمة أو يغير تغييرًا يقتضي كفرًا.
فعند الحنفية: يُكرَهُ للمقتدي أن يعجل بفتح، ويكره للإمام أن يُلْجِئَه إليه بأن يسكت بعد الحصر أو يكرر الآية، بل يركع إن كان قد قرأ ما تصح به الصلاة، أو ينتقل إلى آية أخرى ليس في وصلها ما يفسد الصلاة، أو ينتقل إلى سورة أخرى، وإن فتح المصلي على غير إمامه فسدت صلاته لأنه تعليم وتعلم، فكان من جنس كلام الناس، إلا إذا نوى التلاوة، فإن نوى التلاوة لا تفسد صلاته عند الكل، وتفسد صلاة الآخذ إلا إذا تذكر قبل تمام الفتح وأخذ في التلاوة قبل تمام الفتح فلا تفسد، وإلا فسدت صلاته؛ لأن تذكره يضاف إلى الفتح، وإن سمع المؤتم ممن ليس في الصلاة ففتح به على إمامه فسدت صلاة الكل لأن التلقين من خارج. ينظر: "رد المحتار على الدر المختار" لابن عابدين (1/ 418 ط. إحياء التراث).
وعند المالكية والشافعية: لا يفتح على الإمام إلا إذا استفتح؛ أي: طلب الفتح، ولا يلقن ما دام مترددًا حتى يقف طلبًا للفتح حتى لو خرج من سورة إلى سورة ما دام لم يخلط آية رحمة بآية عذاب أو يغير تغييرا يقتضي كفرًا؛ قال الإمام الباجي المالكي في "المنتقى شرح الموطأ" (1/ 152، ط. مطبعة السعادة): [(مسألة): والفتح على الإمام إنما يكون إذا أُرْتِجَ عليه وإذا غير قراءته؛ فأما من الْإِرْتَاجِ عليه: فهو إذا وقف ينتظر التلقين. رواه ابن حبيب عن مالك، وأما إذا غيَّر القراءة: فلا يُفتَح إذا خرج من سورة إلى سورة أو من آية إلى أخرى ما لم يخلط آية رحمة بآية عذاب أو يغير تغييرًا يقتضي كفرًا؛ فإنه ينبه على الصواب] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 401- 402، ط. مكتبة الإرشاد): [(الرابعة عشرة): قال الشافعي في المختصر: وإذا حُصِرَ الإمام لُقن، قال الشيخ أبو حامد والأصحاب: ونص في مواضع أُخَر أنه لا يلقن، قال القاضي أبو الطيب: قال أصحابنا: ليست على قولين؛ بل على حالين، فقوله: يلقنه أراد إذا استطعمه التلقين بحيث سكت ولم ينطق بشيء، وقوله: لا يلقنه أراد ما دام يردد الكلام ويرجو أن ينفتح عليه، فيترك حتى ينفتح عليه، فإن لم ينفتح لُقن واتفق الأصحاب على أن مراد الشافعي هذا التفصيل وأنها ليست على قولين] اهـ.
ونص الشافعية على أنه إن علم من حال الخطيب أنه يُدْهَش من الرد عليه فإنه لا يرد عليه، وكذلك ينبغي أن يكون الحكم في الإمام إذا عُلِمَ من حاله أنه يُدهَش من الرد عليه؛ قال الإمام الزركشي في "المنثور في القواعد" (1/ 401- 402، ط. وزارة الأوقاف الكويتية): [تلقين الإمام يشرع في موضعين: (أحدهما): القراءة في الصلاة إذا أُرْتُجَّ عليه، ولا يُلَقَّن ما دام يتردد بل حتى يقف قاله المتولي، (الثاني): في الخطبة إذا حضر ولا يُلقن حتى يسكت قاله الدارمي في "الاستذكار"، قال: ويرد عليه ما يعلم أنه ليس يفتح له، وقال الشاشي في "المعتمد": فإن أرتج عليه لقن في الخطبة نص عليه، وقال في موضع آخر: لا يلقن، والمسألة على اختلاف حالين فحيث قال: يلقن إذا وقف بحيث لا يمكنه أن يفتح عليه، وحيث قال: لا يلقن إذا كان تردد ليفتح عليه؛ قال في "الاستقصاء": إن علم من حاله أنه إن فتح عليه انطلق فتح عليه، وإن علم أنه يدهش تركه على حاله] اهـ.
وهذا كله لِمَا لمقام الخطابة -ومثلها الإمامة- من الهيبة في الصلاة بالناس، والخوف من الزلل، وحساسية النفس البشرية من التصويب في مثل هذه الحالة؛ حتى قيل لعبد الملك بن مروان: عجل إليك الشيب؟ فقال: شيبني ارتقاء المنابر وتوقع اللحن. ينظر: "العقد الفريد" لابن عبد ربه (2/ 308، ط. دار الكتب العلمية).
أما عند الحنابلة فقد جعلوا الرد عندما يرتج على الإمام وعند الغلط في قراءة السورة؛ قال العلامة البهوتي في "كشاف القناع" (1/ 355. ط. عالم الكتب): [(وله)؛ أي: المصلي (أن يفتح على إمامه إذا أُرتِجَ) بالبناء للمفعول وتخفيف الجيم كأنه مُنِعَ من القراءة مِنْ: أَرْتَجْتُ الباب إرتاجا، أغلقته إغلاقا وثيقا (عليه) أي الإمام، (أو غلط) في قراءة السورة فرضا كانت الصلاة أو نفلًا] اهـ.
ولا شك أن هذا منوط بتحقيق الخشوع في الصلاة، وعدم حصول الاضطراب أو الجلبة أو الضوضاء، فإذا اجتمعت مصلحة تصحيح خطأ القراءة الذي وقع فيه الإمام مع مفسدة تلجلجه واضطرابه وتشتت أفكاره بسبب الرد عليه فإن درء المفسدة حينئذ مقدم على جلب المصلحة كما هو المقرر شرعًا، هذا مع أن في الإمكان الجمع بين جلب المصلحة ودرء المفسدة بإتمام الصلاة، ثم تنبيه الإمام بعد الصلاة على الخطأ في أدب وهدوء نابعين من إرادة الخير وصدق النصيحة والإخلاص في القصد.
وبناء على ذلك: فليس للمأموم أن يعجل على الإمام بالرد أو الفتح عليه في القراءة إلا إذا طلب الفتح بلسان حاله أو مقاله، ولم يُعلَم أنه يتلجلج بالرد عليه أو وصل خطؤه إلى نحو خلط آية رحمة بآية عذاب أو إدخال أهل الجنة النار وأهل النار الجنة أو أخطأ في الفاتحة خطأ مؤثرًا في صحتها عند من يقول بركنيتها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائل يسأل عن حكم غُسْل الجمعة، وهل هو من الواجبات؟
ما حكم الدعاء بعد الإقامة للصلاة؟ حيث يوجد بجوار سكني بعاصمة المحافَظَة زاويةٌ صغيرةٌ أقوم في بعض الأحيان بإلقاء خُطبة الجمعة فيها عند غياب الإمام، أو أتولى إمامة الصلاة في بعض الفروض عند غياب مقيم الشعائر، ولا يتم ذلك إلا إذا قدمني المُصَلُّون للإمامة بحكم سِنِّي وثقافتي المتواضعة، وهذا الوضع متكررٌ منذ سنوات، وقد تعودت أن أتلو دعاءً قبل أن أرفع تكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة أي بعد أذان الإقامة وقبل تكبيرة الإحرام، والدعاء كما يلي: "اللهم آت سيدنا محمدًا الوسيلة والفضيلة، والدرجة العالية الرفيعة، وابعثه اللهم مقامًا محمودًا الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد، اللهم أقِمها وأدِمها ما دامت السماواتُ والأرضُ". وقد قَصَدْتُ بهذا الدعاء أن أدعو ربي أوَّلًا، وأن أُمَكِّنَ بعضَ المصلين الذين لم يفرغوا من صلاة السنة بعد أن يلحقوا بصلاة الجماعة من أولها، وأن يُدرك بعض المصلين الذين يتوضؤون الصلاةَ أيضًا، إلا أنني فوجئت بأحد المصلين يقول لي: إن ما تلوته من دعاءٍ بدعةٌ ولا يجوز، لأنك تزيد في الدِّين ما لم يَرِد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنك بهذا الدعاء تُشابِه اليهودَ والنصارى الذين زادوا في دِينهم، وأنَّ دعاءك: "اللهم أقِمها وأدِمها ما دامت السماواتُ والأرضُ" مُخالِفٌ لِنَصِّ القرآن، فما كان مِنَّي إلا أن صَمَتُّ حتى لا تَحدُثَ بَلْبَلَة بين المُصَلِّين، ودَعَوْتُ له بالهداية. لذا أرجو التفضل بالإفادة بالرأي الشرعي في هذه المسألة.
ماحكم تكرار السورة بعد الفاتحة في كل ركعة؟
ما هي كيفية الأذان والإقامة عند الجمع بين الصلاتين؟ فأنا كثيرًا ما أجمع بين صلاتي الظهر والعصر أنا ورفقة معي، لكثرة سفرنا بسبب طبيعة عملنا، ونلتزم الإتيان بسُنَّتي الأذان والإقامة؛ فهل نخصُّ كل صلاة من الصلاتين المجموعتين بأذانٍ وإقامةٍ، أو نكتفي بأذانٍ واحدٍ عنهما وإقامتين؟
هل تأخير الصلاة بغير عذر ذنب؟
ما حكم متابعة النفل بعد الفرض دون فصل بينهما بذكر أو كلام؟ فكنت أصلي المغرب في بيتي، وبمجرد أن أنهيت الفريضة سارعت إلى أداء النافلة الراتبة من دون فصل بشيء، فأخبرني أخي أنه قرأ في كتاب: أنه لا بد من الفصل بين الفرض والنفل بشيء، فلا تصح متابعة النفل بعد الفرض من دون فصل بكلام أو حركة أو جلسة، فما مدى صحة هذا الكلام؟ وهل الفصل بين الفريضة والنافلة الراتبة واجبٌ؟