ما حكم التنفل بالصلاة لرفع الوباء؛ فقد اجتاح فيروس كورونا معظم دول العالم، وأصبح وباءً عالميًّا، ومات بسببه الكثير من الأشخاص؛ من المسلمين وغيرهم: فما حكم التنفل بالصلاة لرفع هذا الفيروس الوبائي والشفاء منه؟ وما حكم الدعاء فيها؟
لا مانع شرعًا من التنفل بالصلاة لصرف مرض الكورونا؛ لِكونه نازلةً من النوازل ومصيبة من المصائب حلت بكثير من بلدان العالم، سواء كانت الصلاة لرفعه أو دفعه، والدعاء بصرف المرض والوباء يكون عامًّا؛ في الصلاة وخارجَها.
المحتويات
أجازت الشريعة الإسلامية مشروعية الصلاة والدعاء لرفع البلاء والوباء؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلَاةِ»، وقال أيضًا: «فَصَلُّوا حَتَّى يُفَرِّجَ اللهُ عَنْكُمْ» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح".
قال الإمام البدر العيني الحنفي في "عمدة القاري" (7/ 89، ط. دار إحياء التراث العربي): [تنبيهًا لأمته أنه إذا وقع بعده يخشون أمر ذلك، ويفزعون إلى ذكر الله والصلاة والصدقة؛ لأن ذلك مما يدفع الله به البلاء] اهـ.
وقال الإمام النووي في "شرح مسلم" (6/ 203، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلَاةِ»، وفي رواية: «فَصَلُّوا حَتَّى يُفَرِّجَ اللهُ عَنْكُمْ»، معناه بادروا بالصلاة وأسرعوا إليها حتى يزول عنكم هذا العارض الذي يُخاف] اهـ.
ففي هذه الروايات يعلمنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه عند حلول البلاء ينبغي على الإنسان أن يلجأ إلى ربه ويتضرع إليه ليكشف عنه البلاء، وليس أقرب من الصلاة التي يقف فيها العبد بين يدي مولاه، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
قال الإمام ابن بطال المالكي في "شرح البخاري" (10/ 15، ط. مكتبة الرشد): [أخبرنا صلى الله عليه وآله وسلم أنه حين نزول البلاء ينبغي الفزع إلى الصلاة والدعاء، فيُرجى كشفه لقوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ [الأنعام: 43] اهـ.
والبلاء هنا لم يقتصر على معنًى دون غيره؛ بل يشمل كل ما يقع بالإنسان من الضُّرِّ والشدة والبأس؛ كالزلازل والكوارث والأوبئة والطواعين، ونحو ذلك.
قال العلامة فخر الدين الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 230، ط. الأميرية): [وكذا في الظلمة الهائلة بالنهار، والريح الشديدة، والزلازل، والصواعق، وانتثار الكواكب، والضوء الهائل بالليل، والثلج، والأمطار الدائمة، وعموم الأمراض، والخوف الغالب من العدو، ونحو ذلك من الأفزاع والأهوال؛ لأن ذلك كله من الآيات المخوفة، والله أعلم] اهـ.
وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (1/ 351، ط. دار الفكر): [(قوله: ودل كلامه على أن الصلاة.. إلخ) أي: للزلزلة ونحوها، أي: ويدخل في ذلك الصلاةُ لدفع الوباء والطاعون] اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (1/ 211، ط. دار المعرفة): [يستحب الإسراع إلى الصلاة عند خشية الشر؛ كما قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: 45] ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وأمر من رأى في منامه ما يكره أن يصلي.. وفيه تحذير العالم مَن يأخذ عنه من كل شيء يتوقع حصوله والإرشاد إلى ما يدفع ذلك المحذور، والله أعلم] اهـ بتصرف.
وقال العلامة ابن الأزرق الغرناطي في "بدائع السلك" (2/ 77، ط. وزارة الإعلام العراقية):
[الوسيلة الثالثة: الصلاة، وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أحزنه أمرٌ فزع إلى الصلاة.
قال ابن أبي حجلة: وذلك أن الصلاة يُستشفى بها من عامة الأوجاع قبل استحكامها، فمن أحس ببدء الألم من الطاعون أو غيره فبادر إلى الوضوء والصلاة وفرغ قلبه لله تعالى وجمع همته على الله في صلاته اندفع عنه ذلك الألم بإذن الله أو خفَّ، فلم يحصل له من ثقله ما حصل لمن أعرض عن الله وعن الصلاة.
قال: وبالجملة فلها أثر عجيب في حفظ صحة البدن والقلب وقواهما ودفع المواد الردية عنها، وما ابتلي رجلان بعاهة أو أذى أو محنة أو بلية إلا وكان حظ المصلي منهما أقل وعاقبته أسلم.
قال: للصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا لا سيما إذا أعطيت حقها من تكميل الطهارة ظاهرًا وباطنًا، فما استدفعت شرور الدارين ولا استجلبت مصالحها بمثل الصلاة، وسر ذلك أنها صلة الله تعالى، فعلى قدر صلة العبد لله يفتح عليه من الخيرات أبوابها، ويدفع عنه من الشرور أسبابها، انتهى ملخصًا] اهـ.
وقد اتفق العلماء على مشروعية الدعاء واللجوء إلى الله تعالى والتضرع له عند حلول الوباء، وقد تواترت الأحاديث النبوية على ذلك، وهو جائزٌ في الصلاة وخارجها؛ لما تقرر عند جماعة من الفقهاء من أن كل ما جاز الدعاءُ به خارج الصلاة جاز الدعاءُ به فيها؛ كما قاله الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (3/ 471، ط. دار الفكر).
بناءً على ذلك: فيجوز التنفل بالصلاة لصرف مرض الكورونا؛ لِكونه نازلةً من النوازل ومصيبة من المصائب حلت بكثير من بلدان العالم، سواء كانت الصلاة لرفعه أو دفعه، والدعاء بصرف المرض والوباء يكون عامًّا، في الصلاة وخارجَها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
في مواكبة مستجدات العصر كيف نوفق برأي فضيلتكم بين فقه الواقع وفقه الأحكام؟
ما حكم المرور بين المصلين يوم الجمعة في زمن الكورونا؟ في ظل الإجراءات الاحترازية من عدوى كورونا، والتزام المصلين بالتباعد بينهم في الصفوف؛ تحرزًا من الوباء، وخوفًا من انتقال عدواه؛ فهل والحالة هذه يجوز للمصلي المرور بين الجالسين يوم الجمعة في وقت الخطبة، إذا وجد مكانًا خاليًا في الأمام يريد أن يجلس فيه؟ وهل حكم الجمعة كغيرها من صلوات الجماعة؟
ما حكم الامتناع عن دفن موتى كورونا؛ فقد فوجئنا بامتناع البعض عن دفن المتوفين من جراء وباء كورونا؛ حتى إن بعض أهالي قرية من القرى تجمهروا رافضين دفن إحدى طبيبات القرية في مدفن أسرتها، بعد أن توفيت؛ بسبب مباشرتها المستمرة لعلاج مرضى كورونا، حتى تدخلت قوات الأمن وأنهت المشكلة، وتم الدفن بالفعل، فهل يجوز الامتناع عن دفن من ماتوا بسبب هذا الوباء بحجة أن دفنهم سيعدي الأماكن من حولهم؟
ما حكم صلاة العيد في البيت؟ ففي ظل ما يعانيه معظم بلاد العالم من فيروس (كوفيد-19) والإجراءات الاحترازية التي قامت بها الدولة، ومنها غلق دور العبادة حفاظًا على حياة الناس؛ فهل تصح صلاة العيد في البيت سواء بعذرٍ أو بغير عذرٍ، وهل تشترط الخُطْبَة بعدها، وما هي كيفية أداء صلاة العيد في البيت؟
نحن مؤسسة خيرية غير هادفة للربح، نحيط سيادتكم علمًا بأن المؤسسة قامت بتوقيع بروتوكول تعاون بينها وبين وزارة الصحة والسكان ووزارة التضامن الاجتماعي، وذلك في إطار خطة الدولة المصرية لمواجهة جائحة فيروس كورونا، وبناءً على التعاون بين القطاع الحكومي للدولة ممثلًا في وزارتي الصحة والسكان والتضامن الاجتماعي وقطاع المجتمع المدني الممثل في مؤسستنا الخيرية.
بالإشارة للموضوع أعلاه نرجو من فضيلتكم التكرم بإفادتنا بإيجاز الزكاة في حالة التبرع لتوفير المستلزمات الطبية الوقائية (ماسكات، أفرولات، جونتيات، أحذية عازلة، مستلزمات التعقيم) للكادر الطبي (الجيش الأبيض) وللمرضى بمستشفيات الحجر الصحي والمستشفيات الجامعية بجميع المحافظات.
ما حكم إعطاء العمالة اليومية من الزكاة والصدقات في زمن الوباء؟ وذلك نظرًا لانتشار وباء فيروس كورونا، وطبقًا لإجراءات السلامة من الإصابة بالوباء، وأمام التعليمات الواضحة للدولة بالتزام حظر التجول للوقاية من العدوى، التزم الناس بيوتهم، وقلّلوا أعمالهم، وأُجّلوا مصالحهم، مما اضطر المواطنين العاملين بالأجور اليومية (العمالة اليومية والأرزقية) إلى الجلوس في البيوت، واشتدت أحوال كثير منهم حتى صاروا عُرضة لاستغلال المغرضين لهم ضد إجراءات الدولة الوقائية وتعليماتها الرسمية، ومثلهم أصحاب المشاريع متناهية الصغر، وذوي الدخول المحدودة.
فما واجب المجتمع تجاه هذا القطاع الواسع من المواطنين؟ وهل يجوز إعطاؤهم من أموال الزكاة إعانةً لهم على رعايةِ أسرهم وكفاية أهليهم، وسد حاجاتهم وحاجات ذويهم؟