ما حكم الاستفادة من التأمين الصحي للغير؛ فأنا أعمل موظفًا في مصلحة حكومية، ولي تأمين صحيّ سنويّ، وفي الغالب لا أستفيد من هذا التأمين، وعندي صديق لي مريض خارج من عملية صعبة ويحتاج للعلاج، وتكلفة العلاج عالية جدًّا وظروفه لا تسمح بالحصول عليه، وقد استنفد حقه من العلاج على نفقة الدولة أثناء العملية وبعدها، وحينما طلبت من جهة العمل التي أتبعها صرف حقي في التأمين أو بعضه لعلاج هذا المريض أخبروني بأنَّ هذا التصرف مخالف للوائح المُنظمة، ونحن لسنا جهة خيرية، فهل يجوز لي أن أصرف هذا العلاج، على أن أبلغهم بأن هذا العلاج لي؟ وما الحكم لو اتفقت مع الصيدلي على أن يصرف لي هذا العلاج بيني وبينه؟ أفيدونا أفادكم الله.
صرف العلاج التأميني لكَ كموظف إنما يكون الحكم عليه حسب مطابقته للوائح والنظم التي تنظمها جهة العمل التي تعمل بها، والتي التزمتَ بها عند توقيعكَ عقدَ العمل، وما دام أن صرف العلاج لصديقك مخالفٌ للوائحها وشروطها؛ فلا يجوز لك شرعًا صرف هذا العلاج على أنه لك لمجرد اتفاقك مع الصيدلي؛ لِما في ذلك من الخداع والتحايل وخيانة الأمانة، وأخذ المال بغير حقِّه، والاستيلاء على المال العام. ولا بد للصيدلي أن يتحرى إيصال العلاج لمستحقيه دون تقصيرٍ أو تهاونٍ، وإلَّا فهو متحايل أيضًا.
المحتويات
مَنْحُ التأمين الصحي -كشفًا وعلاجًا- لموظفي الخدمة المدنية له لوائح تضبطه، وإجراءات تنظمه، وتسري أحكامه على جميع العاملين المدنيين بالجهاز الإداري بالدولة.
ومن المقرر أنَّ العلاقة بين الموظف وبين صاحب العمل -حكوميًّا أو عامًّا أو خاصًّا- تُكَيَّف من الناحية الفقهية على أنها علاقة إجارة؛ لأن الإجارة عقدٌ على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبَذْل والإباحة بعِوَضٍ مَعلوم؛ كما في "مغني المحتاج" للعلامة الخطيب الشربيني الشافعي (3/ 438، ط. دار الكتب العلمية)؛ سواء تعلقت الإجارة بشخص مُعَيَّن أو تعلقت بعمل مُحَدَّد يُطلب إنجازه؛ وذلك لأن الإجارة إما أن تكون متعلقة بعين، وإما أن تكون على الذمة؛ قال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين" (ص: 159، ط. دار الفكر): [وهي قسمان: واردة على عين؛ كإجارة العقار، ودابة، أو شخص معينين، وعلى الذمة؛ كاستئجار دابة موصوفة، وبأن يلزم ذمته خياطة أو بناء] اهـ.
وهذه العلاقة إنما تنضبط وفق العقد المبرم بين الطرفين؛ الموظف وصاحب العمل: فيجب على كلٍّ منهما الالتزام بما تضمنه من بنود، والتقيد بما فيه من شروط، وقد أمرت الشريعة بالوفاء بالعقود، والمحافظة على العهود؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1].
قال الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (6/ 32، ط. دار الكتب المصرية): [أمر الله سبحانه بالوفاء بالعقود، قال الحَسَن: يعني بذلك عقود الدَّيْن، وهي ما عَقَدَه المرء على نفسه؛ من بيع، وشراء، وإجارة، وكِراء، ومناكحة، وطلاق، ومزارعة، ومصالحة، وتمليك، وتخيير، وعتق، وتدبير، وغير ذلك من الأمور] اهـ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ مَا وَافَقَ الْحَقَّ مِنْهَا» رواه أبو داود في "السنن"، وابن حبَّان في "الصحيح"، والدارقطني في "السنن"، والحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "السنن الكبرى والصغرى" و"شعب الإيمان".
توفير العلاج للعاملين بقطاعات الدولة العامة والخاصة عن طريق هيئة التأمين الصحي هو من الاحتياجات الأساسية التي تدعمها الدولة، وتلتزم بتوفيرها، سواء كانت خدمات تشخيصية، أو علاجية، أو تأهيلية، أو فحوصات طبية أو معملية، فتتحمل الدولة أعباء ذلك من أجل تقديم الرعاية الطبية للمؤمن عليهم طبقًا للأوضاع والمستويات المقرَّرة، وذلك كله في حدود السياسة العامة التي يضعها المجلس الأعلى للتأمين الصحي، والتي تتفاوت لوائحها حسب جهات العمل المنظمة لها.
والاستفادة من التأمين الصحي لغير المستحقين له يُعد شرعًا ضربًا من ضروب الاعتداء على المال العام، واستيلاء على حق الغير بغير حق، وفي ذلك ظلمٌ وعدوان على الحقوق وأكلٌ لها بالباطل، وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء: 29]، ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» متفق عليه من حديث أبي بَكرةَ رضي الله تعالى عنه.
كما أن قيام العاملين بوزارة الصحة أو مَن استُؤمن على إيصال هذا الدواء إلى مواضعه المخصصة له بإعطائه لمن لا يستحقه ولمن لم يُؤذَن لهم في الاستفادة منه حسب اللوائح يُعَدُّ أيضًا خيانةً للأمانة التي ائتمنهم الله تعالى عليها ورسولُه صلى الله عليه وآله وسلم، وائتمنهم عليها المجتمع؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ [الأنفال: 58].
كما أن في فعلهم هذا تبديد للمال العام؛ لأنهم مستأمنون على هذا الدواء المدعوم حتى يحصل عليه المستفيدون، فتفريطهم في الأمانة مشاركة في الاستيلاء على حقوق الناس، كما أن في فعلهم هذا مخالفة لوليّ الأمر، وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59].
وقد جعل الشرع الشريف حفظ الأمانةِ ومراقبة الله تعالى في القول والعمل أمرًا واجبًا شرعًا؛ صيانة للحقوق وتبرئةً للذِّمَّة؛ فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58]، وقال جلَّ شأنه: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: 8].
وهذه النصوص عامة في جميع الأمانات الواجبة؛ سواء كانت من حقوق الله تعالى وحقوق نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من الأوامر والنواهي، أو كانت من الحقوق المتعلقة بالعباد كالودائع والرهائن ونحوهما، أو من الحقوق المتعلقة بواجب الإنسان تجاه وطنه ومجتمعه؛ كالخدمة العسكرية، والحفاظ على المال العام، واحترام النظام والقانون، ونحو ذلك؛ قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (4/ 168، ط. المطبعة العلمية): [قال أبو عبيد: لا نراه خص به الخيانة في أمانات الناس دون ما فرض الله على عباده وائتمَنَهُم عليه؛ فإنه قد سمى ذلك كله أمانة؛ فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27]؛ فمن ضيَّع شيئًا ممَّا أمر الله أو ارتكب شيئًا مما نهاه الله عنه فليس بعدل؛ لأنه قد لزمه اسم الخيانة] اهـ.
وقال الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (14/ 253): [والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور] اهـ.
بناءً على ذلك: فصرف العلاج التأميني لكَ كموظف إنما يكون الحكم عليه حسب مطابقته للوائح والنظم التي تنظمها جهة العمل التي تعمل بها، والتي التزمتَ بها عند توقيعكَ عقدَ العمل، وما دام أن صرف العلاج لصديقك مخالفٌ للوائحها وشروطها؛ فلا يجوز لك شرعًا صرف هذا العلاج على أنه لك لمجرد اتفاقك مع الصيدلي؛ لِما في ذلك من الخداع والتحايل وخيانة الأمانة، وأخذ المال بغير حقِّه، والاستيلاء على المال العام. ولا بد للصيدلي أن يتحرى إيصال العلاج لمستحقيه دون تقصيرٍ أو تهاونٍ، وإلَّا فهو متحايل أيضًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائل يقول: قمت بعمل وثيقة تأمين لصالح أولادي؛ فهل تجب عليَّ زكاة في هذه الوثيقة؟
حكم تحديد المستفيدين من صندوق الرعاية الاجتماعية بإحدى المصالح الحكومية؛ فقد أنشأت مصلحة الجمارك صندوقًا للرعاية الاجتماعية للعاملين وذلك عن طريق صرف مكافآت مالية تصرف له ولأسرته عند الإحالة للمعاش، وفي حالة الوفاة، وفي حالة العجز الكلي، مقابل اشتراك شهري يخصم من مرتب وأجر العضو المشترك بالصندوق. علمًا بأنه منصوص في العقد في الفقرة "ب" من المادة/ (32) من لائحة النظام الأساسي للصندوق ما يلي: "يصرف للعضو -أو لورثته، أو للمستفيدين الذين يحددهم العضو كتابة حال حياته بحسب الأحوال- مكافأة بواقع أربعين شهرًا من آخر مرتب أساسي ومتغير مستحق للعامل". ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي في الآتي: هل قيام العضو بتحديد أشخاص كتابةً حال حياته لصرف المكافأة بعد وفاته يتفق وأحكام الدين أم لا؟
يقول السائل: دخلت أحد المتاجر لأشتري هاتفًا محمولًا، وبعد اختيار النوع ومعاينته وفحصه والاتفاق عليه، قمت بدفع ثمنه كاملًا، إلا أنه سقط من البائع على الأرض قبل أن أستلمه منه فانكسر، فأعطاني غيره، وأنا أخاف من الظلم؛ فهل يجب عليَّ أن أتحمل شيئًا من ثمن الهاتف المكسور؟
ما حكم صرف مبلغ مؤخر صداق الزوجة من مستحقات زوجها المتوفى قبل توزيعها على الورثة؟ فنحن شركة تعمل في مجال الخدمات البترولية وقد توفي أحد العاملين بالشركة وتقدمت زوجته بطلب للشركة مرفق به وثيقة عقد زواجها من المتوفى مثبت بها صداق وقدره عشرون ألف جنيه، وكذا إشهاد وفاة ووراثة مثبت به أنها أحد الورثة، ويتضمن طلبها أن تقوم الشركة بصرف مبلغ مؤخر الصداق لها من مستحقات زوجها والتي تتضمن: (صافي مستحقات (التركة)، ومكافأة نهاية الخدمة، وقيمة التعويض المستحق من التأمين الجماعي، ومصاريف الجنازة) قبل توزيعها على الورثة، وفي ضوء ما سبق نلتمس من سيادتكم إفادتنا بفتوى في تلك الحالة حتى يتسنى للشركة استقطاع مبلغ مؤخر الصداق المشار إليه من التركة وصرفه للمذكورة من عدمه.
نظرًا لمجهوداتكم لإنارة الحق في المسائل التي تخص الأمة الإسلامية، وإيضاح الحلال والحرام؛ عملًا بقوله تعالى:﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأنبياء: 7]؛ لذلك اطلب من سيادتكم فتوى في تعاملاتنا مع البنوك في الأمور الآتية:
1- التأمين على المصنع ضد بعض المخاطر، مثل: الحريق والسرقة؛ نظرًا للمخاطر التي تتعرض لها المنشأة؛ لذلك توجد شركات تأمين تقوم بالتأمين مقابل مبلغ سنوي ثابت متفق عليه في العقد، وفي حدوث أي خطر منها تقوم شركة التأمين بدفع القيمة المقدرة لهذه المنشأة أو نسبة منها حسب اتفاق الطرفين.
2- التأمين على سيارات الشركة ضد الحوادث والسرقات.
3- التأمين على بعض الموظفين ضد السرقة.
ولسيادتكم جزيل الشكر.
سائل يقول: اشترك رجلٌ في المظلة التأمينية، وتضمن طلب اشتراكه إقراره بتوزيع مبلغ الوثيقة على زوجته وابنه بالتساوي بينهما، وبعد هذا الإقرار تُوفّي الابن حال حياة الوالد، ثم توفي الرجل بعده وانحصر إرثه الشرعي وفقًا لإعلام الوراثة في زوجته وأخيه. فكيف يُوزّع مبلغ الوثيقة الخاصة بالرجل المذكور على الورثة؟