ما حكم غسل الرجل لزوجته المتوفاة بفيروس كورونا؟ حيث إنه بسبب تزايد أعداد المتوفين بهذا الوباء اضطر كثير من الرجال لتغسيل زوجاتهم؛ لعدم سهولة توفير من يُغسِّلهن من النساء؛ نظرًا للخوف من العدوى؟
يجوز للزوج أن يُغسل زوجته المتوفاة على الإطلاق؛ سواء وُجِدَتْ النساء اللاتي يُغَسِّلْنَها من محارمها أو الأجنبيات عنها أم لم يُوجَدْنَ؛ أخذًا بمذهب جمهور العلماء في ذلك، وسواء أكانت الوفاة بسبب وباء كورونا أم بسبب آخر، كما يجوز له أيضًا في حالة الضرورة -كالموت بسبب فيروس كورونا- الاكتفاءُ بأن يُـيَـمِّمَها فقط؛ أخذًا بمذهب السادة الحنفية، والأمر في ذلك واسع، مع التنبيه الأكيد على وجوب أخذ القائم بالغُسل للتدابير الوقائية اللازمة والإجراءات الاحترازية؛ تحرزًا من عدوى الوباء؛ حفاظًا على صحته وحياته.
المحتويات
شرع الله تعالى الغسل تنظيفًا لجسد المتوفى، وتكريمًا له، وغُسل الميت فرض كفاية بالإجماع؛ فإذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، وإن لم يقم به أحد من المسلمين مع علمهم به أثموا جميعًا، فكان تمام الغسل من جانب البعض مسقطًا للإثم في حق الباقين؛ وذلك لتمام المقصود، ووجوبُ غسل المسلم كوجوب الصلاة عليه؛ لأن غسل الميت والصلاة عليه متلازمان؛ شأنهما في ذلك شأن تكفين الميت وإدخاله القبر.
الأصل في غُسل المرأة أن تغسلها النساء، وفي غسل الرجل أن يغسله الرجال، وذلك لأن النظر إلى العورة منهي عنه شرعًا، لقول الله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجهمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُم﴾ [النور: 30].
قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 103، ط. المكتب الإسلامي): [الأصل أن يُغسل الرجالُ الرجالَ، والنساءُ النساءَ، وأوْلى الرجال بالرجل أولاهم بالصلاة عليه.. والنساء أولى بغسل المرأة بكل حال. وليس للرجل غسل المرأة إلا لأحد أسباب ثلاثة: أحدها: الزوجية. الثاني: المحرمية. الثالث: ملك اليمين] اهــ.
جمهور الفقهاء يجيزون للزوج تغسيل زوجته المتوفاة، خلافًا للحنفية؛ حيث انقطع عقد النكاح عندهم بالموت، فأصبح الزوج أجنبيًّا عنها، فلم يجز له النظر إليها ولا مسُّها، فإذا ماتت الزوجة بين رجال وكان بينهم زوجُها يمَّمها زوجُها؛ تنزيلًا للتيمم منزلة الغسل للضرورة.
جاء في "حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح" (1/ 572، ط. دار الكتب العلمية): [الرجل لا يغسل زوجته؛ لانقطاع النكاح، وإذا لم توجد امرأة لتغسيلها يـُيَـمِّمُها، وليس عليه غض بصره عن ذراعيها، بخلاف الأجنبي] اهـ.
وأما الجمهور فيستدلون على الجواز بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها: «مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي، فَقُمْتُ عَلَيْكِ، فَغَسَّلْتُكِ، وَكَفَّنْتُكِ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ، وَدَفَنْتُكِ» رواه الإمام أحمد في "مسنده" وابن ماجه في "السنن"، وصححه ابن حبان.
وعن أسماءَ بنتِ عُمَيْسٍ رضي الله عنها أنَّ فاطمةَ رضي لله عنها «أَوْصَتْ أَنْ يُغَسِّلَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ وَأَسْمَاءُ فَغَسَّلَاهَا» رواه الإمام الشافعي في "مسنده"، وابن شبة في "تاريخ المدينة" والدارقطني في "سننه" وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير": ورواه البيهقي من وجه آخر عن أسماء بنت عميس، وإسناده حسن.
فعند المالكية: يغسل الرجل زوجته حتى مع وجود النساء، ويقدم الزوج عندهم في تغسيل زوجته، وتُقدم الزوجة في تغسيل زوجها وإن أوصى كل واحد منهما بخلاف ذلك.
جاء في "المدونة" (1/ 260، ط. دار الكتب): [قال: وسأَلْتُهُ عَنْ الرَّجُلِ يُغَسِّلُ امْرَأَتَهُ فِي الْحَضَرِ وعِنْدَهُ نِسَاءٌ يَغْسِلْنَهَا؟ فقال: نعم] اهـ.
وقال العلامة الدسوقي المالكي في "حاشية على الشرح الكبير" (1/ 408، ط. دار الفكر): [وَقُدِّمَ عَلَى الْعَصَبَةِ الزَّوْجَانِ؛ أَي: الْحَيُّ مِنْهُمَا فِي تَغْسِيلِ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا وَلَوْ أَوْصَى بِخِلَافِه] اهـ.
وعند الشافعية: يجوز للزوج تغسيل زوجته المتوفاة على العموم دونما قيد حتى مع وجود النساء؛ لأن حقوق النكاح لا تنتهي بالموت؛ بدليل وجود الميراث، وهو أثر ترتب على النكاح، ولذلك كانت حقوق الزوجية مستمرة.
قال الإمام الشافعي في "الأم" (1/ 322، ط. دار المعرفة): [تغسل المرأة زوجها، والرجل امرأته] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 302، ط. دار الكتاب الإسلامي): [لِلرَّجُلِ غَسْلُ زَوْجَتِهِ وَلَوْ كِتَابِيَّةً وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا؛ لِأَنَّ حُقُوقَ النِّكَاحِ لَا تَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ، بِدَلِيلِ التَّوَارُثِ] اهـ.
وعند الحنابلة: يغسل الزوج زوجته والزوجة تغسل زوجها.
جاء في "مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني" (ص: 212، ط. مكتبة ابن تيمية): [سمعت أحمد بن محمد بن حنبل، سئل عن الرجل يغسل امرأته؟ قال: "بلى، ما اختلفوا فيه، لا بأس به، والمرأة وتغسل زوجها أيضًا"] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 390، ط. مكتبة القاهرة):
[قال: "وإن دعت الضرورة إلى أن يغسل الرجل زوجته، فلا بأس":
المشهور عن أحمد: أن للزوج غسل امرأته. وهو قول علقمة، وعبد الرحمن بن يزيد بن الأسود، وجابر بن زيد، وسليمان بن يسار، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وقتادة، وحماد، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق.
وعن أحمد رواية ثانية: ليس للزوج غسلها. وهو قول أبي حنيفة، والثوري؛ لأن الموت فرقة تبيح أختها، وأربعًا سواها، فحرمت النظر واللمس، كالطلاق.
ولنا: ما روى ابن المنذر أن عليًّا رضي الله عنه غسَّل فاطمة رضي الله عنها، واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكروه، فكان إجماعًا.
ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: «لَوْ مِتّ قَبْلِي لَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ» رواه ابن ماجه، والأصل في إضافة الفعل إلى الشخص أن يكون للمباشرة، وحمله على الأمر يبطل فائدة التخصيص.
ولأنه أحد الزوجين، فأبيح له غسل صاحبه كالآخر؛ والمعنى فيه: أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه اطلاع الآخر على عورته دون غيره، لما كان بينهما في الحياة، ويأتي بالغسل على أكمل ما يمكنه، لما بينهما من المودة والرحمة.
وما قاسوا عليه لا يصح؛ لأنه يمنع الزوجة من النظر، وهذا بخلافه، ولأنه لا فرق بين الزوجين إلا بقاء العدة، ولا أثر لها، بدليل ما لو مات المطلق ثلاثًا، فإنه لا يجوز لها غسله مع العدة، ولأن المرأة لو وضعت حملها عقب موته كان لها غسله، ولا عدة عليها.
وقول الخرقي "وإن دعت الضرورة إلى أن يغسل الرجل زوجته فلا بأس" يعني به: أنه يكره له غسلها مع وجود من يغسلها سواه؛ لما فيه من الخلاف والشبهة، ولم يُرِدْ أنه محرم؛ فإن غُسْلَها لو كان محرَّمًا لم تبحه الضرورة، كغسل ذوات محارمه والأجنبيات] اهـ.
وهذا الخلاف بين الفقهاء في جواز غسل الرجل لزوجته المتوفاة إنما هو في الحالة المعتادة، أما حالة الوباء فهي حالة ضرورة يؤخَذ فيها بالمتاح من غير جناح؛ لأنه إذا ضاق الأمر اتسع.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يجوز للزوج أن يُغسل زوجته المتوفاة على الإطلاق؛ سواء وُجِدَتْ النساء اللاتي يُغَسِّلْنَها من محارمها أو الأجنبيات عنها أم لم يُوجَدْنَ؛ أخذًا بمذهب جمهور العلماء في ذلك، وسواء أكانت الوفاة بسبب وباء كورونا أم بسبب آخر، كما يجوز له أيضًا في حالة الضرورة -كالموت بسبب فيروس كورونا- الاكتفاءُ بأن يُـيَـمِّمَها فقط؛ أخذًا بمذهب السادة الحنفية، والأمر في ذلك واسع، مع التنبيه الأكيد على وجوب أخذ القائم بالغسل للتدابير الوقائية اللازمة والإجراءات الاحترازية؛ تحرزًا من عدوى الوباء؛ حفاظًا على صحته وحياته.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
في ظل انتشار الوباء في هذه الآونة: هل يكتفي الإنسان بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو يستعين في ذلك بما ورد من الأدعية والأذكار غيرِ المأثورة الواردة عن العلماء والأولياء، بما يُعرف بالمجربات؟
ما حكم التطعيم بلقاح كورونا؛ فقد ورد طلب مُقدَّم من معالي السيد/ وزير الشؤون الإسلامية بماليزيا، والمتضمن:
توافقًا وتماشيًا مع القضايا الفقهية المستجدة المعاصرة لواقعنا، وانطلاقًا من قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، تلتمس وزارة الشئون الإسلامية بماليزيا تبيين وتوضيح أحكام جائحة (كوفيد-19) كورونا المستجد، ومع ترقب إطلاق لقاح فيروس (كوفيد-19)، وما له من أهمية وأثر بالغين، وحيث إن موضوع الحل والحرمة أمر حساس، وله شأن كبير لدى المسلمين عامة، والماليزيين خاصة؛ فإننا نلتمس من دار الإفتاء المصرية المحترمة موافاتنا بحكم استخدام اللقاح بشكل فقهيٍّ منضبط ومؤصل، وذلك حرصًا لخدمة الدين الحنيف، ومواءمة لروح العصر وأحكامه؟ شاكرين لكم حسن إسهامكم لخدمة دين الله وأحكامه، ومشاركتكم لنا في ذلك.
ما مدى مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلبًا لرفع الوباء؟ وهل للإكثار منها أثرٌ في الوقاية من العدوى؟
ما مشروعية تخصيص جزء من المسجد أو إنشاء دور علوي ليكون مصلًّى خاصًّا بالنساء وحدهن؟ هل هو بدعة؟
السؤال عن تجديد الخطاب الديني، وما هي مناهجه؟
ما حكم تقبيل الحجر الأسود وملامسته في أزمنة الوباء؟ حيث اقترب موسم أداء فريضة الحج، ومما يستحب للحاج فعله تقبيل الحجر الأسود وملامسته، والآن ومع انتشار فيروس كورونا القاتل، وسرعة انتشاره عن طريق العدوى من رذاذ المصاب به أصبح تقبيل الحجر الأسود وتزاحم الناس على فعل ذلك قد يكون سببًا للتعرض للعدوى والإيذاء، فما حكم الامتناع عن تقبيل الحجر الأسود في هذه الحالة؟