الأربعاء 10 ديسمبر 2025م – 19 جُمادى الآخرة 1447 هـ

حكم لعن إنسان معين

تاريخ الفتوى: 16 يناير 2019 م
رقم الفتوى: 4699
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: آداب وأخلاق
حكم لعن إنسان معين

ما حكم لعن المُعَيَّن المسلم أو الكافر؟

لعن المعيَّن سواء أكان مسلمًا عاصيًا أو غير عاصٍ أم كان كافرًا حرامٌ شرعًا، إلا مَن لعنه الشرع بخصوصه أو دلَّت النصوص الشرعية على أنه مات على الكفر أو يموت عليه؛ كأبي جهل وإبليس، وعلة التحريم أنه غير هؤلاء لا يعرف حاله وخاتمة أمره معرفة قطعية. أما إذا كان اللعن لا يتعلق بمُعَيَّن، وإنما يتعلق بنوعٍ ما قد لعنه الشرع من غير تعيين؛ كقول: ﴿لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾؛ فهو جائز.

المحتويات

مفهوم اللعن

مادة: اللام والعين والنون أصل صحيح يدل على إبعاد وطرد، وإذا كان اللعن من الله تعالى فهو الإبعاد والطرد من الخير، وإذا كان من البشر فهو سبٌّ ودعاء. انظر: "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس (5/ 252، ط. دار الفكر)، و"تاج العروس" للزبيدي (36/ 118، ط. دار الهداية).
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (1/ 406، ط. دار المعرفة): [اللعن: وهو الدعاء بالإبعاد من رحمة الله تعالى] اهـ.

ما ورد في السنة النبوية من الترهيب من اللعن

جاء في السنة الترهيب من اللعن بوجه عام، وبَيَّن النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم أن اللعن من الخصال المذمومة التي لا تعتبر من خصال المؤمن الحق؛ فروى أبو داود في "السنن" عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم قال: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ، فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا، ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ، فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا، وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا».
وروى عنه أيضًا أن النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم قال: «لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ».
وروى أبو داود والترمذي في "سننهما" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم قال: «مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ».
ونهى النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم عن التلاعن؛ فروى أبو داود في "سننه" عن سَمُرَةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه، أن النبيّ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم قال: «لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللهِ، وَلَا بِغَضَبِ اللهِ، وَلَا بِالنَّارِ».
وروى أحمد في "مسنده" عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ، وَلَا بِلَعَّانٍ، وَلَا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ».

بيان حكم لعن إنسان معين

أما حكم اللعن: فمحل تفصيل؛ وذلك كما يلي:
أولا: إذا كان اللعن لا يتعلق بمُعَيَّن، وإنما كان متعلقًا بنوعٍ ما قد لعنه الشرع؛ كالكافر أو الفاسق أو الظالم: فهذا جائزٌ؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [البقرة: 161]، وقال تعالى: ﴿لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: 44]، وقال تعالى: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: 18].
قال الإمام ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 96، ط. دار الفكر): [أما لعن غير المُعَيَّن بالشخص، وإنما عُيِّنَ بالوصف؛ بنحو: لعن الله الكاذب: فجائزٌ إجماعًا] اهـ.
ومع ذلك فإن النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم لما قيل له: ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، قال: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» رواه مسلم في "الصحيح".

ثانيًا: إذا كان اللعن يتعلق بمُعَيَّن قد لعنه الشرع بخصوصه؛ كإبليس أو كأبي لهب: فإنه يجوز لعنه حينئذٍ.
قال العلامة ابن مفلح في "الآداب الشرعية": (1/ 277، ط. عالم الكتب): [يجوز لعن من ورد النص بلَعنِه، ولا يأثم عليه في تركه] اهـ.

ثالثًا: إذا كان المُعَيَّن هذا مسلمًا لم يتعلق به لعن من الشرع: فيحرم لعنه؛ لما رواه البخاري في "الصحيح" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلًا على عهد النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارًا، وكان يُضحِكُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم، وكان النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم قد جَلَده في الشَّراب، فأُتِيَ به يومًا فأمر به فجلد، فقال رجلٌ من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم: «لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ».
ولما رواه البخاري ومسلم في "الصحيحين" عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم قال: «وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ»؛ قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (16/ 148-149، ط. دار إحياء التراث العربي): [لأن القاتل يقطعه عن منافع الدنيا، وهذا يقطعه عن نعيم الآخرة ورحمة الله تعالى، وقيل: معنى لعن المؤمن كقتله في الإثم، وهذا أظهر] اهـ.
وقال الإمام البجيرمي الشافعي في حاشيته على "الإقناع" (3/ 19، ط. دار الفكر): [ولعن المسلم المعيّن حرام بإجماع المسلمين] اهـ.

رابعًا: إذا كان المُعًيَّن من أصحاب الكفر أو المعاصي: فلا يجوز لعنه أيضًا؛ لما رواه الترمذي في "سننه" عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم قال يوم أُحد: «اللَّهُمَّ العَنْ أَبَا سُفْيَانَ، اللَّهُمَّ العَنِ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ العَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ»، فنزلت: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [آل عمران: 128]، فتاب الله عليهم فأسلموا فحسن إسلامهم.
ولأن اللعن إبعادٌ عن رحمة الله، وهذا لا يجوز في حق مجهول العاقبة؛ قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (2/ 67): [واتفق العلماء على تحريم اللعن؛ فإنه في اللغة: الإبعاد والطَّرد، وفي الشرع: الإبعاد من رحمة الله تعالى، فلا يجوز أن يبعد من رحمة الله تعالى من لا يعرف حاله وخاتمة أمره معرفة قطعية، فلهذا قالوا: لا يجوز لعن أحد بعينه مسلمًا كان أو كافرًا أو دابة، إلا مَن علمنا بنص شرعي أنه مات على الكفر أو يموت عليه؛ كأبي جهل وإبليس. وأما اللعن بالوصف فليس بحرام؛ كلعن الظالمين، والفاسقين، والكافرين، وغير ذلك مما جاءت به النصوص الشرعية بإطلاقه على الأوصاف، لا على الأعيان، والله أعلم] اهـ بتصرف.

الخلاصة

اللعن إذا كان لا يتعلق بمُعَيَّن، وإنما يتعلق بنوعٍ ما قد لعنه الشرع، أو كان يتعلق بمُعَيَّن قد لعنه الشرع بخصوصه؛ فهو جائز، وأما إذا تعلق بمعيّن؛ سواء أكان ذلك المُعَيَّن مسلمًا -عاصيًا أو غير عاصٍ- أم كافرًا؛ فيحرم لعنه حينئذٍ.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما هو الثواب الذي أعده الله لمَن يعمل على إماطة الأذى عن طريق الناس ويقوم بذلك؟


ما فضل محبة النبي عليه الصلاة والسلام؟ حيث أجد نفسي دائمًا مشتاقًا لسماع اسم رسول الله عليه السلام ومدحه؛ حبًّا له وتعلقًا به عليه الصلاة والسلام؛ فهل ذلك موافق لما ورد في الشرع؟ أفيدونا أفادكم الله.


هل ورد في السنة النبوية المطهرة ما يُفِيدُ أنَّ المسلمَ إذا سلَّم على أخيه المسلم أو صافحه غفر الله لهما قبل تفرقهما؟


ما الحكم الشرعي لتهرب الخاضع للضريبة من سداد ما فرضته عليه مصلحة الضرائب الحكومية، بحجة أن تقديراتها غير عادلة وظالمة؟


ما حكم الوضوء وذكر الله عند الغضب؟ حيث كثيرًا ما ينتابني غضبٌ شديد؛ فأقوم ببعض التصرفات أو أتخذ بعض القرارات غير الصحيحة، وهذا يؤلمني جدًّا؛ خصوصًا وأنا شخص سريع الغضب. ونصحني البعض بأن أذكر الله وأتوضأ فإن هذا يزيل الغضب.


ما حكم الشماتة في الموت وبيان عواقبها؟ حيث إن الشماتة في الموت من الأخلاق الذميمة؛ فنرجو منكم بيانًا في التحذير من ذلك وبيان عواقبه؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :8
الشروق
6 :40
الظهر
11 : 48
العصر
2:37
المغرب
4 : 55
العشاء
6 :18