الشهرة وضوابطها

تاريخ الفتوى: 03 يناير 2013 م
رقم الفتوى: 4198
من فتاوى: أمانة الفتوى
التصنيف: آداب وأخلاق
الشهرة وضوابطها

ما حكم الشُّهرة، وما ضَوابِطُها، وهل منها ما هو مذمومٌ؟

المحتويات

 

بيان مفهوم الشهرة

الشُّهْرَةُ: ظُهورُ الشيءِ في شُنْعَةٍ، والشَّهيرُ والمَشْهورُ: المَعْرُوفُ المكانِ المذكورُ، والنَّبيه. راجع: "القاموس المحيط" (ص: 412، ط. مؤسسة الرسالة).

قال ابن منظور في "لسان العرب" (4/ 332، مادة: ش هـ ر): [الشُّهْرَةُ: ظُهُور الشَّيء في شُنْعَة حَتَّى يَشْهَره النَّاس، قال الجَوْهري: الشُّهْرَة: وضوح الأَمر، والشَّهْرُ: القمر، سمي بذلك لشهرته وظُهوره، وقال الزَّجَّاج: سُمِّي الشهر شهرًا لشهرته وبيانه] اهـ.

ضوابط الشهرة وهل منها ما هو مذموم

الشهرة إن كانت من طلب الشخص فهي مكروهة؛ فقد روي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «حَسَبُ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ -إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللهُ- أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِ النَّاسُ بِالْأَصَابِعِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ» رواه البيهقي في "شعب الإيمان"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللهُ» رواه الطبراني في "مسند الشَّاميين".
وكان السلف الصالح يكرهون طلب الشهرة؛ فقد ورد في "التواضع والخمول" لابن أبي الدنيا (1/ 63): [قال أيوب السختياني رحمه الله: "مَا صَدَقَ اللهَ عَبْدٌ إِلا سَرَّهُ أَنْ لا يُشْعَرَ بِمَكَانِهِ"] اهـ.
وفي "سير أعلام النبلاء" (7/ 73): [عن عَبْد الرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ، عَنْ طَالُوْتَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَم يَقُوْلُ: "مَا صَدَقَ اللهَ عبدٌ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ"] اهـ.
وإن كانت الشهرة من الله تعالى -من غير تكلُّف طلب الشهرة منه- لنشر دينه فهي محمودة.
قال الإمام أبو حامد الغزالي في "الإحياء" (10/ 1830، 1834، ط. دار الشعب): [اعْلَمْ -أَصْلَحَكَ اللهُ- أَنَّ أَصْلَ الْجَاهِ هُوَ: انْتِشَارُ الصِّيتِ، وَالِاشْتِهَارِ. وَهُوَ مَذْمُومٌ، بَلِ الْمَحْمُودُ: الخُمُولُ، إِلَّا مَنْ شَهَرَهُ اللهُ تَعَالَى لِنَشْرِ دِينِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفِ طَلَبِ الشُّهْرَةِ مِنْهُ.. وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبَ بِالشُّهْرَةِ وَانْتِشَارِ الصِّيتِ هُوَ الْجَاهُ وَالْمَنْزِلَةُ فِي القُلُوبِ، وَحُبُّ الجَاهِ هُوَ مَنْشَأُ كُلِّ فَسَادٍ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَأَيُّ شَهْوَةٍ تَزيِدُ عَلَى شُهْرَةِ الأَنْبِيَاءِ وَالخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَأَئِمَّةِ العُلَمَاءِ، فَكَيِفَ فَاتَهُمْ فَضِيلَةُ الخُمُولِ؟
فَاعْلَمْ: أَنَّ المَذْمُومَ طَلَبُ الشُّهْرَةِ، فَأَمَّا وُجُودُهَا مِنْ جِهَةِ اللهِ سُبحانَهُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ مِنَ الْعَبْدِ فَلَيْسَ بِمَذْمُومٍ، نَعَمْ، فِيْهِ فِتْنَةٌ عَلَى الضُّعَفَاءِ دُوْنَ الأَقْوِيَاءِ، وَهُمْ كَالْغَرِيقِ الضَّعِيفِ إِذَا كَانَ مَعَهُ جَمَاعَةً مِنَ الْغَرْقَى؛ فَالأَوْلَى بِهِ أَنْ لَا يَعْرِفَه أَحَدٌ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّهمْ يَتَعَلَّقُونَ بِهِ فَيَضْعُف عَنْهُم، فَيَهْلِكَ مَعَهُمْ، وَأَمَّا القَوِيُّ فَالأَوْلَى أَنْ يَعْرِفَهُ الغَرْقَى؛ لِيَتَعَلَّقُوا بِهِ، فَيُنَجِّيهم، وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ] اهـ.
قال العلَّامة الخادمي الحنفي -بعد حديثِ أنسٍ رضي الله عنه- في "بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية" (2/ 52، ط. الحلبي): [ولِذا كانت الشُهرةُ آفةً -يعني في الدين والدنيا-:
- أمَّا الدِّيْن: فلكونه منبعًا لنحو العُجْبِ، والاعتمادِ على العمل والرِّياءِ وآلةً لجمع الدنيا، وقيل: إنَّ الشهرةَ فيه إنما تكونُ بإِحداثِ بِدعةٍ عظيمةٍ فيه خفاءً.
- وأما الدنيا: فلكونه منبعًا لنحو الظُّلمِ والكِبرِ والإِعراضِ عن الطَّاعاتِ والتَّعمُّقِ في الأَغراضِ الدنيويَّة] اهـ.

وعلى ذلك: فطلب الإنسان الشهرة لنفسه مذمومٌ كما يُكرَهُ ما يؤدِّي إلى الطَّلب، وإن لم يَطْلُب؛ كلبسهِ لباس الشهرة؛ أي: ما يَشتهِر به عند النَّاس ويُشار إليه بالأَصابِع؛ فقد رُوي -مرفوعًا- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الشهرتين. فقيل: يا رسول الله، وما الشهرتان؟ قال: «رِقَّةُ الثِّيَابِ وَغِلَظُهَا، وَلِينُهَا وَخُشُونَتُهَا، وَطُولُهَا وَقِصَرُهَا، وَلَكِنْ سَدَادٌ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَاقْتِصَادٌ» أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان".
وأخرج أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما -مرفوعًا- أن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قال: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أبو داود وغيره.
قال الشيخ البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 278، ط. دار الفكر): [(وَيُكْرَهُ لُبْسُ مَا فِيهِ شُهْرَةٌ) أَيْ: مَا يَشْتَهِرُ بِهِ عِنْدَ النَّاسِ وَيُشَارُ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى حَمْلِهِمْ عَلَى غِيبَتِهِ، فَيُشَارِكُهُمْ فِي إثْمِ الْغِيبَةِ.
(وَيَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ: فِي ثَوْبِ الشُّهْرَةِ (خِلَافُ) زِيّهِ (الْمُعْتَادِ؛ كَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا مَقْلُوبًا، أَوْ مُحَوَّلًا، كَجُبَّةٍ أَوْ قَبَاءَ) مُحَوَّلٍ (كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْجَفَاءِ وَالسَّخَافَةِ).
وَكَانَ الْحَسَنُ رضي الله عنه يَقُولُ: "إنَّ قَوْمًا جَعَلُوا خُشُوعَهُمْ فِي اللِّبَاسِ، وَشَهَرُوا أَنْفُسَهُمْ بِلِبَاسِ الصُّوفِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ بِمَا يَلْبَسُ مِنْ الصُّوفِ أَعْظَمُ كِبْرًا مِنْ صَاحِبِ الْمُطَرَّفِ بِمُطَرَّفِهِ".
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ: كَانَ الْعِلْمُ فِي صُدُورِ الرِّجَالِ، فَانْتَقَلَ إلَى جُلُودِ الضَّأْنِ، قُلْتُ: وَالْآنَ إلَى جُلُودِ السَّمُّورِ -وهو حيوان صغير الحجم-.
(وَيُكْرَهُ) لُبْسُ (خِلَافِ زِيِّ) أَهْلِ (بَلَدِهِ وَ) لُبْسُ (مُزْرٍ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ الشُّهْرَةِ (فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الِارْتِفَاعَ وَإِظْهَارَ التَّوَاضُعِ حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ رِيَاءٌ)] اهـ.

ومن ضوابِطها - أي الشهرة-: التخلق بأحسن الأخلاق؛ لأنه قدوة، ولا يجوز له التَّدنِّي إلى مستوى العوام؛ حتى لا يفتن الناسَ في دينهم.
وَحَدُّهَا المذموم: أن تطلب لغير الله، فتكون لطلب الجاه والسمعة؛ فقد روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللهُ بِهِ» أخرجه مسلم في "صحيحه"، والطبراني في "الأوسط".
والأَوْلَى أن لا تُطْلَبَ أصلًا، بل يكون مطلوبًا لها، لا طالبًا؛ قال الإمام أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين" (10/ 1830، ط. دار الشعب): [بَلِ الْمَحْمُودُ: الخُمُولُ، إِلَّا مَنْ شَهَرَهُ اللهُ تَعَالَى لِنَشْرِ دِينِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفِ طَلَبِ الشُّهْرَةِ مِنْهُ] اهـ.
وهذا لا ينافي قول الحق بضوابطه ولو أدى إلى الشُّهرَة، بشرط أن لا يَقْصِدَ الشهرة، أو طلب الجاه، أو السمعة؛ فالشُّهرة هنا عارضة له، وليست مقصودة ولا مطلوبة ولا متشوفًا لها.

الخلاصة

بناءً عليه: فإنَّ تكلُّفَ طلب الشهرة مذمومٌ، وهذا لا يمنعه من أمورٍ مشروعة، بل قد تكون واجبةً أو مستحبةً، مثل قول الحقِّ من غير التشوُّفِ إلى الشهرة أو استشرافِها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الشرع في هذه الأصوات التي انتشرت في الآونة الأخيرة وتطعن في أولياء الله الصالحين، وتنتقص من قدرهم ومكانتهم؟


ما حكم الشرع في اختلاء المسجون بزوجته؟


لي أخ شقيق يكبرني بسبعة أعوام قدَّر الله سبحانه أن يصاب بمرض نقص المناعة المكتسبة "الإيدز". فهل لزامًا عَليَّ أن أصارح مَن أريد خِطبتَها بمرض أخي؟ وهل إذا أخفيت هذا الأمر أكون آثمًا أو خائنًا أو أوقعت أهل العروس في الغش، وذلك حيث إنني أنوي إخفاء هذا الأمر إذا تقدمت للخطبة إذا كنتُ أنا سليمًا تمامًا من هذا المرض؟


نرجو منكم توضيح سبب تسمية مكة المكرمة بـ "أم القرى"، وبيان الحكمة من ذلك.


ما حكم رفع الصوت في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دون قصد؟ فقد وقف بعضنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند الرأس الشريف يسأله أن يدعو له مشتغلًا بالصلاة والسلام عليه متوسلًا به في حق نفسه مستشفعًا به إلى ربه، وبينا هو في ورد صلاةٍ عليه جاءه بعض العسكر فأمروه بالانصراف، فأبى إذ كان موقفه متأخرًا مبعدًا عن الطريق ليس فيه من إيذاء ولا تضييق على أحد، فجذبوه بالعنف حتى كادوا أن يمزقوا ثيابه وهو يقول نحوًا من: دعني، اتركني يا هذا، أنا مشتغلٌ بالصلاة على رسول الله، أنا في حمى رسول الله، ولم يجاوز نحو هذه الألفاظ، ثم تذكر أنه قد رفع صوته ببعضها دون أن يشعر مع شدة وطأة العسكر عليه رغم حرصه على ألا يرفع صوته هناك بشيء. فهل ترونه قد حبط عمله وضاعت حجته وزيارته، أم ترانا نسمع منكم ما يبشره ويسلي الله به قلبه ويفرج كربه؟ علمًا بأنه قد رأى بعدها في المنام أنه قد أصبح الإمام الراتب لمسجد رسول الله وبعض الناس يتربصون به، علمًا بأنه قصد موقفه الأول بعد ذلك مستخفيًا في الناس متنكرًا حتى لا تراه العسكر، فرأوه فجاءوا إليه مغمومين يطلبون العفو والسماح.


ورد في الشرع الشريف كثير من النصوص التي تفيد جواز مطالبة الإنسان بحقِّه وحرصه على ذلك، وكذلك هناك نصوص أخرى تفيد استحسان العفو عن الحقِّ، فكيف يمكن فهم ذلك؟ وهل هناك تعارض بين المطالبة بالحقِّ والعفو عنه، وأيهما أفضل؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 19 يوليو 2025 م
الفجر
4 :24
الشروق
6 :6
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 56
العشاء
9 :26