ما حكم التجارة في الملابس النسائية؟ فأنا أتاجر في الملابس النسائية (بناطيل جينز)، واعترض عليّ بعض الناس أنَّ ما أتاجر فيه حرامٌ شرعًا، فهل المتاجرة في الملابس النسائية كلها حرامٌ شرعًا أو لا؟
التجارة في الملابس النسائية جائزة شرعًا؛ لثبوت تحقق المنفعة فيها، ولأن السلعة ما دامت صالحة للاستعمال على الوجهين: وجه الحل والحرمة، فليس البائع مكلَّفًا أن يسأل المشتري فيم يستخدمها، وإذا استُعمِلَتْ في محرَّمٍ فإثم الحُرمة إنما يلحق مستعملها وحدَه، وليس على الصانع ولا على البائع ولا على المؤجِّر مِن حرج.
المحتويات
التجارة من الأمور المُجمع على مشروعيتها؛ حيث دعت حاجة الناس إليها؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في "الأم" (3/ 3، ط. دار المعرفة): [فأصل البيوع كلها مباحٌ إذا كانت برضا المتبايعين الجَائِزَي الأمر فيما تبايعا، إلا ما نَهَى عنه صلى الله عليه وآله وسلم منها، وما كان في معنى ما نهى عنه صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.
قال العلامة شيخي زاده الحنفي في "مجمع الأنهر" (2/ 3، ط. دار إحياء التراث العربي): [ومشروعية البيع بقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ﴾، وبالسنة وهي كثيرة، وبإجماع الأمة، وبالمعقول] اهـ.
قال العلامة علي حيدر الحنفي في "درر الحكام" (1/101، ط. دار الجليل): [أجمع الأئمة على مشروعية البيع، وأنه أحد أسباب التملك، وقيل: إن أفضل الكسب التجارة] اهـ.
الغرض من البيع والشراء هو تحقيق المنفعة؛ فكل ما كان في جنسه مباحًا ويحتمل المنفعة جاز بيعه وشراؤه؛ ولذلك فقد أجاز الفقهاء بيع الأجناس الطاهرة ولو كانت غير محترمة إذا اشتملت على منفعة.
قال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الاستذكار" (1/ 164، ط. دار الكتب العلمية): [ومعلومٌ أن ما جاز الانتفاع به جاز شراؤه وبيعه إلا ما خُص بدليل] اهـ.
وقال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني الشافعي في "نهاية المطلب" (5/ 499، ط. دار المنهاج): [فليكن التعويل في الفرق بين ما يتمول وما لا يُتَمَوَّل على المنفعة في الأجناس الطاهرة غير المحترمة، فلو أجدَّ الرجلُ صخرةً وكان فيها منفعةٌ ظاهرة، فيجوز أن يبيعها بآلاف ممن يشتريها] اهـ.
وقد نص الفقهاء على جواز بيع كل ما ليس محرمًا في عينه وإن احتمل استعماله فيما هو محرم.
قال الإمام الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (3/ 297، ط. المطبعة الأميرية): [والخشب الذي يُتخَذُ منه المعازفُ لا يُكرَه بيعُه؛ لأنه لا معصيةَ في عينها، وكذا لا يُكرَه بيعُ الجارية المغنِّيَة، والكبش النَّطُوح، والدِّيك المقاتل، والحمَامة الطيّارة؛ لأنه ليس عينُها منكرًا، وإنما المنكَر في استعماله المحظور] اهـ.
كما أنه من المقرر شرعًا أن الأصل في الأشياء الإباحة، ومنها الملبس؛ فالأصل في اللباس الحلّ، إلا ما جاء نص على حرمته؛ كالحرير المحرم على الرجال، وبعض الجلود التي لا تطهر بالدباغ؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ» متفق عليه.
واللباس الحسن من الزينة التي حث الشرع الشريف عليها؛ قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ﴾: الثياب" أخرجه عبد بن حميد، والطبري في "التفسير"، وكذلك قال عطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، وطاوس، فيما أخرجه الإمام الطبري في "تفسيره" عنهم.
وقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: 32].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إن الجاهلية كانوا يحرمون أشياءَ أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنزلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا﴾ [يونس: 59]، وهو هذا، فأنزل الله: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾" أخرجه الطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم في "التفسير".
والأمر باتخاذ الزينة كما يشمل أصل الثياب، يشمل أيضًا اختيار الحسَن منها، ويشمل غير ذلك مما يتزين به الإنسان أمام الناس، وكل ذلك داخل في الاستحباب ما لم يُنْهَ عنه شرعًا، ولم يكن فيه إسراف ولا مخيلة؛ فروى الإمام أحمد في "مسنده"، واللفظ له، ومسلم في "صحيحه"، وأبو داود والترمذي في "السنن" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، أنه قال رجلٌ: يا رسول الله، إني ليُعْجبني أن يكون ثوبي غَسيلًا، ورأسي دَهينًا، وشِرَاك نعلي جديدًا -وذكر أشياء، حتى ذكر علاَقة سوطَه- أَفَمِن الكِبْرِ ذَاكَ يا رسولِ الله؟ قال: «لَا، ذاكَ الجَمَالُ، إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ».
قد جُبلت طبيعة النساء على حب التزين، كما أنها مأمورةٌ به شرعًا لزوجها.
فعن بكرة بنت عقبة أنها دخلت على السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وهي جالسة في معصفرة، فسألتها عن الحناء، فقالت: "شجرة طيبة وماء طهور"، وسألتها عن الحِفَافِ (أي: الأخذ من الحاجبين) فقالت لها: "إِنْ كَانَ لَكِ زَوْجٌ فَاسْتَطَعْتِ أَنَّ تَنْزِعِي مُقْلَتَيْكِ فتضعيهما أَحْسَنَ مِمَّا هُمَا فَافْعَلِي" أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى".
وعن ابن ضمرة بن سعيد، عن جدته، عن امرأة من نسائهم، وكانت قد صلَّت القبلتين مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «اخْتَضِبِي، تَتْرُكُ إِحْدَاكُنَّ الْخِضَابَ حَتَّى تَكُونَ يَدُهَا كَيَدِ الرَّجُلِ»، قالت: فما تركت الخضاب حتى لقيت الله تعالى، وإن كانت لتختضب وهي بنت ثمانين. أخرجه الإمام أحمد في "مسنده".
فإذا ما شرع لهنَّ التزين لأزواجهنَّ، شُرِع لهن شراءُ كلِّ ما يتزينَّ به، من ملابس وغيرها، وإثمُ استغلال بعض النساء الزينةَ فيما هو منهيٌّ عنه -كالتزيُّنِ بها خارجَ بيوتهنَّ- إنما يلحقهنَّ وحدَهنَّ دون غيرهنَّ، وليس على التاجر أو الصانع لهذه الملابس أو غيرها من الحرمة شيء.
فحاصل الأمر: أن هذه الملابس قد تستعمله النساء فيما هو مشروع ومندوب إليه، وهو: التزيُّن داخل بيوتهن، وقد يستعملْنَهُ فيما هو منهيٌّ عنه شرعًا؛ من التبرج وإبداء الزينة لغير الأزواج، وهذا يعني أنَّ الحرمة فيه لم تتعيَّنْ.
وقد تقرر شرعًا أن الحرمة إذا لم تتعين حلَّت، وأن الشيءَ إذا كان ذا استعمالين: أحدهما حرامٌ، والآخرُ حلالٌ، جاز بيعُه وشراؤه، وتقع مسؤولية استعماله على المستعمِل؛ إن حلالًا فحلالٌ، وإن حرامًا فحرامٌ، وليس على الصانع أو البائع أو المؤجِّر إثمٌ في ذلك.
ولم يوجب الشرع على البائع أن يسأل المشتري عن غرض استخدامه السلعة التي يشتريها منه، وهذا يقتضي جواز بيع السلع التي تحتمل الوجهين.
ومن المتفق عليه أن الحرمة والحل إنما يتعلقان بأفعال المكلفين؛ فالأشياء والاعيان لا يوصف شيء منهما بالحل أو بالحرمة إلا بتعلق فعل المكلف بها.
قال الإمام الغزالي في حديثه عن الأحكام التكليفية في "المستصفى" (ص: 23، ط. دار الكتب العلمية): [وهذه الألفاظ لا شك أنها لا تطلق على جوهرٍ بل على عرض، ولا على كل عرض بل من جملتها على الأفعال فقط، ومن الأفعال على أفعال المكلفين لا على أفعال البهائم] اهـ.
وقال الإمام الزركشي في "البحر المحيط" (1/ 161، ط. دار الكتبي): [وقولنا: "الخمر محرمة" تَجَوُّزٌ؛ فإنه جمادٌ لا يتعلَّق به خطابٌ، وإنما المحرَّمُ تناوُلُها] اهـ.
كما أن من المقرر شرعًا أن الإثم يقع على من اجترحه، ولا يتجاوزه إلى غيره؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164]، وقوله سبحانه: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39].
بناءً عليه: فإن التجارة في الملابس النسائية جائزة شرعًا؛ لثبوت تحقق المنفعة فيها، ولأن السلعة ما دامت صالحة للاستعمال على الوجهين: وجه الحل والحرمة، فليس البائع مكلَّفًا أن يسأل المشتري فيم يستخدمها، وإذا استُعمِلَتْ في محرَّمٍ فإثم الحُرمة إنما يلحق مستعملها وحدَه، وليس على الصانع ولا على البائع ولا على المؤجِّر مِن حرج.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
أرجو من سيادتكم التكرم بإفادتنا حول هذا الموضوع:
جرت العادة من مئات السنين بين الفلاحين وغيرهم في قياس الأراضي أن يكون القياس بجمع كل ضلعين متقابلين، ثم قسمة حاصل الجمع لهذين الضلعين على 2، ثم ضرب الناتج من متوسط جمع كل ضلعين في بعضهما؛ ليكون ناتج الضرب هو مساحة هذه الأرض، وهذه الأراضي أغلبُها مسجل في الشهر العقاري والمحاكم من يوم أن قُنِّنَ بصحة التوقيع.
ومنذ ست عشرة سنة بعت أرضًا زراعية مساحتها 12 قيراطًا لرجل وأخيه، وكما جرت العادة تم قياس هذه المساحة في وجودي ووجود المشترييَن معًا، وتم وضع العلامات (الحديد) على الجوانب الأربعة لقطعة الأرض، وعليه فتسلمت الثمن واستلما الأرض.
ومنذ سنة تقريبًا اشترى مني نفس المشتري "قيراطين" بجوار الأرض السابقة ليضيفوها إلى مساحتها، ففوجئت بأنه يقيس بشكل مختلف عن سابقه، ولما سألته قال لي: القياس حديثًا يقاس بما يُسمَّى قياس "الوتر"، ولَمّا سألتُه عن الفرق بين القديم والحديث قال: قياس الوتر لمساحة ما يزيد عن القياس القديم بفرقٍ ما، وإذ بالمشتريين يطلبون منه إعادة القياس بالوتر للمساحة التي اشتروها مني منذ ست عشرة سنة، واندهشت من هذا الطلب الذي يلغي تمامًا قاعدة العرف الذي جرى عليها الناس في السنوات الماضية ومئات السنين، لكن لم يسمعا وجهة شرح الموضوع، وفرضا عليَّ القياس مرة أخرى، وعلى أساسه طلع الفرق 90 مترًا بين القديم والحديث، فقلت لهم: معنى ذلك أن كل العقود من مئات السنين يرجع فيه المشتري على البائع بهذا القياس، ويطالبوا بهذا الفرق بالمساحات، أو بأثمانها بالأسعار الجارية.
فنرجو من فضيلتكم إبداء الرأي الشرعي في هذه المسألة بما يفيد، ولكم جزيل الشكر.
قام والدي بعرض قطعة أرض يمتلكها للبيع، فأتى مشترٍ واتفقنا على أن نبيع له وقرأنا الفاتحة، ثم جاء في اليوم الثاني هذا الشخص بمشترٍ آخر غيره يصحبه ليعرض عليه الأرض، وفي اليوم الثالث جاء بمشترٍ آخر غيره وغير السابق فعرفنا أنه سمسار، وأخبره والدي وأخي بأن الفاتحة منقوضة وغير سارية، والبيع غير منعقد إذا لم يدفع العربون، فذهب ولم يحضر عربونًا، ثم جاء مشترٍ آخر غير السابقين واتفق معنا على البيع ودفع عربونًا وتم التوقيع على عقد البيع مع وجود شرط جزائي قيمته مائة ألف جنيه وذلك في مجلس واحد. فهل المشتري الأول له الحق في العين المباعة؟ وما صحة العقد في البيع الثاني؟ وهل علينا تَبِعات في الفاتحة التي قرأناها في البيع الأول الذي أُخبر الشخص الأول بفسخه من جانب البائع إذا لم يحضر ماله؟
ما حكم ما يقوم به بعضُ التجَّار من بيع وشراء الحيوانات المصابة بالأمراض رغبةً في زيادة المكسب؟ وهل يجوز كتم العيب عند بيعها؟
ما حكم التجارة في أجهزة التلفاز داخل مصر، وكما تعلمون الغالب على مادة التلفاز الآن ليست من الخير النافع بل على العكس من ذلك. فهل هذا من التعاون على الإثم؟
ما حكم بيع ما يؤكل من الحيوان وتحديد ثمنه بالوزن وهو حي؟ فرجلٌ يعمل في تجارة المواشي، ويقدِّر ثمن الحيوان حيًّا بحسب وزنه بالكيلو جرام القائم ساعة بيعه وفقًا للعُرف الجاري بين التُّجار، على أن الكيلو جرام القائم بكذا، بحيث يَزِنُهُ قبل البيع، ويحدد ثمنه بضرب ثمن الكيلو جرام الواحد في الوزن القائم، ويَعرضه على المشتري فيرضى به أو يُفاوضُه فيه، ثم يتم بينهما البيع بالثمن الذي يَتَرَاضَيَان عليه، فهل يصحُّ هذا البيع شرعًا؟
ما حكم زيادة البائع على السعر الذي اشترى به على الرغم من الاتفاق على عدم الزيادة؟ فهناك رجلٌ اشترى بهيمةً مِن السُّوق، وبعد شرائها بوقت قليل وقبل أن ينفضَّ السوقُ احتاج إلى المال، فعَرَضَها للبيع، فأقبَلَ عليه شخصٌ غيرُ الذي ابتاعَها منه ليشتريها منه، واتفَقَ معه على أنه سيبيعُها له بالثمن الذي اشتراها به مِن غير زيادة عليه، وأخبره بهذا الثمن، فوافَقَ المشتري على ذلك، وأعطاه الثمن الذي أخبره به، وأخذ البهيمة، وقبل أن يَنْفَضَّ السُّوقُ عَلِمَ هذا المشتري أن الثمن الذي اشترى به البهيمةَ أكثرُ مِن الثمن الذي اشتُرِيَت به، فاستحلَفَ ذلك الرجلَ، فأقرَّ بأنه قد زاد عليه في الثمن، لكن تَمَسَّك في الوقت ذاته بأن المشتريَ قد رَضِيَ بالثمن الذي أخبره به. والسؤال: هل للمشتري المذكور بعد تمام البيع أن يَستَرِدَّ الزيادة التي زادها عليه هذا الرجلُ (البائعُ) في ثمن البهيمة المذكورة؟