ما هي الغاية من الجهاد وما هي الحكمة من مشروعيته؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فالجهاد من الفعل الرباعي جَاهَد، على وزن فعَال ولا يكون إلا من اثنين، والفعل الثلاثي للكلمة: جهِد من الجَهْد والجُهْد، وهو الطَّاقَةُ، وقيل: الجَهْد: الْمَشَقَّةُ، والجُهْد: الطَّاقَةُ، قال اللَّيْثُ: الجَهْدُ مَا جَهَد الإِنسان مِنْ مَرَضٍ أَو أَمر شَاقٍّ، فَهُوَ مَجْهُودٌ؛ قال: والجُهْد لغة بهذا المعنى، والِجهاد: المبالَغة واستفراغ الوسع في الحرب أَو اللسان أو ما أطاق من شيء، وجاهَدَ العدوَّ مُجاهَدة وجِهادًا: قاتله وجاهد في سبيل الله، وفي الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ»؛ فالجهاد محاربة الأَعداء، وهو المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أَو فعل، والمراد بالنية: إخلاص العمل لله، أَي إنه لم يبقَ بعد فتح مكة هجرة؛ لأنها قد صارت دار إسلام، وإنما هو الإخلاص في الجهاد وقتال الكفار. "لسان العرب" من مادة ج ه د (9/ 708، ط. دار المعارف).
والجهاد في الشرع: بذل الوسع والطاقة بالقتال في سبيل الله عز وجل بالنفس والمال واللسان أو غير ذلك كتهيئة الطعام والشراب، ومداواة الجرحى. "بدائع الصنائع" للكاساني (7/ 97، ط. دار الكتب العلمية).
وغاية الجهاد هو أن يكون في سبيل الله؛ كما قال الله تعالى: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 74]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات: 15]، ويقول تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ [النساء:75 ]، ويقول تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 193].
وسبيل الله هي التي يوضحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمَنْ في سبيل الله؟ قال: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ»، وكلمة الله هي الإسلام والدعوة إليه، ونشر الحق والعدل، ودفع الظلم، ورد العدوان، قال الله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 39-40]، فهذه الآية صريحة في القتال لأجل دفع الظلم ولأجل أن لا تهدم دور العبادة التي أقامها صاحبو كل دين حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 193].
وغاية الجهاد أيضًا رد العدوان، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: 190-192]، ويقول تعالى: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ * أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 12-13].
يقول الشيخ محمود شلتوت: [إن آيات القتال تدل على أن سببه ينحصر في رد العدوان وحماية الدعوة وحرية الدين، وفي هذه الدائرة وحدها شرع الله القتال] اهـ. "القرآن والقتال" (ص: 89، ط. دار الفتح).
ويقول الشيخ محمد أبو زهرة: الباعث على الحرب في الإسلام أمران: دفع الاعتداء وتأمين الدعوة الإسلامية لأنها دعوة الحق، وكل مبدأ سامٍ يتجه إلى الدفاع عن الحرية الشخصية، يهمُّ الداعي إليه أن تخلو له وجوه الناس، وأن يكون كل امرئ حرًّا فيما يعتقد، يختار من المذاهب ما يراه بحرية كاملة، ويختار ما يراه أصلح وأقرب إلى عقله، وقد قاتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهذين الأمرين. "العلاقات الدولية في الإسلام" (ص: 98، ط. دار الفكر العربي).
وأما عن حكمة مشروعية الجهاد فهي لإرساء مبادئ الخير والعدل والرحمة والتوحيد في العقيدة، والمتأمل يجد أن (سبيل الله) في القرآن الكريم والسنة الشريفة يتبلور ويتمركز في التوحيد في مجال العقيدة، والرحمة في المجال الأخلاقي، والعدل في مجال التشريع، يقول سبحانه وتعالى في العقيدة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 25]، ويقول في مجال التشريع، ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90]، وحينما يتحدث عن السمة العامة للرسالة الإسلامية يقول سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، ويحدد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هدف رسالته في قوله: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ» رواه أحمد والبزار واللفظ له.
فهذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية هي التي تظهر لنا غاية الجهاد وحكمة مشروعيته.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما ضابط ما يحصل به قطع الخصام والخروج من الهجران المنهي عنه؟ فقد حدث خلاف وشجار بين شخصين، مما أدى ذلك إلى القطيعة التامة بينهما، ومرَّ على ذلك شهر أو أكثر، وبعد أن راجع أحدهما نفسه قرر الصلح وعزم على وصله، لكنه لم يفعل؛ ويسأل ما الفعل الذي يتحقق به قطع الخصام والخروج من الهجران الشرعي المنهي عنه؟ وهل يكفي في ذلك مجرد إلقاء السلام؟
ما حكم التسامح بالتنازل عن قضية منظورة أمام القضاء مراعاة لحرمة شهر رمضان؟ فنحن مقبلون على أيام كريمة في شهر رمضان، وعندي قضية مرفوعة أمام إحدى المحاكم على بعض الأفراد بخصوص أرضٍ بيني وبينهم، وقال لي بعض المقربين بأنه لن يُتقبل لي صيام، ولن يُغفر لي إلا بعد التنازل عن هذه القضية، فهل هذا صحيح؟ وهل يجب عليَّ التنازل عن القضية وعن حقوقي أو على أقل تقدير ما أظنه حقي من باب التسامح؟ وما التسامح الذي يحصل به القبول والمغفرة؟
سائل يقول: شخص أساء لي وتجاوز في حقي، فطلب مني بعض الناس العفو عنه ومسامحته، وأخبرني بأنه قد ورد في القرآن والسنة أن العفو عن المسيء سبيل للوصول إلى عفو الله تعالى، كما أنه يكسب صاحبه عزة. فما مدى صحة هذا الكلام؟
ما حكم الطريقة الرفاعية والخلوتية وغيرها من الطرق؟
ما حكم مضغ الطعام بصوت مسموع؟ فألاحظ في كثير من الأحيان أن بعض المسلمين العرب يُخرِجون صوتًا عند مضغ الطعام، وكذلك يتحدثون وأفواههم مليئة بالطعام. أريد إجابة مفصلة من فضلك في هذا الموضوع. بارك الله فيكم.
ما حكم الشرع في قيام بعض الناس ببيع منتجاتٍ تؤدي إلى إلحاق الضرر بالآخرين؟