أرجو من فضيلتكم التكرم بإفتائي عن موضوع المحراب في المسجد؛ حيث إن قريبًا لي يبني مسجدًا ولما وصل إلى عمل المحراب اعترض عليه بعض الناس وأخبروه بأن المحراب لا يجوز في المسجد، وقال له بعض آخر: إن المحراب يجوز، فتضاربت الأقوال بين الجواز وعدمه، مما جعلني أتقدم إلى فضيلتكم لإنهاء هذه الخلاف.
يجوز شرعًا عمل المحاريب في المساجد، ولا حرج في ذلك شرعًا؛ فالمحراب في اللغة هو الموضع العالي المُشرف، ومنه محراب المسجد وهو صدره وأشرف موضع فيه، وليست من التشبه المذموم في شيء كما يدعي البعض، وما ورد من كراهة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمحاريب محمولٌ على أنَّه كان لا يحب أن يجلس في صدر المجلس ويترفع فيه عن الناس، ومحاريب المسلمين في المساجد اليوم لا صلة لها بهذه الأسباب، وإنما هي مجرد علامات على اتجاه القبلة وتخصيصٌ لموضع الإمام كيْ لَا يشغل صفًّا كاملًا وحده، فلا كراهة حينئذٍ.
الذي عليه عمل المسلمين جواز بناء المحاريب في المساجد وأن ذلك لا حرج فيه شرعًا، ونسوق فيما يأتي نص فتوى الشيخ عطية صقر في ذلك لما فيها من الفوائد:
[يقول الله تعالى: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾ [سبأ: 13]، وذلك خبر عن تسخير الجن لسيدنا سليمان عليه السلام وقيامهم بهذه الأعمال التي منها المحاريب.
والمحاريب جمع مِحراب، ومعناه في اللغة كما في "القاموس المحيط": [الغُرفة، وصَدرُ البيتِ، وأكرمُ مواضعِه، ومقامُ الإمام من المسجد، والموضعُ ينفرد به الملك فيتباعد عن الناس] اهـ.
وجاء في "نهاية ابن الأثير": [المحراب هو الموضع العالي المُشرف، وهو صدر المجلس أيضًا، ومنه محراب المسجد، وهو صدره وأشرف موضع فيه] اهـ.
وجاء في "تفسير القرطبي" إلى جانب المعاني المذكورة أنه: [ما يُرقى إليه بالدَّرَج كالغرفة الحسنة، كما قال ﴿إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾ [ص: 21]، وقوله ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ﴾ [مريم: 11] أي: أشرف عليهم] اهـ.
وفي "نهاية ابن الأثير": "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث عُروةَ بن مسعود إلى قومه بالطائف، فأتاهم ودخل محرابًا له، فأشرف عليهم عند الفجر، ثم أذن للصلاة" اهـ. وجاء فيها أيضًا من حديث أنس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يكره المحاريب، أي لم يكن يحب أن يجلس في صدر المجلس، ويترفع عن الناس" اهـ.
كما جاء فيها: "أنه أُتِيَ برجل ارتد عن الإسلام، فقال كعب: أدخلوه المَذبَح وضَعُوا التوراةَ وحَلِّفُوه بالله؛ المَذبَح واحد المذابح، وهي المقاصير، وقيل: المحاريب" اهـ.
والمذبح عند أهل الكتاب مقصورة مرتفعة نحو متر ونصف المتر ذات أعمدة ليس بينها حواجز وفوقها سقف تحته خلاء توضع فيه القرابين، وهذه المقصورة داخل حجرة فسيحة أمام المعبد، يُصعَد إليها بسُلَّم ذي دَرَجات قليلة تسمى الهيكل، لا يدخله إلا الكهنة وأرباب الخطايا الذين يريدون المغفرة، وهذه المحاريب للكنائس وبيوت العبادة لأهل الكتاب، وكانت تتعبد فيها مريم كما جاء في قوله تعالى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا﴾ [آل عمران: 37]. وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها؛ فقد جاء في حديث رواه البيهقي: «اتَّقُوا هَذِهِ المَذَابِحْ». وفي رواية ابن أبي شيبة: «لَا تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّة أو قال: أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَتَّخِذُوا فِي مَسَاجِدِهِمْ مَذَابِحْ كَمَذَابِحْ النَّصَارَى».
فهل محاريب المساجد الإسلامية الآن مثل محاريب النصارى؟ لا؛ إنها ليست غرفًا، وليست مرتفعة عن أرض المسجد، ولم يتميز بالجلوس فيها جماعة من المسلمين، وإنما هي علامات على اتجاه القبلة، وقد تكون مجوفة وغير مجوفة، تبين مقامَ الإمام من المأمومين؛ لأن السنة أن يقف الإمام إزاء وسط الصف.
فالحكم بكراهة اتخاذ المحاريب -مقاصير ومذابح النصارى- أساسه إما اختفاء الإمام عن المأمومين، وإما ارتفاعه عليهم بدون مبرر، وكان الصحابة يكرهون أن يكون الإمام مرتفعًا عليهم؛ لأنه يُوحِي بالكبر.
ومحاريب المسلمين الآن لا صلة لها بهذه الأسباب، فهي كما سبق علامة على القبلة، وتعليمُ جهتها أمر مشروع، وقد غرز النبي صلى الله عليه وآله وسلم خَشَبةً في مسجد قومِ أسامةَ بعد أن خَطَّه لهم؛ ليكون دليلًا على القبلة، فدلَّ هذا على مشروعية إرشاد المصلي إلى القبلة. ولم يكن لمسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زمنه محراب، وأحدثه عمر بن عبد العزيز، فهو ليس بدعة مذمومة.
وجاء في "إعلام الساجد بأحكام المساجد" للزركشي (ص364، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية): [كَرِهَ بعضُ السلف اتخاذَ المحاريب في المسجد... وفي "مصنف عبد الرزاق" عن الحسن: أنه صلَّى واعتزل الطاق أن يصلي فيه... والطاق هو المحراب الذي يقف فيه الإمام. وفي "شرح الجامع الصغير" للحنفية: لا بأس أن يكون مقام الإمام في المسجد وسجوده في الطاق، ويكره أن يكون في الطاق؛ لأنه يشبه اختلاف المكانين، ألا ترى أنه يكره الانفراد. والمشهور الجواز بلا كراهة، ولم يزل عمل الناس عليه من غير نكير] اهـ.
بعد هذا أقول: إن محاريب المساجد اليوم ليست هي المحاريب والمقاصير التي في معابد أهل الكتاب، وعلى هذا فلا كراهة في عملها ولا في الصلاة فيها.
ويوجد في بعض الكتب حملة عنيفة على المحاريب، لكن المقصود منها محاريب أهل الكتاب بأوصافها التي لا توجد في محاريب المساجد. انظر: كتاب "غذاء الألباب" للسفاريني الحنبلي (2/ 273، ط. مؤسسة قرطبة)، تراجع مجلة "الأزهر" عدد ربيع الأول 1411هـ. والمجلد السادس (ص469).
والمحراب المجوف في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل: أول من اتخذه عثمان بن عفان سنة 26هـ عند بنائه، وقيل: مروان بن الحكم سنة 65هـ أثناء تجديده، وقيل: عمر بن عبد العزيز أيام إمارته على المدينة وتجديده للمسجد سنة 90هـ] انتهت الفتوى، وبها يعلم أن بناء المحراب في المسجد أمرٌ جائزٌ شرعًا ولا حرمة فيه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم صلاة تحية المسجد والإمام يخطب الجمعة؟
ما حكم وجود طريق فاصل بين مصلى الرجال والنساء؟ مقدمه لسيادتكم إحدى الجمعيات الخيرية، والمشرفة على إدارة وصيانة مسجدين متواجدين أمام بعضهما، ويفصل بينهما شارع بعرض 15 مترًا، وتم تعيين إمام وخطيب واحدٍ لهما من قبل وزارة الأوقاف؛ نظرًا لقربهما الشديد من بعضهما، وتم تخصيص الدور الأرضي بالمسجد الأول للرجال، والثاني المقابل له كمصلى للسيدات، ووسيلة التواصل بينهما السَّمّاعات الداخلية الواضحة جدًّا للمصلين، سواء في إقامة شعائر صلاة الجمعة أم في الفروض وصلاة التراويح. لذا نرجو التكرم بإبداء الرأي في صحة الصلاة بالمسجد المخصص للسيدات، والمقابل للمسجد المخصص للرجال، والذي يؤم فيه الإمامُ المصلينَ، وذلك لوجود خلافٍ في الرأي بين المُصَلِّين.
ما حكم صلاة الجمعة لمَن أدرك الإمام في التشهد؟ حيث يوجد رجلٌ أدرك مِن صلاة الجمعة السجدتين والتشهد مع الإمام، فلما سلَّم الإمام أتمَّ صلاتَه ركعتين، فهل ما فعله صحيحٌ ومجزئٌ له عن الجمعة شرعًا؟
ما حكم صلاة النافلة في جماعة؛ فنحن نقوم في بلدتنا بدعوة الناس إلى قيام الليل في جماعة، ونخُصُّ من ذلك بعض الأيام والأزمان المباركة؛ مثل الاثنين والخميس والعشر الأوائل من ذي الحجة وغيرها، وندعوهم لقيام الليل والصلاة والتسبيح والأدعية في يوم ميلاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ احتفالًا بمولد الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقال بعض الناس: هذا بدعة، وقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى معه في غير رمضان صحابي أو اثنان كانوا حاضرين في وقت الصلاة مصادفة، أو دخلوا معه فيها وهو لم يدعهم إليها؛ وعلى ذلك فإن دعوة الناس إلى قيام الليل في جماعة بدعة. فما مدى صحة هذا الكلام؟
ما حكم الجهر بالبسملة في الصلاة؛ أهو واجب ضروري بحيث لا يُصلَّى خلف من لا يجهر بها، أم أن الجهر والإسرار بها سواء؟
هل يوجد أوصاف حددها الشرع الشريف للمؤذن؟ فهناك رجل يحافظ على أداء الصلوات الخمس في مسجد صغير بإحدى القرى، ويؤذن به لوقت كلِّ صلاة، ويسأل عن الأوصاف التي يَطلب الشرعُ الشريفُ توافُرَها في المؤذن.