هل يجوز لي وقد بنيتُ زاوية للصلاة تحت منزلي أن أغيرها إلى سكن خاص بي حيث إنني في غاية الاحتياج إلى ذلك؛ نظرًا لظروفي وظروف مَن أعول؟
يجوز للسائل فعل ذلك، وهذا ما عليه جمهور العلماء سلفًا وخلفًا، وهو ما تدل عليه النصوص الشرعية والفقهية؛ لأن هناك فارقًا بين المسجد الموقوف لله تعالى وبين الزاوية والمصلَّى، مع جواز الصلاة واشتراط طهارة المكان في كلٍّ؛ فالمسجد له أحكامه الخاصة به من عدم جواز تحويله عن المسجدية إلى أي غرض آخر، وحرمة البيع فيه، وعدم دخول الحائض، وغير ذلك من الأحكام، بخلاف الزوايا والمصلَّيات؛ فإنها لا تأخذ أحكام المساجد ولو أُوقِفَت للصلاة فيها.
المحتويات
نعم يجوز، وهذا هو مذهب جمهور العلماء سلفًا وخلفًا، وهو ما تدل عليه النصوص الشرعية والفقهية، بل ونُقِلَ الاتفاق عليه؛ فإن هناك فارقًا بين المسجد الموقوف لله تعالى وبين الزاوية والمصلَّى، مع جواز الصلاة واشتراط طهارة المكان في كلٍّ؛ فالمسجد له أحكامه الخاصة به من عدم جواز تحويله عن المسجدية إلى أي غرض آخر، وحرمة البيع فيه، وعدم دخول الحائض، ومشروعية تحية المسجد، وغير ذلك من الأحكام، بخلاف الزوايا والمصلَّيات؛ فإنها لا تأخذ أحكام المساجد حتى لو أُوقِفَت للصلاة فيها.
هذه بعض نصوص أهل المذاهب الفقهية في ذلك:
يقول الإمام ابن حزم الظاهري في "المحلَّى" (4/ 248): [مسألة: ولا يحل بناء مسجد عليه بيت مُتملَّكٌ ليس من المسجد، ولا بناء مسجد تحته بيت متملَّكٌ ليس منه، فمن فعل ذلك فليس شيءٌ من ذلك مسجدًا وهو باقٍ على ملك بانيه كما كان، برهان ذلك: أن الهواء لا يُتَمَلَّك؛ لأنه لا يضبط ولا يستقر، وقال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ﴾ [الجن: 18]؛ فلا يكون مسجدًا إلا خارجًا عن ملك كل أحد دون الله تعالى لا شريك له، فإذ ذلك كذلك فكل بيت متملَّك لإنسان فله أن يُعلِيه ما شاء، ولا يقدر على إخراج الهواء الذي عليه من ملكه وحكمه الواجب له لا إلى إنسان ولا غيره، وكذلك إذا بنى على الأرض مسجدًا وشَرَطَ الهواءَ له يعمل فيه ما شاء، فلم يخرجه عن ملكه إلا بشرط فاسد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل»، وأيضًا: فإذا عمل مسجدًا على الأرض وأبقى الهواء لنفسه، فإن كان السقف له فهذا مسجد لا سقف له، ولا يكون بناء بلا سقف أصلًا، وإن كان السقف للمسجد فلا يحل له التصرف عليه بالبناء، وإن كان المسجد في العلو والسقف للمسجد فهذا مسجد لا أرض له، وهذا باطلٌ، فإن كان للمسجد فلا حق له فيه، فإنما أبقى لنفسه بيتًا بلا سقف، وهذا محال، وأيضًا فان كان المسجد سفلًا فلا يحل له أن يبني على رؤوس حيطانه شيئًا، واشتراط ذلك باطل؛ لأنه شرط ليس في كتاب الله، وإن كان المسجد علوًا فله هدم حيطانه متى شاء، وفي ذلك هدم المسجد وانكفاؤه، ولا يحل منعه من ذلك؛ لأنه منع له من التصرف في ماله، وهذا لا يحل] اهـ.
وقال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق": [قَولُهُ: ومَن جَعَلَ مَسجِدًا تَحتَهُ سِردابٌ أَو فوقَه بَيتٌ وجَعَلَ بابَهُ إلى الطَّرِيقِ وعَزَلَهُ أو اتَّخَذَ وَسَطَ دارِهِ مَسجِدًا، وأذِنَ للنَّاسِ بالدُّخُولِ، فلَهُ بَيعُهُ ويُورَثُ عنهُ؛ لأَنَّهُ لم يَخلُص للَّهِ تعالى؛ لبَقاءِ حَقِّ العَبدِ مُتَعَلِّقًا به. وحاصِلُهُ أَنَّ شَرطَ كَونِهِ مَسجِدًا أَن يَكُونَ سُفلُهُ وَعُلوُهُ مَسجِدًا؛ ليَنقَطِعَ حَقُّ العَبدِ عنه؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ﴾ [الجن: 18]، بخِلافِ ما إذا كان السِّردابُ أو العُلوُ مَوقُوفًا لمَصالِحِ المَسجِدِ فإنَّهُ يَجُوزُ إذ لا مِلكَ فيه لأَحَدٍ، بل هو مِن تَتمِيمِ مَصالِحِ المَسجِدِ، فهو كَسِردابِ مَسجِدِ بَيتِ المَقدِسِ، هذا هو ظاهِرُ المَذهَبِ، وهناك رِواياتٌ ضَعِيفة مَذكُورة في "الهِدايةِ"] اهـ.
وفي فقه السادة المالكية: جاء في "المدونة" (1/ 108): [وسألنا مالِكًا عَن المَسجِدِ يَبنِيهِ الرَّجُلُ ويَبنِي فوقه بَيتًا يَرتَفِقُ به؟ قال: ما يُعجِبُنِي ذلك، قال: وقد كان عُمَرُ بنُ عبدِ العَزِيزِ إمامَ هُدًى، وقد كان يَبِيتُ فوقَ ظَهرِ المَسجِدِ -مَسجِدِ النَّبِيِّ عليه السلامُ- فلا تَقرَبُهُ فيه امراةٌ، وهذا إذا بُنِيَ فوقَه صارَ مَسكَنًا يُجامِعُ فيه ويأكُلُ فيه] اهـ.
وقال الإمام القرافي المالكي في كتابه "أنوار البروق في أنواء الفروق": [الفَرقُ الثَّانِي عَشَرَ والمِائَتانِ بينَ الأَهوِية وبينَ قاعِدة ما تحتَ الأَبنِية: اعلَم أنَّ حُكمَ الأَهوِية تابِعٌ لحُكمِ الأَبنِية؛ فهَواءُ الوَقفِ وَقفٌ، وهَواءُ الطَّلقِ طَلقٌ، وهَواءُ المَواتِ مَواتٌ، وهَواءُ المَملُوكِ مَملُوكٌ، وهَواءُ المَسجِدِ له حُكمُ المَسجِدِ فَلا يَقرَبُهُ الجُنُبُ، ومُقتَضى هذه القاعِدةِ أن يُمنَعَ بَيعُ هَواءِ المَسجِدِ والأَوقافِ إلى عَنانِ السَّماءِ لمَن أَرادَ غَرزَ خَشَبٍ حَولَها، ويَبنِيَ على رُؤوسِ الخَشَبِ سَقفًا عليهِ بُنيانٌ] اهـ.
وفي "منح الجليل شرح مختصر خليل": [قال ابن رشد: لا خِلافَ أنَّ لظَهرِ المَسجِدِ مِن الحُرمة ما للمَسجِدِ، ولا يُورَثُ المَسجِدُ ولا البنيانُ الذِي فوقَه ويُورَثُ البنيانُ الذِي تحتَه، واختُلِفَ فِي صَلاةِ الجُمُعة عليهِ: هل تُكرَهُ ابتِداءً وتَصِحُّ إن فُعِلَت، أو لا تَصِحُّ وتُعادُ أَبَدًا؟] اهـ.
وقال العلامة ابن الحاج المالكي في "المدخل" في الفصل الذي عقده في البدع التي أحدثت في المسجد: [فَصلٌ: ومِن هذا البابِ أَيضًا مِمَّا أَحدَثُوهُ في سُطُوحِ المَسجِدِ مِن البُيُوتِ، وذلك غَصبٌ لمَواضِع المُسلِمِينَ في المَسجِدِ واحتِكارٌ لها وإحداثٌ في الوَقفِ لغَيرِ ضَرُورة شرعية، وفيه مِن المَفاسِدِ ما تَقَدَّمَ ذِكرُهُ مِن أَمرِ المُقِيمِينَ في المَسجِدِ وغَصبِهِم لتِلكَ المَواضِعِ التي سَكَنُوها، بل هذا أَشَدُّ؛ لأَنَّ تلك البُيُوتَ التي في السُّطُوحِ مُؤَبَّدة للسُّكنى، بخِلافِ ما تَقَدَّمَ ذِكرُهُ، وفيه مع ما ذُكِرَ مِن المَفاسِدِ الإقامة في المَسجِدِ، وقد يَكُونُ جُنُبًا كما سَبَقَ في حَقِّ مَن تَقَدَّمَ ذِكرُهُ، وقد كان بعضُ القُضاةِ لَمَّا أَن تَوَلَّى وهو والله أعلم المَعرُوفُ بابنِ بِنتِ الأَعَزِّ جاءَ إلى سُطُوحِ الجامِعِ بمِصرَ في جَماعة وهَدَمَ البُيُوتَ المُحدَثة عن آخِرِها، ولم يَسأَل لمَن هذا البَيتُ ولا لمن هذه الثِّيابُ، بل أَخَذَ ما وَجَدَ مِن ذلك وغَيَّرَهُ ورَماهُ في صَحنِ الجامِعِ، ومَشى الأَمرُ على ذلك مُدَّة مِن الزَّمانِ طَوِيلة، ثُمَّ أَحدَثُوها أيضًا لَمَّا لم يَجِدُوا مَن يَنهاهُم عن ذلك ولا مَن يَتَكَلَّمُ فيه. وصَلاةُ الجُمُعة فِيها وفي غَيرِها مِن سُطُوحِ المَسجِدِ لا تَصِحُّ على مَذهَبِ مالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لأَنَّ مِن شَرطِ الجُمُعة الجامِعَ المَسقُوفَ، ومِن صِفة المَسجِدِ أَن يُدخَلَ بغَيرِ إذنٍ، وأن يَكُونَ جَمِيعُ النَّاسِ فيه سَواءً، وسُطُوحُ المَسجِدِ ليس كذلك فإنَّه مَحجُورٌ على بعضِ النَّاسِ، ولا تَصِحُّ الجُمُعة فيما هو كذلك؛ كما لا تَصِحُّ في بَيتِ القَنادِيلِ لاشتِراكِهما في التَّحجِيرِ على بعضِ النَّاسِ دونَ بعضٍ كما تَقَدَّمَ، ولو قَدَّرنا أَنَّ السُّطُوحَ ليست بمَحجُورة على أَحَدٍ؛ فالحُكمُ في مَذهَبِ مالكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ للغالِبِ، والغالِبُ أَنَّها مَحجُورة على بعضِ النَّاسِ دونَ بعضٍ كما تَقَدَّمَ بَيانُهُ] اهـ.
ونقل الشيخ الدسوقي في "حاشيته" على "الشرح الكبير" عند قول المصنف: (وكُرِهَ بِناءُ مَسجِدٍ للكِراءِ، وكُرِهَ سُكنى بأَهلِهِ فوقَه) عن النَّاصِر اللَّقانِيِّ أن الكَراهة هنا مَحمُولة على المَنعِ سَواءٌ كان المَسجِدُ بُنِيَ للصَّلاةِ أو للكِراءِ، كان التَّحبِيسُ سابِقًا على السُّكنى أَو كان مُتأخِّرًا عنها. اهـ.
ونقل الشيخ محمد أحمد عليش المالكي في "منح الجليل شرح مختصر خليل" عن ابن الحاجِبِ والقرافي وابن شاس: أنه يَجُوزُ للرَّجُلِ جَعلُ عُلوِ مَسكَنِهِ مَسجِدًا، ولا يَجُوزُ جَعلُ سُفلِهِ مَسجِدًا، ويُمكِنُ العُلوُ؛ لأَنَّ له حُرمة المَسجِدِ، ونَحوُهُ في "الذَّخِيرة" و"الجَواهِرِ في التَّوضِيحِ"، ونَحوُهُ في "المُدَوَّنة" و"الواضِحة"، ففي مُختَصَرِها: أَجازَ مالِكٌ لمَن له سُفلٌ وعُلوٌ أَن يَجعَلَ العُلوَ مَسجِدًا ويَسكُنَ السُّفلَ، ولم يَجُز له أَن يَجعَلَ السُّفلَ مَسجِدًا ويَسكُنَ العُلوَ، وفَرَّقَ بينهما أَنَّهُ إذا جَعَلَ السُّفلَ مَسجِدًا صارَ لِما فوقَهُ حُرمة المَسجِدِ، وأمَّا إذا كانت له دارٌ لَها عُلوٌ وسُفلٌ وأرادَ أَن يُحبَسَ السُّفلُ مَسجِدًا ويَبقى العُلوُ على مِلكِهِ، فظاهِرُ ما تَقَدَّمَ للواضِحة وابنِ الحاجِبِ وتابِعِيهِ وما يأتِي لِلمُصَنِّفِ في "الإحياءِ" أَنَّهُ لا يَجُوزُ. اهـ المراد منه.
ويقول الإمام الزركشي في "إعلام الساجد بأحكام المساجد": [كَرِه مالكٌ أن يبني مسجدًا ويتخذ فوقه مسكنًا يسكن فيه بأهله، قلت: وفي "فتاوى البغوي" ما يقتضي منع مكث الجنب فيه؛ لأنه جعل ذلك هواء المسجد، وهواء المسجد حكمه حكم المسجد] اهـ.
ونقل العلامة ابن مُفلِح الحنبلي في "الفروع" عن الإمام أحمد من رواية حنبل أنه: [لا يُنتَفَعُ ببيتٍ أسفله مَسجِدٌ، وأنَّهُ لو جَعَلَ السَّطحَ مَسجِدًا انتَفَعَ بأَسفَلِهِ؛ لأَنَّ السَّطحَ لا يَحتاجُ إلى أَسفَلَ] اهـ.
هذا الذي قررناه ونقلنا عليه نصوص العلماء من مختلف المذاهب الفقهية هو ما عليه دار الإفتاء المصرية؛ حيث أصدر فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية الأسبق فتوى بذلك في تاريخ الرابع من ذي الحجة سنة 1363 هجرية الموافق للعشرين من نوفمبر سنة 1944 ميلادية كان نصها: [نفيد أن المعول عليه في مذهب أبي حنيفة أنه قبل تمام المسجدية لا يصير المبنى مسجدًا إلا إذا انقطع تعلق حق كل عبد بما أريد أن يجعل مسجدًا، فلو أن شخصًا بنى مسجدًا وتحته حوانيت ليست للمسجد أو بنى عليه بيتًا لسكناه أو لاستغلاله لنفسه لا يصير هذا البناء مسجدًا؛ لعدم انقطاع حق العبد بما أراد أن يجعله مسجدًا، أما إذا جعل السفل سردابًا أو بيتًا لمصالح المسجد أو بنى فوقه بيتًا لمصالح المسجد، فإن هذا المبنى يصير مسجدًا ويخرج عن ملكه بعد توافر باقي الشروط التي ذكرها الفقهاء، وهذا التفصيل السابق فيما إذا لم تتم المسجدية، أما إذا تمت المسجدية فلا يجوز البناء على المسجد ولو لمصالحه؛ فالتفصيل بين البناء لمصالح المسجد وبين البناء لغير مصالحه إنما هو قبل تمام المسجدية، أما بعد تمامها فلا يجوز البناء مطلقًا، حتى صرَّحوا بأنه لا يوضع الجذع على جدار المسجد وإن كان من أوقافه.
هذا، وتمام المسجدية على ما قاله ابن عابدين في "رد المحتار" يكون بالقول على المفتى به، أو بالصلاة فيه على قولهما، ويريد بالمفتى به مذهبَ الإمام أبي يوسف الذي لا يشترط في تمام المسجدية الصلاة في المسجد بعد الإذن من بانيه، بل يكون مسجدًا بمجرد القول بأن يقول: جعلته مسجدًا، وإن لم يُصَلَّ فيه، والمفهوم من كلامهم أنه لا يلزم هذا القول، بل بناؤه على صورة المساجد كافٍ عند أبي يوسف في تمام مسجديته؛ لأن هذا البناء فعل مُنبئٌ عُرفًا بجعله مسجدًا، وهذا إذا لم يوجَد منه ما ينافي دلالة هذا الفعل على ذلك، والخلاصة: أنه إذا بنى الرجل المسؤول عنه على ما أنشأه مسكنًا له، فإن كان قبل تمامه فلا يكون المبنيُّ مسجدًا، وإن كان بعد تمامه كان هذا البناء موضوعًا بغير حق فيجب هدمه، كما يمنع من بنائه قبل البناء. وبهذا علم الجواب عن السؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم] اهـ.
كما صدرت فتوى بذلك أيضًا من فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق في تاريخ الرابع عشر من صفر سنة 1369 هجرية الموافق للخامس من ديسمبر سنة 1949 ميلادية ونصها: [نفيد أن المسجد يجب أن يكون خالصًا لله تعالى؛ لقوله عز وجل: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ﴾ [الجن: 18]، فأضافها إليه تعالى مع أن كل شيء له ليدل بذلك على وجوب أن تكون خالصةً له. ومن هذا كان ظاهر الرواية عند الحنفية أنه لو بنى فوق المسجد أو تحته بناءً لينتفع به لم يصر بهذا مسجدًا، وله أن يبيعه ويورث عنه، أما لو كان البناء لمصالح المسجد فإنه يجوز ويصير مسجدًا كما في "الدر المختار وحاشيته" و"الفتاوى الهندية" وغيرها هذا قبل أن يصير مسجدًا، أما بعده فلا يمكَّن أحدٌ من البناء عليه مطلقًا. ونقل ابن عابدين عن "البحر" ما نصه: (وحاصله أن شرط كونه مسجدًا أن يكون سفله وعلوه مسجدًا؛ لينقطع حق العبد عنه؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ﴾ [الجن: 18]، بخلاف ما إذا كان السرداب والعلو موقوفًا لصالح المسجد فهو كسرداب بيت المقدس، هذا هو ظاهر الرواية) انتهى. ونقل عن الصاحبين أنه يجوز أن يكون سفل المسجد أو علوه ملكًا بكل حال ينتفع به الباقي أو يخصص لمصالح المسجد إذا اقتضت الضرورة ذلك، كما في البلاد التي تضيق منازلها بسكانها.
على هذا: إذا كانت هناك ضرورة تدعو إلى المشروع المسؤول عنه فلا بأس بالأخذ بقول الصاحبين في الرواية المذكورة عنهما؛ لأنها تتفق مع قواعد المذهب، كقاعدة: "الضرورات تبيح المحظورات"، وقاعدة: "المشقة تجلب التيسير"، وغيرهما، وهذا مقرر في قول الله عز وجل: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]. والله تعالى أعلم].
والله سبحانه وتعالى أعلم.
الناظرُ إذا مات مجهلًا لمال الوقف. ما الحكم في ذلك؟
سأل وكيل إدارة إحدى الجرائد في واقفٍ وقف وقفه على نفسه مدة حياته، ثم من بعده على أولاده.. إلخ ما هو مدون بحجة الوقف الذي جعل آخره لجهة بر دائمة، وجاء ضمن الشروط التي اشترطها ما نصه:
أنه إذا اشتغل أحد المستحقين بالربا أخذًا أو إعطاءً أو استعمل الخمور أو الزنا حرم من نصيبه في الوقف سنةً، وقد اتهم أحد المستحقين بأنه قد وجد معه ورقة هورائين -نوع يشبه الكوكايين- قيل أنه وجد معه داخل حذائه، وتقدم إلى المحاكم وحكم عليه بعشرة جنيهات، وهو غير شارب للخمر ولم يتهم به، فهل ينطبق عليه هذا الشرط بحيث يحرم من نصيبه سنة قياسًا على الخمر، أم يكون الأمر واقفًا عند مورد النص بحيث لا يقاس عليه غيره، سيما وأن ما ثبت استحقاقه بيقين لا يمنع استحقاقه بشبهة، على أنه إذا تعارض ما يقتضي الإعطاء والحرمان غلب ما يقضي الإعطاء على ما يقضي الحرمان؟ هذه هي حجة الطرفين قد أدلينا بها لفضيلتكم؛ فإن النظار يقولون بالحرمان، والمستحق يقول بعدمه، وحجة كل من الطرفين هو ما أوضحناه؛ فنرجو بيان ما تنطبق عليه الحقيقة، ومن الذي يوافق قوله النصوص الشرعية؟
ما حكم استغلال مقبرة موقوفة في القدس الشريف؟ فقد سأل أحد الشيوخ من أشراف القدس الشريف: في مقبرة قديمة تسمى "مأمن الله"، وتربة ثانية تسمى "الساهرة"، في أرض القدس الشريف، وعليهما سور من بناءً، موقوفتان من قديم الزمان على دفن أموات المسلمين في القدس الشريف، ومذكورتان ببعض الكتب؛ ككتاب "الأنس الجليل"، و"المراوي"، ودفن فيهما الكثير من علماء الإسلام والأئمة المقتدى بهم من جهابذة حفاظ الحديث والفقهاء والمحدثين، وفيهما الشهداء المجاهدون والمرابطون، وقد دفن فيهما من عهد قريب مدة الحرب العامة ما ينوف عن ألف نفس مؤمنة، ولا تزالان تدفن فيهما موتى المسلمين لغاية الآن. فهل يجوز شرعًا أن يؤخذ منهما جزء يبنى فيه حوانيت ومخازن للاستغلال؟ مع العلم بأنه لا يزال فيهما الموتى باقية ولم تصر ترابًا ولم تندثر.
أفيدونا بالجواب ولكم الثواب.
ما حكم تغيير وقف مسجد لبناء معهد أو كلية أزهرية؟ حيث أوقف المرحوم أبي فدانًا من أرضه، وذلك بورقة عرفية عام 1960م للإنفاق من رِيع حدائقها على مسجد، والآن يطلب أهل القرية منا -نحن أبناءه- أن نُغَيِّرَ هذا الوقف ليُبنى على الأرض معهد أزهري أو كلية أزهرية؛ لافتقار القرية لذلك، ولكون المسجد الموقوف على مصالحه قد تم ضمه للأوقاف التي تراعي مصالحه.
ومن ناحية أخرى فهذا أفضل لنا -نحن الورثة- حتى لا يضعف أحدٌ منا ولو في المستقبل، فيطالب بالإرث في هذه الأرض مستغلًّا أن الوقف عُرفِيٌّ وليس مُسجَّلًا. فما رأيكم الكريم؟
نتشرف بأن نرسل لسيادتكم مذكرة بشأن وقف مسجد البقلي ببندر أسيوط، التي تم عرضها على مجلس السادة الوكلاء لاتخاذ القرار المناسب لاستغلال مساحة الأرض 900م الذي قرر مجلس السادة الوكلاء فيها ما نصُّه: "تأجيل الموضوع لحين استطلاع رأي فضيلة المفتي بشأن تغيير صفة الوقف، والمعتمد من معالي الدكتور الوزير". برجاء التفضل من سيادتكم بعد الاطلاع بالإفادة حتى يمكن العرض على مجلس السادة الوكلاء، ومرفق طيُّه صورة من المذكِّرة.
وملخص ما جاء في المذكرة: أن هناك وقفًا هو عبارة عن أرض فضاء بجوار مسجد البقلي، مساحتها أكثر من 900م مربع، مسورة بسور مزخرف بزخارف إسلامية، ومغلقة من جميع الجوانب، في يد هيئة الأوقاف والمديرية منذ استلامها، وأن هذه الأرض موقوفة على أنها: وقف وتصدُّق لله سبحانه وتعالى، محل طيارة، وساقية، وحوض، وسبيل، وأرض فضاء حرم ذلك.
وهناك عصابة تستغل الظروف للاستيلاء على هذه الأرض المجاورة للمسجد كما يتضح من كلام مدير المنطقة.
وقد قامت المنطقة بعرض الأمر على الإدارة الهندسية لعمل ترخيص بناءٍ عليها لصالح هيئة الأوقاف المصرية، وتم العرض على مجلس السادة الوكلاء بالوزارة لبحث الحجة والنظر في الموضوع؛ حيث إن َّالأرض موقوفة لغرض الصلاة وفيها ساقية لإخراج الماء وحوض لسقاية الدواب -كما جاء بحجة الوقف-، فقرَّرَ اتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على قطعة الأرض من التعديات وإنشاء سور يحاط بنواحيها الأربعة، وتشكيل لجنة لوضع أفضل الحلول لقطعة الأرض، على أن يتم استطلاع رأي فضيلة المفتي بشأن تغيير صفة الوقف؛ حيث إنه يلزم تغيير شرط الواقف حتى يمكن استخدام هذه الأرض في البناء.
هل البناء على الشيء الموقوف يعد من الوقف؟ فقد أنشأ رجلٌ من الناس وقفًا شرعيًّا عبارة عن منزلٍ مكون من عددٍ معينٍ من الأدوار على واحدٍ من أولاده، وجعل هذا الوقف على ابنه الموقوف عليه، ومن بعده على أولاد هذا الموقوف عليه، ثم على أولاد أولاده، ثم على أولاد أولاد أولاده، ثم من بعدهم على ذريتهم ونسلهم وعقبهم إلى حين انقراضهم، فإذا انقرضوا جميعًا عاد الوقف إلى جهة خيرية عينها الواقف في كتاب وقفه، وجعل الواقف لابنه الموقوف عليه الشروط العشرة بعد وفاة هذا الواقف، وبعد أن صدر الوقف بما يقرب من عام أنشأ الواقف دورًا آخر على المنزل الموقوف زاد به عدد أدوار المنزل الموقوف، وبعد أن تم بناء الدور وأصبح صالحًا للاستغلال من حيث السُّكنى والريع واستغل بالفعل توفي الواقف قبل أن يلحقه بالوقف، وفي وقت صدور الوقف من الواقف على ابنه الموقوف عليه كان له أولاد آخرون في قيد الحياة، وما يزال بعضهم حيًّا إلى الآن، ولكنَّه لم يجعل لهم أي نصيب في المنزل الموقوف، وقد كان جميعهم أحياء وقت أن أنشأ الدور الأخير، ففي هذه الحالة ماذا يكون حكم الدور الذي أنشأه الواقف على المنزل الذي أوقفه على ولده واختصه به من سائر أولاده الآخرين، هل يكون تابعًا للمنزل الموقوف؟ وهل يكون من حق ابنه الموقوف عليه استغلال ريعه لنفسه، ثم من بعده لأولاده بالتداول بينهم؟ وهل للموقوف عليه أن يلحق الدور بالوقف وقد عاد الوقف إليه بعد أن توفي الواقف؟