18 يوليو 2024 م

الخروج على الحكام

الخروج على الحكام

تفتي هذه الجماعات الإرهابية بجواز الخروج على الحاكم، حيث تجد الواحد من هؤلاء المتشددين يأمر المسلمين ويحثهم على أن يثوروا على الحاكم ويزيلوه، ويبدأ بسرد الآيات والأحاديث وأقوال العلماء في وجوب مقاتلة الحكام الذين يصفونهم بالظلم وعصيانهم من دون فهم لمعناها، ويقول: لا سمع ولا طاعة لمن عصى الله ورسوله، كل ذلك مع إثارة عواطف الناس وتأليبهم على وليِّ الأمر لتبدأ بعد هذا سلسلة المفاسد العظيمة التي لا تنتهي.

والظلم الذي يدعيه هؤلاء المتشددون في أحاديثهم وكلامهم هو ما فعله حكام المسلمين بالوقوف أمام أفكار هؤلاء المتشددين المنحرفة والمتطرفة، والتصدي لإرهابهم، وحماية الناس منهم، فهؤلاء المتطرفون حملوا للناس أفكارًا خبيثة؛ من تكفير المسلمين الذين يخالفونهم فكريًّا وأيدلوجيًّا، انطلقوا من هذا الحكم إلى استباحة ما حرم الله ورسوله، وكأنهم حسبوا أنهم بهذا يفلتون من العقاب أو الردع، لكن وقف حكام المسلمين تنفيذًا للأمر النبوي، واقتداء بالخليفة الراشد الإمام علي رضي الله عنه- أمام خططتهم ومشاريعهم الضالة وتشويههم للدين، وما أقاموا فيهم إلا حدَّ الله تعالى، إذ حاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فسادًا، فقتلوا وسرقوا واغتصبوا الأموال بل والأعراض! فكانت سنة الله فيهم أن تقطع نبتتهم الخبيثة، وكان ذلك على يد حكام المسلمين.

فلما لم يأت هذا على هوى المتطرفين الخوارج ومن شايعهم؛ أقاموا بين الناس دعوة الخروج على الحكام بدعوى أنهم ظالمون، وذهبوا بسفاهة أحلامهم مذهبًا مخالفا لما عليه أهل السنة والجماعة، فانحرفوا عن صحيح الدين، وفارقوا جماعة المسلمين.

إن أفعال هؤلاء المتطرفين وادعاءاتهم عين الظلم في هذا الزمان! إذ من استحلَّ دماء وأعراض المسلمين بدعوى الكفر! ومن قتل النساء والأطفال، ومن دمر عقول الشباب بأفكار أردت بهم في تيه لا عودة منه إلا من رحم الله!

إن دعوى هؤلاء هي التي قتلت النفس التي حرم الله قتلها، هي التي قتلت النقراشي باشا، وهي التي اتخذوها مطية لمحاولة قتل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، واغتالوا بها الرئيس الشهيد أنور السادات، وما زالوا إلى اليوم في مشاهد ينكرها من اتصف بالآدمية فضلا عن كونه مسلمًا.

بل لم يسلم الناس العزل من ظلمهم، فجرائمهم على مدى العقود السابقة إلى اليوم شاهدة على فجرهم، فهاهم يقتلون الناس في مساجدهم، وفي طريقهم، بل وفي بيوتهم، يقتلون من لهم العهد والأمان، يقتلون النساء والصبيان ويسترقونهم، ويطلقون على ذلك اسم الجهاد أو (الغزوة)، وما هي إلا نزوة شيطانية.

أي ظلم يدعون وقد شوهوا صورة الإسلام المشرقة وظلموه بأفعالهم النكراء من تمثيل بجثث الناس، وإبادات جماعية وغير ذلك من جرائم، ثم يقولون إنهم الإسلام الحقيقي، فلما وقف الحكام أمام فعلهم قالوا عليهم ظلمة يجب الخروج عليهم.

هذا هو الواقع الذي كان لزاما في بداية الكلام لفت الانتباه إليه.

ثم إننا نقول بمنطق علمي بحت في هذه المسألة دون النظر لما قدمناه من واقع أليم:

لو تعلَّم هؤلاء المتشددون عند أهل العلم الراسخين، وكان لهم سند علمي وروحي إلى رسول الله ﷺ، لفقهوا أنَّ الشريعة لها قواعد محددة في تفسير النصوص توزن من خلالها الأمور، وأن الشريعة ما كانت لتجعل الناس في إثارة كإثارتهم، بل لاستقرار الناس وأمانهم، وأن أمرًا عظيمًا كهذا يحتاج إلى دقة في الفهم، بعيدًا عن الحماس والعاطفة لما قالوا مقالتهم هذه، لكنهم حفظوا من غير فهم وانساقوا وراء فهمهم الظاهر، والذي يدفع الثمن في نهاية المطاف هم المسلمون المساكين، ومن هنا صار موضوع الخروج على الحاكم من الأهمية بمكان، وهو ما سنناقشه في الصفحات الآتية، ونردُّ من خلاله على أدلة المتشددين في تجويزهم الخروج على الحاكم، ونظهر بطلان الاستدلال بها.

أولًا: عرض أدلة العلماء في تحريم الخروج على الحاكم:

الدليل الأول: النصوص الشرعية من الكتاب والسنة الواردة في تحريم الخروج على الحاكم.

1- قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) [النساء:59].

أمر الله سبحانه وتعالى بطاعة أولي الأمر، والأمر بالشيء نهي عن ضده، وعليه فوجوب طاعة الأمير يلزم عنها النهي عن عصيانه، يقول ﷺ: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني»([1])، فقد قرن عليه الصلاة والسلام طاعة الحاكم بطاعته ﷺ، فالخروج على الحاكم هو نقض لطاعة رسول الله ﷺ.

2- ما روي عن جنادة بن أبي أمية، قال: دخلنا على عبادة بن الصامت، وهو مريض، قلنا: أصلحك الله، حدِّث بحديث ينفعك الله به، سمعته من النبي ﷺ، قال: دعانا النبي ﷺ فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: «أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا، عندكم من الله فيه برهان»([2]).

ومعنى أن لا ننازع الأمر أهله أي الحاكم، واستثنى النبي ﷺ حالة واحدة حتى يكون الخروج جائزًا، وهي حالة الكفر البواح، يقول الإمام الخطابي: معنى البواح: الصُّراح من قولك: باح بالشيء يبوح به بُوُوحًا وبواحًا إذا صرح به؛ يريد القول الذي لا يحتمل التأويل، فإذا كان كذلك حلَّ قتالهم، ومادام يحتمل وجْهًا من التأويل لم يجز ذلك، وهو معنى قوله: عندكم من الله فيه برهان، يريد نَصَّ آية أو توقيف لا يحتمل التأويل([3]).

3- ما رواه عوف بن مالك t عن رسول الله ﷺ قال: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم» قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئًا تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدًا من طاعة»([4]).

4- ما رواه ابن عباس، رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ، قال: «مَن رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه، فإنَّه من فارق الجماعة شبرًا فمات إلا مات ميتة جاهلية»([5]).

5- عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن مَن رضي وتابع» قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا، ما صلوا»([6]).

6- ما رواه أبو سلام قال: قال حذيفة بن اليمان: قلت: يا رسول الله، إنا كنا بشرٍّ، فجاء الله بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: «نعم»، قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: «نعم»، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: «نعم»، قلت: كيف؟ قال: «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس» قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: «تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع»([7]).

7- عن علقمة بن وائل الحضرمي، عن أبيه، قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله ﷺ فقال: يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيس، فقال رسول الله ﷺ: «اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم»([8]).

8- عن أبي هريرة t عن النبي ﷺ أنه قال: «مَن خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عُمِّية يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة فقتل، فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه»([9]).

9- ما روي عن عبد الله بن عمر أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مَن خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»([10]).

الدليل الثاني: أقوال العلماء في حرمة الخروج على الحاكم:

1- يقول الإمام الطحاوي: ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة([11]).

2- يقول ابن عبد البر: أما أهل الحق وهم أهل السنة فقالوا هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلًا عدلًا محسنًا، فإن لم يكن فالصبر على طاعة الجائرين من الأئمة أولى من الخروج عليه؛ لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف، ولأن ذلك يحمل على هراق الدماء وشنِّ الغارات والفساد في الأرض، وذلك أعظم من الصبر على جوره وفسقه، والأصول تشهد والعقل والدين أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك([12]).

3- قال الإمام النووي: ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم؛ إلا أن تروا منهم منكرًا محقَّقًا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم، وقولوا بالحق حيث ما كنتم، وأمَّا الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق، وأمَّا الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنَّه ينعزل، وحكي عن المعتزلة أيضًا فغلط من قائله مخالفٌ للإجماع، قال العلماء: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه([13]).

4- قال المازري: قال الشَّيخ: الإِمام العدل لا يحلُّ الخروج عليه باتفاق، والإمام إذا فسَق وجار، فإن كان فسقه كفرًا وجب خلعه، وإن كان ما سواه من المعاصي فمذهب أهل السنَّة أنَّه لا يخلع، واحتجُّوا بظاهر الأحاديث وهي كثيرة، ولأنه قد يؤدِّي خلعه إلى إراقة الدِّماء وكشف الحريم فيكون الضرر بذلك أشَدَّ من الضرر به([14]).

5- يقول القاضي عياض: وقال جمهور أهل السنة من أهل الحديث والفقه والكلام: لا يخلع بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يجب الخروج عليه، بل يجب وعظه وتخويفه، وترك طاعته فيما لا تجب فيه طاعته؛ للأحاديث الواردة([15]).

6- يقول الطيبي: والمعنى لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتكم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرًا محققًا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم، وقوموا بالحق حيثما كنتم، وأما الخروج عليهم وتنازعهم فمحرم بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين، وأجمع أهل السنة على أن السلطان لا ينعزل بالفسق؛ لتهيج الفتن في عزله وإراقة الدماء وتفرق ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه([16]).

7- يقول ابن تيمية: ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم؛ كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي ﷺ؛ لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان، إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته، والله تعالى لم يأمر بقتال كل ظالم وكل باغ كيفما كان، ولا أمر بقتال الباغين ابتداء، بل قال: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا) [الحجرات: 9] فلم يأمر بقتال الباغية ابتداء، فكيف يأمر بقتال ولاة الأمر ابتداء؟!([17]).

الدليل الثالث: مبدأ سد الذرائع:

تعريف سد الذرائع:

يقول الإمام القرافي: الذريعة الوسيلة للشيء، ومعنى ذلك: حسم مادة وسائل الفساد دفعًا له، فمتى كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلةً إلى المفسدة منعنا من ذلك الفعل([18]).

ويقول الإمام القرطبي: الذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع([19]).

إذن سدُّ الذريعة يكون بمنع ما ظاهره المباح حتَّى لا يفضي إلى المحظور، والذرائع أنواع فمنها ما يفضي إلى المحظور قطعًا أو غالبًا، ومنها ما يفضي إلى المحظور نادرًا، ومنها ما يتساوى فيه الطرفان فقد يفضي إلى المحظور وقد لا يفضي.

جاء في البحر المحيط: اعلم أنَّ ما يفضي إلى الوقوع في المحظور، إمَّا أن يلزم منه الوقوع قطعًا أو لا، والأول ليس من هذا الباب، بل من باب ما لا خلاص من الحرام إلا باجتنابه ففعله حرام من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. والذي لا يلزم إما أن يفضي إلى المحظور غالبًا أو ينفك عنه غالبًا، أو يتساوى الأمران وهو المسمى بالذرائع عندنا: فالأول لابدَّ من مراعاته، والثاني والثالث اختلف الأصحاب فيه، فمنهم من يراعيه، ومنهم من لا يراعيه، وربما يسميه التهمة البعيدة والذرائع الضعيفة([20]).

وبناء على ما ذكره الزركشي فإن المباح إذا أفضى إلى المحظور غالبًا فإنَّ العلماء قد اتفقوا على تحريمه من باب سد الذرائع؛ ولذلك جاء النهي عن سبِّ آلهة الكفار؛ لأنه سيؤدي إلى سبِّ الله سبحانه فحَرُم سدًّا للذريعة قال تعالى: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام:108].

الدليل الرابع: مبدأ منع الضرر.

وقد دل على هذا المبدأ حديث النبي ﷺ: «لا ضرر ولا ضرار»([21]). فالضرر يمنع وقوعه ابتداء بنص الحديث، وقد جرت العادة أن الخروج على الحاكم تترتب عليه الكثير من الأضرار التي لا تعد ولا تحصى، ومنع الضرر يكون بمنع قيام سببه، وسبب الضرر في مسألتنا هو الخروج نفسه، ولذلك حرمه العلماء.

 قد يقال: إن الضرر واقع على المسلمين بسبب الظلم، والضرر يزال بحسب القاعدة([22])، وليس الخروج على الحاكم إلا من قبيل إزالة الضرر.

والجواب على هذا: أن الضرر يزال بشرط ألا يترتب على إزالته ضرر أعظم منه، ولهذا نص العلماء على أن الضرر لا يزال بالضرر.

يقول الإمام التاج السبكي: الضرر لا يزال بالضرر، وهو كعائد يعود على قولهم: الضرر يزال، أي يزال ولكن لا بضرر، فشأنهما شأن الأخص مع الأعم في الحقيقة([23]).

ويقول ابن نجيم: الضرر لا يزال بالضرر، وهي مقيدة لقولهم: الضرر يزال؛ أي لا بضرر([24]).

وعلى هذا فلا يُرتكب الضرر المترتِّب على الخروج على الحاكم الظالم من أجل إزالة ضرر الظلم الحاصل ببقاء الحاكم، فالضرر لا يزال بالضرر.

الدليل الرابع: قاعدة دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح:

يقول ابن نجيم: فإذا تعارضت مفسدة ومصلحة قدِّم دفع المفسدة غالبًا؛ لأنَّ اعتناء الشرع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات، ولذا قال عليه السلام: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه»([25])... ومن ثم جاز ترك الواجب دفعًا للمشقة، ولم يُسامح في الإقدام على المنهيات خصوصًا الكبائر([26]).

ودفع مفسدة الفتنة المترتبة على الخروج على الحاكم الظالم، مقدم على جلب المصلحة وهو زوال الظلم.

الدليل الخامس: قاعدة إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما([27]).

وفي مسألتنا هذه يوجد مفسدة عظيمة؛ الأولى: وقوع الظلم على العباد في حالة السكوت على الحاكم، الثانية: انتشار الفوضى في البلاد في حالة الخروج على الحاكم، ومن البديهي أن المفسدة الثانية أعظم من المفسدة الأولى، فانعدام الأمان في المجتمع يعني تعطل الحياة ووقوع الناس في الحرج والضيق، بخلاف وقوع الظلم الذي لا تتعطَّل معه الحياة، فقال العلماء: ترتكب المفسدة الأخف حتى لا تقع المفسدة الأشد، وقد مرَّ معنا قول ابن تيمية: لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم- أي الحكام الظلمة- بدون قتال ولا فتنة، فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما([28]).

***

ثانيًا: عرض رأي المتشددين وأدلتهم في الخروج على الحاكم([29]):

يذهب المتشددون خوارج العصر إلى أن الخروج على الحاكم الظالم جائز، ويقولون: إن هذا هو قولُ فريق من أهل السنة والجماعة، ويستدلون على ذلك بالأدلة الآتية:

الدليل الأول:

الآيات التي تحرِّم البغي وتوجب الوقوف في وجه الظلمة، ومنها قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُون) [الشورى:39]، وقوله سبحانه: (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيل) [الشورى:41]، وقوله عز وجل: (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) [الحُجُرات:9].

فقال المتطرفون: إن هذه الآيات وغيرها من الآيات تدلُّ بعمومها على وجوب منع البغي الواقع على المسلمين، وهذا عام في بغي الحاكم وغيره، فكلُّ من بغى على المسلمين يجب منعه ولو بالقتال؛ لأن الغاية هي كفُّ الضرر، ولا يختلف حكم دفع البغي بين أن يكون بغي فرد على فرد أو حكومة على شعب، بل إن بغي الحاكم على المسلمين أعظم خطرًا وأشد ضررًا من بغي الأفراد، ولذلك كان قتال الحاكم الظالم أولى وأوجب.

ومثل ذلك قوله تعالى: (قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين) [البقرة:124]، وهي نص بانتقاض عهد الظالم، ولا يكون له حق في الإمامة؛ لأن شرطها العدل، فمن ظلم فقد مُنِعَ عهد الله الذي حرمه على كل ظالم، وحينئذ يكون الحاكم بلا حقٍّ، ويعتبر مغتصبًا للسلطة، فيجب نزعه.

فيقول سيد قطب شارحًا هذه الآية: والظلم أنواع وألوان: ظلم النفس بالشرك، وظلم الناس بالبغي.. والإمامة الممنوعة على الظالمين تشمل كل معاني الإمامة: إمامة الرسالة، وإمامة الخلافة، وإمامة الصلاة.. وكل معنى من معاني الإمامة والقيادة.

فالعدل بكل معانيه هو أساس استحقاق هذه الإمامة في أية صورة من صورها. ومن ظلَم- أي لون من الظلم- فقد جرد نفسه من حق الإمامة وأسقط حقه فيها بكل معنى من معانيها([30]).

وعلى هذا الكلام يقول المتطرفون أن الحاكم الظالم لا يستحق الإمامة وبالتالي يجب نزعه، ولا يكون هذا إلا بالخروج عليه.

وكذلك يقول هؤلاء إن الآيات التي تأمرنا بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتي منها قوله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون) [آل عمران: 104] وقوله سبحانه: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) [آل عمران:110]، وقال الله عز وجل: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) [التوبة:71].

وللرد على ذلك نقول: إنَّ الآيات التي وردت في تحريم البغي ورفع الظلم، ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا دليل فيها لزعمهم، وسبب ذلك أن العلماء يشترطون لتغيير المنكر ألا يترتب عليه منكر أشد، وهذا غير حاصل في الخروج على الحاكم الظالم، الذي يترتب عليه إراقة الدماء وانتشار الفوضى، مما يجعل الظلم الواقع من الحاكم أقل خطرًا من الضرر المترتب على تغيير الحاكم، وفد أصَّلنا لهذا عند ذكر أدلة العلماء في تحريم الخروج.

الدليل الثاني:

استدل المتطرفون خوارج العصر بما روي عن عبد الله بن مسعود t أن رسول الله ﷺ قال: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسُنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل»([31]).

وللرد على ذلك نقول: إنَّ قول النبي ﷺ: «فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن». ليس معناه قتال الحاكم، يقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله: التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح، وحينئذ فجهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات، مثل أن يريق خمورهم أو يكسر آلات الملاهي التي لهم، ونحو ذلك، أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك، وكل هذا جائز، وليس هو من باب قتالهم، ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه، فإن هذا أكثر ما يخشى منه أن يقتل الآمر وحده، وأما الخروج عليهم بالسيف، فيخشى منه الفتن التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين ([32]).

ويقول الإمام النووي: ما ورد في هذا الحديث من الحث على جهاد المبطلين باليد واللسان فذلك حيث لا يلزم منه إثارة فتنة، على أن هذا الحديث مسوق فيمن سبق من الأمم وليس في لفظه ذكر لهذه الأمة([33]).

الدليل الثالث:

ما روي عن عبد الله بن مسعود t أن النبي ﷺ قال: «سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة، ويعملون بالبدعة، ويؤخِّرون الصلاة عن مواقيتها» فقلت: يا رسول الله إن أدركتهم، كيف أفعل؟ قال: «تسألني يا ابن أم عبد كيف تفعل؟ لا طاعة لمن عصى الله»([34]).

نقول: إن قول النبي ﷺ لابن مسعود: «تسألني يا ابن أم عبد كيف تفعل؟ لا طاعة، لمن عصى الله». لا دليل فيه على جواز الخروج على الحاكم، بل كل ما في الأمر أن الحاكم إذا أمر بما فيه معصية لا تجوز طاعته؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

الدليل الرابع:

ما روي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرُّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا([35]).

فيقول المتطرفون إن الأخذ على يد من يريد هلاك الأمة واجب بنص هذا الحديث، وهو عام يشمل الحكام كما يشمل المحكومين، وأي هلاك تنتظره الأمة إذا بقيت ساكتة على السلطان الجائر يعيث في الأرض فسادًا، فمن أجل نجاة جماعة المسلمين لابد من الخروج على الحاكم الظالم لنزع مادة الفساد من الأساس.

ونرد على ذلك فنقول: إن حديث مثال أهل السفينة، يجعل النبي ﷺ سبيل النجاة في هذا الحديث بالأخذ على يد من يسعى لهلاك المجتمع، والواقع أن الخروج على الحاكم الظالم لا يترتب عليه نجاة أبدًا بل إن المتأمِّل في الحديث يجده حجَّةً لمن حرَّم الخروج، وذلك بالأخذ على يد من يريد الخروج؛ لأنه بخروجه سيجلب الهلاك للمجتمع، فيجب الأخذ على يده من خلال وعظه وتنبيهه للأخطار المحدقة، وبذلك تنجو سفينة المجتمع من الغرق في الفتنة والشَّرِّ المستطير.

الدليل الخامس:

ما روي عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله ﷺ: «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر، أو أمير جائر»([36])، وأيضًا ما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، عن النبي ﷺ قال : «إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك أنت ظالم فقد تودِّع منهم»([37]).

فكلا الحديثان يوجبان على الأمة أن تُظهر النكير على الحاكم الظالم، ففي الحديث الأول الإنكار على الظالم هو أفضل أنواع الجهاد والذي هو ذروة سنام الإسلام، والحديث الثاني جعل صلاحية هذه الأمة مرتبطة بردع الظالم عن ظلمه، وعلى هذا كان الخروج على الحاكم مشروعًا.

نقول: ليس فيهما دليل على جواز الخروج على الحاكم الظالم وقتاله؛ فردع الظالم في كلا الحديثين كان عن طريق اللسان، وإلا لو كان المقصود هو قتال الحاكم، فلا معنى لكلمة الحق.

الدليل السادس:

خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما بويع بالخلافة وهي:

أمَّا بعد، أيُّها الناس، فإنِّي قد ولِّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقَّه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحقَّ منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذُّل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمَّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم. قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله([38]).

فقال المتطرفون إن قول أبي بكر: أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم. دليل على أن الحاكم لا طاعة له إذا عصى الله سبحانه، فكيف إذا ظلم الرعية وبغى عليها، كان أولى بالعصيان من غيره، وقد قال الصديق هذه الخطبة في محضر من خيار الصحابة، وفي مجمع عام ولم ينكر عليه أحد منهم فكان إجماعًا منهم أن طاعة الأمير مقرونة بطاعته لله ورسوله، فإذا تخلَّى عنها وجبت إزاحته عن الحكم لعدم وجوب طاعته.

نقول: إنه مما لا خلاف فيه أنَّ العلماء إنما أوجبوا طاعة أولي الأمر الظلمة والفسقة، ومَنعوا الخروج عليهم لاعتبار آخر وهو درء المفاسد العظمى الحاصلة بقتالهم.

الدليل السابع:

قال المتطرفون: إن ما ورد عن علماء السلف من جواز الخروج على الحاكم الظالم، ومن هؤلاء العلماء الإمام أبو حنيفة، يقول الجصاص متحدثًا عن أبي حنيفة: وكان مذهبه مشهورًا في قتال الظلمة وأئمة الجور؛ ولذلك قال الأوزاعي: احتملنا أبا حنيفة على كل شيء حتى جاءنا بالسيف. يعني قتال الظلمة فلم نحتمله وكان من قوله: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض بالقول، فإن لم يؤتمر له فبالسيف... وقضيته في أمر زيد بن علي مشهورة، وفي حمله المال إليه وفتياه الناس سرًّا في وجوب نصرته والقتال معه، وكذلك أمره مع محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن، وقال لأبي إسحاق الفزاري حين قال له: لم أشرتَ على أخي بالخروج مع إبراهيم حتى قتل؟ قال: مخرج أخيك أحب إليَّ من مخرجك([39]).

وللرد على ذلك نقول: ما ذكره المتشددون من أنَّ مذهب أبي حنيفة الخروج على الحاكم فيحتاج إلى توضيح، حيث إن الظاهر هو رجوع الإمام أبي حنيفة عن هذا الرأي، والدليل أن العقيدة الطحاوية التي هي نقل لعقيدة الإمام الأعظم ذُكِرَ فيها النهي عن الخروج على الحاكم، جاء في بداية العقيدة الطحاوية: هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين، وما يعتقدون من أصول الدِّين ويدينون به ربَّ العالمين([40]).

فالإمام الطحاوي التزم بنقل عقيدة الإمام أبي حنيفة، وكان من ضمن ما ذكره الطحاوي في العقيدة حرمة الخروج على الحاكم الظالم حيث قال: ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا([41]). فمعنى هذا أن عقيدة الإمام أبي حنيفة حرمة الخروج على الحاكم الظالم، وهذا يدل على رجوعه عن رأيه الأول.

ثم إن قول علماء المذهب الحنفي متوافق مع ما جاء في العقيدة الطحاوية من حرمة الخروج ومخالف لما ذكره الجصاص، مما يعني أن الذي استقر عليه الإمام أبو حنيفة هو عدم جواز الخروج على الحاكم وإنْ ظلم.

يقول ابن عابدين: وعند الحنفية ليست العدالة شرطًا للصحة، فيصح تقليد الفاسق الإمامة مع الكراهة؛ وإذا قلد عدلًا ثم جار وفسق لا ينعزل؛ ولكن يستحب العزل إن لم يستلزم فتنة؛ ويجب أن يُدعى له؛ ولا يجب الخروج عليه؛ كذا عن أبي حنيفة([42]).

وبحسب نقل ابن عابدين فلا يجوز الخروج على الحاكم إن استلزم الخروج فتنة، كما جاء عن أبي حنيفة، مما يدل على تغير موقف الإمام رحمه الله.

وأما ما نقل عن بعض السلف فقد قال ابن حجر في ترجمة الحسن بن صالح بن صالح بن حي: وقولهم: كان يرى السيف. يعني كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور، وهذا مذهب للسلف قديم، لكن استقرَّ الأمر على ترك ذلك لما رأوه قد أفضى إلى أشد منه، ففي وقعة الحرة ووقعة ابن الأشعث وغيرهما عظة لمن تدبَّر([43]).

وممَّن أكَّد على أنَّ ما استقرَّ عليه العلماء هو حرمة الخروج على الحاكم الشيخ ابن تيمية حيث قال بعد أن ذكر ما لحق بالمسلمين من الشرِّ العظيم جراء الخروج على الحكام الظلمة: لهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي ﷺ وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم، وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين([44]).

ومن المؤكد أن هذه الأدلة والردود التي ذكرناها إنما تقنع من فتح قلبه وعقله لقبول الحق، أما الآخرون الذين غلبت على عقولهم السطحية في التفكير، وامتلأت قلوبهم بالحقد والانتقام سيطوعون النصوص لفكرهم ورغباتهم، ومهما يأتهم من نص شرعي لن يقبلوا؛ لأن الخروج على الحاكم هو المتوافق مع منهجهم وطبيعتهم، خاصة وأن حكام المسلمين هم الذين يقفون أمام ظلم وإجرام هؤلاء المتطرفين وفسادهم وإفسادهم في الأرض كما قدمنا في بداية كلامنا، فما هم إلا امتداد للخوارج القدامى الذين أهلكوا البلاد والعباد قديمًا وحديثًا، عجَّل الله بخلاص الأمة من شرورهم.

والحمد لله رب العالمين.

 

شرع جهاد القتال في سبيل الله لأجل غايات نبيلة وأهداف كريمة عزيزة وليس لأجل القتال للقتال، أو القتال لاحتلال دول أخرى بهدف الاستيلاء على خيراتها واسترقاق رجالها وسبي نسائها، وقد وقعت الجماعات المتطرِّفة في أخطاء جسيمة في فهم الجهاد وما جاء فيه من نصوص الشَّريعة، فلوَّوا أعناقها، وفرَّقوا بين ما حقه أن يجمع، وجعلوا لأنفسهم جهادًا مستقلًا عن فهم علماء أهل السنة، فهبوا لا ليقاتلوا المعتدي على الأرض كما هي شعاراتهم ودعاويهم، بل كان القتال للمسلمين الموحدين، فهو جهاد خاص بدين هؤلاء الخوارج لا الجهاد الذي شرعه الله ورسوله.


تفتي الجماعات المتطرفة بعدم جواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم ووجهتهم في ذلك أن تهنئة غير المسلمين بأعيادهم في هذا العصر من المحرمات، واعتبروا أن فاعلها قد لا يسلم من الكفر.


تفتي الجماعات المتطرفة بوجوب هدم قبور الأنبياء والصالحين، فيقومون بالتعدي على حرمة الموتى، بل وتفجير هذه القبور؛ كما فعَل من يُسمونهم: تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حيث نسفوا القبر المنسوب لنبي الله يونس عليه السلام في العراق ؛ كذلك فعلت الجماعات الإرهابية في قبر الإمام النووي في الشام ، وغيرها من قبور الصالحين في بلاد المسلمين.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 26 أبريل 2025 م
الفجر
4 :43
الشروق
6 :16
الظهر
12 : 53
العصر
4:29
المغرب
7 : 29
العشاء
8 :53