16 يوليو 2024 م

الثابت والمتغير في الإسلام

الثابت والمتغير في الإسلام

جعل الله سبحانه وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وجعل رسالته خاتمة الرسالات السَّماوية، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: 40] وإذا كان الحال كذلك فإنَّ شريعته صلى الله عليه وسلم خاتمةُ الشَّرائع، وهذا يعني أن هذه الشريعة شريعةٌ باقية، شريعة ممتدة لم تكن لوقته صلى الله عليه وسلم وزمنه المبارك فحسب، بل هي صالحةٌ في زمننا هذا وصالحة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها يوم القيامة.

ولأجل ذلك فقد اتَّصفت هذه الشريعة الغرَّاء بكلِّ ما يمكن من الصِّفات التي تجعلها باقية، وأهم هذه الصفات هي أن تكون مرنة وقابلة لمختلف العوامل الزمانية والمكانية، وأن تكون متكيِّفة مع متطلَّبات الأشخاص على مستوى الأفراد والجماعات، مناسبة لمختلف الأحوال، على امتداد العصور، ولذلك نرى الأحكام منها ما هو ثابت، ومنها ما هو متغير، يعبرون عن الأول الثابت باسم الشريعة، وعن الثاني باسم الفقه.

جاء في لسان العرب: «الشريعة والشراع والمشرعة: المواضع التي ينحدر إلى الماء منها، قال الليث: وبها سمي ما شرع الله للعباد شريعة من الصوم والصلاة والحج والنكاح وغيره». ثم قال: «والشريعة موضع على شاطئ البحر تشرع فيه الدواب. والشريعة والشرعة: ما سن الله من الدين وأمر به كالصوم والصلاة والحج والزكاة وسائر أعمال البر مشتق من شاطئ البحر؛ عن كراع؛ ومنه قوله تعالى: ثم جعلناك على شريعة من الأمر»([1]).

وفي الاصطلاح قال ابن حجر الهيثمي: «وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى ما يصلح معاشهم ومعادهم»([2]).

وجاء في الموسوعة الكويتية: « ما نزل به الوحي على رسول الله ﷺ من الأحكام في الكتاب أو السنة مما يتعلق بالعقائد والوجدانيات وأفعال المكلفين، قطعيا كان أو ظنيا »([3]).

 أما الفقه: فهو في اللغة: يأتي بمعنى الفهم([4])، ومنه قول النبي ﷺ: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»([5]).

وفي الاصطلاح: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية([6]).

والمعنى اللغوي للكلمتين يدلنا على هذا الفارق. فقوله في الشريعة: «وضع إلهي» وفي الفقه: «العلم بالأحكام» ينبهنا إلى هذا المعنى الدقيق الذي تصير به الشريعة مقدسة لأن الواضع لها هو الله وهي على هذا فهي متسمة بعدم التغير، أما الفقه فهو معرفة تلك الأحكام الموضوعة وهذه المعرفة يجوز فيها الخطأ، لأنها ظنية لا تتأتى إلا عن طريق الاجتهاد في معرفة تلك الأحكام، وتحتمل كذلك التغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، ومن هنا كانت غير معصومة.

جاء في الموسوعة الكويتية: «وبين الشريعة والفقه عموم وخصوص من وجه؛ يجتمعان في الأحكام العملية التي وردت بالكتاب أو بالسنة أو ثبتت بإجماع الأمة، وتنفرد الشريعة في أحكام العقائد، وينفرد الفقه في الأحكام الاجتهادية التي لم يرد فيها نص من الكتاب أو السنة ولم يجمع عليه أهل الإجماع»([7]).

يقول مصطفى الزرقا: «ولا يجوز الخلط وعدم التمييز بين مفهوم الشريعة الإسلامية، ومفهوم الفقه الإسلامي، لأن الشريعة معصومة، وهي في العقيدة الإسلامية صواب وخير كلها تهدي الحياة الإنسانية إلى الطريق السليم المستقيم، أما الفقه فهو من عمل الفقهاء في طريق فهم الشريعة وتطبيق نصوصها وفقًا لغرض الشارع والقواعد الأصولية في استنباط الأحكام منها، وفي هذا يختلف فهم فقيه عن فهم فقيه آخر، وفهم كل واحد مهما علا قدره يحتمل الخطأ والصواب لأنه غير معصوم.، وليس معنى ذلك أنه لا قيمة له، بل له قيمة عظيمة وتقدير كبير، ولكن المقصود أن ليس له القدسية التي للشريعة نفسها المتمثلة بنصوصها من الكتاب والسنة الثابتة، فالفقه وهو فهم الفقيه ورأيه، ولو كان مبنيًّا على النص الشرعي، وهو قابل للمناقشة والتصويب والتخطئة، ولكن التخطئة تنصرف إلى فهم الفقيه لا إلى تخطئة النص الشرعي، ومن ثم اختلفت آراء الفقهاء، ورد بعضهم على بعض، وخطأ بعضهم بعضًا»([8]).

إن مرونة الأحكام الفقهية تظهر بصورة جليَّة وواضحة في جانب المعاملات أكثر وأجلى منها في جانب العبادات، وذلك لأنَّ موضوعات الشريعة والفقه تنقسم إلى قسمين أساسيين:

القسم الأول: ما يتناول علاقة الإنسان بربه سبحانه وتعالى.

والقسم الثاني: ما يتناول علاقة الإنسان بالكون من حوله.

فالقسم الأول هو الذي يتناول علاقة الإنسان بربِّه سبحانه وتعالى وهو (العبادات) كالصلاة، والصيام والزكاة والحج التي هي أركان الإسلام الخمسة بالإضافة للشهادتين.

فهذه العبادات واضحة المعالم، وأكثر أحكامها مُفصَّل، منصوصٌ عليه، فقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى كيف نعبده، وأخبرنا كيف نتقرب إليه، وهذا هو الجزء الصلب منها وهو الجزء الأكبر، ويبقى منها جزء، هذا الجزء قابلٌ للتغيُّر على اختلاف الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، رحمة وتيسيرًا من رب العالمين سبحانه وتعالى على عباده، والقاعدة في ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78] وقال: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].

وأما القسمُ الثَّاني من موضوعات الفقه فهو القسم الَّذي يتناول علاقة الإنسان بالكون من حوله، وهو ما أسماه الفقهاء بـ(المعاملات) لأن الأساس فيها هو المعاملة، معاملة المسلم للمسلم، ومعاملة المسلم لغير المسلم، ومعاملة الرجل للمرأة، ومعاملة المرأة للرجل، وأُفرد لكل نوع من هذه المعاملات باب أو أبواب على حدة، وذلك كأبواب البيع والشراء، والسلم، والإجارة، والشفعة والصلح، وكالنكاح والطلاق، إضافة إلى أبواب الجنايات والعقوبات والقضاء والشهادة والسياسة الشرعية وغيرها، فنرى هذا القسم ينظِّم علاقة المسلم مع الكون والنَّاس من حوله.

والأصل في هذا القسم من المعاملات المرونة، أي أن تكون مرنةً، قابلة للتَّغيُّر، يحكم هذه المرونة خطوط عريضة، وقواعد عامة، ومبادئ أساسية، وهي المبادئ والقواعد التي نستطيع رصدها في أمرين مرتبطين ببعضهما تمام الارتباط، ويتفرَّع عنها كل ما نجده في أبواب فقه المعاملات في الإسلام، ونرصدها في أمرين اثنين:

الأمر الأوَّل: أنَّ القاعدة في أمور المعاملات أنها مشروعة مراعاة لتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية، ومقاصد الشَّريعة الإسلاميَّة هي ما شرعت الشَّرائع لأجل حفظها ورعايتها، وهي مسماة بالكليات الخمس، يقول الإمام البيجوريُّ: «لأنَّها وجبت في كلِّ ملَّة فلم تبح في ملَّة من الملل».

وهذه المقاصد هي حفظ النَّفس، والدِّين، والمال، والنَّسب، والعقل، نظمها اللقانيُّ بقوله:

وحفظ دين ثم مال نسب
 

ومثلها عقل وعرض قد وجب
 

وهذه الأمور مراعاة في جانب المعاملات بمعناه الذي يشمل تعامل المسلم مع المسلم، وتعامله مع غير المسلم، سواء كان هذا التعامل في تبادل المنافع، أو في طلب الحقوق، أو في دفع ظلم إلى غير ذلك، وعلى هذا يدخل فيها أمور الجنايات، والحدود، والسِّيَر.

قال الإمام الشاطبي المالكي: «والمعاملات راجعة إلى حفظ النَّسل والمال من جانب الوجود، وإلى حفظ النَّفس والعقل أيضًا، لكن بواسطة العادات، والجنايات- ويجمعها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- ترجع إلى حفظ الجميع من جانب العدم».

فالمعاملات لم تُشرع لذاتها، سواءٌ كانت هذه المعاملات بيعًا أو شراء، سلما، أو إجارة، أو عارية، أو حوالة، أو رهنا، كلُّ ذلك لم يشرع لذاته، بل ما وجدت المعاملات بالأساس إلَّا لضرورة الاجتماع البشريِّ، الذي يؤدي إلى تبادل المصالح بين الناس بعضهم البعض، حتَّى تقوم الحياة وتعمر الأرض، وإذا كانت الحياة طبيعتُها التجدد والتغير، فإنَّ المعاملات ولا شك ستتجدَّد وتتغير عما كانت عليه في الماضي.

وبالتالي فنحن لسنا متعبَّدين بصورة واحدة للبيع والشراء أو نسق المعاملات التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حتى تلك التي كانت قبل الثورة الاقتصادية الحديثة والتي استحدث فيها من المعاملات ما لم يكن موجودًا من قبل، وتطورت فيها معاملات بما لم يسبق إليه من قبل، فالضابط لذلك هو صلاح حال البلاد والعباد، وتحقيق مقاصد الشرع، فما نحتاجه في الحقيقة هو تكاتف جهود علماء الشريعة، مع المتخصصين في علوم الواقع كالاقتصاد وغير ذلك، للوصول إلى الصورة الأفضل للمعاملات الحديثة لتحقق مقاصد الشرع.

ففي صحيح مسلم من حديث عائشة وثابت وأنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين أن النبي ﷺ مر بقوم يلقحون نخلهم، فقال: «لو لم تفعلوا لصلح» ففعلوا فخرج شِيصًا- أي رديئا- فمر بهم فقال: «ما لنخلكم؟» قالوا: قلت كذا وكذا، فقال ﷺ «أنتم أعلم بأمر دنياكم»، فتحقيق مصالح العباد أساس في أمور المعاملات.

ولأجل ذلك نرى معاملات في الإسلام شرعت على خلاف القياس، بمعنى أنها كان من المفترض أن تكون حرامًا لكنها أبيحت لغرض ولحاجة ولمنفعة، مثال ذلك معاملة الشفعة، التي تثبت في العقارات ويُعرِّفها السادة الحنفية مثلًا بأنها: ضم ملك البائع إلى ملك الشفيع، وهي تثبت للشفيع بالثمن الذي بيع به رضي المتبايعان أو سخطا.

فالأصل في أمور البيع والشراء أن كل أحد له أن يبيع لمن شاء، وأن يملك لمن شاء، ولا يسأل أحد فيما يملِك، لكن الشرع الشريف أثبت حقا لأحد الجارين عند بيع الآخر نصيبه. فقد روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة».

والعلة التي لأجلها شرعت الشفعة هو دفع الضرر والأذى عن الشريك، لأنه ربما باع الشريك نصيبه لعدو شريكه، أو لذي خلق سيء، أو لمن يتضرر الشريك القديم بمجاورته، فيحدث بسبب ذلك التباغض والشحناء، بينهم، ويحدث الضرر الذي شرع الله سبحانه وتعالى رفعه عن العباد.

قال عبد الله بن مودود أبو الفضل الموصلي الحنفي: ولهذا المعنى كانت على خلاف القياس، إلا أنا استحسنا ثبوتها بالنص، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «الجار أحق بشفعته» رواه جابر، وقال عليه الصلاة والسلام : «جار الدار أحق بشفعة الدار».

ومثل ذلك كل المعاملات التي قال عنها الفقهاء إنها شرعت على خلاف القياس، كالسلم، وكالإجارة عند من قال بذلك، وذلك مراعاة لمقاصد الشريعة الإسلامية الغراء.

والأمر الثَّاني: أنَّها ليست بأمور نصيَّة؛ بل جعل الشَّارع لها مبادئ عامَّة تحكمها وتنظمها؛ تتوافق مع اختلاف الأزمنة والأمكنة.

وتلك رحمة من الله سبحانه وتعالى بعباده؛ خاصَّة أنَّ هذه الأمور لا تتصف بالثَّبات في أحكامها كالعبادات؛ فهي- أي العبادات- تتَّصف بالثَّبات غالبًا بمعنى: عدم التغيُّر؛ بخلاف تلك الأمور الخاصَّة بالتَّعامل مع الغير مسلمًا كان أو غيره؛ فهي تتَّصف بالتغيُّر الدَّائم تبعًا لتغيُّر الزَّمان والمكان والأحوال والأشخاص؛ ولذا وضع الله سبحانه وتعالى لها مبادئ عامَّة وخطوطًا عريضة واجبة الاعتبار، يصير بها المسلم موافقًا لما أمر الله وليس مخالفًا لشريعته.

فعلى سبيل المثال اعتبر في البيوع انتفاء الغرر الجهالة والغبن إلى غير ذلك وهكذا في أمور المعاملات، الأمر فيها قائم بالأصالة على الجواز بشرط عدم المنافي مما حظره الشَّارع الشَّريف، ويترتب على ذلك ما لا ينحصر من الأمور الجزئية إلى غير ذلك، مع كون الأصل في جميع هذه الأمور (الإباحة والجواز).

قال ابن تيميَّة في مجموع الفتاوى: «القول الثَّاني أنَّ الأصل في العقود والشُّروط الجواز والصِّحَّة ولا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشَّرع على تحريمه وإبطاله نصًا أو قياسًا عند من يقول به وأصول أحمد المنصوصة عنه أكثرها يجري على هذا القول ومالك قريب منه لكن أحمد أكثر تصحيحًا للشُّروط فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحًا للشُّروط منه...»([9]).

ثم قال رحمه الله: «وعلى هذا فمن قال هذا الشَّرط ينافي مقتضى العقد قيل له أينافي مقتضى العقد المطلق أو مقتضى العقد مطلقًا؟ فإن أراد الأول: فكل شرط كذلك. وإن أراد الثاني لم يسلم له؛ وإنَّما المحذور أن ينافي مقصود العقد كاشتراط الطَّلاق في النِّكاح أو اشتراط الفسخ في العقد. فأمَّا إذا شرط ما يقصد بالعقد لم يناف مقصوده. هذا القول هو الصَّحيح بدلالة الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار مع الاستصحاب وعدم الدليل المنافي»([10]).

إذن فما يحكم أمور المعاملات خطوط عريضة، ويسير على هذا النَّسق بالتبع أمر التعامل مع غير المسلمين، والأمور الخاصة بالعلاقات الدوليَّة.

 

([1]) انظر: لسان العرب (باب العين، فصل الشين مع الراء).

([2]) انظر: تحفة المحتاج (1/ 20) لابن حجر الهيثمي- المكتبة التجارية الكبرى- مصر.

([3]) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (22/ 194).

([4]) انظر: المصباح المنير (فقه).

([5]) متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (71)، ومسلم في كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة (1037)، من حديث معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه.

([6]) انظر: حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (1/ 58)- للشيخ حسن العطار –دار الكتب العلمية - بيروت.

([7]) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (32/ 194).

([8]) انظر: المدخل الفقهي العام (1/ 153، 154) تأليف: مصطفى الزرقا – دار القلم – دمشق – الطبعة الثانية – 1425هـ - 2004م.

([9]) انظر: مجموع الفتاوى (29/ 133) لابن تيمية عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416هـ- 1995م.

([10]) المرجع السابق (29/ 138).

إنَّ المتتبع لفكر التكفير على مدى العصور والذي تعرضنا له في أسئلة سابقة؛ يجد انحصاره في مبادئ ينطلق منها أصحابها لرمي المجتمعات الاسلامية بالكفر، وهذه المبادئ هي لَيٌّ لمعاني النصوص مع استحداث ألفاظ جديدة تحاكي المعاني التي يكفرون بها الناس، فمن أنكر التوحيد يكفر قطعًا لا خلاف لأحد من المسلمين في ذلك، فتوحيد الله سبحانه وتعالى هو الأساس الذي عليه الإسلام، إلا أنهم استحدثوا وجود هذا اللفظ في مواطن جديدة مبتدعة من عندهم، جعلوها أُسسًا في فهم عقيدة المسلمين، وهي- كما سنرى- مستحدثة لا تمتُّ لما عليه السلف الصالح في الفهم، ومن ذلك تقسيمهم التوحيد إلى ثلاثة أقسام (توحيد الألوهية- توحيد الربوبية- توحيد الأسماء والصفات) فمن أنكر أي قسم من هذه الأقسام يكفر عند أصحاب هذا التقسيم.


من مقومات الأمم التي لها تاريخ حضاري أنها ترتبط بثقافتها وتراثها اللذين يمثلان خصائص وجودها وهويتها، فتاريخ الأمم هو المعبر عن ثرائها وخبرتها الحضارية في الوجود الإنساني، ومدى تفاعلها مع القضايا الإنسانية المختلفة، ولا يمكن إهمال ذلك التاريخ وتلك الخبرة أثناء السعي لبناء واقع أفضل في كل المجالات، لأن هذه الخبرة تتداخل في كل الجوانب الإنسانية، المعرفية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية، وهي ذاتها الجوانب التي يسعى الإنسان إلى تطويرها والتقدم فيها في عالمه المعاصر.


إن المحور الأهم لفكر الخوارج هو اتهام المسلمين بعدم تطبيق شرع الله سبحانه وتعالى وأوامره، ظهر ذلك مع أول خارجي وهو الأقرع بن حابس، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: بينما نحن عند رسول الله ﷺ وهو يقسم قسمًا، أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل، فقال: «ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل». فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرب عنقه؟ فقال: «دعه، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه- وهو قدحه- فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس» قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله ﷺ، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به، حتى نظرت إليه على نعت النبي ﷺ الذي نعته( ).


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد؛ ففي تسجيل مرئي منشور على شبكة الانترنت يظهر القرضاوي أحد أكبر دعاة الفتنة ويفتي الناس بجواز أخذ الرشوة الانتخابية والتظاهر ببيع الصوت إذا احتاج الإنسان إلى ذلك، وحتى لو حلَّفه الراشي أنه سينتخب فلانًا مقابل هذا المال، فيأخذ المال ويحلف، ثم ينتخب من يراه الأحق بصوته أو المرشح الصالح، وهذا القَسَم لا يجب الإبرار به لأنه قسم على معصية! وإذا أبرَّ بقسمه وانتخب من حلف أنه سينتخبه، ففي هذه الحالة عليه إثمين، إثم أخذ المال، وإثم إعطاء الصوت للمرشح الفاسد!


الفتوى منصب عظيم الأثر، بعيد الخطر، وهي وظيفة إسلامية جليلة، وعمل ديني رفيع، ومهمة شرعية جسيمة، ينوب فيها الشخص بالتبليغ عن رب العالمين، ويؤتمن على شرعه ودينه، فإن المفتي - كما قال الإمام الشَّاطبي- قائم مقام النبي ﷺ فهو خليفته ووارثه، وفي الحديث:«الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ»( ). وهو نائب عنه في تبليغ الأحكام، وتعليم الأنام، وإنذارهم بها لعلهم يحذرون، وهو إلى جوار تبليغه في المنقول عن صاحب الشريعة، قائم مقامه في إنشاء الأحكام في المستنبط منها بحسب نظره واجتهاده، فهو من هذا الوجه شارع، واجب اتِّبَاعه، والعمل على وفق ما قاله، وهذه هي الخلافة على التحقيق


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 أبريل 2025 م
الفجر
4 :41
الشروق
6 :15
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 31
العشاء
8 :54