04 فبراير 2024 م

(كليمُ الله موسى بن عمران عليه السلام)

(كليمُ الله موسى بن عمران عليه السلام)

مِن الأنبياء الذين مرُّوا بهذه الأرض المباركة: كليم الله سيدنا موسى عليه السلام، الذي أرسله الله نبيًّا بشريعة بني إسرائيل، واسمه: موسى بن عمران بن قاهِث بن لاوِي بن يعقوب.

فسيدنا موسى عليه السلام مع كونه لم يدخل هذه البلاد الطاهرة إلا أنه قد مرَّ بها ودُفن بالقرب منها؛ لتعلقه ولعلاقته الرُّوحية بها، وقد بدأت علاقته بأرض فلسطين بعد أن كتب الله تعالى له النجاة ولهارون ومن معهما من فرعون، حيث بدأ موسى عليه السلام الشروع في مرحلة جديدة؛ فخرج بهم من مصر، وسار نحو الأرض المقدسة؛ لأن الله تعالى قد أمره بدخولها، وأن يقاتل الجبارين ويخرجهم منها؛ فقال: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [المائدة: 21].

والمقصود بالأرض المقدسة هي أرض فلسطين، ومعنى المقدسة: المطهَّرة؛ لأن بيت المقدِس يُتَطهر فيه مِن الذنوب؛ وروي في قول الله تعالى: ﴿الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 71]؛ هي الأرضُ المقدسة بارك الله فيها للعالمين؛ لأن كل ماء في الأرض عذب يخرج منها مِن أصل الصخرة الشريفة ثم يتفرق في الأرض.

ولكن بنو إسرائيل قد فشِلوا في الاختبار فرفضوا دخول الأرض، فعاقبهم الله، وجعل هذه الأرض الطيبة محرَّمة عليهم، ودخلوا في التِّيه أربعين سنة؛ فكان كلما خرج واحدٌ منهم يتيه في الأرض، فلا يهتدي أن يرجع حتى يموت، وأما المؤمنين فلا يموتون وإن تاهوا، وهذا ما تحدث عنه القرآن الكريم، حيث قال تعالى على لسانهم: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة: 24].

ثم دعا عليهم موسى فعاقبهم الله لخذلانهم؛ قال سبحانه: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ۝ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: 25، 26].

ولم يكتب الله تعالى لموسى عليه السلام أن يدخل بيت المقدس، ولكنه دعا الله أن يُدفن بأطرافها؛ لشدة تعلقه بها؛ فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صكَّه، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يُريد الموت، فرد الله عليه عينه وقال: ارجِع، فقل له يضع يده على متن ثور فله بكلِّ ما غطت به يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب، ثم ماذا؟ قال: ثم الموتُ، قال: فالآن، فسأل الله أن يُدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر"، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره، إلى جانب الطريق، عند الكثيب الأحمر».

فبهذا يظهر أن مروره بهذه الأرض كان من الجوار من دون أن يدخلها، ومع ذلك فإن علاقته عليه السلام بهذه الأرض تُظهر مكانتها، وعظمتها، وبركتها.

 

المراجع:

  • تاريخ الطبري، 1/ 436، ط. دار التراث.
  • المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي، 1/ 376، ط. دار الكتب العلمية.
  • كنز الدرر وجامع الغرر، للدواداري، 2/ 228، ط. الحلبي.
  • مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، لسبط ابن الجوزي، 2/ 106، ط. دار الرسالة العالمية.
  • الكامل في التاريخ، لابن الأثير، 1/ 173، ط. دار الكتاب العربي.
  • البدء والتاريخ، للمقدسي، 3/ 87، ط. مكتبة الثقافة الدينية.

مما يميز مدينة القدس خصوصًا ودولة فلسطين عمومًا عن كثير من غيرها من المدن أو البلدان، أن الله تعالى اختصها وجعلها موطنَ التقديس والتطهير، ومنبع البركات، وأرض النبوات، ومهبط الرسالات، فقد اختصها سبحانه وتعالى بكثير من الخصائص، فكانت موئلًا للسادة الأنبياء ومستقرًّا لأجسادهم الطاهرة في حياتهم البرزخية، ولا يخفى أن هناك تلازمًا بينها وبين الأنبياء، فهم سكنوها لكونها مباركةً، وهي ازدادت ببركة سكناهم على أرضها؛ فلذا يظهر لنا سبب اتخاذهم لها موطنًا يسكنون ويُدفنون فيه، في نفس الوقت الذي يظهر فيه مدى ما تركوه فيها من بركات ونفحات في حياتهم وبعد مماتهم.


كان لتاريخ بناء المسجد الأقصى المبارك أثرٌ في عراقته من جهة، وقدسيته من جهة أخرى، وأهميته ومكانته من جهة ثالثة؛ لأن أول بناء للمسجد الأقصى كان لأبي البشر آدم عليه السَّلام، وما بعد آدم من بناءات لقبلة المسلمين الأولى كان بناءَ تجديدٍ لا بناءَ استحداثٍ؛ كما هو حال الكعبة المشرفة قبلة المسلمين الحالية.


لا يمكن أن يوصف استقرار سيدنا سليمان عليه السلام بفلسطين بأنه مرور بها، إذ العلاقة بينه وبين هذه البلاد أعمق من ذلك بكثير، وذلك لما شهدته هذه البلاد من سيدنا سليمان عليه السلام من عطاءات ومواقف حياتية استمرت عشرات السنين.


بدأ هذا الفتح حينما حاصر المسلمون بيت المقدس؛ لأنهم طلبوا أن يدخلوا، ولكن منعهم الرهبان الذين أصروا على ألا يدخل إلا الرجل الموصوف عندهم، وحينها قال قائد الرومان أرطبون في فلسطين لا يفتح هذه البلاد إلا رجل صفته كذا وكذا، وأخذ يصف سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وحينما أرسل كل من عمرو بن العاص وأبي عبيدة بن الجراح إلى أمير المؤمنين يقصون عليه الأمر، استشار الناس، فأشار عليه سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن يخرج إلى فلسطين، فسمع له أمير المؤمنين، واستخلفه على الناس.


مما ينبغي على المسلمين اعتقاده اعتقادًا لا يخالطه أدنى ريب أن نصر الله قريب، وأن الله سبحانه وتعالى سيفتح على المسلمين المسجد الأقصى لا محالة، طال الزمان أو قصر، كثر الطغيان أو قل، وأن هذه البلاد المقدسة ستكون محل خلافة المسلمين، وأن بلاد الشام، ومصر، وهذه الدول لابد أن الله تعالى سيرعاها، ولن يتركها، وأن اشتداد الكربات، وازدياد الأزمات لا ينبغي أن يؤثر على اعتقادنا وثقتنا في البشارات والوعود التي نطقت بها نصوص الشريعة الإسلامية الغراء.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 25 أبريل 2025 م
الفجر
4 :44
الشروق
6 :17
الظهر
12 : 53
العصر
4:29
المغرب
7 : 29
العشاء
8 :52