04 فبراير 2024 م

أسباب وآثار مرور الأنبياء عليهم السلام على فلسطين

أسباب وآثار مرور الأنبياء عليهم السلام على فلسطين

مما يميز مدينة القدس خصوصًا ودولة فلسطين عمومًا عن كثير من غيرها من المدن أو البلدان، أن الله تعالى اختصها وجعلها موطنَ التقديس والتطهير، ومنبع البركات، وأرض النبوات، ومهبط الرسالات، فقد اختصها سبحانه وتعالى بكثير من الخصائص، فكانت موئلًا للسادة الأنبياء ومستقرًّا لأجسادهم الطاهرة في حياتهم البرزخية، ولا يخفى أن هناك تلازمًا بينها وبين الأنبياء، فهم سكنوها لكونها مباركةً، وهي ازدادت ببركة سكناهم على أرضها؛ فلذا يظهر لنا سبب اتخاذهم لها موطنًا يسكنون ويُدفنون فيه، في نفس الوقت الذي يظهر فيه مدى ما تركوه فيها من بركات ونفحات في حياتهم وبعد مماتهم.

وقد تحدث القرآنُ الكريم عن هذا الأثر، وبيَّنه بوضوحٍ شديد، كما في قول الله تعالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 71]؛ وهذا حديث عن سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهو خطاب يُظهر لنا مدى أثر بركة هذه الأرض المقدسة، وكيف أنها احتضنت الـمُباركين من الناس، كأبي الأنبياء، عليهم جميعًا السلام.

ومما يُظْهِر لنا أسباب وآثار مرور الأنبياء عليهم السلام على فلسطين، أنها كانت الأرض التي يُبعثون منها، فمن ذلك أنه قد قُرأت على أرضها الكتب السماوية الأربعة المنزلة من عند الله: (التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان)، وقد زادها المولى سبحانه وتعالى بركة وشرفًا ورفعة وتقديسًا بأن جعلها محطَّ مسرى خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى رب العالمين، كما قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء: 1]، وبها أمَّ النبيُّ صلوات ربي وسلامه عليه جميعَ الأنبياء والمرسلين وصلَّى بهم، فهي أرض مباركة مختصة بالطهارة؛ فلكل هذا تبقى أعظم خصائص بلاد فلسطين أن الله سبحانه وتعالى قد أكرمها بأن جعل ثلةً من الأنبياء يُقيمون بها، ويعيشون على أرضها، وتتوالى خُطاهم المباركة على ثراها.

ولا يخفى أن من أهم أسبابِ هذه السكنى الطيبة أن قد جُعِلَتْ أرضُها خصبة، وأشجارها كثيرةً، وثمارها وأنهارها طيبة، فكان العيشُ لهذه الأسباب فيها طيبًا، ومن هنا طابت لسيدنا إبراهيم عليه السلام، وغيره من السادة الأنبياء الكرام عليهم جميعًا أزكى وأطهر السلام، فاتخذها مستقرًّا لهم وموطنًا لإقامتهم.

فكان لسكن واستقرار ودفن الأنبياء أثرٌ كبيرٌ في تاريخ جميع جهات بلاد فلسطين، ومنها: إطلاق أسماء بعضهم على الأماكن، والمدن، والمساجد، وغيرها ببلاد فلسطين، ومنها: انتفاع أهلها بإرشاداتهم أحياءً، وبركاتهم منتقلين.

المراجع:

  • "تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس"، للعلامة محمد بن الحسن الدِّيار بَكْري، 1/ 86، ط. دار صادر.
  • البدء والتاريخ، لمطهر بن طاهر المقدسي، 3/ 51، ط. مكتبة الثقافة الدينية.
  • قصص الأنبياء، لابن كثير، 2/ 265، ط. دار التأليف.
  • البستان الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان؛ لعماد الدين الكاتب، ص: 72، ط. المكتبة العصرية.
  • مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، لسبط ابن الجوزي، 2/ 180، ط. دار الرسالة العالمية.

إنَّ سيدنا إبراهيم عليه السلام من أهم وأجل الأنبياء الذين مرُّوا بفلسطين؛ لأنه أبو الأنبياء، ولأنه خليل الله، ومعلوم أنه لم يولد بفلسطين؛ لأنه قد اختلفت الأقوال في الموضع الذي وُلِدَ فيه وليس من بينها فلسطين، فقيل: إنه ولد بالسوس من أرض الأهواز، وقيل: ولد ببابل، وقيل: بالسواد من ناحية كوثى، وقيل: بحران، إلَّا أن الجميع اتفقوا على أن مولده كان في عهد نمرود بن كوشن.


مما ينبغي على المسلمين اعتقاده اعتقادًا لا يخالطه أدنى ريب أن نصر الله قريب، وأن الله سبحانه وتعالى سيفتح على المسلمين المسجد الأقصى لا محالة، طال الزمان أو قصر، كثر الطغيان أو قل، وأن هذه البلاد المقدسة ستكون محل خلافة المسلمين، وأن بلاد الشام، ومصر، وهذه الدول لابد أن الله تعالى سيرعاها، ولن يتركها، وأن اشتداد الكربات، وازدياد الأزمات لا ينبغي أن يؤثر على اعتقادنا وثقتنا في البشارات والوعود التي نطقت بها نصوص الشريعة الإسلامية الغراء.


كان لتاريخ بناء المسجد الأقصى المبارك أثرٌ في عراقته من جهة، وقدسيته من جهة أخرى، وأهميته ومكانته من جهة ثالثة؛ لأن أول بناء للمسجد الأقصى كان لأبي البشر آدم عليه السَّلام، وما بعد آدم من بناءات لقبلة المسلمين الأولى كان بناءَ تجديدٍ لا بناءَ استحداثٍ؛ كما هو حال الكعبة المشرفة قبلة المسلمين الحالية.


بدأ هذا الفتح حينما حاصر المسلمون بيت المقدس؛ لأنهم طلبوا أن يدخلوا، ولكن منعهم الرهبان الذين أصروا على ألا يدخل إلا الرجل الموصوف عندهم، وحينها قال قائد الرومان أرطبون في فلسطين لا يفتح هذه البلاد إلا رجل صفته كذا وكذا، وأخذ يصف سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وحينما أرسل كل من عمرو بن العاص وأبي عبيدة بن الجراح إلى أمير المؤمنين يقصون عليه الأمر، استشار الناس، فأشار عليه سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن يخرج إلى فلسطين، فسمع له أمير المؤمنين، واستخلفه على الناس.


تشتمل دولة فلسطين على مجموعة من المعالم التي تدل على قيمة الحضارة الإسلامية المتجذرة في أعماق هذه الدولة الإسلامية العريقة، وإن معرفة هذه المعالم واطلاع المسلمين عليها ودرايتهم بها من الأمور البالغة الأهمية خصوصًا في هذه الآونة التي يحتاج فيها العالم الشرقي إلى مزيدٍ من الوعي التاريخي والحضاري والديني وغير ذلك، وهذه المعالم مما جعل لدولة فلسطين من المزايا ما ليس لغيرها من كثير من الدول الإسلامية والعربية، ولقد سطرت كتب التاريخ، وتناقلت، وأثبتت وصف هذه المعالم، والحديث عنها، وعن تاريخها بحيث لا يُمكن مع ذلك أن ينكر من له أدنى عقل أو أقل حدٍّ من الإنصاف نسبةَ هذه المعالم إلى الحضارة الإسلامية أو شيئًا من ذلك.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 07 يونيو 2025 م
الفجر
4 :8
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 54
العصر
4:30
المغرب
7 : 55
العشاء
9 :27